طباعة هذه الصفحة
الإثنين, 10 آذار/مارس 2014

ما بين حانة ومانه ضاعت لحانا

  جمال حكمت عبيد
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

سـأل الأستاذ طلابه :من منكم لا يعرف هذا المثل؟ {{ بين حانة ومانة ضاعت لحانا }} ...نعم اُستاذ : أنا لا أعرفه

- طيب سأُجيبُكَ عليه :

(تزوج رجل إمرأتين إحداهما إسمها حانة والثانية اسمها مانة ..
وكانت حانة صغيرة في السِّن وعمرها لا يتجاوزُ العشرين، بخلاف مانة التي كان يزيدُ عمرُها عن الخمسين وكان الشيبُ يلعبُ برأسها لعبــا ..
فكان ؛ كلّـما دخلَ الرجـلُ إلى حجرة حانة تنظر إلى لحيته وتنـزع منها كلَّ شعرةٍ بيضاءَ وتقول : ( يصعبُ عليَّ عندما أرى الشعر الشائبُ يلعب بهذه اللحية الجميلة وأنت ما زلت شابًا ). وحينما يذهبُ الرجلُ إلى حُجرة مانة ، تُمسك لحيته هي الأخرى وتنـزعُ منها الشعرَ الأسود ، وهي تقول له :{ يُكدِّرني أن أرى شعرًا أسود بلحيتك وأنت رجلٌ كبيرُ السِّن جليلُ القدر} ، ودام حالُ الرجلِ على هذا المنوال إلى أن نظر الرجلُ ذات يومٍ في المرآة ؛ فرأى في لحيته نقصًا عظيمًا ، فمسك لحيته بعنف متأسفاً، وقال : ( بين حانة ومانة ضاعت لحانا).

أعود لأكملَ سؤالي : هل تعرفون لماذا أخترت هذا الموضوع !

حسناً سأوضّح ذلك ما دامت هناك أيادٍ غير مرفوعة !

أنا لا أقصدُ بالحديث عن هذا المَثل بين إمرأتين ؛ فالأمثال تُضربُ ولا تُقاس ،بل قصدتُ في هذا المثل - حانة - التي تمثّـلُ الشباب، والطموح ،ومانه التي تمثل الماضي، والعزة والافتخار. أراكم أحترتم بما أنوي ان أوصله لكم... أرجوكم لا تتعجلوا .

لقد خُلقنا في هذه الأرض منذ آلاف السنين، وعشنا فيها تاريخاً وحضارةً قديمةً كان لها الفضلُ في بناء حضاراتٍ عريقة، حتى إن البعضَ أخذه الشك، وقال انها حضارة هبطت علينا من السماء... وتمسكّنا بها نحنُ الشعبُ كما تمسّك أجدادُنا بها ولكنَّ الدهـرَ أو الدهور مضت... واليوم نتلفتُ حولنا واذا بنا بين أنقاض وطنٍ خربٍ ومزابلَ تعبثُ بها القططُ الجرباءُ والكلابُ السائبة... أين انت يا وطني... أين اسوارك المنيعة التي دُحرَ الغزاةُ على أبوابها ، أين شعبُك وحضارتُك ، أين شهرزاد وشهريار، أين ألفُ ليلة وليله التي كانت في الأمس قصصاً أمتعتنا بها شهرزاد وحمتنا من بطش سيف جلاد شهريار.

لكننا اليوم أصبحنا تحتَ سيفِ جلادٍ آخر ومن نوعٍ آخر ؛ ففي ليلةٍ واحدةٍ ألفُ رأسٍ ورأسٍ مذبوح ؛تنادي ماذا صنعنا لكي نُذبح ، صابئي مندائي ومسلم ومسيحي والكلُّ يُذبَح. لا أحد يعرف لماذا، هل هي العودة إلى الأفكار القديمة ، أم إنها أفكارٌ جديدةٌ اُدخلت علينا عنوة ؟

فلو إفترضنا و قلنا إنها أفكار قديمة؛ هذا يعني إن مانة العجوز قد بال عليها الزمن ؛ فلم تعد تنفعُ أن تحمي نفسَها، وإذا قُـلنا هذه أفكارٌ حديثة؛فهذا يعني إن حانة الشابة نسيت تاريخَها وحضارتَها، وركضت نحو فكرٍ أفرزَ سموم الكارهين لهذا الشعب ... الكلُّ في بلادي بات مذبوحاً بأسمِ الدّين وعلى الهوية ؛فبالأمس ذُبح آرام وكان شاباً مندائياً يتيماً او تعرفون من ذبحه ! لقد ذبحه صديقة ، وتوما كان يُصلي في كنيسة النجاة ووقع الإنفجار، وعمر صديقي يعملُ نجاراً قتله طفلٌ مراهقٌ في محله... واليوم تمَّ ذُبح الصائغ سمير ياسين وإبنُ خالته فاروق عبدالجبار صديقي، وكوركيس إبنُ عمه كان زميلي في الدراسة، وعلي جاري وصديق طفولتي ، وغداً لا اعرف من سيُذبح ومن سيكون دوره القادم في هذه السلسلة من مسلسل {{ شعبٍ يُذبح }}

وهل سيشمل الذبح الكلُّ كذلك.!

إنها سيولُ الجهلِ الجارفةِ معها أغصانَ الشجر اليابس والأخضر...سوف تتعرى أرضُنا من البشر والشجر ؛ مادامت - مانة - التكفير و -حانة - الجهل والذبح تتحكم في شعبٍ، قيل إن حضارتَه هبطت من كوكبٍ آخر...

الدخول للتعليق