طباعة هذه الصفحة
السبت, 05 تموز/يوليو 2014

مسابقة المقالة - كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه

  فاروق عبد الجبار
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

{{ لقد سمعتُ كـلاماً مـلأ أذني : كـلُّ من يحمـلُ زاداً ويصـلُ المعبر ؛ فسيعبر ، وكـلُّ من لا يحمـلُ زاداً ؛ فسيجلسُ مُرتقِبـاً حتى يشيبَ شعـرُهُ ؛ كمن ينتظـرُ موسمَ الحصـادِ في حقـلٍ لا زرع فيـــــه }}*

لكـلِّ من يَعتِبرُ ، ولكلِّ من يضعُ تعاليمَ دينهِ موضعَ الإهتمام اللازم ، ويضعُ نُصبَ عينيهِ أمــراً واحـدأ محتمَّ الوقوع ؛ ألا وهو : [ الموت ] ؛ فليس هناك من مهربٍ مِما ينتظرُنا من مصيرٍ أبدي ، وإليه يسيرُ العالمُ الفاني بأسره ، من بشرٍ وحشرٍ ، من حيوانٍ ونباتٍ ، هو الفناء والزّوال الأبدي من العالمِ المادي الذي فيه نحيا و نعيشُ في وقتنا الحاضر ، لكن هل يعني الموتُ نهايةَ العالم المادي ! وهل ينقطع ذكرُ من رحـلَ ،أحسناً كان هذا الذكـر أم سيئـا بمجردِ أن يرحل ذلك الإنسان ! ومـاذا يعني هـذا الذهاب الذي لا رجعةَ فيـه ؟ ومن هم المعنيون بهذا الذهاب الذي لا رجوعَ منـــه ! أظن ،إنَّ الجواب سيكون - وبلا شك - نحـنُ البشرُ فقـط المعنيون والمُخاطَبون بهذا الخطاب ،الذي له الوقعُ الشديدُ ، و له الوجودُ الدائمُ في دواخِلنا ونخافُ ذكـرَه ؛ لأنه يعني لنا- وبكلِّ تأكيد - رحيلنُا بأجسادنا وبما نحملُ من الأفكارِ والمعتقدات ، من نوازعِ الخيرِ والشَّر ، ولأننا لا نعلمُ ، ولن نفهمَ كيف تفكّـرُ الحيواناتُ العُليا والدُّنيا على حـدٍ سواء، وماذا سيطرأ على من بقيَّ منها في سلوكها مع بقيّة نوعـها ،وما هي ردة فعلها إزاء من لم يعد موجوداً بينها ذاك الذي إعتادت أن تراه ويراها وهو أو هي غير موجودٍ في محيطه المعتاد ، أسئلةٌ قـد عسر عليَّ ، - ولربما - على غيري إدراكها والوصول إلى كنهها ؛ لأن ذلك سرٌ من أسرار الوجود ، ولقد حاول آلاف العلماء والمُفكّرين من حلِّ لغز الحياة والموت ، الخليقة والعـدم،لكن خابت تجاربهم وبارت تجارتهم.

كتابُ دراشه إد يهيا { مبروخ ومطروس} زاخرٌ بالمعاني ، زاخرٌ بكلِّ ما يَمَسُّ حياةَ البشر ،ويحثّهم ؛ ليكونوا الأصفياءَ الكاملين الصادقين ، التقاة الورعين ؛ لأجـل أن يسودَ العـدلُ والمساواةُ هذا العام المتنوّع المُضطرب والمتلون كحرباءَ مختفيةٍ بينَ أحراش الحياة . لكن - وتبـاً لها- من مفـردةٍ تقلبُ المعاني والأماني ، تقلب الموازين والحواسيب ، وتعكس حالتي النور والظلام ، والشَّكَّ، واليقين ، يا إلهي ، مفردة واحـدة وعجزنا عن إدراك فحواهـا ، فكيف بلغز الحياة والموت !
سؤالٌ صعبٌ ، والإجابة عن هذا السؤالِ العسير، يتطلّبُ منّـا إعمال كلَّ المعارف والعـلوم ؛ لنصل لجـزءٍ يسيرٍ بسيطٍ ، وقـد لا نصل إلى النتيجةِ المبتغاة في معظم الأحيان ؛ لأننا بشرٌ، والبشرُ يعرفون ماضيهَم ، لكنهم لا يعرفـون ماذا سيكون الأمرُ في المنعطفِ القادم بعد لحظة من الزمن !
ولأننا بشرٌ { نخافُ ، نخشى ، نرتعب ، نذعر ،نهاب ، نرهب } وقد تكون هناك مفردات تصفُ حالة نخشاها جميعاً و لا - أعرفها-، بلـى ، نحن نخافُ أن نُعلنَ الحقيقة عاريةً بلا تزويقٍ أو بهرجةٍ مفتعلـةٍ لا ترقى إلى الحقيقة التي نراوغُ في الإجابة عنها ؛ تجنبـاً لمـا لا نتوقّـع حـدوثـه !
لنقـرأ جميعـــاً بعضَ مما موجودٌ في النص الحادي عشر ، وفيه سنجد تساؤلاتٍ نعيشُها نحن الآن بعد مرورِ زمنٍ سحيق على زمنِ الأنبياء الأتقياء الذين لن نصِلَ إلى مستواهم ، مهما اُوتينا من سُبل القوة والمعرفة ،هي تساؤلاتٍ طرحها { سـام بنِ نـوح } (عليهما السلام) - يمكن أن تكون على نفسه - أو أنه يستأنسُ بفكرِ من يجده أهلاً للإجابة عمّا يخالجه ؛ في سبيل تنويره وتعريفه بما سيحدث بعد الموت !
ولنتعرّف الآن كيف واجه سامُ بنُ نـوح سكراتِ الرَّحيـل الأبدي ، عندما أحسَّ بدنو أجله ،وعَلِمَ ألّا مناصَ من مواجهةِ المصير المحتوم بالموت والفناء ؛ ولأنَّ { سام } ؛ وهو من البشر ، فهو لا يعرف الإجابات عمّـا خالجَه من رعبٍ خفيٍّ ، لكنه محسوسٌ ومنتظر؛ لحدوثِ حالاتِ موتٍ أمامه ، ولأن ربَّ الأرباب لم يمنحنا ما نحتاجُ لمعرفته عن الرحيل وما بعـد الرحيل ؛لذا - نتخيـّل - أشياء يُـمكن أن تحدث أو لا تحدث ؛فالحيَّ الأزلي عـوضّنا عن هذا الجهلِ بخيال خصبٍ ، قد يكون مُرضِيـاً ومطمئِنـاً لنوازعنا التوّاقـة للمعرفـة الباحثين عنها دائمـــاً ؛ لنشعرَ بعـدها بالراحـة والسكينـة لأننا فهمنا وأدركنا ؛ وبذا نزعنا من أفكارِنا عاملَ الخوف وإستعملناه لصالحنا ؛من أجل تحليل عوامله ومفرداته لتكون بسيطة مُدرَكة غير مبهمة .

قال سام بنُ نوح بعد أن يممَّ وجهه لربـِّه : (( لقد حان أجـلي ، وألتمسُ الذَّهـابَ ، و يُخيفني الرحيل، ولا أعلمُ كيف سيكونُ طريقي )) { يُخيفني } إنّه إحساسٌ مرعبٌ بالرحيل الأبدي الذي لا عودة فيه ولا رجوعَ عنّـه ، ولا مناص من مواجهته !

ويُكملُ إبنُ الإنسان (( ليس هنالك أحـدٌ من الكيسين أو من المتمردين ، غـادرالحياةَ ثـمَّ عاد كي أسأله عن طريقي ، وكيف يكون ، وماذا قدمتُ للذي وهبني .. ؟ ماذا دفعتُ للذي دفع عني !)) وسؤالٌ يطرح نفسه : عمَّ كان إبنُ الأرضِ يتحدث ! ومن يدفع له أو يدافع عنه ، وهل كان سام في موضعِ المُحرَجِ العاجزِ عن صيانةِ نفسِه من أيِّ أذى قد يلحق به ! هنا تبدو إجاباتُنا قاصرةً مُبتسرة ، ولا تنتمي للواقع بأي شكلً من الأشكال ؛لأننا وببساطة لا نعرف ماذا كان يُعاني ،وماذا كان يعني !
ويُكملُ إبنُ الإنسانِ الشاعـرِ بدنو أجله ((أرتقي طاهراً مُخلِّفـاً النجس ... ليس هناك من أتـى وسأل عنّي ، وقال: إنهضْ كي نتجوّل... ماذا عرفـتُ ؟ وماذا دفعـتُ .)) وسؤالٌ يطرح نفسه [ كيف عَلِم سام بن نوح ] إن الرحيل سيعني ترك سـجن الجسد البالي الفاني والذي أسماه (النجس )، والإنتقال إلى عالمِ الروح ، أو إلى أيِّ عالمٍ آخرَ غيرَ الذي نعرفه ! وكيف تسنّى له معرفة أنه سيكونُ طاهراً و سيخلّف النجس ،تساؤلاتٌ كثيرةٌ والإجابة عنها سيكون أكثر عُسراً لمن لا يملكُ الإجابة مثلي أنا !
وفجأة تبرزُ أمامَ ( سام ) حقيقةَ أمرٍ تجعلهُ يسترجعُ ما قدّمهَ وما تركه ، ما أنجزه وما تقاعسَ عن إتمامه ؛ فيبدأ إبن نوح بتبيان ما أرقّـه وشغل بالـه ؛ فلم يعد يشعرُ بالأمان ؛ فيشرع قائلاً : ( لقد سمعتُ كلاماً مـلأ أُذني : كــلُّ من يحملُ زاداً ويصلُ المعبر ؛ فسيعبر ، وكلُّ من لا يحملُ زاداً فسيجلسُ مُرتقبـاً حتى يشيبَ شعرهُ )
الملاحظ في هذا المقطع أنَّ هناك { واحداً } كان يتكلّم ُويُوصلُ لغيرهِ كلامه ، بمعنى إن الصوت الذي كان يصل إلى { سام } قد يكون إيحاءً ممن له القدرة على الإيحاء ؛ لذا بات يعلم : بأن { من يعملُ خيراً ؛ سيُجازى على عملِه } وهذا ما عناه حين قال ( كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقلٍ لا زرع فيه ) ؛ فبمقدار ما تُحسِن للآخرين سيكون جزاؤك حسن العاقبة المُرضية التي تُوصـلُ حيث يشتهي المرءُ أن يكون بعد الإنتقال من هذه الفانية لكن [ ويالهول لكن] هل كلَّ ما يشتهيه البشر يحصلُ عليه ! أم أن قوانيناً محددةً تحكم ُ هذه العلاقة التي يجب أن تكون بأفضل الصور : أهو إحسانٌ مقابل إحسان ، وعطاءٌ مقابلَ عطاء، وجزاءٌ وعقوبةُ مقابل إساءة وجُـرم ، الملاحظ هنا : إنَّ الحثُّ على عمل الخيرِ غير مُعلن ، ولم يُصرَّحْ به ، بيد إننا نستشفُّ هذه المعاني من خلال معاناة هذا الإنسان المُقبل على الموت، لكن ما هو ذلك المعبر الذي سيُنتظرعند حدوده ،أو يجلس عند تخومه بنو البشر ينتظرون ! وماذا ينتظرون ، وحتام ينتظرون ! وكيف يكون شِكلُ الزاد الذي يجب أن نحمله ، وهل هو من نوعيّة الأكل المعروف في عالمنا الأرضي ! وحسب قناعتي سأقول : أنه العملُ الحسنُ والصَّدقة الجارية ، وزكاةُ الأنفس ، وطهارة القلب ،هي مواد هذا الزاد التي – ربما – عناها سام بن نوح أو لربما عنى أمراً آخر لم أستطع أن أصله ؛ لأني من البشر !

و أترك لكم الإجابة عن سؤال خارج مقدرتي على التخيّل والمعرفة ؛ لأنه ضربٌ من المُحال .
وقبل أُنهي هذا المقال أقـول : تخيّلوا معي ذلك الحقل الذي نريدُ حصادَه ، لكنه يبابٌ خالٍ من أيِّ زرع ،جافٌ فيه الضرع !
{ والحيُّ الأزلي مُقيلُ العثرات، وإليه أنيب ضعفي وحسن نيتي }

المقطع مستلٌ من النص الحادي عشر – دراشا إد يهيا { مبروخ ومطروس }

الدخول للتعليق