طباعة هذه الصفحة
الثلاثاء, 26 تشرين2/نوفمبر 2013

أدب الـحـوار والـمـُنـاظرة

  المحامي عـمـاد عبد الرحيم الماجدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

تحيـّـة صـابئيـّـة

كلن جـابرا اد ابـنا لوات ربـا لادبار لبيت دنيـا متـهيـّب

كل من لايـقـود ابنه إلى المـعـَـلـّم يكون مذنبا في يوم الـدين

 إرتأيت بادئ ذي بدأ أن نقف أولا على بعض التفاسير أو التفسيرات ، أو بعض الشرح أو الشروحات ( لأني أخشى هنا في مجال اللغة أستاذنا مديح الصادق ) لتساعدنا على وصول الغرض من هذا الحوار بعيدين عن الخصومة والتعصب بكل هدوء وتواضع لنصل إلى مايفيدنا جميعاً لخدمة ديننا الصابئي الأول الرابع الحنيف ، فهو أول الأديان السماوية الكريمة ، وواحد من أربعـتها ، فلماذا اتفق علماء هذه الأديان ( بشكل مباشر أو غير مباشر مقصود وغير مقصود ) من التصوير والتأكيد على أن الأديان الثلاثة قـد تنكرت لأخيهم الرابع وهو الإبن البكـر ، الأكبر لأبيهم ( الأب هنا تعبير شرعي مجازي وردت في كثير من النصوص في كتب تلك الأديان الكريمة ) ؟؟؟ 

 أرى أن السبب الأول (الأرأس) إن صح التعبير ، هو عدم قـدرتنا على المناظرة والمناقشة لمن تنـكر لديننا الأول الرابع الحنيف .

بإسم الحي العظـيـم

انـظروا بأعينكم وتفوهوا بألسنتكم واسمعوا بآذانكم وآمنو بـقلوبكم واعملوا صالحاً بأيديكم

لـقد بـسط الرّب حكمته الثابتة وعلمها ورسم لكم طريق الحق فمن لايأتها ويتعلـّـمها يكن خـاطئاً

هـزون باينيكون ومرون بفميكون وشمون بادنيكون ، هايمن بلبيكون ، وكد ماريهون فارشي الفينون هكمتا اد اشرارا ودركلي اد كشطا ادر هيت لامهو ويتـلون ولا ملــفتيلون بيت دينا مهبتون ميتهلتون

تعريف الحوار لغةً

قال ابن منـظور في مجـلـّده الموسوم لسان العرب : ـ 

الحَوْرُ : الرجوع عن الشيء وإلى الشيء 

وهم يتحاورون : أي يراجعون الكلام . إذاً فالحوار هو تراجع الكلام ، والتجاوب فيه 

 تعريف الحوار اصطلاحاً: 

عرف أساتذتنا من أصحاب هذا الفن لكلمة الحوار: مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين ، وذهب فريق آخـر منهم  للقول : بأنه نوع في الحديث بين شخصين ، أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة ، فلا يستأثـر أحدهما بهذا الحـوار دون الآخر لتحقق التكافؤ ، ويغلب على هذا الحوار الهدوء ، والبعد عن الخصومة والتعصب ، وهو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه .

 أضع بين يـدي أخي القارئ الصابئي قول نبي الله ورسوله يحيى بن زكريا ( مبارك اسمه ) ، وهي تبين الصفات التي يجب على المتحاور أن يحملها مع أي كان من الناس .

بإسم الله الحي العظيم

إن الله وهب المختارين الصادقين قـوة وثقة ومعرفة وفهما وحكمة وتمييزاً وعلماً وثباتاً وصلاة وتسبيحاً واجرا وملكاً طيباً وآيات مشرقة ونوراً واتقاناً وطهرا وزكاة وسلاما ومغفرة وتوبة وفكراً وتواضعاً طبقا لدين الله الحي الرحيم الحق

 الفرق بين الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة: 

الجدال : من الجـَـدل ، وهو شدة الفـتـك ، ورجل جـدل إذا كان قوي الخصام ، إذن فأصل كلمة الجـدل في اللغة تدل على القوة والشدة ويقصد بالجـَـدل شدة الخصومة. 

والجدل في الإصطلاح : هو دفع المجادل أو المتجادل خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة ، أو يقصد به تصحيح كلامه ، وهو الخصومة في الحقيقة ( أي أن المجادل مسبقاً قد خطط لدفع خصمه لتخطيئ قوله ، بإفساد حجته ، وتشويه برهانه  بأي شكل من الأشكال )

ويـل لـمـَن يـخـطـّـط ولا يـُخـطـِّـط لـنفـسِـه

وايلا لمدريك دركيا لنافشا لادريك دركا

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في المجادلة : وهي في اصطلاحهم – أي المناطقة – المنازعة ، لا لإظهار الحق بل لإلزام الخصم ، إذن يتبين لنا من أن الحوار والجدال كلاهما يلتقيان في أنهما أو كونهما حديث أو مناقشة بين طرفين ، لكنهما يفترقا حتماً بعد ذلك.

رأس دينك أن لاتدنـّس كلماتك بالكـذب والأباطيل

ريش كشطاك لاتهمبـّل منيلناك وشـقـرا اوكدبا لاتـرهم

أما الجــدال فهو في الغالب أو على الأغلب ، إن لم نـقل في كل الأحوال أو الأحيان هو الرد في الخصومة وما يتصل بذلك أو يتعلق بـه  ، ولكن في إطار التخاصم في الكلام ، فالجدال والمجادلة والجدل ، كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له ، تعصبا خال ٍ حتى من مقوّمات ذلك التعصـّـب .

الفرق بين الحوار والمناظرة: 

هناك توافق بين الحوار والمناظرة إذ أن المناظرة نوع من أنواع الحوار ، ولكن عند الرجوع إلى تعريف المناظرة يتضح أنها تعتمد على الدقة العلمية ، والشروط المنطقية ، أكثر من اعتماد الحوار على ذلك ، فالمناظرة مشتقة في أصل اللغة من النظير أو من النظر

و أمـّـا في الاصطلاح : علم يبحث عن أحوال المتخاصمين ، يكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما

طوبى لمن يأتيه الله المعرفة وويل لمن لايـعرف

طوبى لمن ياديلا ويلا لمن اد هي ربيا لايديـلا

 الفرق بين الحوار والمناقشة: 

ومن المناقشـة ،  النقاش يـرد أيضاً بمعنى : المحاسبة والاستِـقـصاء 

فالمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب ، وتعرية الأخطاء ، وحسابها ، وإحصائها ، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة أحد الطرفين فقط  دون تحققها بالمحصـلـّـة عند الآخـر، والذي يستقصي محصياً ومستوعباً كل ما له على الطرف الآخر

مبادئ وأصول وأهداف الحوار ، وآداب وضوابط  الحوار

علينا التفريق بين (أصول الحوار) و (آداب الحوار) فإن الأصول عند الحوار : هي عبارة عن الثوابت الرئيسية وقـواعدها التي تضبط مسارات الحوار ، أما الآداب عند الحوار فهي طريقة الحوار بين المتحاورين .

المبدأ الأول : على الجميع وأنا أولهم ، أن يدرك من أن أي رأي نساني ( فـِكري ، سياسي ، اجتماعي ، تربوي ، علمي ، رياضي ، فني ، إقتصادي ... واذكر ماشئت فليس هناك قطعية في النتائج وإنما هناك نسبية في تلك النتائج ، وعليّ الآن أن ألجأ إلى من هو أفهم مني في هذا المجال حيث قال أحـد المختصيـّن في النسبي والنسبويـّـة : ـ

يقصدون بالأول ما نسميه نحن النسبية وهو مصطلح علمي كثر استعماله عند عصر ظهور العالم الفيزيائي البرت انشتاين رحمه الله ، والآخـر مصطلح فلسفي يعبر عن رأي من يرى أن القيم و المعارف نسبية غير صالحة للتعميم . و هذا هو ما نطلق عليه مصطلح نسبوية ، فالفرق أن الأول علمي و الآخر فلسفي . الأول يدل على استحلة معرفة الأشياء على ما هي عليه أي ماهيتها و الأخر استحالة وجود قيم صالحة لكل مكان و كل زمان .

 علينا ومن المهم أن نعرف في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ ، والذين لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء ( مباركـة أسماؤهم ) في سـننهم من قول أو فـعل ، وما يبلغونه لتابعيهم من الناس عن الله الحي القيـوم من شرعة وتشريع ، وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة للإمام الشافعي رحمه الله حيث قـال :

رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. 

ومن خلال ماتقدم يمكننا القول  أن الـحاور الناجح هو أن ينتهي أحد الطرفين إلى مايعتقده الآخـر من قول ، وإن تحقق مثل هذا القول أو تلكم النتيجـة  فهذا من ثمار النجاح ونتيجة لنجاحيـّـة أو نجاح هذا التحاور .

 المبدأ الثاني : أن يراد بالحوار إظهار الحق والوصول إليه إرضاءً لله والضمير والقيم ، وهذه الرغبة يجب أن تتوافر أو على الأقل تتواجد في عقـْـلـْي الطرفين المتحاورين لا أن تكون الغاية مجرد الإنتصـار وحب الظهور (شـگ المجـلِس عـَرض ) 

 المبدأ الثالث : أن يكون هناك تكافؤ بين المتحاورين ، أي أن يكونا متقاربين في المحصلـّه العلمية والثقافية ، وفي الإدراك والعقل والفهم ، وإلا فإن الغلبة وبشكل حتمي ستكون للجاهل ، وسيضيع الحق في هذه المناظرة ، أو من خلالها ، ولا يظهر هذا الحق للمتحاورين ولا للحاضرين ، مستشهدا بعد إذنك أستاذي بروفسور صبيح ثانية بما قاله الشافعي رحمه الله : ـ

 ما ناظرت عالماً إلا غلبته ، وما ناظرني جاهلاً إلا غلبني

 المبدأ الرابع : تحديـد الموضوع مـحـل الحوار ، وتحديد نقطة الاختلاف كان أحد الفقهاء إذا ناظره إنسان في موضوع التحاور وانتقل إلى غيره ، يقول مانصـّـه : 

نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد

 المبدأ الخامس  : العلم والتمكن والدراية ، فلابد للمحاور أن يكون عارفاً ، عالماً ، متمكنـاً ، محيطاً بالمسألة التي يريد أن يحاور فيها أو يـحاور من أجلها 

 مبـادئ الحوار ومنها على سبيل الـمـثـال لاالـحـصـر : ـ 

المبدأ الأول : المحاورة بالحسنى ، إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره التزام الحسنى في الـقول ، والمجـادلة

قال الله مسبح اسمه في محكم كتابه العزيز ( جنزا ربـّا ) مانصه : ـ

ابشوميهون اد هيي ربي 

ابغوا واحبوا اسم الله وكتابه وكلامه وهبوه تسبيحـاً ، مولاكم ملك الأنوتر العلي الذي انبعث من ذاته : كد بياتولا ورهمتولا اشما وكتابيا وميمرا وتشبيهتا اد اهبلون ماريكون ملكا راما اد انهورا اد من نافشيا هـوا .

 المبدأ الثاني : الحلم والصبر

أن يتلى المناظر أو المحاور بالحلم أي حليماً ، وأم يكون صبوراً إثناء حـوره أو مناظرته . 

قال نبينا الكريم يحيى عليه السلام : 

رأس حلمك الا تتكبر ولاتكن غضوباً مـريـداً : ريش نيهوتاك ربوتا لاتيصاب ولا تـرجز ولا تهويا مردا

بإسم الله الحي القيوم

أيها المختارون المسلمون كونوا لطفاء وليرحم أحكم الآخـر بالحق وستصعد رحمتكم إلى باريكم : يابهيرا وشلمنيا هون ميكيا ومكيكتيا واتقرون ابهيرا وكشطا ومهمنيا رهوم هداديا ابكشطا واسق رهميتكون الريش .

 المبدأ الثالث :  التواضع بالقول والفعل ، فيجب على المحاور أو المناظر أن يكون متواضعا إثناء المحاورة أو الـحوار والمنظرة ، وتجنبـّـه عن ما يدل على العجب والغرور والكبرياء 

كونـوا لطفاء تجاه معلميكم من ذوي الحكمة والثبات ولا تتكبـرّوا عليهم : هون نهوا ومكيكا لوات ملفاني كينيا هكمت واشرارا ملفيلون لاتصبون ربوتا اليهون

 المبدأ الـرابع : حسن الاستماع ، إن كثيراً من الناس يفشلون للأسف في ترك أثر طيب في نفوس من يحاورونهم أو يناظروهم  ، ويتأتى ذلك من كونهم لايصغون إليهم بدقـة واهتمام ، إنهم يـركزون ويحصرون همهم على ماسيقولونه لمحاورهم أو مناظرهم ، فإن تكلم المستمع لـهـُم لم يلقوا له إهتماماً أو بالا ً، علماً بأن أكثر الناس ـ كما قال أصحاب الإختصاص ـ يفضلون المستمع الجيد على المتكلم الجيد ، وبراعة الاستماع تكون بالأذن ، وطرف العين ، وحضور القلب ، وإشراقة الوجه ، وعدم الانشغال بتحضير الرد ، متحفزاً متوثباً ، منتظراً إتمام حديث صاحبه

قال نبي الله ورسوله يحيى بن زكريا : رأس تدريسك الا تـدرس من لايصغي اليك : ريش دراشتاك لاتمر مندام لاداتليا 

كما جاء في كتابنا المنزل المقدس : جنزا مبارك اسمه : وإن رأيتم طيباً فخذوا من حكمته وإن رأيتم سيـّئاً فاحذروه وحيدوا عن دربه ولا تعملوا أعماله ولا تـمرّوا بطريقه  ، انـظروا واسمعوا بإيمان وتقبلـّـوا أحكام ربـّكم : هازيتون طابـا اد سـبر هكمتا هازيتون بيشا ادهيكم لبيش رهق منا ولا تزجون بدركا ولا تبدون من ابيداتا ولا تزجون ابدركا ، هرون وشوما هايمن واقبل لمنيلات ماريكون .

 الـمبدأ الـخامس : العدل والإنصاف

أن ييشـعر الطرفين ( المنظر والمحاور بموجبات العدل ومـزايا الإنصاف ) .

قال نبي الله ورسوله : رأس حكمتك أن تحاكم نفسك : ريش تريصتاك انت دين نفشاك

رأس إيمانك الا تدنـّس كلماتك بالكذب والأباطيل : ريش كشطاك لاتهمبـل منياناك وشقرا وكدبا لاتـرهم .

رأس ثباتك أن لا تخالف الكلمات التي تقولها أنت : ريش شرارا لاتهلاف منيلتاك بلاو ديلاك .

 وخلاصة ماذهبنا إليه استنادا لما استشهدنا به من أصحاب الإختصاص من العلماء الأعلام وذوي الشأن بهذا المذهب أن المناظرة والحوار لفظان يتفقان في أمور ، ويختلفان في أمور أخرى . والفـرق بين الحـوار والمنـاظـرة ، أن المنـاظـرة تقـوم على التضـاد ، أمـا الحـوار فـلا يشتـرط فيه التضـاد ،  وفي العموم ، فإن أحد هذين اللفظين أكثر أدباً ورُقياً من الآخر، كما أنه أسرع وصولاً إلى قلوب الآخرين ، فضلاً عن أنه ينم عن رغبة حقيقية للوصول إلى الحق والانتصار له ، وليس الانتصار للذات وإبراز العضلات وإفحام الطرف الآخر .كما أن الجـدل والمنـاظـرة والمنـاقشـة ، تشترك مع الحـوار في المعنى اللغـوي أمـا في المعنـى ا لإصطـلاحي فهنـاك فـروق بينهم  . والفـرق بين الحـوار والجـدل من أن الجـدل فيـه خصومـة ، أمـا الحـوار فـلا يشترط وجود الخصومـة. أما الفـرق بين الحـوار والمناقشـة ، أن المنـاقشـة تقوم على المحاسبـة وبيـان الأخطـاء ، أما الحـوار فإنـه لا يقـوم على بيـان الأخطاء فقـط .

 لــذلك أرجـو وأتوسل ، من أخواني المتداخلين في أية محاورة أو مناظـرة من الصابئة وغـير الصابئة ، الـسعي لإظهار الـحـقيقة وفق اشتراطات التحاور والتناظـر التي ذكـرها أصحاب هذا الفن ، والله الحي القيـوم من وراء القـصـــــد. 

 

الدخول للتعليق