• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الأحد, 05 تموز/يوليو 2020

الكتابة المسمارية

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

نشأتها .... تطورها .... أنتشارها

لم يكن أبتكار السومريون لأقدم أسلوب للتدوين في تاريخ الحضارات القديمة حدثاً عارضاً في التاريخ الأنساني ، بل أعتبر و بحق واحداً من أَعظم الأنجازات الحضارية في تاريخ البشرية وضع حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين من مراحل التطور الحضاري . حيث أنتهت مرحلة عصور ما قبل التاريخ لتبدأ بعدها مرحلة العصور التاريخية . و قد حدث هذا الأنجاز الرائع في مدينة (الوركاء) ، وتحديداً الطبقة الرابعة منها في الدور المعروف بأسم (جمدة نصر) الذي يؤرخ بحدود 3200 ق.م ، ليكون مكملاً و متوجاً لثورة الأستيطان المدني التي حدثت في هذه المدينة عند منتصف الألف الرابع ق.م . حيث كان الدافع أليه الحاجة لتوثيق الواردات الأقتصادية للمعابد التي كانت المحُركة و المُسّيرة لدفة المجتمع آنذاك . و قد عرف هذا الأسلوب من التدوين أو الكتابة بأسم (الكتابة المسمارية) نظراً لأشكالها التي تشبه المسامير، علماً أنه لايصح أطلاق هذه التسمية على المراحل البدائية الأولى من هذه الكتابة ، بل في مراحلها اللاحقة فقط بعد أن أصبحت العلامات المكتوبة تأخذ الأشكال أعلاه نتيجة شكل و طريقة الكتابة بالأقلام المعمولة من القصب على ألواح الطين الذي أصبح المادة الأساسية للكتابة ، لتوفره وخفة وزنه و أيضاً لسهولة تشكيله بأشكال و أحجام مختلفة حسب الحاجة . كما أنه تمت الكتابة على الحجر و مواد أخرى أيضاً .

لقد مرت (الكتابة المسمارية) بثلاث مراحل تطورية قبل أن تصل الى مرحلة النضوج التي أمكن للكاتب من خلالها توضيح أفكاره المختلفة . و قد سميّ الطور الأول أو البدائي منها ب(الطور الصوري) و فيه كان يتم كتابة الأشياء برسم صورها فقط ، لذلك كانت الكتابة في هذا الطور محدودة الأستخدام و لم يتم بها تدوين لغة معينة ، و أنما كانت مجرد جداول نقشت فيها أشكالاً لحيوانات ومنتوجات زراعية و أدوات عمل كانت تمثل الواردات الأقتصادية للمعابد (كما أسلف) حيث عثر على تلك الكتابات . ومن المرجح أن الأختام المنبسطة التي أبتكرها أنسان وادي الرافدين في مطلع الألف الخامس ق.م و ما كانت تظهره من أشكال على الطين عند الطباعة هي التي أوحت لأبتكار هذا النوع من الكتابة .
و في فترة عصر فجر السلالات الأول 3000_2800 ق.م دخلت الكتابة طورها الثاني الذي سميّ (الطور الرمزي) ، و فيه لم يعد رسم الصور السابقة يقصد به معناها المجرد و أنما معان أخرى جانبية مشتقة منها .... مثلا ًترسم صورة الشمس للتعبير عن الضوء أو الحرارة أو النهار ، أو يكون رسم صورة القدم للتعبير عن المشي و الحركة ، و صورة النهر للدلالة على السقي و الأرواء . وغيرها من المعاني الكثيرة الأخرى . كل ذلك أدى الى أستخدام عدد هائل من العلامات وصل في هذه الفترة الى ما يقارب 3000 علامة ، و هو عدد لم يكن الألمام به بالأمر اليسير طبعاً . و من الجدير ذكره هنا و لعدم نضوج أسلوب الكتابة في الطورين السابقين فأنه يُفضل تسمية فترتهما 3200_2800 ق.م بالفترة الشبيهة بالكتابية أو الشبيهة بالتاريخية .
دخلت الكتابة طورها الثالث الذي سميّ (الطور الصوتي) في عصر فجر السلالات الثاني 2800_2600 ق.م ، و هنا أستخدمت العلامات ليس من أجل معناها الصوري أو الرمزي و أنما لتمثل مقاطع صوتية لتدوين اللغة المحكية ، فكانت تجمع العلامات التي تمثل تلك المقاطع لتشكيل كلمات منطوقة . ويقصد بالمقطع الصوتي هنا (صوت علة+صوت صحيح وبالعكس)... مثل (كي) أو (لو) أو (شا) وغيرها ، أو أن يكون المقطع الصوتي (صوتين صحيحين بينهما صوت علة و بالعكس)... مثل (ليل) أو (كًال) أو (لام) و غيرها ... وبتجميع تلك المقاطع يتم تكوين الكلمة المدونة .. مثل القول في السومرية ...(لو_كًال) و تعني (مَلك) ، (كا_لام) وتعني (أقليم أو بلد) ، (أين_سي) وتعني (أمير) ، (كا_شي_تين) وتعني (خمر) ، (سان_كًا) و تعني كاهن . و مثل القول في الأكدية ... (شا_ار) وتعني (مَلك) ، (أي_لو) وتعني (إله) ، (ما_ات) وتعني (بلد) ، (ما_ار) وتعني أبن . وغير ذلك من الكلمات . و قد صاحب هذا التغيير في مدلول العلامات تغير في شكلها أيضاً ، حيث أخذت تفقد شكلها الصوري القديم تدرجياً لتأخذ أشكالاً أخرى محورة عنها . و يرجع السبب في ذلك الى كون الطين و هو المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة كان غير ملائم لرسم صور الأشياء لكنه ملائم جداً لنقش علامات بشكل خطوط مستقيمة ، وذلك بضغط طرف القلم ذو الرأس المثلث و المعمول من القصب أو الخشب قليلاً على وجه اللوح فتتكون نتيجة لذلك خطوطاً أفقية و عمودية و زوايا مائلة ، و كان الشكل المثلث لطرف القلم قد أعطى تلك الخطوط رؤوساً تشبه المسامير ، ومن هنا أخذت شكلها و ميزتها و تسميتها المعروفة . وقد أختزل عدد كبير من العلامات في هذا الطور ليبقى ما مستخدم منها حوالي 800 علامة ، ثم الى عدد أقل في الفترات اللاحقة . و بهذه الطريقة أصبح بمقدور الكاتب تدوين لغته المحكية و أفكاره و معتقداته و أنجازاته الحضارية . فكتب على ألواح الطين مختلف شؤون الحياة .. ادب ، فلك ، طب ، نصوص قانونية ، نصوص دينية ... وغيرها الكثير . وقد كشفت التنقيبات الأثرية على آلاف الألواح المسمارية في معظم مدن وادي الرافدين مما جعلها الحضارة الأكثر غزارة بنصوصها المكتوبة المكتشفة مقارنة ً بالحضارات القديمة الأخرى . و يعود الفضل في ذلك الى قابلية الطين (المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة) على مقاومة عوامل الزمن خصوصاً أذا تعرض للفخر ، لتصل ألينا و تكون مرآة تعكس واقع حياة شعب الرافدين و شعوب منطقة الشرق القديم قبل أكثر من 5000 سنة .
أن مايجدر الأشارة و التنويه أليه هو أن البعض يعتقد خطأ ً أن الكتابة المسمارية هي لغة ، حيث ترد أحياناً للأسف عبارة (اللغة المسمارية) وهذا ليس صحيح على الأطلاق ، و أنما هي وسيلة لتدوين لغة محكية معينة . و على هذا الأساس فقد دوّن بهذا الأسلوب من الكتابة العديد من اللغات القديمة ... حيث أستخدمت لتدوين لغتين أساسيتين في وادي الرافدين هما السومرية و الأكدية خلال فترة الألف الثالث ق.م . أما في فترة الألف الثاني ق.م فقد غلب عليها التدوين باللغة الأكدية بلهجتيها البابلية و الآشورية ، بعد أضمحلال اللغة السومرية نتيجة أنحسار دور السومريين السياسي . كما أنتشرت الكتابة المسمارية الى مناطق واسعة من الشرق القديم و أصبحت بالرغم من صعوبتها وسيلة التدوين الرئيسية هناك . و قد ساعد هذا الأنتشار على أنتقال العديد من الأوجه الحضارية الرافدية الى تلك المناطق و خاصة المعتقدات الدينية و النتاجات الأدبية . ففي بلاد أيران أستخدمت الكتابة المسمارية لتدوين كلا ً من اللغتين العيلامية و الفارسية منذ منتصف الألف الثالث ق.م و حتى الألف الأول ق.م . كما أستخدمها (الحثيون) في أسيا الصغرى لتدوين لغتهم خلال الألف الثاني ق.م . وفي فترة مبكرة نسبياً أنتقلت الى بلاد الشام ، حيث أكـتشفت في مدينة (أبلا) القديمة آلاف الألواح المسمارية التي دونت بها لغة أهل المدينة خلال منتصف الألف الثالث ق.م . كما أستخدم الكتابة المسمارية كلا ً من (الحوريين) و(الميتانيين) اللذين أستوطنوا شمال سورية لتدوين لغتيهما خلال الألف الثاني ق.م . كما وصلت هذه الكتابة الى بلاد (الأورارتو) في أرمينيا لتدوين اللغة (ألأورارتية) في مطلع الألف الأول ق.م . وخلال النصف الثاني من الألف الثاني ق.م أصبحت الكتابة المسمارية الوسيلة الرئيسة لتدوين المراسلات و الوثائق الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك و حكام وادي الرفدين و وادي النيل و بلاد الشام و أسيا الصغرى بعد أن اصبحت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية اللغة الدوبلوماسية الأولى في منطقة الشرق الأدنى القديم . وكما تبين ذلك رسائل (تل العمرنة) في وادي النيل
، حيث كشف هناك عن مئات الرسائل المدونة عى ألوح الطين بالخط المسماري و باللغة الأكدية البابلية ، و التي أوضحت طبيعة العلاقات السياسية بين تلك البلدان خلال تلك الفترة.
لقد دعت صعوبة الكتابة المسمارية المقطعية و شدة تعقيدها و كثرة علاماتها الى البحث عن طريقة أسهل للتدوين . فبدأ الميل نحو الكتابة الهجائية الحرفية التي كان قد أبتكرها الفينييقيون في منتصف الألف الثاني ق.م ، و طورها بعدهم الآراميون لتصبح الوسيلة البديلة خلال الألف الأول ق.م في منطقة الشرق القديم . وكان ذلك أيذاناً بنهاية الكتابة المسمارية التي أخذت بالأنحسار تدريجياً ، والتي أقتصرت على تدوين بعض النصوص الدينية داخل المعابد لقدسيتها . حتى أنقرضت تماماً في منتصف القرن الأول الميلادي، وهي الفترة التي وصل ألينا منها آخر لوح مسماري.

الدخول للتعليق