• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 23:38

هل تأثر المغاربة بدين الصابئة؟

الحفر في الأوساط السوسيوثقافية المغربية يكشف عن بقايا المعتقدات القديمة. وربما يفيد ما تحويه من قيم التسامح والثواب في الحد من قيم العنف والإرهاب أو التقليل منها. فالمغاربة القدماء, بحكم موقع وطنهم جنوب البحر الأبيض المتوسط وشمال غرب أفريقيا يتعرضون دوما للغزو, لذلك تراهم يبحثون دوما عن قيم التحصين والمقاومة والدفاع الذاتي التي تتجلى في التسامح بين أفراد العشيرة الواحدة ,والتحالف مع أفراد القبيلة أو الكونفدرالية القبلية. لذلك وجدوا في دين الصابئة خير معين لمواجهة أهوال الحاضر والتنظير لما سيحمله الغيب في طياته. و ما كنا هنا لنربط الصابئة بثقافة الخوف التي دعمتها , أيضا, اليهودية الأمازيغية , بقدر ما نود الحفر في النسق القيمي المعياري المغربي والكشف عن وجهه المتعدد.ولأن سلاح ا الحاضر لا يختلف في شيء عن سلاح الماضي مادام المغاربة يقاومون الغزو الثقافي ويبحثون عن قيم تمكنهم من الصمود,فإن النبش في المسكوت عنه أولى من البحث في النصوص التي يصدرها المشرق للمغرب والإيديولوجيات التي تأتي من الغرب الاستعماري.

تتجلى الصابئة في مظاهر متعددة يصعب القيام بمسح جغرافي لبيان مواطنها ففي الأطلس الكبير الشرقي نجد الأورنيطومانسيا Ornithomancie وهي ممارسة صابئية تعود إلى العصر التاريخي القديم(1).ولقد تعايشت الصابئة وأجواء الإسلام منذ الفتح إلى عصر الطرقية وتأسيس الزوايا التي ساهمت, بشكل واسع , في تأطير المجتمع المغربي وصيانته وتحصينه .إن صمود الصابئة كديانة وكطريقة مؤسس على بعض الآيات القرآنية منها مثلا( إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من امن بالله واليوم الأخر فلبهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ) (2).أما الموقف الذي تضمنته إحدى الأحاديث التي تخرج من الإسلام كل (من تطير أو تطير له ) فلم يصمد كثيرا في المغرب البلد الذي يكيف الدين ليناسب مضمون الثقافة العالمة. وفوق ذلك لم يربط الحديث الرافض للتطير والسحر والتكهن هذه الممارسة بالصابئة, ولم يحدث أن انهزمت ديانة فرضت نفسها في النسق الثقافي المغربي ولها حصتها في الممارسة اليومية والمناسباتية. إن ما يحدث حينما يشتد الصراع بين القديم من القيم والأفكار والحديث منها أن القديم يمارس في الخفاء ليترك المجال الواضح للحديث ليمارس فيه.لذلك أن حضارة الغالب حينما تسود , يظهر المغلوب تأثره بها حفاظا على سلامته وأمنه .لأجل ذلك تجحد معظم الديانات (ظلت تحافظ على وجودها مستترة من بربرية ( أمازيغية ) وفينيقية ويهودية ومسيحية إلى جانب الديانة الشعبية اليوم والدين الرسمي الإسلامي (3) ).

1- الصابئة ممارسة مناسباتية

هناك ممارسة ذات ارتباط بالصابئة أتباع النبي يحيى أو يوحنا المعمدان.فطقوس عاشوراء مازالت تحوي مظاهر التعميد الجزئي كالرش بالماء المرتبط باليهودية الأمازيغية إلى جانب التعميد الكلي للعرائس. وللتعميد أشكال متعددة فهناك تعميد ما قبل ليلة الدخلة ,حيث تغسل العروس بدنها, ربما لأول مرة, وتلبس زي امرأة. فالتعميد على شاكلة الصابئة يشكل قطيعة بين مرحلتين فيزيولوجيتن مختلفتين, الطفولة والشباب,أ وبين هيئتين مختلفتين ثقافيا التخلي عن زي البنت لارتداء لباس المرأة (4). وهناك تعميد آخر يصادف عاشوراء بواسطة ماء منسوب للنبي نوح (5) و هناك من يشاء أن ينسبه للنبي موسى لأن طقوس عاشوراء تناسب أيضا نجاة اليهود من الغرق ,أو بالأحرى انتصارهم على فرعون . وهناك تعميد ذو ارتباط بالمزارات المائية والنباتية والصخرية وله أشكال متعددة في حاجة إلى الرصد والتوضيح. ولما كان التعميد مناسباتيا فإنك تلمس في بعض الأوساط نساء يغتسلن مرتين في حياتهن الأولى يوم دخول بيت الزوجية والثانية قبيل دفنها في القبر.وبالمقابل هناك أوساط منعزلة لا ترى مبرر الاغتسال إلا إذا تعلق الأمر بجنابة الزنا. صحيح أن الكثير من هذه الطقوس في طريق الانقراض ابتداء من منتصف السبعينات من القرن الماضي لكن الحاضر منها لا يزال يظهر الوجه الثقافي المتعدد للمغرب.

2- طعام الثواب بين ديانة الصابئة والثقافة الأمازيغية

ماتزال معظم القبائل تهيئ طعام الثواب , ومكوناته خليط من الحب يصدق ترحما على أرواح ضحايا النبي نوح(6) وإعداد غذاء الثواب في الثامن من الشهر الهجري محرم ممارسة تعود إلى الصابئة. يوزع طعام الثواب بقرية زاوية سيدي بوكيل , غرب الريش , شمال إقليم الرشيدية على الأطفال , ويسمى ( بويانو ) وهي كلمة مركبة من(بويا )وتعني بالصابئة ) الأرامية ) (7) الحبة و(نو) تفيد بالأمازيغية النسب. يطوف الأطفال لطرق أبواب المنازل طلبا لطعام الثواب (بويانو ) مرددين النشيد التالي بالأمازيغية :

Buya nu

Assa nu

Ixes n'wadife

Taqrumte inu

تفسيره:

حبتي, حبتي,

عليكم سلامي

عظم زهم

هديتي من فضلكم

وللإشارة فإن لفظ( أسا) بالصابئة الأرامية السلام والعافية (8). ولسكان واد تودغة إ أعني القرى المحيطة بمركز تينغير والمجاورة للانكسار الأطلسي الجنوبي ) نظام آخر لإعداد طعام الثواب حيث يطوف الأطفال بأزقة القرى طلبا للحب الجاف. وحينما ينهون جولتهم يعرضون ما جمعه من الحبوب المباركة في السوق ويشترون بقيمتها المالية ما يكفي ليطعمهم أسبوعا كاملا يقضونه في منزل الحفل. ويعنينا هنا أن أطفال تودغة يرددون نشيدا مشابها للنشيد المردد في قرية زاوية سيدي بوكيل متنه كالتالي:

Buya nu

Krya nu

Xfaxtide a lalla

Waxa igga arektu

معناه:

حبتي

هديتي

امنحيها لي يا سيدتي

ولو كانت عجينا

ولا عجب في تشابه الطقوس في القرى المتأثرة بالديانات القديمة من يهودية وصابئة غرست في المنطقة الكثير من العادات الغذائية. وإلى جانب غذاء الثواب يحتفل معظم المغاربة بالعنصرة التي تصادف ميلاد النبي يحيى أو يوحنا المعمدان (9). ولايزال يحيى لقب كل الجدات والأمهات التي تصادف من يناديها يوحنا وتجد من يوظف المقطع( يو) فقط وهناك من يطلق عليها( حنا). وباختصار نجد الألقاب المرتبطة بيوحنا المعمدان ترمز إلى العطف والحب والحنان.

3-التطير ممارسة الصابئة

يعد التطير ممارسة واضحة ومكشوفة في معظم القرى الزراعية المغربية. ولاتزال القصص الشعبية والحكايات زاخرة بما للطير من قدرة على رصد الخطر. والتطير أحد العناصر الثقافية التي غرستها الصابئة. ويحتل الدجاج والغربان والبوم مكان الصدارة فيه ممارستها. وللطائر الأمازيغي (بيقشة) حضور قوي في الرجم بالغيب. أما الطيور المهاجرة فلاحظ لها في التطير إذا استثنينا دور الهدهد في الاستشفاء وإزالة السحر. ومن المفيد تفصيل القول في ذلك قليلا.

أ-بيقشة

بيقشة اسم أمازيغي لطائر الأمازيغ بالجنوب المغربي يحمل أسماء متعددة, وله دوي يقرأه الكل قراءة إيجابية في الصباح. فما أكثر الذين بشرتهم بيقشة بقدوم ضيف عزيز أو بحدوث ما يثلج الصدر.وكل من سمع دويها يقول خيرا وسلاما يابشار الخير بيقشة.

ب-الدجاجة المؤذنة

الأصل في عالم الدجاج أن يصيح الديك في أوقات معلومة, في الإبكار وفي الزوال.أما زقاء الدجاجة على شاكلة الديك فصوت مكروه.ومعلوم أن للدجاجة دويا يتخذ أشكالا مختلفة حسب لحظات الخصوبة لدى الدجاج ,فهناك دوي الاستعداد للوضع, ودوي التخلص من وضع البيض وهناك أصوات الحضانة والتفريخ أعني باختصار أن لكل صوت دلالة مناسبة لوظيفة الدجاجة في التكاثر الطبيعي ككائن بيوض. وكل الأصوات طبيعية ومقبولة إلا الصياح. فحينما تصيح الدجاجة تذبح فورا وإلا سيحدث مالا يحمد عقباه في منزل صاحبها. 

ب-البومة 

يتطير القوم بواسطة صوت البومة.ولاغرو فهي طائر الخراب والدمار والهلاك. ولانعتقد أن الأمم الأخرى تخالف المغاربة الاعتقاد فصوت البومة طالع سوء(10). 

ج-السنونو 

يزور السنونو الأطلس الكبير الشرقي في أواخر شهر شتنبر وبداية مارس ويتم التطير به كثيرا. فحينما يطير قريبا من سطح الأرض يستبشرون بقرب سقوط المطر وحينما تصادف يعلو في طيرانه فزرقة السماء ستدوم طويلا وربما يسود القحط والجفاف. ولا نعتقد أن هناك تصورا مخالفا لدى الأوروبيين(11) . 

إن الحضور القوي للتطير يدل على تأثير المغاربة بالصابئة. ولاتزال الهوامش تختزن ممارسة أخرى تستدعي الكشف, قد تختفي في الطقوس الجنائزية والمزارات المائية والنباتية وقد تظهر في الأعراس والختان والحفلات الزراعية. 

لحسن ايت الفقيه

الهوامش: 

1-أنظر الموقع التالي على الأنترنيت: 

www.le carrefourdelislam. com/diabolus/ muthos.

2-انظرسورة البقرة الأية 61, انظر كذلك سورة الحج الأية17وسورة المائدة الأية17

3-عز الدين عناية فاعلية بنى المقدس في المغرب العربي,دراسات عربية , غشت 1998 ص57. 

4-هناك من يفصل بين النوع الجنسي الواحد وفق النمو البيولوجي: الطفل والرشد, البنت والمرأة.ويعد الزواج فاصلا بين المرحلتين كما هو الحال لدى ايت إبراهيم بواد أسيف ملول. 

5- هناك من يرى الرش بالماء بالماء ظاهرة يهودية محضة وهناك من ينسبها إلى النبي نوح. 

6-سليم برنجي , الصابئة المندائيون, دراسة في تاريخ ومعتقدات القوم المنسيين, ترجمة جابر أحمد , دار الكنوز الأدبية , بيروت 1997 ص211.

7-المرجع نفسه ص103. 

8-المرجع نفسه ص97. 

9-انظر لحسن ايت الفقيه: نبات الحرمل بالأطلس الكبير الشرقي: نبتة ساحرة في بناء البيئات المتدهورة أم نبتة سحرية مقدرة في القرى المتخلفة المنهارة, جريدة المنظمة, العدد74-28 غشت 199 ص13. 

Thierry Grain, oiseaux de mauvais et de bon augure ,10- vivre avec les oiseaux n06-10 page 46

Op-cit page 49-11-

 

دراسات حول الأطلس الكبير الشرقي

 هذه المدونة تتناول الأحوال الاجتماعية والثقافية والتنموية لجزء كبير من جبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية. و بالتحديد من غرب مركز إملشيل إلى حدود مركز تالسينت و من أعالي ملوية إلى المراكز العمرانية الحضرية جنوب الانكسار الجنوبي الأطلسي وهي بالتحديد الرشيدية، بودنيب، كلميمة، تنغير. و بما ان هذه الجبال تابعة ثقافيا لمنطقة تافيلالت الكبرى فإن مجال المدونة يمكن أن يمتد ليغطي كل الجنوب الشرقي المغربي.

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:21

هنهنات لغوية : لام التزلف والتزحلق

1- فـُجّرَ.. دُمرَ.. قـُتلَ.. سُرقَ... نـُهبَ

 

كلُ هذا في العراق

 

يا للهول!

 

أهو زمن المبني للمجهول؟

 

2- كلٌ يريدُ أن يكون فاعلا ً

 

أنا، أنت، أنتم، هو، هم، هنَّ

 

نحنُ جميعا فاعلون

 

تـُرى

 

متى نفكر بالفعل؟

 

3- أتعملينَ في العراق

 

يا حروف الجر؟

 

جَررتِ لفظ الجلالةِ

 

فهل تقدرين على جرِّ رئيس الوزراء؟

 

4- كـُثرٌ هم المبنيونَ على الضّم

 

سواكَ أنت منفتحٌ

 

فاحذر أن تقبل الكسرة

 

واحذر إلتقاء الساكنين

 

هكذا تبقى العراق

 

5- كـُنتَ المبتدأ

 

وكنا جميعا لكَ الخبر

 

حتى دخلتْ حروفَ العِجمة

 

فانخســفت الشمس!

 

وانكســـف القمر!

 

6- لا تعملوا جداولا ً بـ

 

الكلمة: معناها

 

فقد غيّروا معانيَ الكلمات

 

صارت حسبما يشتهـــون

 

العراق: العراك

 

7- مزدهرٌ سوق الصفات في العراق

 

بضاعة ٌكاسدة ٌ

 

لندرة الموصوف!

 

8- كلُ شيءٍ في العراق" أكو"

 

كلُ شيءٍ في العراق" ماكو"

 

فهل سألنا أنفسنا:

 

ما حلّ بالصابئة المندائيين

 

أصحاب هاتين المفردتين؟

 

9- بُحّ صوتُ حروفِ النداء

 

وضميرهم ما زال مستترا

 

أواه!

 

لقد استجاب الجماد

 

فهل يعدون أنفسهم بشرا؟

 

10- نعم، أنتَ اسمٌ مرفوعٌ

 

لكن بأي علامة، يا عراق؟

 

أبفتح الأبواب للنهب

 

وكسر الخاطرِ؟

 

11- كلُ الجموع صارت جمعُ تكسير

 

ليس فيهم سالمات.. سالمين

 

صارالكوفيون كفأة

 

وصار البصريون بصاروا

 

فهل هذا هو الدرس الأخير؟

 

12- لم ينصبوا الماء ولا الكهرباء

 

لم ينصبوا الجسر ولا الدار

 

قد أبطلوا علامات النصب

 

فصارت علامة الكلِّ إنفجار

 

13- ساستنا

 

ألغوا جميع اللامات

 

وأبقوا على لام التزلف والتزحلق

نشرت في وجهة نظر

نتابع بحثنا عن الدولة الاّرامية ولغتها الأبجدية الأم التي اشتقت منها ومن ابنتها الشرعية كل لغات المشرق العربي والجزيرة العربية وضولاّ إلى القرن الأفريقي ( اللغة التغرينية والتغري والكوشية اّرامية سريانية بامتياز ) ومصر إلى قرطاج والمغرب العربي الأمازيغي ...
في القرن الخامس عشر وما بعده قبل الميلاد غزا الدولة الاّرامية العديد من الغزاة من الاّشوريين الذين احتلوا عاصمتها اّرام دمشق ودمّروها وأحرقوها مع غوطتها إلى غزوات فرعون مصر رمسيس الثاني ألى غزو البابليين والحثيين .... وحفر كل فاتح وغاز إسمه على صخرة نهر الكلب شمال بيروت التي لاتزال قائمة حتى اليوم رغم كل عاديات عهود الظلام والإغتصاب والإحتلال .... كماغزاها الهيكسوس الذين احتلوا مصر فيما بعد ونهبوها .. وقد صمدت في وجههم مدينة ( اّرام حماة ) عدة أشهر قبل احتلاله وتدميرها في القرن الثامن قبل الميلاد تقريباّ .. وأقام الهيكسوس عاصمتهم شمال مدينة حمص وأطلقوا عليها إسم ( قطنا ) لاتزال خرائبها قائمة مكان قرية المشرفة الاّن ...
وسقطت كل جحافل الغزاة واندثرت وبقي الاّراميون أسياد الحضارة والثقافة إلى جانب الحرفة والزراعة والتجارة التي سيطرت قوافلها وسفنها على أسواق العالم القديم حتى أقصى المغرب وأوربا وبنوا محطاتهم التجارية التي تحولت بسرعة إلى مدن دولة في قرطاج والمغرب ومالطة وصقلية وسردينيا وجزر البليار وغيرها حتى أضحى البحر المتوسط بحيرة فينيقية ... رغم وجود الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية في الغرب والإمبراطورية الفارسية في الشرق وحيوشهم الجرّارة وبقيت اللغة الاّرامية - التي تطورت إلى السريانية بعد الميلاد - لغة هذه الحضارة والتجارة والصناعة تغتني بتطور بنائها الحضاري والإقتصادي التحتي ... في الدويلات الاّرامية اللامركزية تقريباّ وتطورها الإنساني والديمقراطي في بناء السلطة وخصوصاّ في جبيل وصور وصيدا وقرطاج وكنعان وغيرها من مدن الاّراميين وأحفادهم الكنعانيين سكان فلسطين الأصليين والفينيقيين سكان لبنان وسواحل البحر المتوسط الأخرى الذين اعتمدوا النظام الشبه جمهوري لأول مرة في التاريخ والفصل بين السلطات التي تضم الرئاسة المؤلفة من قاضيين : أحدهما يهتم بالإدارة والاّخر بالعدل ويختارهما مجلس الشيوخ لمدة عا م واحد قابل للتجديد على أن صلاحيتهما لاتشمل قيادة الجيش ...... ثم مجلس الشيوخ ومجلس الشعب ...الخ وكان لمجلس الشعب ومجلس المئة المنبثق عنه حق محاسبة قادة الجيش - راجع كتاب – الحضارات – تأليف السيد لبيب عبد الستار - إصدار دار المشرق بيروت – ص 118 وما بعدها - لأن الاّراميين لم يشكلوا سلطة مركزية واحدة متسلطة كما يبدو من اّثارهم رغم الوحدة القومية واللغوية والثقافية بينهم وكانت كل مدينة تتمتع بشبه استقلال لامركزي لها سلطنها المستقلة المنتخبة رغم وجود العبودية الطبقية التي لاتقاس بعبودية الديكتاتوريات الحديثة بعد ثلاثة اّلاف سنة من الدويلات الاّرامية تلك المستقلة عن المركز إدارياّ وإقتصادياّ مع بقاء الدفاع ضد العدو الخارجي مشتركاّ لذلك نرى مثلاّ : اّرام دمشق واّرام حمص واّرام حماة واّرام ( صوبا ) أي عنجر اليوم وأرام كنعان في فلسطين واّرام جبيل واّرام صيدون ...الخ وهذا التطور المجتمعي والسياسي والإقتصادي هو الذي انتج هذه اللغة الراقية المستندة إلى قواعد علمية ثابتة لأول مرة في التاريخ تستند إلى أبجدية محددة وقواعد صرف ونحو مبسطة .. أنتجت أدباّ وفناّ وموسيقا وتقاليد جديدة كما صنعت اّلهة جديدة متطورة سيطرت على العالم القديم دون غزو لتحل محل اللغات القديمة الرمزية والتصويرية والمسمارية والهيروغليفية وغيرها وتضعها في متحف التاريخ ... وأضحى جميع الغزاة السابقين يستعملون اللغة الاّرامية كلغة رسمية لهم ..... وبهذا نستطيع القول كما كان يقال قديما : إن الحضارة اليونانية الهللينية اّسرة لقاهريها ( 13 ) ... فإن الارامية السريانية قاهرة واّسرة لغزاتها
.....؟ ( 14 )
وهنا نلحظ التشابه بين الدويلات الاّرامية التي توجد بينها فواصل إدارية وجغرافية أحياناّ – كالرابطة مع قبرص وقرطاج مع الدويلات السومرية في جنوب العراق والفواصل المائية التي كانت تفصل بينها في أهوار العراق التي ضمت : أور وأروك ولجش والوركاء وغيرها التي كانت كل منها دولة شبه مستقلة رغم وحدة الشعب السومري ولغته وثقافته .... نتج عن كل ذلك نوع من النزعة الديمقراطية البدائية في قلب مجتمع عبودي في هاتين المنطقتين من العالم القديم رغم أن معاول المنقبين وعلماء الاّثار لم تزودنا بالكثير عن البناء الإنساني الداخلي باستثناء ملحمة كلكامش وعشتار واّدونيس وغيرها في الأساطير
ولاتزال اللغة الاّرامية لغة معابد الصابئة المندائيين في العراق وإيران والهند وغيرها حتى يومنا هذا و الصابئة هم أقدم ديانة توحيدية وأول من استعمل كلمة ( مسلمون
, وبسم الله الرحمن الرحيم - ) قبل الإسلام بقرون طويلة ( 15 ) كما كانت موجودة في الجزيرة ومكة التي كان يطلق عليها في التاريخ ( أنديكا ) ولم يطلق اسم الجزيرة العربية إلا في العصر الحديث – راجع العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي –
وبعد تطور الاّرامية إلى السريانية بعد الميلاد وتطور معها إسم الدولة الاّرامية إلى إسم سورية الداخلية والساحلية .. أضحت السريانية اللغة الرسمية ولغة الكنيسة والصلوات ولا تزال مستعملة كلغة شعبية ودينية في شمال العراق وفي منطقة الجزيرة السورية وفي ثلاث قرى في محافظة دمشق هي ( معلولا وبخعة وجبعذين )وفي كنائس السريان والموارنة في سورية ولبنان والعراق وإيران وفلسطين وغيرها ....إلى جانب بقائها لغة شعبية رسمية لفظاّ وكتابة في القرن الأفريقي كما ذكرنا سابقاّ
وبرزت في السريانية لهجتان : شرقية في العراق استعمل الألف في نهاية الكلمة مثل : أب – أبا وأم - أما ... أما في اللهجة الغربية في بلاد الشام تلفظ واو : أب : أبو – أم : امو وفي اللغة السبئية - أب وأم كالعربية وكذلك في اللغة التغرينية والكوشية في القرن الأفريقي ( 16 – 17 )
وكانت السريانية واللهجات المشتقة عنها كأمها الاّرامية لغة الثقافة والعلم والفن والموسيقا والشعر والحضارة .. ويعود الفضل الأول الرهبان والعلماء والمفكرين السريان في صيانة وحفظ الكثير من كتب التراث والعلم في مغاورهم وصوامعهم في شمال العراق كالعلاّمة ( إبن العبري ) و ( الرهّاوي ) و العلاّمة ( الكندي ) وفي جبال لبنان وسورية رغم فقدان معظمها على أيدي الجهلة والإضطهاد الديني المستمر أربعة عشر قرناّ .....
تأكيداّ لوجود السريانية في مكة واليمن مايلي : روي عن محمد بن عمر المدائني في كتابه ( القلم والدواة ) .. قال محمد لكاتبه زيد بن ثابت : أتحسن السريانية ؟ قال لا : قال محمد تعلمها إذاّ . فتعلمها زيد في سبعة عشر يوماّ ( 18 ) و هذا يؤكد انتشار السريانية في مكة ومن الطبيعي أن يكون محمد قد أتقنها سواء أثناء رحلاته التجارية مع عمه أبوطالب إلى دمشق أو من السيدة خديجة صاحبة المال والتجارة التي أصبحت زوجته الأولى بطلب منها كما تؤكد جميع المصادر الإسلامية - او من عمها ورقة بن نوفل الذي كان رئيساّ للدين على المذهب النسطوري الذي كان سائداّ في مكّة والجزيرة بتأثير من الحيرة عاصمة هذا المذهب .كما تبرز أهمية هذا الموضوع إذ علمنا أن زيد بن ثابت هو كاتب ( الوحي ) المعتمد في جميع المصادر الإسلامية المعتمدة ..؟؟؟... وأكّد العلاّمة العراقي جواد علي في موسوعته ( العرب قبل الإسلام الجزء الأول ) بأنه لم تكن في قريش لغة خاصة مكتوبة غير اللغة المكتوبة السائدة في مكة والجزيرة - وهذا ما أكده كتاب الحضارات الاّنف الذكر في فصل الحضارة العربية قبل الإسلام ص 237 بقوله : ( كانت لغة الجنوب لغة معين وسبأ وحمير الأوسع انتشاراّ في العالم القديم ,كانت أبجديتها تتألف من 29 حرفاّ وتكتب بخطوط مستقيمة تسمى الخط المسند .... أما عرب الشمال فلم يكن للغتهم العربية أبجدية وحروف ولذلك استخدموا في الكتابة الحروف الاّرامية بالخط النبطي النسخي المستدير الشكل . هذا الخط هو الذي استخدمه عرب قريش لتدوين القراّن فأصبح الخط العريي المعروف ....( 18 )وجاء في كتاب الاّداب السامية ما يلي :
( في القرن الأول قبل الإسلام اقتبست العربية من الخط الإسطرنجيلي السرياني ومنها أخذت أبجديتها والخط الإسطرنجيلي عرف بالخط الكوفي واستعمل بعدئذ لكتابة القراّن الكريم - دون تنقيط طبعاّ – وسمي بهذا الإسم الإسطرنجيلي نسبة إلى الإنجيل المقدس ) (19)
وهذا ما أكده الدكتور فتحي الدجني والمطران اسحق سا كا في مصدرين تاريخيين هامين ( 20 ) وقال الكندي في إحدى رسائله : ( كان السريان لنا سبلاّ واّلات مؤدية إلى علم كثير . فإنهم لو لم يكونوا لم يجتمع هذه الأوائل الحقيّة ) ( 21 )
وقال الفارابي : ( بهذا يمكننا القول إن السريان هم الذين علّموا المسلمين الفلسفة أولاّ , وهم الذين ترجموها لهم ثانياّ , ولهذا تأثر المسلمون بالفلسفة التي كان السريان يعرفونها منذ أمد بعيد ) ( 22 )
وبقيت السريانية أوثق المصادر التاريخية والعلمية في التاريخ رغم تعرض كتبها ومصادرها الهامة لأبشع أنواع
النهب والحرق والإبادة بالترافق والتلازم مع ما تعرض أهلها لاضطهاد وإلغاء في حقب طويلة من الظلامية الدينية والإستبداد الشرقي المستشري والغزوات الخارجية الهمجية التي نهبت وأحرقت معظم مصادر وكتب التراث إلى جانب الجهل والتخلف ومابقي هو الجزء .الصغير جداّ من كتب التراث الذي نجا في المخابئ الخاصة في الأديرة والصوامع أو في الخارج كما فقدت معظم كتب إبن رشد وإبن سينا والكندي والفارابي والمعرّي والمعتزلة والحلاّج وغيرهم وأختم هذا الفصل بقول بولس بهنام : ( لاشك أن العرب أخذو خطهم الذي نراه اليوم من الخط النبطي الاّرامي , وإن الخط العربي الكوفي ما هو إلا الخط الإسطرنجيلي الاّرامي السرياني بتطور بسيط ) ( 23 ) يتبع .. – لاهاي
المصادر : 13 – جان توشار – تاريخ الفكر السياسي - ص 55
-------- 14 – تاريخ الشرق القديم – نور الدين حاطوم ص 127
15 – جواد علي - المصدر السابق – ص 169 - د . ناجية مرّاني الصابئة في التاريخ ص 64
16-عثمان صالح سبّي – تاريخ أرتيريا ص 53 –
17 – جرجي زيدان – تاريخ أدب اللغة العربية ص 173
18 – صبح الأعشى للقلقشندي ج1 ص 165 -فجر الإسلام - أحمد أمين ص 142 - كنيستي السريانية – للمطران إسحق ساكا ص86 - الحضارات – لبيب عبد الستار ص 237
19 - الاّداب السامية - محمد عطية الأبراشي – القاهرة 1947 – ص 69
20 - د. فتحي الدجني – أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي ص 59 - إسحق ساكا – المصدر السابق
21 - رسائل الكندي الفلسفية ص 102
22 - الفارابي - تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علوم الكلام عند المسلمين ص 139

السبت, 06 نيسان/أبريل 2013 14:51

مفردات آرامية مندائية عربية مشتركة

نحن المندائيين ، نعتز بلغتنا لانها جزء مهم من وجودنا على الرغم من الوهـن الذي اصابها [ لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ] لكن ذلك لم يمنعنا من ان نعتز بها أعتزازنا بوجودنا ؛ لأنها الوعاء الذي حفظ لنا معتقداتنا ووجودنا كشعب وكدين قديم قدم الزمان والمكان و الانسان منذ أن حلّ آدم على أديم هذه المعمورة .
غير خافٍ ان اللغتين العربية والارامية خرجتا من رحم واحد أصيل هو اللغة السامية ؛ الا انهما ورغم طول المسافة الزمنية التي مرت بهما ظلتا محتفظتين بروابط ووشائج ، أما اللغة المندائية فهي الوليد البكر للغة الآرامية وهي التوأم للغة الآرامية الشرقية .

في هذا البحث سنجد كلمات مشتركة بين العربية والآرامية والمندائية في مختلف مناحي الحياة ليس هذا حسب بل سنجد كلمات او مفردات نعتبرها عامية من اللهجة العراقية المحكية ؛ الأ أنها وبكل بساطة مفردات مشتركة بين اللغات الثلاث والبعض منها انحرفت عن العربية لكنها أحتفظت بصوتها وجرسها المندائي الآرامي ،ومن هذه الروابط مفردات ذات ألفاظ مشتركة في المعنى والمبنى وعلى الرغم من هذا الاشتراك الا ان الخصوصية لكل لغة جعلها تختلف من آن لآخر عن أخواتها .
يقول دي سوسور (( اللغة فكرة منظمـة مقرونة بصوت )) *1 علم اللغة دي سوسور ص121 لاشك ان حاجة الانسان هي التي دفعته لأن يتجه ولأن يتعلم ويبرع ليحفظ لنا تجاربه وآلامه وأفراحه ومعتقداته وليسجل ما له وما عليه من أموال أو مقتنيات على شكل رموز وعلامات ، ومن هنا بدأت أول خطوات الكتابة والتي عرفت فيما بعد بالكتابة الصورية . وبعد ذلك بدأ الاستقرار نتيجة لوجود الزراعة ؛ ونتيجة لهذا الاستقرار بدأت عجلة الحضارة بالدوران ، واضحت اللغة الوعاء الذي تصب فيه الحضـارة مـا تفرزه من رحمها من ثقافات ومشاحنات تاركة اللغة ** نقوشـاً وصوراً ** شاهدة لوجودها ولزوالها . وهنا ظهرت الكتابة المسمارية التي بها سطّـر ونقش العراقيون الأوائل اول ابجدية تعلّم منها باقي البشر ما يعرف اليوم بالكتابة . ؛ فكانت مسلّـة [[ حمو رابي ]] الشهادة التي وقّع بها العراقيّون الاوائل تميّـز هم و أصالتهم .

نـظـرة تـأريخيــة
لم تكن اللغة الآرامية وسيطاً مهماً لتدوين الأدب المندائي عبر مسيرته الطويلة حسب بل كانت وما زالت وستبقى الوسيط الأهم لتدوين ونقل التراث الديني المندائي فبها دوّنت كل الدواوين و الكتب وكذلك سفرنا الخالد *** كنـــزاربــــــــا**** ولهذا صار لزاماً علينا أن نتعرّف على الأدوار التاريخية الاولى لظهور اللغة الآرامية وما كان للآراميين من دور في نشرها في مختلف الاصقاع أنذاك ؛ فليس بالجديد القول أن العمق التاريخي لأي لغة سيجعلها محط أنظار الباحثين والمنقبين الذين أفادوا في بحوثهم هذه ماكان خافياً ؛ فأناورا ظلمة الجهل الذي كان سيطبق على العقول لو ظلت الأمور على ما كانت عليه ؛ لإن اتساع الرقعة الجرافية للناطقين بالآرامية وتعدد طوائف الناطقين بها جعلها تنشعب الى عـدة لهجات لايوحدها سوى بعض الألفاظ او الصيغ الكلامية الذي سنتعرّف عليها لاحقاً .

قبل الخوض في معترك اللغة واللهجات سنتعرّف وبشكل موجز على تاريخ اولئك القوم الذين أثّـروا في مجرى التاريخ وطبعـوا تلك الحقبة بميسمهم ، يقول الدكتور عبدالواحد وافي {{ الآرامييون قبائل [كانت ] تتنقلّ منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد في الصحراء المتاخمة لمنطقة * ميزوبوتاميا *[ دجلة والفرات ] وانها كانت مصدر قلق وازعاج لسكان المنطقة وما اليها من بابليين وآشوريين ؛ فكانت لا تفتئ تشن عليهم الغارات وتقطع الطرق وتنشر الرعب على حدود البلاد }} *2. فقه اللغةص52 ان هذا الوصف كان سينطبق على معظم الهجرات التي نزحت من الجزيرة العربية ؛ فهم كبشر يحتاجون الى ما يؤمن لهم سبل الاستقرار والحياة الآمنة ؛ونتيجة لهذا الاستقرار اختلط الآراميون بغيرهم من القبائل التي كانت تسكن تلك الاصقاع ويضيف الدكتور وافي ( نزحت بعض قبائلهم [ الآراميين ] الى بلاد سوريا وفلسطين وما اليها ، وكان يسكن المنطقة التي استقر فيها الآرامييون شعوب غير سامية كانت في درجة راقية من الحضارة) *3فقة اللغةص52 أذن كان احتكاك الآراميين أول الأمر بشعوب أو قبائل كان لهم وجود حضاري استغله الآراميون الأوائل وإستفادوا منه خير استفادة ، مما لاشك فيه ان الهجرات ما كانت لتحدث لو توفرت أسباب الابقاء من أمان وماء ؛لأن الاستقرار هو المطلب الرئيسي للبشر وبالإستقرار تُخلق الحضارة وتدوّل الدول ، الا ان هذه الهجرة جعلت الآراميين ينقسمون الى شقيين[ قسم في الشمال الغربي على تخوم البلاد الكنعانية وقسم آخر في الشرق في صحراء ميزوبوتاميا على حدود بابل وآشور ، أما في الشمال الغربي فقـد أخضعوا لسلطانهم السكّان الأصلييـن للمـنطقة الـتي استقروا فيها وأنشأوا بها بضع دويلات آرمية مستقل بعضها عن بعض )*4 فقة ص52 أي وجود جديد ، أقصد الهجرة ينقل وبكل تأكيد العادات والتقاليد واللغة ومن هؤلاءِ الى اولئك وبنفس الوقت سيتأثر هؤلاءِ بما هو موجود في المنطقة او المكان الجديد ،,اول ما يتم التأثير فيه هو اللغة ؛ لانها الوسيط اليومي للتعامل بين البشر ولهذا سنرى اللغة الآرامية (( تشتبك في صراع مع لغـات السكّان الاصليين وكتب لها النصر عليها وفقاً لقوانين الصراع اللغوي ))*5فقةاللغةص52 بيد أن اللغة لوحدها لا تكفي لتغير مجرى التاريخ ولا تكفي لترسيخ كيان جديد وبالتالي لإنشاء دولة ؛ فنلاحظ ( أن الآراميين إنتفعوا بحضارة هؤلاءِ السكّان وثقافتهم وآدابهم وصناعتهم ، ولم يكتفِ الآراميون بأن نزلوا بالقرب من الكنعانيين وبين ظهرانيهم بل إستغلوا هذا الوجود ؛ فأخذوا من الكنعانيين حروف التهجي الآرامية وكثيراُ من أساليب الرسم ) *6 فقه ص52 أمّا الارامييون في الشرق ( في بلاد العراق ) فلم يكن لهم وجود ضمن فترة طويلة متأخرة ولكنهم ورغم ذلك لم يتوانوا في تحقيق مكاسب لرفعة شأنهم بواسطة لغتهم فلقد أخذت ( الآرامية تقتحم على الآكادية معاقلها وتنتزعها معقلاً معقلاً ؛ فلم ينتصف القرن الرابع ق. م حتى كانت الآرامية قد طغت على جميع الألسن )*7فقه ص53، الآرامية وبعد أن قويت شوكتها وزادت قوتها وأصبح رجالها ذوي قوة ونفوذ فإنها وبواسطتهم وبعد أن زاد إنتشارها في بلاد الرافدين لم تقف عاجزة عن إقتحام معاقل أٌخرى لتوسيع تواجدها فكان أن اشتبكت في ( صراع مع لغات الكنعانيين جيران الآراميين في الشمال الغربي فقضت على العبرية في أواخر القرن الرابع الميلادي وعلى الفينيقية في القرن الأول ق.م لذا صارت اللغة الآرمية الممتدة شرقاً وغرباً هي اللغة السائدة في التخاطب في جميع بلاد العراق من جهة ، وفي سوريا وفلسطين وما اليها من جهة أٌخرى ، ووصلت الى أقصى درجات إتساعها في المرحلة المحصورة بين 300 ق.م و650 ميلادية وبلغت مساحة البلاد الناطقة بها [ الآرامية]نحو 600الف كيلو متر مربع وكان لها فوق ذلك منزلة اللغة الدولية في كثير من المناطق المجاورة لها ).* 8 فقه ص53 مما سبق يتضح لنا إن إتساع إستعمال اللغة أي لغة بشكل واسع سيعني إنتشارها في أماكن بعيدة عنها أو غير خاضعة لنفوذها وأن المعاملات الرسمية والتجارية تحتم إمتداد تلك اللغة واستعمالها كأحدى وسائط التفاهم الحيوية وللتبادل المنفعي بين الطرفين ، أو الشريكين التجاريين أو الأحلاف العسكرية ؛ فقد عُثر في آسيا الصغرى [ تركيا وبلاد الاناضول ] على نقود صدرت في عهد بعض الولاة الفرس تحمل رموزاً آرامية .. بل يظهر انها كانت تستخدم فيها أحياناً لتدوين بعض المنتجات العلمية والأدبية ؛ كما يدلّ على ذلك نقش عثر عليه في مينة كابدوس وهذا النقش مؤلف باللغة الآرامية ومدّون بالرسم الآرامي .. وكان للآرامية في مصر نفسها في العهد الفارسي وما بعده منزلة لا تقلّ عن منزلتها في البلاد الأُخرى ، كما تدلّ على ذلك الوثائق التي عثر عليها في جزيرة فيلة ( أنس الوجود ) ويرجع تاريخ هذه الوثائق الى القرنين السادس والخامس ق. م أي الى عصر سابق للعهد الفارسي ، ولم يقف نفوذ ها عند هذا الحد بل تعداه الى بعض مناطق اللغة العربية نفسها فكانت تستخدم لغة كتابة في بعض المناطق العربية اللغة ، بل أن الآرامية وصلت ( مناطق واقعة شمال الحجاز خاصة واحة تيماء والحجر [ مدائن صالح ] ) *9 فقه ص53 ونتيجة لإمتداد الرقعة الجغرافية واتساعها إنشعبت اللغة الآرامية الى لهجات عـدة ( وترجع لهجات هذه المجموعة الى مجموعتين يفصل بينهما نهر الفرات وصحراء الشام ، إحداهما مجموعة الآرامية الشرقية وتشمل اللهجات الآرامية ببلاد العراق في منطقتيها الجنوبية والشمالية وثانيهما مجموعة اللهجات الآراميةالغربية وتشمل سوريا وفلسطين وشبه جزيرة سيناء ) *10 فقه ص53
ما يهمنا نحن المندائيين هو المجموعة الشرقية التي تنقسم الى لهجات كثيرة أهمها أربع لهجات ( أولها اللهجة الجنوبيةوالتي شرح بها اليهود كتاب {{ المشناة }} *** [المشناة ] هي ثلاث وستون كتاباً كتبت باللغة العبرية ، تبحث في شؤون الدين اليهودي والقانون و التاريخ المقدّس ثم تمَّ شرح المشناة فيما بعد بالآرامية وأُطلق على هذا الشرح اسم [ الجمارة ] و من المشناة واالجمارة تألف ما أطلق عليه لاحقــاً اسم ( التلمود ) ***
.ثانيهما اللهجة المندائية أو المندعية التي كان يتكلم بها طائفة المندائيين أو المندعيين وهي طائفة تقطن كذلك جنوب العراق ، وثالثهما اللهجة الحرانية التي تنسب الى مدينة حـرّان شمال العراق ، ورابعتها اللهجة السريانية وهي لهجة مدينة أدسـا ) *11 فقه ص53 . لقـد تسبـب إتساع إستعمال الآرامية في شتى بقـاع المعمـورة المعـروفة أنـذاك وفي تلك الحقبة السحيقة من الزمن الى دفع كـلِّ مجموعة بشرية مستوطنة لتلك البقاع والأماكن أن يبتعد وبشكل مستمر عن بقية المجاميع مما خلق تلك التقسيمات المارة الذكر
بيد أن الملاحظ ان تلك المجاميع بنزوحها المستمر تركت وراءها ما يدلّ على وجودها لكن ومع الأسف لم تكن تلك الآثار مما يمكن الإعتداد به أو الإشارة اليه ؛ فالآرامية الشرقية مثلاً ( لم يصل الينا من هذه الآثار الا القليل عثر عليها في مدينة آشور ويرجع أقدمها الى القرن السابع والسادس قبل الميلاد وهي مدّونـة بالرسم الآرامي القديم ذي الحروف المتفرقــة ) 12* فقه ص53 ويضيف الدكتور {{ وافي }} أما بالنسبة الى السريانية الوثنية فما وصل الينا لا يتعدى ( خطاب مارابن سـربيون ) ومع قـدم هذا الخطاب فهو لا يختلف في لغته عن اللغة الحديثـة ، لكن ما وصل الينا من السريانية المسيحية فهي آثار كثيرة الا انها إنقسمت هي الأٌخرى الى قسمين ؛ الأول الخط النسطوري ويُعرف بالهنـد بإسم الكلـداني والثاني بإسم السرتو أو المارونـي ، أما الأثر الثالث فكان ( تلمود بابل ) وقد سلكت مدارس اليهود نفس المسـلك في شـرح المشناة ؛ فشرحته بلهجتها الآرامية في أسفار إشتهرت تسميتها بـ ( تلمود بابل ) .
امّـا الأثر الرابع وهو ما يهمنا وما نبحث عنه فهو [ آثار الطائفة المندائية ] فيقول عنها الدكتور وافي ( لا تختلف اللهجة التي دونت بها هذه الآثار اختلافـاً كبيراً عن اللهجة التي دوّن فيها تلمود بابل غير أنها أقلّ تأثراً باللغة العبرية ويرجع أقدمها الى المرحلة المحصورة بين القرنين السابع والتاسع بعد الميلاد ويمتاز رسمها عن سائر أنواع الرسم السامي بشدة عنايته بأصوات المـد حتى أنه لا يكاد يغادر صوتـاً منها دون أن يرمز اليه )*13 فقه ص54 بيد أن هنالك من أعطى بعـداً زمنياً أبعد مما أورده المؤلف ويأخذنا الى فترة أبكر وينبه الى الآثار المحفوظة في المتحف العراقي التي تشير الى فترة أسبق فلقد لاحظت الباحثة المندائية [ فريال زهرون نعمان ] وقالت ان [الأحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي أفادت الدراسات فيها الى أنها تعود الى القرن السادس الميلادي ]*14 ملاحظة ) كانت تلك المحاضرة بعد نيل الباحثة المندائية درجة الماجستير في الاحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي )
وعلى ذلك تؤكد الاستاذة ناجية المراني فتقول {{ اللغة المندائية احدى اللهجات الآرامية التي دونت فيها علوم مختلفة ، لقد ظهرت آثار تدل على أن أقدم المخطوطات تعودالى القرن السادس أو السابع الميلادي ، ألا انها وبلا شك أقدم من ذلك حيث أن [ المادة ] التي تتضمنها تلك [ الآثار ] هي أقدم من ذلك بكثير }} 15*( ومع ذلك فالدراسات والبحوث لم تتوقف عند زمنٍ معّين بل استمرت وظل الباحثون والمهتمون ينقبّون ويستنطقون التاريخ والأطلال والشواهد حيث يأخذنا الأستاذ محمود فهمي الحجازي الى غور التاريخ فيقول عن اللغة المندائية( انها لهجة آرامية شرقية تتحدث بها طائفة الصابئة المندائيين ، إزدهرت منذ القرن الثالثق الميلادي في بلاد الرافدين ) *16 غير انه يتساءل بعد عدة اسطر ليقول عن وجودها قبل هذا التاريخ المفترض ( ولا نعلم هل كانت موجودة قبل هذا التاريخ أم لا ! )* 17 وأنا أقول انها موجودة وستبقى موجودة لأن السر الإلهي يحفظها ويحفظ حفظتها لذا ومن هذا الموقع أ دعو كافة المندائيين وغير المندائيين المهتمين بأمور اللغة والدين المندائي والذين بحوزتهم كتباً أو مدونات باللغة المندائية ابرازها لتعم فائدتها ولنتعرف وبشكل أعمق ما كان من دور لنا في صناعة التاريخ ، وشكراً سلفاً لكل جهد ولكل مندائي غيور على دينه ورفعة شأن طائفته .
وفي معرض الحديث عن اللغة المندائية وعن وجود المندائيين الممتد في عمق التاريخ ، يقول الدكتور * علي عبد الواحد وافي * {{ وقد وصلت الينا الآرامية كذلك عن طريق السماع فهي لا تزال مستخدمـةحتى العصر الحديث في بعض المناطق ْ}} *18ه فقه ص59
مما تقدم نعلم ان ما وصل الينا من الآرامية المندائية قليل اذا ما قيس العمر الإفتراضي لعمر الديانة المندائية ، لكن البحوث والدراسات المستقبلية كفيلة بكشف النقاب عما خفي من ماضينا وعقيدتنا فما كان موجوداً قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة سيبقى موجوداً حتى قيام الساعة .
نظرة لمنطقة ميزوبوتاميا ***بلاد مابين النهـرين ***: بلاد ما بين النهرين وكما هو معروف أقدم مستوطن سكنه البشر لماكان فيه من خضرة نضرة يانعة وأشجار باسقة ومياه عذبـة متدفقة طوال أشهر الشتاء والصيف فكانت نظرات اصحاب المناطق المجاورة له مصوبة عليه خاصة من أبناء الجنوب سكان الجزيرة العربية عندما تشتد الازمات ويصيب القحط الاخضر واليابس وتحتبس الامطار فيجف الضرع ويبدأ التضرع ، وليس هنالك من منقذ سوى الرافدين وأهل الرافدين لكن هل خلت ارض الرافدين من البشر ! يقول الدكتور وافي { كان يسكن هذه المنطقة قبل أن يهاجر اليها الساميون شعب يسمى الشعب السومري وهو شعب مجهول الأصل } *19
فقه ص 60 ويعزز هذا الرأي رأي آخر الا أنه يوغل في القدم ليكون السومريون الحلقة الوسطى ؛ فيقول الدكتورسامي سعيد الأحمد ( ونحن نعرف الآن أن جنوب العراق سُـكن من قبل أقوام سبقت السومريين اطلق عليهم اسم * السوباريون * أو الفـراتيون الاوائل الذين لا نعرف عن لغتهم الآن الا كلمات بسيطة عَرَضـاً بين طيّات النصوص السومرية ومن تلك الكلمات ذات التاريخ الطويل والتي نعرف عن وجودها في السومرية مما أخذه الأكديون ثم وردت في العربية وبعض اللغات السامية الاُخرى كلمــة *** خـس ***20* ومثل هذا القول سنجده في مكان آخر حيث يقول الأستاذ طـه باقر ( أن وادي الرافدين من حيث حضارته وتراثه اللغوي واختلاف اصوله وجذوره ترجع هذه الى أقوام مختلفة اسهمت في تكوينها وتطورها و بالنسبة الى تراثها اللغوي يمكن القول بأنه تراكم وتكدس بما يمكن تشبيهه بالطبقات المتعددة والمنضّـدة بعضها فوق بعض ) *21 . ومن المعلوم ان اللغة اي لغة ومهما كنت قوية ومتينة لكنها غير مستعملة سيكون مصيرها الذبول والاضمحلال فهي كالـوليد تحـبو ، تـنمـو ، تـشيخ ثـم تضمحـل وتذوي وعن ذلك يقول الدكتور سامي الأحمد: ( الأكدية بقيت لغة العراق الرسمية مدة طويلة من الزمن من حوالي 2500 ق. م حتى وقت ما من فترة
الاحتلال الإخميني للعراق ربما بداية القرن الرابع ق . م وأصبحت اللغة الآرامية بعد ذلك لغةالتفاهم والمخاطبة رغم أن الأكدية استمرت مستعملة لمدة بعد ذلك ولكنها ظلت في طور احتضار حتى انقرضت )*22 . أن ظهور أي لغة و بشكل ٍ قوي بين السكّـان الأصليين عن طريق وافدين جـدد وبشكل كثيف يعني أن تلك اللغة الجديدة ستكون هي الوسيط اللغوي الأكثر استعمالاً وتداولاً وبذا ستكون هي البديل عن الأصيل ويقول الاستاذ طه باقر (( لقد صارت الآرامية وسيطاً لغوياً مهماً جاء إلينا عن طريقها كثير من المفردات البابلية التي دخلت عن طريق الاستعارة الى البابلية والى العربية في أزمانٍ مختلفـة من التاريخ ))*2

اللغة وأهميتها
كلنا يعلم أن الكتابة طور لاحق للغة و كذلك للكلام المباشر ؛ فالكتابة هي المعّول الرئيس المعتمد والذي يعتد به ، لأن الأفكار التي لا تدرج في الكتب تبقى حبيسة في صدور حفظتها ومع مرور الزمن ؛ فأن ضرراً سيلحق بهذا المخزون الفكري من زيادة أو نقصان أو تحريف أو تشويه متعّـمد أو خلافه ومن هنا يبدأ التحريف الذي يظهر هنا وهناك لأن {{ الواقع يخبرنا أن الديانات والشرائع المعروفة الآن لم يكتبها الأشخاص الذين أتاهم العلم والكتاب وإنما حفظها الحفظة في صدورهم ، ثم كتبت بعد ذلك في وقت متأخر تيسرت فيه كتباتها }}*24 ناجية غافل من كلِّ ما تناولاه من مادة تاريخية عن اللغة الآرامية وعن تواجدها ضمن محيط اللغات المختلفة فلقد أثرت وتأثرت و أخذت من الغير وأعطتهم في نفس الوقت وطوال الوقت الذي ظلت فيه سيدة متسيدة في ذلك الزمن ؛ فتركت لنا مادة لغوية ثرية من مفردات ومعانٍ مازالت منبثة في جوانب من أركان اللغة العربية وما زالت جذورها واضحة المعالم ، بيد أن اللغويين يعتبرونها من الدخيل أو الأعجمي لأن قوالبها لا تنطبق وقواعد اللغة العربية الحاليّـة وهي بلا شك من الرواسب اللغوية لماضينا العتيد وبهذا الصدد يقول الاستاذ ، طـه باقـر {{ وخلاصة ما يقال عن تأصيل الكلمات العربية الموسومة في معاجمنا بالدخيل أو الأعجمي حصرها في الأصناف التالية :
( 1 ) مفردات بقيت حيّـة الاستعمال في اللغة العربية المحلية وبوجه خاص في العراق على هيئة رواسب لغوية وخاصة في امور الفلاحة والزراعة .
(2) مفردات لا يشك في اصلها الأجنبي دخلت عن طريق الاستعمال من اليونانية واللاتينية والفارسية على أثـر انتشار الآرامية في أقطار الشرق الأدنى منذ الألف الأول ق . م ) *
(3 ) مفردات آرامية ( سريانيةكثيرة عاشت في الاستعمال على إثر إنتشار الآرامية في اقطارالشرق الأدنى منذ الألف الأول قبل الميلاد )*25طة باقر
ويؤكد الأحمد ما كتبه الاستاذ طه باقر فيقول : ( تحوي اللغة العربية الكثير من الكلمات التي يوجد ما يماثلها في اللغة الأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية ولكن ليس معنى هذا أبداً أن لهذه الكلمات اصولاً عربية بل أن هذه الكلمات مشتركة بين جميع اللغات السامية . ) *26 ؛ لذا نعلم مما تقدّم ان اللغة الآرامية هي اللغة الأم بالنسبةللمندائيين الا ان التأثير في اللغةالمندائية كان قليلاً من قبل اللهجات او اللغات المجاورة لها حيث ان ( الدراسات والبحوث التي اجريت من قبل لغويين متخصصين أظهرت أن المندائية هي من أسهل اللهجات العربية القديمة وأكثرها مرونة صوتية وأقلها تأثراً باللغات الأجنبية كاليونانية وذلك بسبب عزلتها وانزوائها ، كما أنها ما زالت لغة أدب وكلام في الوقت ذاته ، ممايسهل دراستها وتحليلها ومقارنتها مع اللهجات العربية الأُخرى المندثرة والحيّـة معــاً ) *27 الصّباحي والى نفس التحليل يصل باحث آخر فيؤكد ان المندائية لا تختلف كثيراً عن شقيقاتها السامية الا ان لها خصوصية حيث يكتب (( وعلى الرغم من القرابة الواضحة بين اللغة المندائية وشقيقاتها اللغات السامية الاخرى من ناحية وجود بعض الاسماء أو المصطلحات ومن ناحية الجذور والاصول التي تتفق بها أغلب الساميّـات ، الإ أن الخصوصية واضحة في بعض الامور ؛ حيث تتميز بأن رسمهايختلف عن الرسم الآرامي، فقد إستحالت الحاء المندائية الى الهاء وقد يذوب الصوت تاركاً محله الفً لينة ))*28 الناشيء . أن هذه الخصوصية للغة المندائية وابتعادها عن بقية اللغات السامية جعلها بمنأى ولو بسيط عن التغيرات الحاصلة في بقية اللغات السامية ؛ فنلاحظ مثلاً ( إستخدامها [ إد ] كأسم موصول خلافاً للساميات اللأُخرى ، وغياب الحركات في هذه اللغة أدى الى إستخدام الحروف بدلاً منها ، وأيضاً فقدان حروف الحلق بارزة في المندائية *** ع ، ح ، غ ، ولم يبق الا الهمزة )*28 الصبّاحي . وبرأي ان فقدان الحركات واستعمال الحروف بدلاً منها جعل ضبط النطق أصح وأسلم لكن وعلى الرغم من ذلك بقية صعوبة متمثلة في حرف [ الفاء ] والذي يلفظ في بعض الاحيان مثل حرف [ الباء ] الآري والقريب من حرف *** الباءالعربي*** . إضافة لما تقدّم سنلاحظ أن حرفين من حروف اللغة العربية غير موجودين في المندائية [[ الظاء والضاد ]] كما سنلاحظ أن المندائية ِتخلو بشكلها الأصلي من {{ وجود التنقيط فيها .. ومن المعروف أن المندائية تحتوي اربعة وعشرين حرفاً تبدأ بحرف الألف وتنتهي بالألف والذي يمثلان كمال النور والحياة }}29*الليدي ويؤمن المندائيون أن هذه الحروف لم تكن في يوم ما حروفاً عادية بل {{ أنها حروف مقدسةوالقراءة تبدأمن اليمين الىاليسار كالعربية ومن السهولة جـداً تعلّم اللغة المندائية بسرعة وذلك لأن أصوات الحروف تمتزج مع الحركات }}*30الناشيء

الأبجدية المندائية :
تطرقت سابقاً الى أن هنالك من ينظر الى الحروف المندائية والى قدسيتها بإعتبار أنها تمثّـل *ملك النور * [ ملكا أد نهورا ] ويسرني هنا وما دمنا بصـدد ***الآبــا كــادا *** المندائية أن اورد ما كتبه الأستاذ غضبان رومي الناشيء حول معنى الحروف المندائية فكتب ما نصـه{{ وقد وجدت معاني الحروف في أربعة أماكن في كتاب ( الكـنـّّـزا المـقـدّس )
سأنقل صورة واحدة منها كما يلـي :
أ : أثا طابا كشطا نهورا أد مسكي البيت الرهمي / أتي بأطيب العهود النورانية وأدخلها في بيت الرحمة.
ب : بهيرا أنت زاكي / أنت المختار المزكى .
ج : كَـاورييل ( كَاوريل ) إشليه / الرسول جبرائييل .
د : دركـا / السبيل أو القانون .
هـ : هيي ربّي / الحي ربّـي .
و : ويله / ويل لمن لا يصغي للغة الحياة ز
ز : زيوا أنات / أنت النور .
ط : طاب أنات / طوبى انت الطيب .
ي : يمينه / واليمين ركز النور واليسار رمز الظلمة .
ك : كشطـا / العهد الحق _ بالايمان .
ل : ليشانا / لسان –النطق بالحق .
م : مانا ربـا كبيرا / العقل الكبير أو النفس .
ن : نهورا / اي النور الإلهي .
ع : [ أي ] : أين / العين التي ترنو الى الله .
ف او با أو ، وا : بيرا أنا أدهيي / انا شجرة الحياة .
ص : صوت انات قدماي / انت صوت الأزل .
ق : قال أنت قدمايي هيي /قولك الحق الأزلي .
ر : ربيهون أد كلهن آلمي / رب كل العوالم .
ش : شامش / الشمس ضوء الحياة .
ت : تيابـا / التوبــة .
أد : / حرف اضافة ويعتبر كحرف مفرد .
أ : / البدايـة والنهايـة

ملاحظة : لم استطع ادخال الحرف المندائي لأسباب لم استطع معرفتها ؛ فعـذراً لذلك

وهنالك بضعة ملاحظات حول اللغة المندائية وأخواتها الساميّـة وخاصة العربية أود الإشارة اليها والتنويه بها : نحن نعرف ان اللغة العربية لا تبدأ بصوت ساكن وتستعين بالهمزة للتوصل الى نطق السكن ؛ بيد أن اللغة المندائية وكما يقول الاستاذ الناشئ (من الواضح عندهم [ الصابئة ] أنه قد يبدأ بساكن ) 31* الناشيء . وأصبحنا كذلك نعرف أن العربية والمندائية تشتركان في أن كلا اللغتين متشابهتان في الكثير من الكلمات التي تخص طائفة كبيرة من المجاميع فأن الكثير من ( الحروف والضمائر وأسماء الإشارة
والاسماء الموصولة والاستفهام والظروف والأعداد وأسماء أعضاء الجسم وأعضاء العائلة ومعظم المفردات المندائية موجودة في العربية ) *32 المراني وهنالك باحث آخر يؤكد ما هو أكثر من ذلك فيكتب ( وليس هذا فحسب فأن هناك تبادلاً في بين الأحرف المختلفة ، مثلاً ، نلاحظ الآن قلب الجيم ياءاً في لهجة اهل جنوب العراق حيث يظهر التأثير واضحاً في لهجة اولئك الناس [ جبر : يبر ] وكذلك نلاحظ التبادل بين النون واللام [ صنم : صلم ] وهنالك تبادل بين الراء والنون والمثال المعروف [ بر : بن **إبن **] وهذا الأمر ليس حصراً بين العربية والآرامية فهناك مثلاً بين المندائية والسامية (( ففي عدة لهجات آرامية نجد الباء تبدل بالواو فالمندائية [ أود ] ومعناها [ هلاك ] من السامية [ أبـد ] *33 موسكاتي . وأود القول هنا أن ابدالاً آخر نجـده بين الحرفين [ غ ]
و[ ي ] والذي كثيراً ما نسمعه في لهجة سكان الخليج العربي حيث نسمعهم يقولون [ أبـي ] وهو يعني [ أبغـي ] أي اريد وأطلب ، وإذا نسينا فإننا لا ننسى سكان جنوب العراق وهم يبدولون الجيم بالياء فنسمع [[ يابـر ]] والمقصود [[ جابر ]] كماأن كثيراً ما يحصل تبادل بين بين حرفي ( س ) و ( ش ) فنقرأ مثلاً شامش والمقصود بها شمس ، وحرف آخر من الابجدية المندائية موجود مثبت فيها لكننا لا نسمع هذا الصوت و أقصـد بـه حرف [ ع ] والذي تأول كما رأينا الى حرف الـ [ أ ]
كما أود الإشارة هنا الى حرف آخر وصوت من أصوات اللغة المندائية التي تحولت و مع مرور الزمن الى صوت آخر ولفظ آخر لا يمت بصلة الى الصوت الأصلي ؛ وأقصد هنا حرف [ الهاء ] المندائي والذي هو [ ح ] في باقي اللهجات الساميّة الأُخرى مما يدل على أنه حاء وليس هاء اً وهذه الملاحظة تقودنا الى ملاحظة ثانية والى رأي آخر وهو : ان المندائي أدرك ومنذ زمن سحيق أن نطق حرف الهاء أسهل مخرجاً وأقل عناءاً من نطق حرف [ الحاء ] فرغم وجود حرف الحاء في ** الآباكادا ** المندائية ومثبت فيها ؛ الآ اننا عملياً لا نجد أي مفردة مندائية تبدأ بحرف الحاء أو أن حرف الحاء موجود فيها أقصد ضمن المفردة الواحدة ، ولا أبتعد كثيراً عند الاشارة الى حرفين آخرين من حروف اللغة المندائية وهما حرفا [[ الفاء والباء ] فنسمع بعض الأحيان كلمة _ كنزفرا _ فنسمعها ( كنزبرا ) وقد يغالي البعض فيقول _ كنزورا _ بقلب الحرفين الى [ واو ] . وقبل أن أُنهي هذا الموضوع أود الأشارة والتنويه الى الموضوع التالي : كلنا يعرف أن اللغة العربية ما زالت تحتفظ بالتنوين كلاحقة تأتي في نهاية الأسم الخالي من [ ألـ ] التعريف وكان هناك قديماً ما كان يسمى بـ [ التميـيم ] وهي لاحقة تأتـي في نهاية الإسم مثل [ صدتم ، بيلجم ] في الرقعة الشمالية الغربية ، الإ إننا نجد السريانية والآرامية بوجه عام تتفق مع العبرية في انها تخلو من ظاهرة التمييم في المفرد ومع ذلك قد تفسر بصيغ الاسمية مثل [ إ يماما ] يوم،و[ بما ] فم على أنها تحتفظ ببقايا التمييم ) *34 موسكاتي . .. لكن والحق يقال لم أفهم معنى أو القصد من كلمتي _[_ صدتم وبيلجم] . فعذراً
بعد هذه الملاحظات والتي كان لابد منها ليستوفي البحث وليخرج على أحسن وجه إن جاز التعبير ؛ دعونا نتابع سوية بعض المفردات الآرامية المندائية العربية المشتركة:

ألمفردات ألعربية ألمفردات ألآراميــــة
المندائيــــــــة ألمفردات ألعربية ألمفردات ألآراميــــة
المندائيـــــة
آجر أكورا ترجمان تركمينا
ارجوان اركًيوان تشـرين تشـرينا
اذان ايـدان تلمــيذ ترمــيذا
أرمـــلة ارمثـلا تـل تـلا (تيلا )
أسفـين اسـفينا تنــوّر تنـورا
أسكـفة عشقـوفتـا تـين تينــا
امـة امـتا جـبن كَبنتــا
انبــوب امبوبــا جـراب (كيس ) كَـرابـا
انجانــة اكونا أكَون** جـْرير ( نبات) كَركَيـرا
اوزة وزا جسـر كَشـرا
ايــار ايـارا جـص كَصّـا
بـاريـة( حصير) بـوريـا جفـــن كَفنـا
بـتول ( عذراء) بتـولا جمـّار دقـلا [!]
بـرغـوث برتغتـا (بـرطعتـا ) حلْفـاء حـلفـا
بُطـم (شجرة ) بطنـا( بطميثـا ) خـابيـة( حِب) خابينا( حابيـا)**
بغـداد بيت كَـدادة خازن خزانــا
بقـل بـقولا خـبل ( اقترض ) خبـولا
تـاجـر تـكَـترا(تنكـارا ) ! خـرّوب( نبات ) خـروبـا
تـاج تـاغـا خـس خسـّا
تالـة تـالا خـلار ( حمّص ) خـلا
تـخـم تيخـومـا درّاق (خـوخ) دورقينـا
دف (دفة الكتاب ) دفـا شمـرة (حبة حلوة) شـمارا
دفـران ( نبات ) دفرانـو شيص (تمر غير مقّلح) شيصـا
دلــب ( نبات ) دلبــا شـيقل ( وزن )* شـقل
دلــو دولا صـبر ( نبات ) صـبرا/صبارا
دن ( وعـاءالخمر) دنــا صنـم( زلم ) صلـما **
دور ( حصن ) دورا عـامود عمـودا
دوسر (نبات ) دوشيـرا فـرزال ( آلة حديد )سكين فرزل /برزل-برزلا
رصف ( رصافة ) رصـاف قاقــــلي ( نبات) قـاقولا
رز ( شلب ) رزا ، برنجي قـدر ( وعاء الطبخ ) قـدرا
رقـة ( مدينة ) رقـاتو قرش ( كوسج ) كرسـا
ركبــة بركــا**** قمقم (قنينـة) قنقـا
رمّــأن ( نبات) رمـانا كبريت كفروتـا
زعتـر ( نبات ) صعتـري كتان ( قطن) [ قماش ] كـتّان
زعـفران ( نبات ) زعفـرون كـحل كخـلا
زوفـا ( نبات ) زوفـا كـر ( و زن أو كيل ) كـورا
سـدى( حياكـة ) شيـتا كـراث [ نبات ] كــراثا
سفـينة سفينتـو / سبينتو كركـــي (طائر ) كـركـيا
ســلق ( نبات ) ســلقـا كمــون ( نبات عطري ) كمـونا
سلـــة ســلا / سـليتا كـركـم ( نبات عطري) كـركيمــا
سـمسم شوشمـا كمثـرى ( فاكهة) كمــترا
سورنجان ( نبات ) سـرنجان كــفـر ( قريـة ) كــفـرا
سـنونو ( طائر ) سنونيتا كـّوة( فتحـة ) كــويتا
شـعر شــور كيس كيسـا
لــكَن ( وعاء الغسل ) لقـتـا نــون ( سمكة /حوت ) نــونا
ماسورة ( ماصول ) ماسـورا/ مازورا نـير ( نول حياكة) نــولا
مـر ( مسحاة ) مــرا هيت ( مدينة ) هيت ادقيرا
مـد ( كيل = 18لتر مـدا ورشان( حمام بري ) ورشانا
* أكونـا [ اعتقد ] بأنها تحولت مع الاستعمال الى ( لكَـن ) ولا شك ان المندائيين الذين يشتغلون في محلات التصفية يعرفون هذه اللفظـة جيـداً .
** واظن أن كلمـة [ حبّانة ) هي التحريف وهي من المفردات العامية العراقية .
*** نلاحظ هنا قلب حرف ( نون ) الى ( لام )
**** قلب مكاني .
8 مازالت هذا المفردة مستعملة في الاراضي الفلسطنية كعملة
الكلمات ( المفردات ) السابقة كانت مستخلصة من كتاب ( من تراثنا اللغوي القديم في ما يسمى بالعربية بالدخيل ) للأستاذ طـه بـاقر والمفردات وعلى قلتها هنا لتؤكد أن الآرامية كانت وسيطاً مهماً إنتقلت من خلالها الى البابلية والآشورية ومنهما الى العربية .

اللهجـــة العاميّــة
ان ( اللغة هي القالب الذي يصب فيه التفكير ؛ فكلما ضاق هذا القالب وإضطربت اوضاعه ضـاق نطاق الفكر واختلت نتاجـه ) 28 دي سوسر ان اختلال أي اللغة سيؤدي الى تشويه مفرداتها وتنحدر تدريجياً لتصبح عاميّة خاصة بتلك المنطقة ومنها اللهجة العاميةالعراقية التي ما هي الا خليط وامتداد لمجموعة من اللغات السامية وكذلك اللغات المحيطة به من فارسية وتركية وكردية وغيرها من اللهجات واللغات الوافدة مما غيّـر وحـرّف وشوه الكثير من المفردات وجعلها تنحدر لتصبح بعد ذلك لهجة خاصة بتلك المنطقة وبعض الاحيان بما يجاورها من مناطق ذات امتداد سكاني مختلط مما يجعل انتقال تلك المفردات وتداولها سهلاً وخلق بالتالي ما يسمّى باللهجة العاميّة او المحلية
ان جاز التعبير .
من الكلمات التي يدور حولها جدل بين الحين والآخر {{ أكـو ، مـاكـو }} بيد أن الاستاذ طـه بـاقر ، استطاع أن يضع النقاط على الحروف فكتب ما نصّـه ( الكلمتان أكو ، ماكو من المفردات اللغوية الغريبة التي يقتصر تداولها على العاميّة العراقية ، وتعنيان على مـاهو معروف [ يوجد ولا يوجد] وقد حار المفسرون المحدثون في تأصيلها وذهبوا مذاهب شتى ؛ فمنهم من رأى انهما اختصار ، يكون ولا يكون وجاء في معجم الالفاظ الكويتية للشيخ جلال الحنفي ان كلمة ( ماكو ) مركبة من ما النافية ومن كلمة ( أكو )التي خمنها تخميناً صحيحاً على انها من الألفاظ العراقية القديمة التي بقيت في الإستعمال معروفة ومتداولة الى يومنا هذا ) 28 طه باقر لكننا نجده وفي مكان آخريشير الى ماكان الباحث يخشاه حينما يأتي أحدهم ويدلو بدلوه لكن في مكان لا يحسن ان يكون فيه ؛ فنجد الاستاذ طه باقر يستغرب من يورد الأب أنستاس الكرملي قوله :
( ونقل عن الأب الكرملي ان اكو ، ماكو من الصابئية المندائية التي نقلتهما عن اليونانية ) أن ما نقل عن الأب على انهما منقولتان عن اليونانية فلا نعرف مدى صحته ولا نعرف من أين إستقى معلوماته ؟ حتى ان الاستاذ باقر إستغرب القول الذي ادلى به الأب انستاس فوضع [ كـذا ] للدلالة على أنه غير مصدّق على القول السابق .

ان ما أوردته قبل قليل ليشير بوضوح الى ان هاتين المفردتين إنما هما من اللغة المندائية وليس هذا فحسب بل ان المندائيين يستبشرون بكلمة * أكـا * باعتبارها فاتحة للشهادة المندائية ***أكا هيي أكـا ماري أكامندادهي***
وكما نلاحظ ان الكلمةاو المفردة الأصلية هي [ أ كا ] لكنها وبمرور الوقت ولعدم معرفتها من قبل القاطنيين المجاورين لتلك البقاع جعلها تنحرف عن النطق السليم لتتحول بعد حين الى [ أكـو ] والتي تعني ( موجود ).

الالفاظ العاميّة العراقية المشتركة بين العربية والمندائية والتي يستحسن بعضهم بتسميتها ** رطنـة ***كثيرة الا انني اورد هنا بعض هذه الالفاظ للدلالة ليس الا :

اللفظ العامـيّ اللفظ المندائي اللفظ العامـيّ اللفظ المندائي
ماطول أمنطول انده/ نادي انده اند
تلكَِط تلكِّطا بيناتهم/ بينهم بيناتهيون
حيل /قوة حيل خشان خشان/طائر
شمر/ رمى شمر شيلة /للرأس شيلا
طاسة طاسا شيشة شيشا
اكو/يوجد اكو ماكو/لايوجد ماكو ماكو
منو/ من منو مرزيب مرزيب
طب/ دخل طب مو /أليس كذلك مـو
كَِنا/ وعاء النار كَِـنا كنا طمر/ دفن طمر
كتان كتان كمش / قبض على كَِمص
كورة كورا كشر/ اظهر اسنانه كشر
كل من كلمن كرف/ لمَّ /جمع كرفيون
مي/ ماء مي مي ميزان موزان
نطلب/نبغي نبي انبط /انشق نباط
مملي/ مملوء ماملي اكو هطر/ضرب بقوة هطر/ ضر هطر

ناطور /حارس ناطر اكو اكا اكا

المفردات اللاحقة والتي يصل عددها الى المأتين والخمسين مفردة قد استخلصتها من مجموعة من المؤلفات المندائية والتي ترجمها كل من الافاضل :
الاستاذ غضبان رومي ، الاستاذة ناجية غافل المراني ، الشيخ رافد ابن الريشمة عبدالله نجم ، الشيخ سلوان شاكر ، والليدي دراور .
وعذراً ان كان قد فاتني إيراد بعض المفردات ذات الصلة أو سهوت عنها فلم أدرجها ضمن السياق المطلوب وذلك ولقلة المصادر التي توفرت لدي.

المندائــي العربـي المندائية المفردة المفردة العربية
ابدا أبدى/ أظهر ابـا أب
بني ابناء ابل ابل/ جمال
تقن اتقن اثـا اتى/جاء ا
اكًـِرا آجر اثرا إثراء/ إغناء
اهتا/ اهاثا اخت اهـا اخ
خير أخير آهي/ اهواتا اخوة
ايدان اذان آدم آدم
اربا اربعة اذنا اذن
آس/آسا آس ارا ارض
اشما اسم اسرا اسر/اعتقل
اصبا اصبع شرا اشترى
اصري اصرة/عقدة صبأ اصطبغ
افارقا افارق/ ابعد تروشا اطرش
اقبل إقبْل/ ارضَ فتا افتى
اكليلا اكليل اقليل اقليم
الاها اله اينا/ اليا الى اين
قودام امام/قدام اما/ ايم اما ام
املا املأ امر امر/ قال
انا انـا اتملا امتلاء
انثا انثى انات انت
اوقر اوقر/ احترم اوراشليم اورشليم
ايلول ايلول
باطلا باطل بيرا بئر
باديرا بذور بتولا بتول
باسما بسمة إبسط بسط
بنا بنى / أشاد ترميذا تلميذ
ابنات بنات بنـثا بناء
تزميرا تزمير تكَارا تاجر
تشرينا تشرين تشبيهثـا تسبيح
تمرا تمرة ت تراصـا تكريس
/تيبوثا تيابـا توبة تموزا /تموز / تموز
توم ثم/ من ثم تلاتا ثلاثة
تورا ثور تمانيـا ثمانية
كَدلا جدل كَـديـا جـدي
كَومري جمـر كَفـنا جفن
يوهرة جوهرة كَندي جندي
هبيبـا حبيب كَنـدا جيش
هكمتـا ه حكمــة هميانـا حـزام/ هميان
همـارة حمــار هكيمــا حكـيم
هلمـا حلـم هليبـا حليب
هيلا حيل /قوة هيي حـي
فطيرا خبز فطير هوا حواء
هسر خسر هتم ختم
همشـا خمسة هطايا خطيئة
هتمـا ختـم همـرا خمـر
دبـا دب دانقي دانق /عملة قديمة
دكَـالا دجّـال دببـي دببـا
دولا /داولي دلـو دراشـة دراسـة
رشـم رسـم رابص ربص/ربض/اختبأ
رطـبا رطب رزا/رونزا رز
رمـزا رمز [العيون] و بوركا ركبة
ريهان ريحـان رمـانا رمـانة
ذيبـا ذئب روهــا روح
دكر ذكر /عكس الانثى درايا ذراع
ريشا رأس دهبـا ذهب
ربـا رب ريشما رئيس الامة
ركَـلا ر رجـل رهم /احب رحـم
زرا زرع ركَـيما رجيم
زنا/ زنيوثا زنــا زدقــا زكـاة
زوادا زوادة للطعام زنديقـا زنديق
زهـأ زهـا ، أينع زوا زوجـة
زوا ضياء زيفا زيف , كذب
شما سمع ساغدا ساجدة
شوطا سوط شتبلنا سنبلة
هربا سيف شوقا سوق
شلشتا سلسلة شلاما سلام
شيليطا سليط سلطان سلطان
شباط شباط ساهدا شاهد
ريها شذا , رائحة شتل شتل , انبت
شرهبيل شرحبيل شوزب شذب
شمشا شمس سمالا شمال
سهدوثا شهادة كبّا شوكه
سطانا شيطان شيتل شيتل ( شيت ع)
إزدقا صدق صبا صبغ
سيقلا صقيل زدقة صدقة
شوتا صوت صوم صُم (إمسك)
صلما صنم (زلم) صورا صورة
طابا طاب كهك ضحك
طوبا طوبى طاما طعم
طينا طين طمر طمر ( دفن)
ابد عبد آلمــا عالم
اتيقا عتيق ازيزا عزيز
اسرة عشرة ارقبا عقرب
كيلا كيل ( وزن ) انبا عنب
كانون كانون ك( و تقلب خ) ك ( المخاطبة)
كتانا كتان كدفا كتف
اينا عين كذبا كذب
أزل غزل غربا غرب
فتا فتى( قال) فروشتا فراشة
كاطل قاتل فم , بم فم
قبرا قبر قام قام
قرا قرأ قبل قبِِـل ( رضا)
قديما قديم قدسا قدس
قوم قُم ( انهض) قاز قز, حرير
قنينة قنينة قشوتا قسوة
لمن لمن لشانا لسان
لاغط ماسك ميّا ماء
ماردا مارد ماكولتا مأكل
هبيب محب ياقدا متوقد
مزكَا مزج مريرا مرارة( غدة)
زيفا مزيف مزيكَا مزيج
شلمانا مسالم مشكنا مسكن
مطرا مطر مشبا مسبّح
ماقيم مقيم مقام مقام ( وجود )
ملكا ملك ملاها ملاح
مملي ممتليء ملكوتا ملكوت
لبا لب (قلب ) لا لا
لمن لمن لشان لسان
من من ( اسم موصول) ملا ملأ
موتا موت من من ( للجر )
زيفا مزيف موزانيا ميزان
شلمانا مسالم مشكنا مسكن
مشيها مسيح مشبا مسبّح
مقام مقام (وجود ) مطرا مطر
ملاها ملاح ماقيم مقيم
ملكوتا ملكوت ملكا ملك
نو نوح مملي ممتليء
ناكر ناكر ناطرا ناطور ( حارس )
نفشا نفس نطفتا نطفة
ناقي نقي نفق نفق ( مات )
وردا وردة هاد واحد
هو هو هاهو هاهو
هي هي هوا هوى ( سقط )
هازا هذه هادا هذا
يهيا يحيى ياور ياور ( مساعد )
يما يم ( بحر ) يوما ( يوم ) يوم
ويل ويل يمينا/ يمين يمين

مما تقدّم من مفردات والتي تبدو قليلة بالنسبة الى لغة كاللغة الآرامية كانت السيدة الاولى في عصرها لكن يبدو ان يد اللغة العربية قد امتدت نحوها لتزيلها عن موقعها ؛فالعربية والآرامية وهما _ كما عرفنا من اللغات السامية قد استعملتا الكثير من المفردات المشتركة في المعنى والمبنى مع بعض الاختلاف هنا وهناك نتيجة لانحسار استعمال اللغة الآراميةالتي لم تستطع مقاومة تيّار اللغة العربية المتدفق بقوة لظهورالدعوةالاسلامية وما رافقها من انتشار في اصقاع مختلفة من الارض المعروفة آنذاك .؛ وكنتيجة حتمية بدأت اللغة العربية تقوى على حساب باقي اللغات السامية الموجودة أنذاك [ وكما قلت سابقاً ان اللغة تمر بأدوار تبدأ أولاً بالنمو والتطور نتيجة لقوة الشعوب التي تتكلم تلك اللغة او تبدأ بالضمور والاضمحلال لضعف المتكلمين بها نتيجة لتكلمهم اللغة الجديدة القوية مثلما يحدث الآن ونحن في الشتات ! ] وهاهي اللغة تذوي شأنها شأن هذا العالم المتغير المتطور المتقـلب ؛ فمن استعمال الكتابة الصورية الى الخط المسماري والنقش على الحجر والرقم الطينية فالخط الهيروغليفي والكتابة على ورق البردي الى الطباعة الحجرية فالطباعة الآلية ثم الكتابة بالليزر ولن يتوقف هذا التقدم والتطور ما دام الانسان يبحث وينقب عما يمكن ان يفيد الآخرين ح ونتيجة لهذاا لتطور المتسارع ظهرت مصطلحات وكلمات كانت تستعمل في مجال غير المجال الذي نستعمله في وقتنا الحاضر ح ولهذا تحوّل المتلقي تدريجياً لاستعمال المفردة الجديدة دون الالتفات الى المعنى الأصلي وذلك لطغيان المعنى الجديد بين الجيل الجديد وبالتالي سيؤدي هذا الاستعمال للمفردة من نسيان المعنى الاصلي ، من هذه الكلمات التي خرجت عن معناها الاصلي ولبست المعنى الحديث أو أنها صارت تستعمل للدلالة على أكثر من معنى لكن موقعها من الجملة هو الذي يحدد معناها ** رائع ** فهي في الاصل ( مخيف جداً ) لكنها صارت تعطي معنى * جميل جداً * لانها مشتقة من الفعل [ راع ]
ومن المفردات التي تعطي معنيين مختلفين [ حديث ] فهي تعني ** كلام ** وتعني [ جديد ] بل ان هنالك مفردات تعطي المعنى وضده مثل (( جون )) التي تعطي معنى *** أسود وأبيض ** *عين الوقت .
و لنلاحظ أن المفردة ( عين ) لها أكثر من معنى ؛ فهي [ العين ] التي نرى بواسطتها وهي ما نأخذ منها الماء وهي[ نفس الشيء ] ومثل هذه المفردة تسمى في اللغة العربية بـ[ المثلث]
وقد أثار انتباهي مؤخـراً الكلمة (( ناطر )) و( ناطرة ) والتي نعتبرها من المفردات ذات الدلالة الخاصة لانها تعني الملاك الحارس والحامي للفرد وعلى نفس الوتيرة كان استعمالها في اللهجة العاميّة العراقية وتعطي نفس الدلالة وهي ( الحارس ) وخاصة الحارس الليلي ، لكنني لاحظت أن أهل الشام وخاصة اللبنانيون يستعملون المفردة لكن بمعنى آ خر مغاير الا وهو (انتظر وينتظر ) .
وما دمنا بصدد الكتابة والتدوين فيسرني هنا أن أقتبس ما أوردته الليدي دراور عن مادة الكتابة والتدوين .

مادة الكتابة والتدوين
االمندائيون من أوائل الأقوام الذين دونوا كتبهم الدينية المقدسة والتاريخية بإعتبارها الإرث الأكثر قدسية في الحياة الدنيوية ؛ فلقد كتبوها حيناً بنقشها على ألواح الرصاص وطوراً على الخشب وفي مناسبات اخرى على ورق البردي أو على أواني الفخار كأحراز لتبعد الشر وتحرس البيت من غائلة الشر والأشرار ولتطرد الأذى عن ساكني تلك البيوت .
التدوين على الورق يحتاج الى مادة حيوية لغرض الكتابة فكان إستعمال الحبر هو الوسيلة المثلى لهذا العمل ؛ لذا ولحيوية الحبر ولقدسية المادة المكتوب بها هذا الحبر فلقد وجدت وصفات يتداولها نسّاخ كتبنا المقدسية {{ رواه ناويلهم }} لصنع هذه المادة السوداء ، منها الوصفة الآتية :
{{{ امزج الغراء واتركه الى أن يذوب ثم اغله الى درجة التبخر لمدة ستة أيام ، اسحقه في اليوم السابع واخلطه بمسحوق الفحم بنسبة مثقال واحد من الفحم الى خمسة وعشرين مثقالاً من الغراء لمدة 4-5 أيام ثم امزجه بالماء الى أن يصبح عجينة ثم بعد غليانه يصير على شكل بلورات تمزج بماء النهر ( يردنه ) .
ولعمل الحبر يجب ان يتلى عليه دعاء {{{ أسوثـا ملكـــا }} [ صلاة التسليم ]* الليدي دراور
وهنالك وصفة اخرى لعمل الديوثا {{{** الحبر **}} ( حيث يستخدم بندق العفص أو السخام المأخوذ من زيت السمك أو دهن السمك وتضاف اليه بعض الأعشاب من النوع الجيد مما يمكن الحصول عليه ) الليدي دراور .
في الختام أرجو أن أكون قد وفقت في هذا البحث والذي سبقني اليه آخرون والذين كان وسيبقى لهم سبق الريادة والتفوق لأنهم هم من بدأو هذا المشوار المضني وأخص بالذكر منهم الأستاذة المندائية الرائعة بكل المقايس ** ناجية غافل المراني** أمدها الحي الأزلي بالقوة والعزيمة وكتابها الموسوم ( مفاهيم صابئية مندائية من صفحة 166 الى صفحة 174 وكذلك الاستاذان الجليلان غضبان رومي ونعيم بدوي لما بذلاه من جهد لايصال المعلومات المندائية الينا وأخص كتاب الاستاذ *** غضبان رومي ***[[ الصابئـــة ]] الفصل الثاني عشر والثالث عشر وكذلك الشكر لبقية المندائيين الذين كان لهم باع في الترجمة ومنهم الدكتور ** أنيس زهرون الصابري ** والمهندس ** خالد كامل عودة الصابري **

والحي الأزلي ينير طريق كل من أوقد شمعة ليضيء طريق الآخرين

تحت التأسيس
المصادر :
1- علي عبدالواحد وافي : فقة اللغة ط6- طبع لجنة البيان العربي -1986
2- فريال نعمان زهرون : ندوة الاحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي [ قاعة المندي ] في 17/ 1/ 1997
3- عبدالمجيد سعدون جلاب : اسماء الأعلام المندائية في * كنزا ربّـا * رسالة ماجستير مصورة . 1997
4- سامي سعيد الأحمد : مجلة التراث الشعبي ، العددان 11/12 السنة السابعة 1976{{ اللغة البابلية في اللهجة العراقية العامية .
5- طـه باقر : من تراثنا اللغوي ما يسمّى بالعربية بالدخيل ، مطبوعات المجمع العلمي العراقي 1980
6- ناجية غافل المراني : مفاهيم صابئية مندائية – مطبعة شركة التايمس ط2 بغداد 1981
7- الليدي دراوور : الصابئة المندائيون – الكتاب الاول –ط2 / مطبعة الديواني – بغداد 1987
8- غضبان رومي الناشيء: بحث اجتماعي تاريخي ديني /ط1/مطبعة الامة /1983
9- ساباتينو موسكاتي : مدخل في قواعد اللغات السامية / مقارنة ط2/1969/ طباعة بالتصوير .
10- فرديناند دي سوسور : علم اللغة العام _ دار آفاق عربية ، ت/ د_ يوئيل يوسف 1985

الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:43

الأنهار المقدسة

اسبر اغوار نهر الروح .. من أين جئت وبأمر من .. وبالرغم من انك اصبحت عبداً لهذا الجسد الفاني ، قم انهض مجددا واتبع النظام الذي منه انحدرت وشارك في السبب المقدس.. )نص آكادي)

غالبا ما تظهر الأنهار في المعتقدات الدينية كرموز النفوذ الإلهي والاتكال الحياتي ، والانهار تستحضر صورة الطاقات العقلية والروحية ، مغلفة المستويات المتعددة للحياة الكونية والفردية لتربطنا بشكل حميمي بالمصدر الروحي الذي يغذينا ويديمنا،. وهي تتدفق دوما لتوصلنا بكل الاشياء. وقد استوعب القدامى، ومنهم المصريون، هذه الهبة الكونية فسموا مصر هبة النيل، وقدموا له الصبايا الجميلات قرابين بشرية لإرضاءه.
الأنهار المقدسة هي ليست مجرد تذكير اسطوري بحقائق منسية، انما تمثل دفق الوجود البشري "من نحن؟ وماذا نحن؟" وليست كينونة ساكنة او جامدة وانما سيلا فاعلا للبهاء الإلهي. فقد وصفها الفلاسفة منذ القدم بأنها البذرة أوالبيضة التي تحوي الخصب الكوني الذي يحبل به رحم الكون اللامتناهي زمكانيا.
وينظر لهذه البذرة على انها ثمرة الأسلاف والاكوان السابقة المليئة بالحياة والذكاء والوعي. اذ من الطبيعي تخيل هذه البذرة اللامتناهية تنبثق في لحظة معينة لتتدفق نهرا جارفا من الطاقة غامرة الكون بـ "مياه" البهاء والألق أي الفوضى البدئية التي نجم عنها خلق المجرات والمجاميع النجمية تحوي كواكب جنائنية مثل كوكبنا الأرض.
وتقدم لنا قصيدة التكوين والخلق البابلية وصفا دقيقا مدهشا لانبثاق دجلة والفرات بسلسلة من اعمال القتال، بدأت بقتل أپسوApsu وهو عنصر الذكورة في مزيج الحياة البدئية، حيث كانت تيامت Tiamat تشكل فيه عنصر الأنوثة والأمومة وكانت تحكمه وتتحكم فيه، وهي التي منحت أپسو شعارات السلطة والتألق الخارق للطبيعةMelamu . وبالنسبة لأپسو فقد تمكن الإله (أيـا) بتعويذة سحرية من اختصاصه تعطيل حركته وتجريده من شعاراته، ثم قتله، بحيث لا يتحول الى العدم بعد عملية القتل هذه بل ليصبح العنصر الرطب اي محيط المياه العذبة الباطنية، حيث يتخذ الإله أيا مقره. وعلى هذا المحيط ، يتم فيما بعد، من قبل الإله مردوخ تكوين قرص الأرض.
اما تيامت حين منحت وحدها ودون الرجوع الى مجمع الآلهة السلطة لكينغو Kingo الذي اتخذته قرينا له بعد موت او تحول أپسو. ووفقا لهذا الرأي نفسه ، كان الإله مردوخ يمثل النظام والتصور السليم يرافقه تخطيط بارع يدل على حسن استعداده للمعركة مع تيامت واختياره لسلاحه ، وبعد انتصاره على تيامت، فانه شطر جسمها الهائل الى نصفين مثل ما تشطر السمكة التي يراد تجفيفها ثم تناول نصفا وقنطره وجعل منه شكل السماء وفي موضع كبدها احدث المناطق السماوية العلوية وكوّم فوق رأسها جبلا وأخرج منه ينبوعا وفتح في عينيها دجلة والفرات كما اعد ردفها لسند السماء وسقّف نصفها الآخر لتدعيم الأرض.
ويمكننا تبيان أهمية الأنهار في فكر الانسان العراقي في كل اساطيرنا القديمة التي دونها ببراعة لا تضاهى الشعراء السومريون ومن بعدهم البابليون بما جال في خيال وتصور العقل البشري في تدوين مغامرات جلجامش وبحثه عن سر الخلود ومعنى الحياة والذي قاده الى "أبو البشرية" الذي يسكن عبر البحر مع الآلهة في "حديقة الشمس" التي تقع عند مصب الأنهار. وقد استعارت التوراة العبرية هذا التصور حيث نقرأ في سفر التكوين 10:2 "وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس".
وكما الانهار تنحدر من مصادرها البدئية ـ من الامطار والثلوج ـ فانها تجرف معها الطمي وعناصر الطبيعة الاخرى من المناطق التي تجري فيها كما تجرف معها الاقذار البشرية التي تساهم في تلويث هذه الانهار الواهبة للحياة بغض النظر عن كونها اقذارا جسدية ام روحية. لقد كان كل من هومير وافلاطون مقتنعين تماما بتصويرهم لجريان الانهار الى العوالم السفلية، اذ نجد في نظرية نشأة الكون اليونانية ان الأقيانوس التايتاتي ، هذا النهر الاسطوري قد ولد عن السماء والارض وهو اب لكل الانهار ، النهر السماوي التي تحيط مياهه بالارض. ومن بين بناته الواتي ليس لهن عد هناك اربعة منهن انهار العالم السفلي الرئيسية بالاضافة الى نهر النسيان Lethe ، وهذه الانهار تلتقي لتسيل جنوبا ملتفة حول بحيرة الجحيم Acherusian لتصب اخيرا في الجحيم Tartarus . وتقوم هذه الانهار في العالم السفلي بتنقية الارواح والعقول من آثامها وانانيتها.
ان الاساطير تروي لنا بأن الانهار هي مظهر تكاملي للنظام البيئي الروحي العقلي الجسدي من خلال جريانها عبر العوالم الثلاثة الأرضية والسماوية والسفلية. ان الاسطورة الهندوسية حول نهر الهند المقدس الغانج تمكننا من تخيل هذا النهر على انه إلهة ـ حيث انها هي الإلهة الأم (ام الغانج) الواهبة للحياة ، وهي الطاقة الأنثوية ـ الأمومية ـ الذكية العاقلة الكونية قرينة الإله سيفا Siva . وهي النهر الذي ينبع من ابهام قدم فينشو حين ثقب بقدمة قبة السماء . من فينشو حامي الكون تجري غانجا باستمرار الى رأس دورفا ، النجم القطبي ، مطهرة في طريقها كل نفس تلمسها كي تصعد الاجساد الى الفردوس . ملايين الهندوس تأتي الى مثابات ومعابر الغانج المقدسة للاغتسال وتطهير الاجساد المتعبة في مياهها المقدسة والذين يحتضرون يحتضنون ضفافها للموت هناك لكي تعبر ارواحهم نهر الحياة والموت باتجاه الحياة الابدية.
وراء هذه الطقوس والرموز تكمن حكمة كونية ملهمة. افكارها المركزية تعبر عنها بوضوح استثنائي الثيوصوفية** المندائية. فمن البيئة المائية ، لأهوار دجلة والفرات، التي استوطنها المندائيون الناصورائيون اصحاب "الألق المعرفي" ظهرت افكارهم التي ارتبطت ارتباطا روحيا وعضويا بهذه المياه. ان الكوزمولوجيا المندائية تشير الى الكينونة الأسمى بـ "الحياة العظمى" التي توصف بانها غريبة متفردة ـ نكرايي ـ بمعنى انها بعيدة لايمكن فهم كينونتها لكونها تفوق الوصف. وبسبب غموضها وتجريدها فان المندائيين يتكلمون عنها دوما بصيغة الجمع الحيادي.
ان رمز الحياة العظيمة (هيي ربي) هو الماء الحي، الذي يسميه المندائيون (يردنا) وهو العنصر الاساسي الذي ترتكز عليه طقوسهم وعلى الخصوص (الصباغة) ـ التعميد ـ التي يجب ان تتم في الماء الجاري (الحي) ولا يجوز ارتماسهم في ماء تحيط به يابسة لأنه ماءا راكدا و(ميتا). ويردنا هي تسمية المندائيين لكل نهر جاري ـ ارضي أو سماوي ـ ويصرون على انه ليس اشارة مباشرة للأردن ولنهره. ان المندائين يعتقدون بأن كل الانهار تنبع من مصدر سماوي ـ نهرا نقيا يدعى الفرات البهي ـ "فراش زيوا".
أدبيات المندائيين تشرح لنا بأن نهر الحياة والنور يجري من نقطة واحدة (رحم) خفية لا يعرف سرها الا الحياة العظمى، الا ان ادعية معينة تقول بأن البهاء (الألق) ـ زيوا ـ هو الذي يرفع حرارة هذا المركز التوليدي ـ الرحم ـ مسببا ذوبانه وجريانه من (مشكنته)، اي من بيت الحياة ـ بيت هيي ـ أي الكون.
ومن هنا نستطيع الوصول لفهم امثل لطقوس الصباغة (التعميد) المندائية. ان الصباغة اليومية هي التعبير المادي الأقصى لما يحدث في حياة المندائين الفكرية والروحية. وهذا الارتماس في المياه الجارية التي تمثل اليردنا السماوي هو في الواقع تمثيلا للفعاليات الخلاقة لما يحدث في عالم النور ـ آلما د نهورا ـ ان هذه الطقوس التي تسمى (مصبوتا) تهدف الى تنقية المرء حيث يدخل الى هذه المياه (مجازيا) "اسودا" ليخرج منها "ابيضا" ، أي يدخل اليردنا نجسا او ملوثا ليخرج منها نقيا.
والماء الذي يعكس النور يعتبر شكلا من اشكال النور. فالشخص المصطبغ حديثا يعتبر مرتديا "حلة النور". وفكرة ان الفلك مملوء بضياء سائل والماء شكل مكثف من اشكاله، تظهر في الاعتقاد بوجود الزوارق الفلكية التي يرسمها المندائيون في منمنماتهم. والماء مع ذلك ليس كله سائلا سحريا واهبا للحياة . ان جزءا واحدا (مثقالا) من تسعة اجزاء (مثاقيل) منه فقط هي الماء الروحي الحيوي ـ ماء الحياة الذي يديم جسم الانسان، وسائر الاجزاء الاخرى تسمى ((تاهمي)) وهي سائل عديم الحياة يمر باستمرار في طريقه الى مياه البحار المرة جارفا معه فضلات ونجاسات الجسم البشري ، في حين يقوم الماء الحي باداء واجبه او يرتفع الى السماء مرة اخرى حيث الـ " يردنا" السماوية " فراش زيوا" او الفرات النوراني.
ان المياه النجسة كلها تصب في بحر العالم القريب من عوالم الظلمات ذات المياه السوداء الداكنة جدا، التي تغلي وتفور وتلتوي، من يشرب منه يمت وكل من يخوض فيها يحترق. ما من احد يطيق رائحتها باستناء ذلكم الذي خرج منه.
ان طقوس الاغتسال بالماء التي تقام مع اجراءات وأدعية وصلوات معينة هي بمثابة احتفال ديني تجلب جميع خواص هذا الماء السماوي وتضعها موضع التطبيق وتجعل متناوله قادرا على الاستفادة منه. هذه الاراء قديمة قدما سحيقا وتشير الى استمرارية الفكر والتقاليد. فمياه دجلة والفرات والكارون والزاب هي ذات قداسة متساوية لأن جميعها تحتوي على هذا الجزء السحري من الماء "ميا هيي" او ماء الحياة. والـ "يردنا" هي العلامة الخاصة بالمندائين الذي بدونه لا تتم مراسيم ـ طقوس ـ الصباغة :
" روشـمـي إمـشـي روشـمـي بـيـردنـا ربـا اد مـيـا هـيـي اد انـش ابـهـيـلـي لا مصـي . اشـم اد هـيـي واشــم اد مـنـدا اد هـيـي مـدخـر إلـي"
(( ان علامتي هي اليردنا العظمى الماء الحي الذي لا يستطيع الانسان ان يحصل عليه بقوته وحده. ان اسم الحياة واسم مندادهيي منطوقان علي)).
ان ولادة الماء الحي ، وفق نظرية الخلق المندائية، لم تأتي هينة يسيرة بل مرت بمخاضات عسيرة منذ ان حددت المانات العظمى لحظة البدء التي نشأت منها الاكوان والسموات التي امتدت اتساعا فيها النجوم تبزغ فتومض فيها متلألئة. وكانت هنالك مياهً وحرارة حية وحرارة آكلة في السماء ذات النجوم المنتشرة وپتاهيل المكلف بالخلق يذرع الاكوان يريد لها فكاكا من الظلمات والنيران الآكلة التي تلفها.
لقد صاغ پتاهيل النار من الثمرة والشجرة والكرمة ـ ومن هذه النار الحية خلقت المياه الحية في دار الحياة، ثم اتى بها پتاهيل الى تيبل ـ الأرض ـ ولكن الحرارة الحية تغيرت فغدا الماء بيده بدون لمعان. بثاهيل حاول كل شيء غير ان الماء لم يعد عذبا حلو المذاق فأمرت الحياة الحياة العظمى مندا اد هيي ان يمضي الى قمة الماء ليسحب جرعة خفيفة من الماء الجاري الحي ويتركها تجري حتى تسقط اخيرا في الماء العكر وتنساب معه، عند ذاك اصبح الماء حلوا فشرب منه بنو آدم وغدو شبيهين بالحياة.
ان الماء الحي هو النهر المندائي المقدس ـ نهر پرياوس ـ الذي ينبع من بوابة الشمال، من تحت عرش الحياة الكبرى عبر مياه الظلمات التي تحيط بتيبل ـ الأرض ـ من كل حدب وصوب اذ انه ليس وفي وسع قوى الظلام ان تقطع الماء الحي النهر المقدس ( يردنا ) عن مقام النور.

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:41

الصابئة المندائيون في العراق القديم

لا أحد يعلم على وجه التحديد متى ظهر الصابئة المندائيون في العراق القديم ، ولكن اسمهم ارتبط بالنبي ابراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر نانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان ابراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام وودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم [ لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ] ملك الهة ما هو فوق وما هو تحت [ رب السماوات والارض] . وقد آمن الصابئة المندائيون بتعاليمه واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها الى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم معه الى حران والقسم الآخر بقي في العراق ، وقد عرفـوا فيما بعد بـ [ ناصورايي اد كوشطا ] اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة [أي ـ كاشونمال ] ـ بيت مندا (بيت المعرفة) فيما بعد ـ على ضفاف الانهار في وادي الرافدين لعبادة مار اد ربوثا ( الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من النجم القطبي (اباثر) الذي دعاه السومريون (( نيبورو )) قبلة لهم. كما ارتبطت طقوسهم بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها ادگـلات وپـورانون (دجلة والفرات) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما د نهورا (عالم النور) الذي اليه يعودون . ومفهوم الاغتسال والتغطيس (التعميد) مفهوم رافـديني قديم ورد في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور: (( شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك ، اناشيدك تحولت الى أنين ، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم ، يفتش لنفسه عن مكان امامك)).

والصابئة المندائيون هم شعب آرامي عراقي قديم ولغته هي اللغة الآرامية الشرقية المتأثرة كثيرا بالاكدية . وقد تواجد الآراميون جنبا الى جنب مع السومريين والأموريين والكلدان وغيرهم ، واستوطنوا وسط العراق وبالأخص المنطقة الممتدة من بغداد وسامراء من ناحية دجلة وليس من ناحية شبه جزيرة العرب، في وقت مبكر قد يصل الى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد . وقد عثر المنقبون على وثيقة أكدية ـ نقش ـ منذ عهد نارام ـ سن 2507 ـ 2452 ق.م تتحدث عن انتصاره على مدينتي شيروم ( سامراء) وآرامي ، ويستدل على انهما تقعان في منطقة شرق دجلة بين الزاب الأسفل وديالى، ثم انتشروا في كل العراق، على ما يبدو.

وفي العهد البابلي الأخير تبنى العراقيون ، وكل شعوب المنطقة اللغة الآرامية لغة رسمية لأسباب كثيرة واستخدمت بكثرة في بابل والقسم الاوسط من العراق القديم وكانت اللغة المهيمنة في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين وما يعرف الآن ببلاد خوزستان في ايران وهي نفس اللغة التي يستخدمها الصابئة المندائيون اليوم في كتبهم ونصوصهم الدينية . لقد امتهن المندائيون في تلك الحقبة نسخ العقود والمخطوطات وكتابة الرقى وتولعوا بالارقام ومراقبة والنجوم وافلاكها وزاولوا الطب بنوعيه الروحاني والسريري (الأشيـپو والآسي) والتي ورثوها عن الأكديين ، حيث كان الأشيـپـو يعالجون المرضى بطرد الارواح الشريرة بواسطة الطقوس السحرية وقراءة التعاويذ وكتابة الرقى وأوعية الاحراز، خصوصا اذا علمنا بأن سكان وادي الرافدين كانوا يعتقدون بأن الأمراض هي عقاب يوقعه الالهة على البشر نتيجة للآثام والخطايا التي يقترفونها، في حين يقوم الآسين، وهم الصيادلة (العشابون)، باعداد الوصفات الدوائية للمرضى .

ان العثور على أوعية السحر (الاحراز) في مناطق شاسعة من العراق شاهد على انتشار المندائيين في وادي الرافدين واستخدام لغتهم ذات الأبجدية المميزة. لقد تأثر كتبة التلمود البابلي منتصف الألف الأول قبل الميلاد بالمندائية حيث نجد بصمات هذه اللغة واضحة تماما في سفري دانيال وعزرا من كتاب التوراة، كما تأثرت بمعتقداتهم الكثير من الديانات كالمانوية وغيرها. ان المندائيين لا بد ان يكونوا قد وصلوا الى بلاد عيلام (خوزستان الحالية) في القرن الثاني الميلادي عبر شمال بابل وبلاد ميديا ، وان الدين المندائي قد وصل حينئذ الى مرحلة من النضج واحتوى على النصوص المقدسة والطقوس الدينية التي نعرفها في وقتنا هذا. وكل هذه النصوص تشير الى الغرب اي الى منطقة حوض الاردن اي ان اصولهم من هناك وان بدأت التأثيرات البابلية والفارسية تظهر لديهم واضحة في أدبياتهم.

إن اول اسم يذكر في تاريخ المندائيين هو امرأة اسمها ( شلاما بنت قدرا ) ، وهذه المرأة ، التي تسمى باسم امها / او معلمتها في الكهانة ، هي اقدم امرأة (اسم شخص مندائي ) ورد اسمه على انه ناسخ النص المعروف بالكنزا شمالا كتاب المندائيين المقدس الذي يتألف من قسمين (يمين شمال) والجزء الأيسر بشكل نصوص شعرية يتناول صعود النفس الى عالم النور .. و[الكنزا ربا] هو اقدم نص مندائي . وشلاما هذه يعود تاريخها الى سنة 200 بعد الميلاد ، وهي بذلك تسبق بعدة اجيال الناسخ المندائي الشهير زازاي بر گـويزطه سنة 270 بعد الميلاد والذي يعودالى حقبة ماني)) .

لا يمكننا اليوم البت تماما فيما اذا كان الناس الذين يتحدثون بالارامية في مناطق شوشتر و ديزفول و عيلام و سوسة هم من اصول مندائية ، ولكن الكتابات الآرامية التي وجدت في الأهواز والتي تعود الى القرن الثاني هي هي مقاربة للأحرف المندائية. إن الكتابة المندائية قد سبقت العيلامية، كما اثبتت البحوث الحديثة قدم وجودهم في مناطق العراق الجنوبية حيث عثر على قطع نقود تحمل كتابات مندائية ، وتعود تلك النقود الى حدود سنة 150 ميلادية ، كما عثر على نصوص مندائية منقوشة على الواح رصاصية تعود لنفس الفترة التاريخية.

في زمن الدولة الفارسية تمتع المندائيون تحت حكم الملك ادشير الأخير بحماية الدولة (الامبراطورية) ولكن الأمر تغير حين جاء الى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273 ، اذ قام باعدام ( ماني ) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير ) . وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل اتباع الديانات الاخرى الغير زرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية. ويمكننا ان ننتهي الى ان المندائيين قاموا بجمع تراثهم وأدبهم الديني وترتيبه وحفظه وهذا واضح في الجهود المكثفة التي قام بها الناسخ (زازاي ) في هذا المجال.

وبالرغم من حملة الاضطهاد الشعواء التي قادها الحبر الاعظم للزرادشت (كاردير) الى انه لم يستطع القضاء تماما على المندائية، ولكن التدوين توقف تماما لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية الا فيما يسمى بأوعية ( قحوف ) الاحراز والأشرطة الرصاصية . ان المدونات المندائية التي عثر عليها كانت جميعها قد نشأت في بلاد الرافدين والتي يعود بعضها الى القرن الرابع الميلادي، والقسم الأكبر قد دون قبل ظهور الاسلام، الا ان محاولات التأليف المندائية لم تنقطع بظهوره وانما واصلت اعمالها تحت ظله الى ما بعد قرون عديدة.

لقد اصبح المندائيون في العصر الساساني الكتبة والنساخ الرئيسيين للوثائق الرسمية وعمل التعاويذ السحرية بكل اللهجات السائدة ، واهتموا باللغات فاصبحوا همزة الوصل بين الاقوام العربية والارامية وبين الفرس الساسانيين ومن ثم الجيوش اليونانية التي غزت العراق في القرن الرابع قبل الميلاد واتخذت من بابل عاصمة لها تحت قيادة الاسكندر المقدوني، وقاموا بترجمة اساطير وعلوم بابل الى لغة الأغريق . وبناء عليه يمكننا ان نطلق عليهم تسمية (مثقفو) العراق في تلك الحقبة، وقد اتخذ خالد ابن الوليد اثناء اقامته في الحيرة كاتبا ومترجما (سكرتيرا) مندائيا يدعى (مـُرَّة) ليقوم بكتابة الرسائل بالفارسية والآرامية والعربية.

كانت الكثرة من اهل المدائن (طيسفون) عاصمة الفرس الساسانيين الشتوية من الاراميين والمندائيين و فيها لهم معابد عديدة، وازدادت اعدادهم في الفترة الساسانية خصوصا شرق دجلة وضفاف الكرخة والكارون فاستوطنوا ديزفول (عاصمة بلاد عيلام) والاهواز والخفاجية والبسيتين والمحمرة وكان اغلب سكان شوشتر من المندائيين الصابئة، كما اصبحت الطيب (طيب ماثا) اهم حاضرة لهم. وتفوقوا في صناعة الذهب والفضة والاحجار الكريمة التي كانت تجلب من مملكة آراتا في المرتفعات الايرانية. اما القسم الاكبر منهم فقد امتهن الفلاحة وزراعة الارض واستوطنوا الاهوار وضفاف الانهار وقاموا بتنظيم قنوات الري في ارض السواد ، وأسسوا لهم حواضر مهمة مثل كـوثـا و سـورا ، وقد اطلق عليهم العرب تسمية انباط او ( نبت ) كونهم ينبتون الآرض وقد ذكرهم الامام علي (ع) بقوله نحن من قريش وقريش من النبط والنبط من كوثى.

لقد قدمت بابل ومملكتي فارس وميديا ظروفا طبيعية ملائمة لنمو عقائد دينية توفق بين التقاليد والشعائر القديمة وبين الافكار القادمة من الحضارة الصينية القديمة بواسطة فلاسفة الهند الفيديين ، تلك الافكار التي جددت عقائد الناس وبعثت فيهم الروحانيين والهمتهم خلود الروح وان مصدرها الكائن الالهي فاصبحت بلاد الرافدين بوتقة (كوزموبوليتينية) ضمت ديانات عديدة كالزرادشتية والمجوسية واليهودية والمندائية (المعرفية) والغنوصية والمانوية والمسيحية بالاضافة الى عقائد الاقدمين من سكان وادي الرافدين، واقواما مختلفة كالفرس والاراميين والبابليين والكلدان والاشوريين، والعبرانيين الذين سباهم نبوخذنصر، والعرب والارمن، والاغريق الذين جلبهم الاسكندر من مكدونيا.

وعلى صعيد آخر برزت مدينة حرّان (حرانو) في الشمال والتي هاجر اليها قسم من الصابئة مع ابراهيم الخليل كاحدى المراكز الرئيسية للحضارة الآرامية ووارثة حضارات الشرق الأدنى القديم من بابلية وآشورية وكنعانية وكلدانية، والبوابة التي تمر من عبرها حضارات فارس والشرق من جهة وحضارات اليونان والرومان خصوصا بعد فتوحات الاسكندر الاكبر (323 ) قبل الميلاد ونتيجة لذلك برع صابئة حران في الترجمة واصبحوا النقلة الأساسيون للحضارة الغربية الهلنستية الى الدولة العربية الاسلامية فيما بعد.

وفي الحقيقة كان المندائيون قد اعتبروا من قبل الاسلام على انهم من اهل الكتاب ، اذ ان بالتعبير (( الصابئين )) الذي ورد في القرآن الكريم، بثلاث ايات لا تقبل التأويل، لم يقصد بلا شك الا تلك الجماعة العراقية الموغلة في القدم التي آمنت بالتوحيد و اتخذت التعميد شعارا ورمزا لها. اما النص المندائي التاريخي الأهم هو الذ ي يبين بأنه عندما جاء الاسلام وجعل يميز بين الاديان ذات الكتب المنزلة والاديان التي لم تكن موجهة من السماء قدم الريشما ( آنوش بن دنقا ) 639 ـ 640 ميلادية ـ الذي ترأس وفد الصابئة المندائيون ـ كتابهم المقدس كنزا ربا (الكنز الكبير) للقائد العربي الاسلامي آنذاك ، وربما كان سعد بن ابي وقاص، واطلعه على ديانتهم كما ذكر له بأن نبيهم هو يحيى بن زكريا الذي يجله المسلمون فقبل منهم ذلك واكرمهم.

وليس من شك في ان مؤهلاتهم العقلية وخدمات بعض نوابغهم العلمية هي التي اهابت بالمسلمين الى منحهم الحماية كأهل الكتاب، وبرز منهم المئات من امثال ثابت بن قرة وابو اسحق الصابي والبتاني الفلكي وابن وحشية (صاحب كتاب الفلاحة النبطية) وسنان بن ثابت و الكيماوي الشهير جابر بن حيان.

وقد اجبرت جموعهم ، فيما بعد، الى الاسلام، لأن الدخول الى الاسلام لم يكن هناك بدا عنه، فقد قضت المصلحة الفردية به من وراءها حب التخلص من تأدية الجزية وما فيها من اذلال والتهرب من الاذى والرغبة في المناصب والتمتع بالحرية والامان، كما ارتكبت بحقهم العديد من المذابح . ونتيجة لذلك تناقصت اعدادهم تدريجيا وباتوا على شفير الانقراض. لقد احصى المستشرق الالماني بيترمان المندائيين في جنوب العراق فوجدهم بحدود (560) عائلة، وذلك في سنة 1841 .

ومهما قيل في اصل الصابئة المندائيون فإن وجودهم في العراق منذ منذ اقدم العصور لا يختلف عليه اثنان . فهم الباقون منذ القدم شهودا على عظمة ارض الرافدين التي كانت مهدا للحضارة البشرية.

نشرت في تاريخ

صفحات نادرة من حياة الليدي دراور ( أثل ستيفانا ) التي عايشت الصابئة المندائيين في العراق

يعود الفضل في اكثر الدراسات التي ظهرت في بريطانيا بداية القرن العشرين حول الصابئة المندائيين للمستشرقة الأنجليزية الليدي دراور التي عايشتهم مدة تزيد عن الأربعين عاما في اماكن تواجدهم في بغداد و جنوب وادي الرافدين.

ولدت أثل مي ستيفنسن ـ وهذا هو اسمها قبل الزواج ـ سنة 1879 في لندن وقضت طفولتها المبكرة في نيو فوريست حيث كان والدها يعمل قسيسا في كنيسة بيرلي . وكانت تتردد في شبابها على جماعات الغجر في منطقة فوريست فتعلمت لغتهم . وعندما انتقلت عائلتها الى ساوث هامبتون بعد ان عين والدها رئيسا لأبرشية المدينة قامت بوضع قاموس عن لغة الغجر بعد ان استعانت بكتاب خاص عن قواعد اللغة السنسكريتية . وعلى الرغم من هذا القاموس لم ينشر في حينه الا انه عد دليلا على اهتماماتها اللغوية التي تخصصت فيها فيما بعد.

كانت اثل متفوقة في دروسها الا انه لم تتوفر لذويها الاموال الكافية لارسالها للجامعة، فسافرت الى المانيا لدراسة الموسيقى والعزف على آلة الكمان ولكن سرعان ما تملكها الملل فعادت الى بريطانيا بعدما شعرت ان لديها الرغبة في الكتابة . التحقت اثل بمدرسة خاصة بالصحافة في لندن اتاحت لها تدريبا ممتازا في مجال مراجعة ونقد الكتب المعدة للنشر وكذلك اعداد التقارير واجراء المقابلات الصحفية . وقد توفرت لها فيما بعد فرصة طيبة للعمل سكرتيرة لدوغلاس سليدن صاحب موسوعة Who Is Who المعروفة التي كان يتهافت عليها المشاهير لنشر اسمائهم فيها فتعرفت على كثير من الادباء والمؤلفين والنقاد والمترجمين والمستشرقين والشعراء واقامت نوعا من الصداقات مع بعضهم .

رافقت اثل سليدن وزوجته وابنه الى جزيرة صقلية التي كان سليدن يعد كتابا سياحيا عن منتجعها الشتوي في ساراكوزا وكانت مهمة اثل هي جمع المعلومات المتعلقة بتاريخ وتراث وتقاليد شعب صقلية . وفي هذه الاثناء بدأ سليدن يناديها باسم ( ستيفانا ) تحببا ، وبقي هذا الاسم مرافقا لها واصبح الجميع يناديها به ، حتى عائلتها . وقد سافرت ستيفانا مع سليدن وعائلته الى تونس هذه المرة لوضع كتاب سياحي عن معالمها وساهمت هي بكتابة بعض فصوله .

تولهت ستيفانا بتونس وشرعت بتعلم اللغة العربية والكتابة عن سحر هذه البلاد وشيوخها وامرائها وآثارها الفريدة ومدنها القديمة كقرطاج ، وبعد انتهاء مهمتها مع سليدن عادت الى لندن وعملت في دار للنشر والتأليف ولكن حنينها لتونس جعلها تقترض بعض المال فعادت اليها بصحبة صديقة لها واقامتا في مدينة القيروان التي كانت مهدا لروايتها الأولى ( النقاب ) وكانت رواية رومانسية قامت بنشرها مؤسسة ميلز اند بون . لاقت هذه الرواية رواجا كبيرا مما امن لها دخلا جيدا اتاح لها التجوال في منطقة الشرق الاوسط خلال السنين التالية ، فسافرت الى اسطنبول اولا ثم حيفا والقدس حيث التقت في جبل الكرمل بعبد البهاء الرئيس الروحي والديني للبهائيين واقامت صداقة حميمة مع بناته . توسم عبد البهاء في ستيفانا ذكاءا متوقدا الا انه لم يفلح في اقناعها باعتناق البهائية بالرغم من القائه المواعظ الدينية الطويلة عليها . وفي هذه الاثناء الفت روايتها الثانية ( جبل الله ) التي مازال البهائيون يعتزون بها ايما اعتزاز .

ابحرت ستيفانا في عام 1910 من القاهرة جنوبا على متن زورق حكومي في النيل باتجاه السودان مخترقا اراضي الدنكا والشيلوك التي تعج بالافيال والتماسيح والفت اثناء ذلك رواية ثالثة. وعند وصولها الخرطوم التقت بمحام انجليزي شاب يدعى أدوين دراور يعمل هناك فتوثقت علاقتهما وتزوجا في لندن في اجازة الصيف التالي ورزقا ببنت هي مارجريت (التي اصبحت عالمة مرموقة بتاريخ وآثار الحضارة المصرية ) وولد هو بيل. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى التحق أدوين بالجيش وعين ضابطا بشعبة تابعة للاستخبارات العسكرية البريطانية في نيويورك . أما زوجته ستيفانا فانتقلت مع طفليها مارجريت وبيل الى وينشستر ، وهناك كتبت عدة روايات كانت احداها عن الغجر .

وبعد ان وضعت الحرب العظمى اوزارها في ربيع سنة 1919 عين أدوين دراور قاضيا في البصرة لاتقانه اللغة العربية ولضلوعه بالقوانين التركية ـ اي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني . وبعد سنتين تم نقله الى بغداد مستشارا قانونيا للدولة العراقية قبيل تأسيسها فالتحقت به زوجته ستيفانا اواخر سنة 1920 ، وكانت سعيدة بقدومها الى بلد عربي ، بالرغم من قلقها على طفليها اللذان تركتهما في انجلترا برعاية جدتهم وجدهم لأبيهم .

كان السفر من بريطانيا الى العراق عن طريق البحر يستغرق وقتا طويلا لكونه يمر حول الجزيرة العربية ومن ثم الى الخليج فالبصرة ، الى ان قامت شركة ( نيرن أخوان ) بتسيير رحلات برية من بغداد الى دمشق عبر الصحراء بواسطة سيارات مكشوفة ثم بالباصات ، وكانت الرحلة تستغرق يومين . ومن دمشق كان باستطاعة المسافر الى انجلترا ان يكمل رحلته الى لبنان و من ثم الى حيفا حيث يستقل احد المراكب المتوجهة الى جنوا او مارسيليا ومن هناك الى كاليه في فرنسا بالقطارات ثم بالعبارات الى دوفر ومنها الى لندن. وقد قامت السيدة دراور بهذه الرحلة اربعا وثلاثين مرة على الاقل قبل تسيير خط سكك حديد موصل ـ حلب ـ اسطنبول الذي كان استهلالا لتسيير قطار الشرق السريع المعروف .

لقد وجدت ستيفانا دراور نفسها في مكان مألوف فاختلطت بالعراقيين ودارت في شوارع وأزقة واسواق بغداد وتعرفت على طبيعة الناس على العكس من باقي زوجات الموظفين والضباط البريطانيين اللواتي كن يمضين وقتهن بلعب ( البريدج ) والتنس والسباحة في النادي البريطاني المعروف حاليا بنادي ( العلوية ). وسافرت الى الموصل والى الشيخ عدي والتقت باليزيدين وذهبت حتى مضارب عشائر شمَّر في بادية الموصل واستقبلها الشيخ عجيل الياور ورحب بها . وبتشجيع من زوجها عملت دراور على جمع الموروث الفولكلوري العراقي ، وكانت مهتمة الى حد بعيد بالقصص والحكايات الشعبية تستمع لرواتها وتدون ما يحكوه لها . وكانت احداهن وتدعى ( ليلي ) تزورها وتجلس معها الساعات الطوال في حديقة دارها وهي تروي لها ما تحفظه . وقد جمعت هذه الحكايات في كتاب اصدرته سنة 1931 وكان بعنوان ( حكايات شعبية من العراق ) .

ولدى اقامتها في البصرة لفت انتباهها مجموعة غريبة من الناس تعيش في مناطق الاهوار ودلتا نهر دجلة وكذلك في المحمرة والاهواز وكانت بيوتهم من البردي والقصب ويمتهنون صناعة القوارب والحدادة وصياغة الفضة والذهب ويتحدثون بالعربية ولكن لهم لغتهم الخاصة التي يدونون بها كتبهم المقدسة التي استنسخوها جيلا بعد جيل ، ويطلقون على انفسهم تسمية المندائيين او مندايي ، ولكن جيرانهم العرب يسمونهم الصبَّة ومفردها صَبّي ، وتتمحور طقوسهم حول كوخ من القصب يسمونه ( مندي ) وتشمل هذه الطقوس الارتماس بالماء الجاري ويقوم بها رجال دينهم الملتحون كما تشتمل هذه الطقوس على وجبة طعام قدسية لا تختلف كثيرا عن وجبة التناول المقدسة لدى المسيحيين مما جعل الغربيين يسمونهم مسيحيو يوحنا المعمدان . لقد اثارت هذه الطائفة فضول دراور الشديد فقررت التقرب من المندائيين فرحبوا بها كثيرا وابدوا استعدادهم لمعاونتها في التعرف على لغتهم ودينهم وعاداتهم وطقوسهم ، فقضت الساعات الطوال وهي تراقبهم اثناء تأديتهم مراسيم ديانتهم وطقوسهم وتدونها بدقة وبكل تفاصيلها في سجل خاص وتلتقط لهم الصور الفوتغرافية بآلة التصوير التي لا تفارقها .

وفي عام 1923 نشرت دراور كتابها الثاني اثناء وجودها في العراق وكان بعنوان (على ضفاف دجلة والفرات) ضمنته فصلا كاملا عن المندائيين كان بعنوان ( شعب غريب الاطوار) دونت فيه وبشكل مفصل طقوس التعميد المندائية ، كما اشارت الى بعض كتبهم المقدسة . وقد طلبت دراور من بعض رجال الدين المندائيين نسخ بعض الكتب المندائية والدواوين المقدسة فتم لها ما ارادت . وكانت دارور تسافر من بغداد ـ محل اقامتها ـ الى العمارة مرة واحدة على الأقل في كل سنة لتلتقي بالمندائيين هناك ولكي تستكمل بحوثها عنهم وخصوصا في ايام عيد الخليقة الذي يطلق عليه العامة (البنجة) اي الخمسة ايام المقدسة التي تتوافق مع اعياد الربيع .

ومنذ بدايات اهتمامها بهذه الطائفة صممت دراور على تعلم اللغة المندائية فاستعانت لهذا الغرض باحد معارفها في فيينا ليحصل لها على اعمال المستشرقين الذين سبقوها بدراسة النصوص المندائية مثل البرفسور ليدزبارسكي ونولدكه والسيوفي وآخرين كخطوة مهمة أولى، وبدات بتعليم نفسها ذاتيا اللغة المندائية . ولصعوبة هذه اللغة وعدم توفر قاموس خاص بها يساعدها في هذه المهمة ، شجعها الدكتور موسيس كاستور على البدء في عمل قاموس مندائي كما بين لها طريقة عمل القاموس وذلك بتدوين كل كلمة على بطاقة منفصلة وفق حروفها الابجدية . وفعلا اوصت دراور على صندوق معدني ذو ادراج خشبية تحتفظ فيه بالبطاقات مفهرسة. وفي عام 1937 قامت بنشر كتابها الشامل عن المندائيين وكان بعنوان ( مندائيو العراق وايران ) والذي قام بترجمته الى العربية فيما بعد كل من المندائيين نعيم بدوي وغضبان رومي باسم (الصابئة المندائيون).

وفي عام 1942 اندلعت ازمة سياسية في العراق ، والذي كان يرزح تحت الانتداب ، تمثلت بحركة رشيد عالي الكيلاني ضد حكومة نوري السعيد الموالية لبريطانيا، فاحتمى الموظفون البريطانيون داخل مبنى السفارة البريطانية وكذلك في سفارة الولايات المتحدة الامريكية التي لم تكن قد دخلت الحرب العالمية الثانية بعد. اما النساء والاطفال البريطانيين فتم اجلائهم بما خف حمله وهو عبارة عن حقيبة ملابس واحدة لكل عائلة بناء على الاوامر التي وصلت من لندن الى السفارة البريطانية في بغداد على عجل . وقد رفضت دراور مغادرة العراق ما لم يسمح لها بأخذ الصندوق الثمين الذي يحتوي على القاموس المندائي والتها الكاتبة وكتبها ومدوناتها الخاصة بالمندائيين. وبناء على اصرارها صرح لها بذلك فغادرت مع البقية الى البصرة ومن ثم بالباخرة الى الهند . واثناء فترة بقائها في الهند اطلعت عن كثب على طقوس (البارسي) الشبيهة بالطقوس المندائية ودونت الكثير من الملاحظات عنها والتي ضمنتها في كتابها على شكل هوامش ومقارنات .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عادت دراور الى بريطانيا وعكفت على ترجمة الكتب والنصوص المندائية ونشرها وعلى اكمال القاموس المندائي . وفي هذه الاثناء منحت بريطانيا زوجها ادوين دراور لقب فارس لأداءه المتميز في خدمة التاج البريطاني ، ولكن صحته تردت بعد ذلك وتوفي في عام 1951 نتيجة عجز اصاب كليتيه بسبب حرارة الصيف اللاهبة التي تعرض لها اثناء خدمته في العراق . وبعد وفاة زوجها قررت ستيفانا الانتقال الى مدينة أوكسفورد حيث كان يسكن العديد من زملائها الباحثين واصدقائها المقربين ، وكان قرارا صائبا اذ نعمت بزياراتهم التي خففت عنها وحدتها وهي في بيتها الصغير ، كما ان سكنها بالقرب من جامعة اوكسفورد اتاح لها ارتياد مكتبة (بولدين) الضخمة والتابعة للجامعة بسهولة ويسر .

ومن اجل ان يكون عملها مستوفيا كل شروط البحث العلمي ادركت دراور بأنه يترتب عليها القيام بتسجيل صوتي للغة المندائية مباشرة من رجال الدين المندائيين اثناء تأديتهم لطقوسهم الدينية ، فعادت الى العراق سنة 1952 وبدأت بتنفيذ هذا المشروع بعد ان ساعدتها شركة نفط العراق باحضار آلة التسجيل جوا . كما تبرع احد موظفي الشركة المذكورة بتزويدها بكاميرا سينمائية وتطوعت زوجة ذلك الموظف بمرافقتها الى العمارة ومناطق الاهوار حيث يقيم المندائيون لمساعدتها في هذا العمل ، فسافرتا الى قلعة صالح وانجزتا تسجيل الفيلم بالرغم من مرض دراور الشديد نتيجة اصابتها بالملاريا . وقد عرضت دراور الفيلم اول مرة اثناء انعقاد المؤتمر الشرقي في جامعة كامبردج عام 1953 والذي حضره جمع غفير من العلماء المختصين من كل انحاء العالم. وفي أوكسفورد استمرت بالعمل على انجاز القاموس المندائي ولكنها شعرت انها بحاجة لمن يتقن اللغات السامية ، فقامت باستدعاء شابا تشيكيا يدعى رودولف ماتسوخ يعمل استاذا في جامعة طهران لمساعدتها في انجاز القاموس . كان التعاون مثمرا وتكللت جهودهما المشتركة باصدار أول قاموس للغة الآرامية المندائية وذلك في اوائل سنة 1963 .

دأبت دراور على شراء الكتب المندائية من رجال الدين الصابئة ومنهم الشيخ نجم فجمعت نحو ستين منها كونت مجموعة نادرة قامت بإهدائها فيما بعد الى مكتبة بولدين مع التسجيلات الصوتية والافلام لينتفع منها طالبو العلم ، وقد ترجمت هي تسع من هذه الكتب النادرة من المندائية الى الانجليزية.

منحتها جامعة اوكسفورد شهادة الدكتوراه الفخرية عام 1954 لبحوثها المهمة في مجال دراسة طائفة الصابئة المندائيين مما اسبغ عليها سعادة غامرة عوضتها عن عدم التحاقها بالجامعة عندما كانت شابة في مقتبل العمر ، كما منحتها جامعة ( اوبسالا ) السويدية شهادة مماثلة تقديرا لجهودها العملية الكبيرة مجال الصابئة المندائيين . وفي صيف عام 1964 استدعتها السفارة الألمانية في لندن وقلدتها نيابة عن الحكومة الألمانية أعلى وسام في الدراسات السامية وهو وسام ليدزبارسكي تثمينا لها على ما ماقامت به من بحوث وتراجم حول المندائيين والتي استمرت لأكثر من نصف قرن.

قضت الليدي دراور ايامها الأخيرة بسلام في دار لرعاية المسنين شمال لندن وكان يزورها افراد اسرتها واصدقائها وزملائها باستمرار وتوفيت سنة 1972 عن عمر ناهز 92 عاما . وقد دونت في مذكراتها عن طائفة الصابئة المندائيين ما يلي : " ان تتمكن طائفة غنوصية قديمة من البقاء حتى وقتنا الراهن هو امر مثير للعجب , وأن تصان الكثير من كتبهم وتعاليمهم السرية ودواوينهم الطقسية هو اقرب ما يكون للمعجزة . ان هذه الطائفة تضمحل بسرعة، رجال دينهم طاعنون في السن واعداد المؤمنين منهم في تضائل سنة بعد اخرى . اني اشعر بالفخر كوني عاصرت عن كثب دينا ربما سيندرس بعد حين".

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 10:21

صابئة حران والمندائيون اليوم

لقد تحدث في هذا الموضوع اغلبية الباحثين والكتاب والمؤرخين، قديما وحديثا، العرب والاجانب، المندائيين وغير المندائيين .. وبقيت الاراء متضاربة مابين مؤيد ورافض لفكرة ان صابئة حران هم امتداد للصابئة الموجودين في بطائح العراق.

اعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يولى اهمية كبيرة من قبل الباحثين وخاصة المندائيين منهم لانهم وبكل بساطة معنيين بالموضوع اكثر من غيرهم، فبالاضافة الى حقيقة البحث العلمي مهما تكن، والتي من المفروض ان يلتزم بها الباحث ايا كانت جنسيته او دينه او اتجاهه السياسي او الادبي .. الخ .. فهنالك امر اخر يجب على الباحثين المندائيين ان يعوه وهو مسالة اظهار الحقائق عن دينهم وتراثهم ووجودهم التاريخي، لانه الدفاع عن الهوية والوجود المندائي، واعتقد شخصيا ان هذا الجانب، اقصد صابئة حران والمندائيين، له من الاهمية في اظهار الكثير من الامور الخافية، واثبات لحق مفقود، وتواجد تاريخي على الساحة الانسانية يجب ان لانهملها البتة في التاريخ المندائي.

ونحن نرى بان كلمة حران والقصص المتداولة حولها في المندائية لم تاتي في الكتب المندائية او في التراث المندائي المتداول اعتباطيا, وانما له ربط جدا وثيق ما بين هذه المدينة بكل ما تمثله على مختلف الاصعدة والصابئة المندائيون. ولا يلاقي أي من المهتمين صعوبة في الانتباه لتلك العلاقة عند قراته لكتب التراث العربي والتي زخرت بالكثير من الروايات حول هذا الموضوع .. واني لا ادعي بان تلك العلاقة هي واضحة وضوح الشمس ولا غبار عليها, فعلى العكس تشوبها الكثير من علامات الاستفهام التي تنتظر الباحثين والمهتمين للاجابة عنها. ولكني ادعو لعكس منهج البحث من عدم وجود تلك العلاقة مابين الصابئة الحرانيون والصابئة المندائيون (صابئة الوقت الحاضر) الى وجودية تلك العلاقة ولنجعلها منطلقا لدراساتنا حول ذلك الموضوع, وسوف نرى بان هناك الكثير يستحق اعادة النظر في تلك المسالة الشائكة ربما. بالاضافة الى الانتباه وعدم نسيان للزمن والعصر الذي تعيشه الطائفتين اللتان نقارنهما.

فحران التي نقصدها بحديثنا في هذ ه المقالة ، من المدن الهامة، في التأريخ الانساني، والصابئة المندائيون لهم حصة في هذا التأريخ العريق لا بل من صناعه ومن مبدعيه الأوائل، لانهم من الأقوام التي سكنت هذه المدينة .. التي سمي بها كتابهم التاريخي (حران كويثا).

وفي الحقيقة توجد اكثر من مدينة سميت حران، فحران في تركيا وحران في سوريا وحوران في العراق.

وادي حوران في العراق:

وهذه ملفتة للنظر للغاية وتحتاج إلى دراسة وبحث، بالإضافة إلى تنقيب اكثر جدية في هذه المنطقة التي تقع ما بين محافظتي كركوك والرمادي ،في الهضبة الغربية بالذات، وكانت تعرف (بصرى) وهي عاصمة الأنباط، وتقع على طريق تجاري معبد ومهم في الحضارات السابقة (بين الشام ومصر وبلاد فارس) .. ففي عام 1995 نشرت مجلة (ألف باء) العراقية مقالا مطولا عن رحلة قامت بها مجموعة من الباحثين الجيولوجيين إلى هذه المنطقة لدراسة طبيعة الأرض، وصدفة وجدوا الكثير من النقوش والرسوم القديمة المحفورة على جدران الصخور الكبيرة هناك، ولا أريد هنا ان أتجنى كوني مندائيا ولكن الصور المنشورة وما حوته من رسوم أدهشت كل من رآها وتمعن بها، واعتقد بان للمندائيين شيئا من هذه المنطقة!!.. فكتبت إحدى الزائرات لهذه المنطقة وهي الدكتورة سحر شاكر مقالة في المجلة المذكورة وتدعوا المنقبين والباحثين المختصين للذهاب واستطلاع الامر، باعتبار ان هذا الموضوع هو ليس من اختصاصها الذي هو علم طبقات الأرض، وقد دبجت مقالتها بعناوين((اكبر متحف عراقي في الهواء الطلق، تتمنى متاحف العالم ان تحوز على قطعة واحدة منه .. الإنسان العراقي القديم يترك آثاره قبل 2500 إلى 7000 سنة قبل الميلاد)). وقد حاولت مع بعض الاخوة والأخوات المندائيين المهتمين ان نصل إلى تلك المنطقة بعد اخذ الموافقات الرسمية، وبمصاحبة الدكتورة المذكورة، ولكن اصطدمنا بعائقين أساسيين هما الدعم المادي المكلف، ورفض دائرة السياحة للطلب المقدم لان هناك ثكنة عسكرية للجيش العراقي قرب المنطقة.

معنى كلمة حران:

جاء في كتب المؤرخين العرب عدت معاني نلخصها كالآتي:

• · ابن جبير (إنها بلد اشتق تسميته من هوائه).

• · ياقوت الحموي (سميت بهاران ، أخي إبراهيم الخليل ، لانه أول من بناها فعربت ، فقيل حران).

• · الطبري (أن نوحا خطها ، عند انقضاء الطوفان ، وخط سورها بنفسه وفيها منازل الصابئة).

• · أبا الفرج ابن العبري (ان الذي بناها هو قينان على اسم هاران ابنه).

• · هناك رأي عند بعض العلماء بان معنى حران (الطريق).

• · والبعض الآخر يقول بان حران جاءت من ألاكدية (حرانو HARRAANU ) بمعنى محطة او عاصمة تجارية، وذلك بالنسبة الى موقعها المميز بين اشور وبابل وسوريا.

المندائية من العقائد الباطنية:

من المعروف عند جميع الباحثين ان المندائية في مراحل كثيرة من تاريخها صح تصنيفها من ضمن العقائد الباطنية أو السرية التي لا يفشي معتنقيها أسرار وأمور عبادتهم وفكرهم ، وليس موضوعنا ألان ان نبحث بالأسباب الحقيقية التي جعلت المندائيين يخفون أفكارهم وعقائدهم ويتجنبون البوح بها وان ينظروا إلى سريتها بالمنظار المقدس ..وسوف نقوم به في مناسبة أخرى .. من هذا المنطلق فمن الطبيعي جدا ان لملة كهذه مغلقة على نفسها لا تفشي من أسرار عبادتها شيء .. ان تنعت وتوصف من قبل المؤرخين ، لا بل وحتى في نظر الناس المجاورين لهم ، بنعوت وصفات لا تمت إلى حقيقة عقائدهم بشيء .. فتكثر بذلك الدعايات والتؤيلات والتفاسير العيانية الغريبة لمجمل الفعاليات والمراسيم التي يمارسها معتنقي هذا المذهب .. ولان الديانة المندائية ديانة غير تبشيرية او أغلقت لاسباب كثيرة ومن مدة طويلة .. ولان أصحاب هذا المذهب حافظوا على عدم الكشف عن أسراره منعا للإساءة أليه عند عدم فهمه أو للضغوط والاضطهاد الكبير الذي تعرضوا أليه على فترات مختلفة .. ولان التسامح والسلام صفة أصيلة في أهل هذا المذهب ومن أخلاقيات تعاليمهم الروحية.

فقد وجد البعض في هذه المرتكزات تربة صالحة لبذور افتراءاتهم الباطلة، ورواياتهم الرخيصة البعيدة عن الذوق والمنطق فاصدروا الإشاعات لترويج ما أبدعته نفوسهم المريضة من أباطيل، ودس رخيص واتهامات حاقدة، ومن هذه الأراجيف اتهام أهل التوحيد الأول والقديم بعبادة الكواكب والنجوم.

وحقيقة ان ابن النديم والشهرستاني مثلهم مثل بعض المؤرخين العرب القدماء لا يختلفون عن هؤلاء المؤرخين الذين دبجوا كتبهم بالكثير من الطوائف وتحدثوا عن معتقداتهم وأفكارهم .. وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن حقيقة تلك الطوائف .. وهذا لا يخفى عن القارئ المحنك عند قراءته لكتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني وغيرهم. فجميع الروايات التي نقلها ابن النديم والمسعودي عن عبادة وحياة الصابئة في حران، اعتقد بان مصدرها من الرهبان السريان والمؤرخون المسيحيون في منطقة الرها، الذين اشتهروا بعدائهم وغيرتهم من علماء ومفكري الصابئة الحرانيون الذين اشتهروا في بلاط الدولة الإسلامية، وارتفعت مكانتهم، فكانت سبب في النهضة العلمية والمعرفية آنذاك. على كل أن هذه الروايات ليست سوى دعايات رخيصة هدفها النيل من المكانة المميزة التي حضي بها الصابئة آنذاك.1 ¨

ولقد أعلن الكثير من العلماء المعاصرين مثل سميث وسيغال وحتى الليدي دراور، شكوكهم في ما يخص صحة الروايات التي نقلها الكتبة والمؤرخون العرب عن ديانة الصابئة في حران. فهم يعتقدون بأنه ليس من الحكمة الثقة برواة معادين.

اسم الديانة في حران:

يقول الكاتب محمد عبد الحميد الحمد في كتابه (صابئة حران واخوان الصفا) والباحث س. كوندوز في كتابه (معرفة الحياة) ان الحرانيون ليسوا بالصابئة. ويستخدمون اسم (ديانة حران، الديانة الحرانية) شانهم بذلك شان أغلبية الباحثين والمؤرخين، واعتقد على كثرة ما بحثته من هذه التسمية، أن فيها تشويها كبيرا للحقيقة .. كيف ذلك ؟!! هذا ما سوف اعرضه الان:

لا اعتقد بان هذه هي التسمية الحقيقية لهذا الدين المجهول الاسم عند المؤرخين العرب القدماء، فمن غير المعقول أن يسمى دين على اسم مدينة !!

لقد ذكرنا بان مدينة حران، مدينة متعددة الشرائع والعبادات حالها حال مدينة بغداد مثلا، فمن الخطا ان نطلق تسمية ديانة بغداد او الديانة البغدادية!!.. ونحن بذلك نختزل جميع الديانات والاتجاهات الفكرية في تسمية واحدة ونبخس حق كل دين موجود في المدينة، وبذلك تضيع الاتجاهات الوثنية مع الديانات التوحيدية!!.

ومن جانب آخر ذكر مار يعقوب الرهاوي والمتوفى سنة (708) في كتابه الأيام الستة ((عندما اطلع على كتاب هرمس الحكيم وهو من كتب الحرانية المقدسة قال عنهم: وهؤلاء القوم عند الناس لهم اسماء مختلفة منها الكلدان والحرانيون والحنوفون)) .. نستنتج من كلامه شيئين مهمين، اولهما: ان هؤلاء القوم عند الناس والأقوام المجاورة يعرفون بعدة اسماء منها التسميات التي أوردها!!.. والسؤال هو ماذا كانوا هم يطلقون على أنفسهم؟! هل كانوا يطلقون على دينهم (دين حران) نسبة الى المدينة التي كانوا يقطنوها!! هل من المعقول والجائز ان يطلق اسم مدينة على دين!!.. وإذا أراد أحد المسيحيين في العراق ان يعبر عن جنسيته، ويقول انا عراقي، فهل هذا معناه ان ديانته عراقية او ديانته اسلامية باعتبار ان الدين الرسمي في العراق هو الإسلام!!.. نفس الشيء يحصل للفرد اليهودي او الصابئي الساكن مدينة حران، يقول انا يهودي حراني او يهودي من حران او انا صابئي حراني!!.. مثلما هناك تسميات أوردها بعض المؤرخين مثل صابئة البطائح وصابئة حران، فهذا لايعني بان هنالك فرقتين من الصابئة، وانما المراد بالتسمية التوضيح بان هذا الصابئي من حران وان ذاك من البطائح وهي منطقة في جنوب العراق!!.. وفي وقتنا الراهن سمعت تسمية مشابهة لهذه التسمية ويصح ان نوردها الان، فهناك ما يسمى بصابئة العراق وصابئة إيران، هل المقصود من هذه التسمية فرقتين او طائفتين من الصابئة؟!!.. فهذا اعتقد خلط كبير وواضح للتسمية التي أوردها المؤرخون قديما.

كما ان هنالك الكثير من الاسماء التي وردت في كتب المؤرخين التي تذيل بكلمة (الحراني) وهم ليسوا من الصابئة وانما بعض منهم مسيحيين او يهود او اسلام، وهذا يثبت ما ذهبت اليه.

ولقد ورد شيء جميل وملفت للنظر في كتاب (هدية العارفين) للباباني ص 5، وهو يتحدث عن ابو اسحاق الصابئي الحراني فورد الاتي:

(الحراني: ابو اسحاق ابراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت الحراني ثم البغدادي الطبيب من الصابئة توفي سنة 335). اذن فكنيته تشير الى مكان وليست الى دين او معتقد او طريقة فكرية. فهو اشار بانه الحراني أي نسبة الى (حران) لانه جاء او اصله من تلك المدينة، ومن ثم اصبح البغدادي، لانه نشأ وترعرع وعاش فيها.

وان الأسماء التي أوردها مار يعقوب الرهاوي واضحة المعنى أيضا، وأنا أتساءل هل ممكن ان تعني تسميتهم بالكلدان، انهم من الأصل في وادي الرافدين ونزحوا الى تلك المدينة؟! أم ان لديهم ارتباط وثيق وصلة قرابة بالكلدان في وسط وجنوب العراق؟!!.. وماذا تعني يا ترى تسمية الحنوفون التي أطلقت عليهم من قبل الأقوام المجاورة، وهل ممكن ان تعني الحنفيون او الأحناف!!.. وللعلم ان هذه التسميات أيضا قد أطلقت على الصابئة المندائيون. فقد ذكر المسعودي في كتابه (التنبيه والاشراف) ص 86، بان دين الصابئة وهي الحنيفية الاولى.

المندائيون الفلسطينيون:

كان الصابئة يقطنون تلك المدينة المسماة بحران، وعندما هاجر الصابئة المندائيون الفلسطينيون في القرن الأول الميلادي بعد دمار أورشليم حوالي سنة 70 للميلاد على يد القائد الروماني تيطوس،صعدوا الى هذه المدينة، لان لهم اخوة في الدين. فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول الى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا ايضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار اخيرا مع اخوتهم ايضا الصابئة الموجودين في البطائح .. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس)،هذا ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويثا).

ومن المهم ذكره هنا، بان هناك عين ماء تسمى (عين الذهبانية او عين العروس) ألان ، وموقعها جنوب تل ابيض مقابل إحدى أبواب مدينة حران التاريخية، والتي كانت تسمى من قبل أهل حران ب(المصبتا) أي بمعنى التعميد او الصباغة وهو الطقس المشهورة به ديانة الصابئة سواء أكانوا في حران او في بطائح العراق!!.. ويقال أيضا ان هذه العين تابعة لإبراهيم الخليل، هذا حسب ما أورده الكتبة والمؤرخون العرب ومنهم ابن جبير. ويروي أحد المشاهدين لهذا المكان بان عينه الجارية قد جفت في بداية التسعينات من هذا القرن. ويذكر أيضا بان هذه العين كانت للمياه الجارية الساخنة!!.. وكان الناس يقصدونها من اجل الشفاء من بعض الأمراض الجلدية خاصة. وهذا يذكرنا بالقصة المندائية المتوارثة حول تواجد أجداد المندائيين في منطقة جبلية، وكانوا يتعمدون في مياه ساخنة شتاءا!!.

ومن باب آخر إذا أسلمنا بقصة ايشع القطيعي النصراني، فلماذا بقت تسمية الصابئة إلى اليوم تطلق على هؤلاء الناس او ذلك الدين المجهول الهوية والاسم؟!!

وقد ورد في كتاب (شذرات من كتب مفقودة في التاريخ) الذي استخرجها وحققها الدكتور إحسان عباس، حديث عن كتاب (الربيع) المفقود لغرس النعمة بن هلال الصابئي، ولا اشد من انبهاري وانا أقرا ان معظم الروايات المنقولة على لسان غرس النعمة عن شخص قريب له يسمى أبو سعد الماندائي، إذ يقول غرس النعمة ((حدثني أبو سعد المندائي قال: ......الخ .. وحدثني المندائي ... الخ))، وهذه أول مرة تأتي هذه التسمية (المندائي) على لسان أحد الأشخاص المنتمين الى الصابئة الحرانية في النسب .. فقد كان والد جده أبو إسحاق الصابئي المترسل المعروف. وان المحقق للكتاب المفقود لم يعلق على هذه الكلمة (المندائي) واعتبرها اسم لعشيرة!!.. وللعلم ورد ذكر أحد العلماء المشهورين أيام العباسيين اسمه أبو الفتح المندائي، وهو صابئي من أهل حران!!. ومن الأهمية أن نذكر أيضا ورود اسم زهرون أو أل زهرون عند ذكر الكثير من أسماء الصابئة الحرانيون والمشهورون في البلاط العباسي. فاسم زهرون هو من الأسماء المقدسة الواردة كثيرا في النصوص الدينية المندائية، وهو اسم أحد الملائكة، وان نفس الاسم تكنى به عشيرة من كبريات العشائر المندائية ولحد ألان، وهي عائلة (أل زهرون).

الصابئة المندائيون في حران:

أن الصابئة المندائيون وحسب كل الدلائل والإشارات التاريخية كانوا يسكنون مدينة حران ومساهمون بتاريخها وحضارتها، ولكن هذا لايعني وجودهم في المنطقة لوحدهم .. وأما حران فهي مدينة كبيرة مختلفة الشرائع والعبادات والمذاهب .. حالها حال مدينة بغداد مثلا ، فيوجد فيها الصابئي والمسيحي واليهودي والمسلم واليزيدي وغيرهم . وكانت حران في مطلع القرن الثامن الميلادي، مجتمعا متعدد الاعراق والديانات. تعيش في ظل ثقافة عربية إسلامية، والظاهر ان أهل الرها الذين يدينون بالمسيحية كانوا على نقيض مع ثقافة حران فلذلك وردت حران في كتابات أهل الرها بأنهم عبدة أوثان ووصفوهم بمختلف الصفات السيئة وهذا يدل على وجود خلاف فكري وعقائدي معهم.

واعتقد أن المؤرخين العرب صار عندهم خلط واضح ما بين الصابئة المندائيين وتسميتها، وبعض الطقوس الوثنية وعبادة الكواكب التي تمارسها بعض المذاهب القديمة .. وهذا يظهر جليا عند وصفهم للصابئة في معرض حديثهم ، فهم في بعض الفقرات يأتون على وصف مذهب الصابئة بصفات تدل على وثنية خالصة ، وفقرات أخرى يأتون بصفات تدل على وحدانية خالصة !!. والحق يقال ان المشاهد العياني لاي من الطقوس المندائية او غيرها وان لم يشاهدها مسبقا، يظن للوهلة الاولى بانها تمت بصلة لطقوس عبادة وثنية واشراك بالله!! ولكن يصل الى هذه النتيجة فقط عندما يستند الى تفسيره الخاص بدون الرجوع الى اصحاب الشان في المراسيم او الطقوس المذكورة وتفسيرهم لها وما يبغونه منها. فمثلا تقبيل تمثال السيد المسيح او مريم العذراء من قبل بعض المؤمنين المسيحين، او تقبيل الحجر الاسود في الكعبة اثناء الحج عند المسلمين .. هل نستطيع ان نقول ان مثل هذه الممارسات تمت بصلة الى الوثنية؟ او هي من بقايا عبادة الاوثان والشرك بالله في الازمان الغابرة؟ وهنالك الكثير من على شاكلة تلك الامثلة نستطيع ان نوردها.

ومثلما أوضحنا سابقا أن المؤرخين العرب اعتمدوا على الرواية الشفهية والتناقل بين شخص وآخر على كتابتهم لتاريخهم وهذا يعطي الدليل المنطقي على خلطهم وتؤيلهم لأمر الصابئة.

مثال واقعي حاصل:

وبودي أن اسرد مثال واحد فقط يكفي لأبين صحة ما ذهبت أليه حول هذا الموضوع .. جميع المندائيين يعرفون الدعايات والتؤيلات المغرضة التي يبثها بعض الناس الجهلة والتي تدور في مخيلتهم على الرغم من كذبها وتلفيقها وعدم عدالتها ، ومثال هذه الدعايات (وهو أن الصابئة يخنقون الميت قبل وفاته .. أو بإسقاط الذبيحة (الخروف) من فوق سطح البيت وبعد ذلك يتم خنقه وأكله!!) وصدقها الكثير من أبناء المجتمع العراقي مع الأسف الشديد بدون تمحيص وتدقيق والبعض منهم من الف الكتب وألقى المحاضرات حولهم بالاعتماد على دعايات وتؤيلات لا أساس لها من الصحة .. ولقد دعيت ذات مرة لحضور محاضرة في إحدى الكنائس المسيحية في بغداد بعنوان (الصابئة المندائيون) لأحد المحاضرين المعروفين على مستوى الكنائس في العراق .. ولقد كان عدد الحضور حوالي 60 شخص من كلا الجنسين .. ولا اشد من اندهاشي وهو يتطرق لمواضيع حول المندائية لا تمت بصلة لها .. وهو حديث بالحقيقة اقرب إلى حديث بعض العامة الذي لايمت إلى حقيقة البحث العلمي وأصوله، فهو يقول من جملة ما يقوله، بان الصابئة المندائيون يعبدون كوكب الجدي!!.. وغيرها كثير اتحف بها محاضرته التي ليست سوى اعطاء رؤية خاطئة جدا ومنافية للحقيقة عن الصابئية المندائية، سواء عن قصد او عن غيره .. وعندما انتهت المحاضرة وبعد تحدثي معه وسألته عن المصادر التي اعتمدها في محاضرته هذه .. فكانت الفاجعة عندما قال لي بأنه اعتمد على مقالة لانستاس ماري الكرملي المنشورة في مجلة المسرة المسيحية الصادرة عام 1969م ، وكتاب الصابئة في حاضرهم وماضيهم لمن يقولون عنه بالمؤرخ عبد الرزاق الحسني، وقصته المعروفة مع سيادة المرحوم الكنزبرا دخيل الكنزبرا عيدان (ولي رجعة حول هذا الكتاب في مناسبة أخرى!) وعلى ما يعرفه من معلومات متفرقة حولهم من المحيط العام (أي الدعايات والتؤيلات التي تحدثنا عنها والتي سمعها من شرذمة المجتمع) .. فأنا حقيقة اعجب لمثل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين والباحثين وهم ابعد بكثير من أن يكونوا بهذا الشكل .. فكيف على الباحث أن يخوض في مثل هذا الموضوع معتمدا على دعايات وتؤيلات تقال هنا وهناك ولا أساس لها من الصحة ؟!! والظاهر أن أغلبية المؤرخين والكتبة العرب من هذا الصنف .. أبعدنا الله عن هؤلاء الذين يشوهون أخبار الأولين بقصد أو بغيره معتمدين على شائعات ودعايات واهية، وأبعدنا الله أيضا عن الباحثين من أمثال صاحبنا الذي اعتمد في إلقاء محاضرة عن تاريخ وطقوس وأفكار وعبادة المندائيين الوجه الأخير من روحانيات العصر القديم ، على مقالة بسيطة نشرت في إحدى المجلات!!!

فلما حاججت أخينا بكيفية اعتماده على تلك المصادر فقط .. قال وعذره اشد من فعلته .. (لاوجود لمصادر حول المندائية في المكاتب) ، ولحسن حظي كنت جالبا معي ما يقارب السبعة كتب تدور حول المندائية ومن مختلف الجوانب والمتوفرة في المكتبات العامة والخاصة .. فعندما تفحصهن وتأكد من أن الغالبية العظمى من الكتب إصدار دور النشر العراقية ، فظل خجلا لا يعرف بماذا يجيب .. ومن أمثاله كثير!!.. ونحن لا ننكر بقلة الكتب الصحيحة والموثوقة التي تتناول الصابئة المندائيين في المكتبة العربية .. ولكن هذا لايعني أن نتجنى وان ننشر الأفكار غير الصحيحة حول مجموعة من الناس!! وهذا ما فعله بالضبط أخينا بالله.

فلا نستغرب إذا عزيزي القارئ الكريم ، من ابن النديم والشهرستاني وغيرهم من المؤرخين العرب الذين يقولون بان الصابئة يحرقون الإنسان ويسلخون جلده ويقطعونه اربا، وبعد ذلك يأكلونه. وهذه العملية هي جزء من طقوسهم وقرابينهم للقمر أو الكواكب الأخرى !!.. وغيرها من الأكاذيب كثير تجده عزيزي القارئ في كتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني. واعتقد ان القارئ لهذا الكتاب يشعر بأنه يشاهد أحد الأفلام المرعبة عن آكلي لحوم البشر!!.

ومعروف عن المؤرخين العرب القدماء ، انهم يعتمدون في مادتهم العلمية والتاريخية على الرواية الشفهية من شخص لأخر دون تمحيص وتدقيق بالأمور التاريخية المنقولة .. وان الرجل ابن النديم يعترف بان مصدر معلوماته أشخاص آخرين .. لا نعرف نحن ألان مدى صحتهم ومدى حسن نواياهم ومدى معرفتهم بالصابئة آنذاك ، وهل كانوا أصدقاء أم أعداء حاسدين ؟! .. واعتقد أن ابن النديم لا يعرفهم شخصيا ولم يقابل واحد منهم البتة .. أكيد أن معلوماته عن الصابئة جاءت عن طريق السماع .. وأعوذ بالله من هكذا مؤرخين ينقلون أخبار التاريخ عن طريق السماع !! .. ومثلما يقول المثل الدارج ((بين العين والأذن أربعة أصابع)) ، وأنا بدوري أقول ((أن بين الحقيقة والخيال ، والصدق والكذب ، شعرة واحدة)).

صابئة حران والدولة الاسلامية:

وان كان الصابئة في حران وثنيين حسب زعم ابن النديم ،فكيف أذن استطاعوا أن يصوبوا مواضع الرياسة في مجال الثقافة والعلم والأدب في الدولة الإسلامية ؟! .. وكيف قبل سادة الدولة الإسلامية بذلك؟!..ونحن نعرف جيدا ما للدين الإسلامي من حزم على إنكار وهدر وإباحة الكفار الوثنيين !! ..وهذا الأمر يأخذنا إلى نتيجة مفادها أن لصابئة حران حجة قوية وأساس توحيدي قوي استطاعوا من خلاله بسط شخصيتهم واحترامهم آنذاك. ومن الجدير بالذكر انهم حصلوا على رخصة أمير المؤمنين في ممارسة شعائرهم وطقوسهم بشكل علني في أماكن عباداتهم !!.

اما بخصوص اهتمام صابئة حران بالفلك والتنجيم واخذ الطالع وشرح طبيعة الكواكب واسمائها وميزاتها ومتعلقاتها، فهذا يظهر جليا واضحا لمن له معرفة أو قراءة في كتاب مندائي اسمه (أسفر ملواشي)!!.. وللعلم أن جميع الأديان والملل والمذاهب القديمة والحديثة في جميع شعوب العالم، اهتمت بهذه الناحية من الحياة الإنسانية ولديها تراث كبير في هذا النوع من المعرفة، وربما لا بل أكيد انه اكثر من الأدب والتراث المندائي!!. فهذا لايعني ان جميع التراث المكتوب باللغة المندائية مثلا، بالضرورة أن يكون تراث مقدس ويعبر عن عبادة المندائيين!!.

الصابئة وحركة اخوان الصفا:

اضافة الى ان هؤلاء الصابئة الذين عملوا في البلاط العربي الاسلامي كان لهم اثر جدا كبير على الفكر العربي الاسلامي .. وكثير من الحركات الفكرية التي ازدهرت آنذاك .. كان الفكر الصابئي له التاثير الكبير عليها .. وخاصة يكفي هنا ان نضرب مثل واحد في هذا الموضوع وهو بما يسمى باخوان الصفا وهي حركة فكرية ازدهرت في العهد الاسلامي .. فانا اتفق مع الكاتب عبد الحميد من ان فكر هذه الحركة (اخوان الصفا)اغلبيته مستمد من الفكر الصابئي .. وخاصة وان الفكر الصابئي كان متداولا في العهد العباسي والاموي من خلال جهابذة العلم والادب الصابئة من امثال ثابت بن قرة وابو اسحاق الصابئي ... الخ.

وهذا يظهر جليا عند قراءت نا لبعض الرسائل التابعة لهذه الحركة والتي تسمى (رسائل اخوان الصفا) فوجدت فيها فصلا كاملا عن علاقة حسابية فلكية رقمية، نفسها موجود في كتاب مندائي يسمى (أسفر ملواشا - سفر الأبراج) اعتقد بانه ترجمة حرفية عربية لما موجود في هذا الكتاب المندائي !!!

إضافة للتشابه الغريب والعجيب للأفكار الغنوصية الموجودة في هذه الرسائل، مع أجزاء من ديوان مخطوط باللغة المندائية يدعى (ألف ترسر شيالة – ألف واثنى عشر سؤال). سوف اعقد مقارنة ما بين فكر طائفة اخوان الصفا والمندائيون في مناسبة اخرى.

شخصيات من صابئة حران في البلاط الاسلامي:

فابن النديم يذكر في فهرسته اكثر من عشرة أسماء لامعة من صابئة حران كانت لهم مواضع الرياسة في كثير من مجالات العلم والمعرفة وحتى الدولة وعلى مدار سنين طويلة. فقد جاء في كتب المؤرخين وفي كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت والذي كان قد برز من بين اقرانه، واصبح من أخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، او من كان حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة. وأنا اعتقد ان هذه الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي ) المندائية، والتي تعني المتبحر بالعلوم الدينية والمعرفية والإلهية او من كلمة (زاديقي) أي الصديق. وبالإضافة إلى ذلك فان الباحثة الإنكليزية الليدي دراور المتخصصة بالدراسات المندائية تؤكد بان المفكرين الحرانيين كثابت ابن قرة ومدرسته كانوا من عباقرة الصابئة الناصورائيين المندائيين الذين يمارسون التعميد وكانوا أوفياء لدينهم الذين عليه ولدوا. ولقد كتب ثابت رسالة في مذهب الصابئين وديانتهم، كما أن ولده سنان بن ثابت قام أيضا بترجمة بعض الصلوات والأدعية الصابئية الى اللغة العربية، فلديه رسالة في شرح مذهب الصابئين ورسالة في النجوم ورسالة في اخبار ابائه واجداده وسلفه، ورسالة في قسمة ايام الجمعة على الكواكب السبعة الفها لابي اسحاق الصابئي ، واحتمال جدا ان تكون بعض ماورد في كتاب (اسفر ملواشي – سفر الابراج) المخطوط باللغة المندائية، من تاليفه او تاليف والده.

ولدي حدس كبير يقول بان بعض الاعلام المندائية التي حافظت على الدين والكتب، والذين ورد ذكرهم في الكتب المندائية، ولانعرف ماهي اسمائهم الحقيقية، لان اسمائهم الواردة في الكتب هي دينية .. اعتقد بان من فيهم ثابت وغيره.

وللعلم ان مؤرخ الفلسفة المعروف ابن حزم يشير في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الى ان الحرانيين هم من الصابئة الذين يرد ذكرهم في القران. وقد صنف عبد القادر الجزائري في كتابه (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)، العرب قبل الاسلام، أصنافا: صنف اعترف بالخالق، وانكر البعث. وصنف عبدوا الاصنام. وصنف عبدوا الملائكة. وكان منهم من يميل الى اليهودية ومنهم من يميل الى النصرانية ومنهم من يميل الى الصابئة وكانت بقيت عندهم، بقايا من دين اسماعيل وابراهيم الخليل.

هل المندائيون اهتموا بالتاريخ ؟!!

من الأجدر أن نعترف بان الأمور التاريخية التي وصلتنا عن طريق الكتب والمخطوطات المندائية، هي ضئيلة ولا تشبع فضول الباحث. ولكن في نفس الوقت من المرفوض القول بان المندائيون لا يهتمون بكتابة تاريخهم أو التاريخ بصورة عامة. فان محاولاتهم من خلال ما وصلنا عن طريق الرواية الشفهية وديوان حران كويثا (وخاصة إذا خلصنا الأخير من بعض التزويقات والخيالات والتي تتشابه مع بعض الكتب التاريخية القديمة) وكذلك الازهارات (وهي عبارة عن ذيول تاريخية وردت في آخر الكتب والدواوين المندائية) ما هو إلا إثبات واضح وصريح من تمكن المندائيون من كتابة ونقل التاريخ الآمين .. ولكن اعتقد بان هنالك الكثير من الكتب المندائية، وربما التاريخية قد فقدت أو مخبأة لحد هذه اللحظة !!! أو ربما أتلفت عمدا أو عن غير قصد أو لم تكتشف لحد الان .. لأننا لحد هذه اللحظة لا نمتلك تقرير كامل وموثق لعدد الكتب والمخطوطات المندائية .. ولا ننسى من محاولة البعض التخلص من كل ما يتعلق بالمندائية وبشتى الوسائل. وذلك لأغراض ربما تكون سياسية في عصر معين أو دينية أو اجتماعية في عصر آخر.

فعلى قلة الكتب والمخطوطات المندائية الموجودة في حوزتنا الان، او المخبأة والتي لم ترى النور لحد هذه اللحظة، والتي تتحدث عن التاريخ المندائي، لا يمكن القول بان ليس هناك تاريخ مندائي او ان التاريخ المندائي ليس ذو أهمية في تاريخ المناطق التي سكنها المندائيون قديما !!!.. وبنفس الوقت لا يمكننا القول بان المندائية كانت لها تاريخ معقد وعميق كالحظارة اليونانية او غيرها.

الاتهام الاول يرجع اليوم:

ومثلما اتهمنا اليوم بعبادتنا من أناس سواء ليس لديهم فهم حقيقي وعلمي للديانة الصابئية المندائية او من أناس حاقدين رغم معرفتهم الحقيقة، اتهم ايضا أجدادنا الأوائل بعبادتهم ووصفوا بالوثنية او الشرك بالله من أناس على نفس الشاكلة السابقة .. فعلى الرغم من الاضطهاد الذي حصل لأجدادنا الصابئة المندائيين في مدينة حران، الذي أدى الى إسلام بعضهم وتنصر البعض الأخر خوفا، بقي الكثير منهم على دينهم أمينين، صامدين متحملين الظلم لاجله، واستطاعوا رغم هذا الظلم والاضطهاد ان يتبوؤا مراكز مهمة في الدولة الإسلامية وغيرها بفضل عزيمتهم وعلمهم واخلاقهم، فقد كان ابو اسحاق الصابئي من نساك دينه والمتشددين في ديانته وفي محاماته على مذهبه . وقد جهد فيه عز الدولة ان يسلم فلم يقع له ولما مات رثاه الشريف الرضي ، وقصته وقصائده مع ابي اسحاق معروفة للجميع.

وقال ثابت بن قرة الصابئي الحراني ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

ومن جملة الظلم والغزو الذي تعرض له الصابئة في التاريخ فهو كثير، فقد ذكر في كتاب (لسان الميزان) لابن حجر العسقلاني، بان الامير محمد بن مروان بن الحكم الاموي قد غزا الصابئة مرارا وسبى بها.

وأريد هنا أن انقل شيئا ملفتا من كتاب (الفهرست) ، لكي أبين مدى الخلط الذي ذهب أليه ابن النديم في كتابته ونقله للتاريخ ، فهو يتحدث عن طائفة اسمها (الكشطيين) وجاء بالنص ما يلي:(يقولون بالذبائح والشهوة والحرص والمفاخرة . ويقولون انه كان قبل كل شيء ، الحي العظيم ، فخلق من نفسه ابناً سماه نجم الضياء : ويسمونه ، الحي الثاني . ويقولون بالقربان والهدايا والأشياء الحسنة ).

فمن هم الكشطيين هؤلاء ؟ (للعلم أن هذه الكلمة مندائية الأصل وجاءت من كلمة كشطا أي الحق أو العدل أو العهد، وهذه الكلمة نفسها تطلق على المندائيين في الكتب الدينية !!) .. يلاحظ القارئ الكريم مدى الخلط الواضح في كلام ابن النديم في تعريف هذه الطائفة .. وهناك الكثير في كتاب الفهرست لابن النديم.

أن ابن النديم ليس سوى ناقل للدعايات والإشاعات بدون تمحيص أو تدقيق ، والعهدة على القائل والناقل كما يقولون !! .. أقول من أين اخذ محاضرنا الذي تحدثنا عنه ، أسلوبه بالبحث ، الظاهر والله اعلم أن الشغلة متوارثة من أجداده الأوائل !!

اما ايشع القطيعي النصراني وقصته حول الصابئة ورحلة المامون فهي قصة واهية ومغرضة دحضها اغلب الباحثين من أمثال الليدي دراور وناجية المراني وعزيز سباهي في كتابه الأخير، وحتى الشاعرة المندائية لميعة عباس عمارة في بحث لها.

وبودي أن انقل بيتين من الشعر في هذه المناسبة للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي فهو يقول:

وما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لامر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق

وهذا فعلا ما حصل عندنا (الصابئة) فنحن موجودين على قيد الحياة وممكن التحقق من امرنا بكل سهولة، ولكن ننعت ونضرب في عبادتنا للخالق ويقولون أننا نخنق الميت!!

فهذا في الحقيقة مأخذ كبير على المؤرخين العرب ومصداقية التاريخ الذي كتبوه .. وأنا لا أقول بان كل التاريخ الذي كتبوه هو غير صحيح وغير موثوق فيه .. ولكن على الباحثين اليوم أن يدققوا ويتفحصوا كل ما ينقله المؤرخين العرب لنا، وهذا ما تنص عليه أصول البحث العلمي الدقيق. وقد أكدت الباحثة الإنكليزية الليدي دراور التي عاشت فترة طويلة في جنوب العراق تدرس التراث المندائي. قالت (في جملة ما أورده المؤلفون العرب من روايات يوجد بها قدر لاباس به من الحقيقة، وهو ان لدى الحرانيين ما يشتركون به مع الصابئة المندائية، الذين يسكنون أهوار جنوب العراق).

وحسب اطلاعي وبحثي في هذه المسالة بالذات، بان الصابئة قديما وحديثا هم المندائيون أنفسهم .. وان صابئة حران ما هم إلا امتداد لصابئة العراق وفلسطين المندائيين .. واحتمال ان يكون قد تشبه بعض الأقوام بالصابئة لفترة معينة قصيرة ولحالة خاصة، ولكن هذا لا يعني بوجود فرقتين من الصابئة المندائيين. وان فطاحل العلماء والمفكرين الصابئة الذين اشتهروا في البلاط الإسلامي ما هم إلا صابئة مندائيين.

واليوم كما في السابق،من منا قام بمدح دين آخر غير دينه أو على حساب دينه فكل المناقشات والجلسات وخاصة الدينية منها ليست سوى إظهار عيوب الأديان الأخرى وبث الدعايات والتؤيلات السيئة عليها .. وهذا الحال لم يظهر ألان أو هو وليد عصر ما يسمى بالديانات السماوية او الكونية مثلما اصطلح على تسميتها احد الكتاب .. بل هو موجود منذ فجر التاريخ وبالضبط عندما بدا الإنسان يعبد قوى الطبيعة .. فهذه الحالة لاتمت بصلة إلى الإيمان الحقيقي والى جوهر عبادة شيء اسمه الله .. وتذكرني هذه الحالة بمقولة لأحدهم بما معناه (أن الوطنية هي حب الوطن والإخلاص له ولايعني كره الأوطان الأخرى) وأنا أقول ألان (إن حب دين معين والأيمان به لايعني بالضرورة كره الأديان الأخرى).

اجدادنا في حران:

على كلا بودي أن أوضح للمندائيين بان ليس كل ما يكتب عليهم قديما وحديثا، هو حقيقة يجب التسليم لها. فلا يجوز أن نبتري اليوم من أجدادنا العظماء الذين جاهدوا في سبيل ان تبقى المندائية وان نخلق نحن اليوم مندائيين. فحق علينا اليوم ان نفتخر بهم وان نعتز بانتمائنا لهم، لا بل و أطالب ايضا بان نحيي رموزنا القدماء وان نحتفل بهم كل عام ومن هؤلاء كثير فعلى سبيل المثال: ثابت بن قرة وأبو إسحاق الصابئي الذين كانوا أعلام عصرهم ولهم الفضل في كثير من العلوم الان، وهم الصابئة المندائيون الاصلاء الذين حافظوا على إيمانهم رغم الظلم والاضطهاد الكبيرين الذي لحق بهما وبأجدادهم ، حيث ورد على لسان ثابت بن قرة ما يلي ( ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

.. وأطالب أيضا بأهمية وضرورة إعادة وتجميع كتابة تاريخنا المبعثر في ضوء معطياتنا الجديدة، ويجب أن لا ننسى بان تاريخ حران والصابئة هناك ما هو إلا جزء من التاريخ المندائي العريق. كما وأشجع جميع المثقفين والباحثين الصابئة المندائيين للبحث في هذا الموضوع بالذات، لاثبات حقنا في تاريخنا المفقود، ولاثبات حق أجدادنا في نسبنا لهم!!.

ومما تقدم ،ارفض وبحجج اعتقد بانها ليست ضعيفة .. مقولة الكاتب عبد الحميد الحمد بان (لاصلة بين مذهبي الصابئة المندائية والصابئة الحرانية. فالمندائية حصاد بيئة فقيرة في معطياتها الحضارية. لذا لم يكن لهم أي تأثير على الشعوب المجاورة!!). وبودي أن أعيد ما قاله نبينا الحبيب يهيا يهانا (مبارك اسمه) حين سأله بعض المندائيين عن مصيرهم في حقبة معينة، قال لهم (سيأتي اليوم الذي إذا نظروا للرجل الذي يلبس عمامة بيضاء وهميانة ، تعتريهم الدهشة ويأتون ويسألونكم " تعالوا من نبيكم؟ حدثونا عنه؟ وما هو كتابكم؟ ولمن تسجدون وتعبدون؟" وانتم لا تعلمون ولا تعرفون!! .. ملعون ومخزي من لا يعرف ولا يعلم أن ربنا هو ملك النور العظيم، ملك السماوات والأرض الواحد الأحد) دراشا اد يهيا -بوثة رقم 17. وأنا أسأل المندائيين (الصابئة) كم واحد مر في هذا الموقف؟!!!!.

بعض التشابهات المهمة

بين الصابئة في حران والصابئة في البطائح*:

• الصابئة في حران يجيدون اللغة الآرامية، وكانت لهجتهم افصح اللهجات الآرامية .. وهذا ينطبق على اللغة التي يتحدث بها المندائيون الان والتي كتبت بها كتبهم المقدسة وغيرها من ادبياتهم واشعارهم .. وهي (اقصد اللغة المندائية) احدى اللهجات الارامية.

• لديهم من الصلوات ثلاثة، وهي الواجبة يوميا (صبحا، ظهرا، عصرا)، ولا تتم إلا بعد أداء الاغتسال أو الوضوء .. وهذا يشابه ما لدى الصابئة المندائيون الان بما يعرف ب(الرشاما والبراخا) وهي الصلاة الفرضية الواجبة والرسمية في اوقاتها الانفة الذكر.

• يدفنون الميت باتجاه الشمال .. ويحرمون اللطم والبكاء والحزن على الميت، لان هذه الأفعال سوف تعيق الروح في معراجها. ويحرمون الانتحار .. ايضا يقوم المندائيون بدفن موتاهم باتجاه الشمال ويحرمون الحزن واللطم والبكاء وايذاء الجسد على الميت، تحريما قاطعا، لان هذه الافعال تؤدي الى عرقلة مسير النفس (نشمثا) الى عوالم النور من قبل الارواح الشريرة.

• يقدسون المياه الجارية الحية، ويعتقدون بأنها محروسة من قبل الأرواح الخيرة النورانية .. ان المندائية والمياه الجارية الحية والتي تعرف باليردنا، شيئا واحدا لايقبل الفصل .. فكرا وتطبيقا. وان المياه الجارية الحية (اليردنا) مهمة في عملية الخلق والتكوين ومهمة في ولادة الانسان في طقس التعميد (مصبتا) ، ولاننسى بان اليردنا الارضية محروسة من قبل اثنين من الكائنات النورانية الاثيرية وهما (شلمي وندبي).

• الأيمان بخلود الأرواح، وان أرواح الأفراد لها صلة بأرواح أسلافها وتعاني قبل أن تتطهر، إلى أن تتحد بالجسد النوراني في ملكوت الله .. اصلا ان عيشة الانسان المندائي المؤمن (المتهيمن) هي للحياة الاخرى في عوالم النور وليست للحياة الارضية، ويجب ان تعود النفس (نيشمثا) الى علة الوجود (الخالق) بدورة كاملة، لانها نفحة من ذاته العظمى .. ولكن يجب ان يتم لها التطهير الكامل من الشوائب التي علقت بها اثناء حياتها الارضية، لكي ترجع هذه الجوهرة (كيمرا) صافية نقية كما خلقها الحي (هيي)، فلذلك يجب ان تدخل في اماكن العقاب والتطهير المسماة (المطراثي). وبعد ان يتم ذلك، تتحد النفس (نيشمثا) مع جسدها النوراني (دموثا) أي الشبيه النوراني الذي لايتكون من اللحم والدم.

• يخضعون إلى رؤسائهم الدينيين بدلا من السلطة الزمنية في حل قضاياهم الدينية والدنيوية .. ايضا يخضع المندائيون الى رؤسائهم الدينيين لحل مشاكلهم او لاداء المراسيم الدينية.

• قبلتهم واحدة وقد صيروها نحو جهة الشمال، لاعتقادهم بأنها مركز علة الوجود .. ان الاتجاه الرسمي الذي يتجه به الانسان المندائي اثناء اداء طقوسه وواجباته الدينية، هي الى جهة الشمال المسماة (اواثر)، وما النجمة القطبية (نجمة الشمال) التي اتهم بعبادتها الصابئة المندائيون سواء في حران او في بطائح وادي الرافدين، ليست سوى دليل واشارة وطريقة علمية لمعرفة اتجاه الشمال، وبالتالي معرفة اتجاه مكان بوابة اواثر أي بوابة الرحمة لملكوت الحي (بيت هيي).

• لديهم الوضوء في الماء الطاهر المطهر، ويتطهرون من الجنابة وعند الاتصال الجنسي ومن لمس الميت، كما يعتزلون الطامث .. نفس ما تنص عليه العادات والتقاليد المندائية.

• يحرمون أكل إناث البقر والضان والحوامل من الحيوانات .. نفس تحريم المندائية لها.

• لايتم الزواج الا بولي وشهود، ولا يقرون مبدا تعدد الزوجات. ولا يسمحون بالطلاق او هو محرم إلا في حالات خاصة جدا.

• عقد القران (المهر) إذا كان لامراءة (ثيب) ينجس الكاهن الذي يقوم به.

• يحرمون لبس اللون الأزرق والاسود، ولباسهم المفضل الثياب القطنية البيضاء.

• يقدمون الطعام من اجل راحة نفس الميت ولمدة 45 يوما.

• يستعدون لتجنيز الميت قبل خروج الروح من الجسد، لان الروح لا تتطهر إذا لم تخرج من بدن طاهر، لذلك يجب غسل المحتضر، وإلا تعذر تطهيره ولمس الميت.

• يحمل نعش الميت اربعة رجال انحدروا من عائلة أصيلة النسب مؤمنة، منذ ثلاثة أجيال.

• يقدسون الطبيعة بكل اشكالها، وواضحة في مفاهيمهم وطقوسهم التي تدعوا الى الرجوع الى الطبيعة.

• لديهم أعياد تقام في مواعيد معينة، يذهبون بها للاغتسال في المياه الجارية، طلبا للطهارة وغفران الخطايا.

• يقدسون نبات الآس (الياس) المستعمل في طقوسهم وخاصة في أكاليلهم.

• صيامهم في أيام معدودة متفرقة على أيام السنة، ويمتنعون فيها عن أكل اللحوم.

• يسمون الله في لغتهم ب (مارا اد آلما) أي رب الكون.

• لاياكلون أي شيء غير مذبوح بطريقة إيجابية، أي، كل حيوان يموت بسبب مرض او حادث او لم يكن مذبوحا.

• يتجنبون ويحرمون الختان (الطهور) فهم لا يعملوا أي تغيير في عمل الطبيعة.

• المرأة مساوية للرجل في متابعة قوانين الدين وتستلم نصيبا مساويا للذكر في الميراث.

• يعتبرون ان بعض الأمراض التي تصيب الإنسان والتي تعتبر غير نظيفة ، هي نجاسة عظيمة مثل الجذام وهو الأكثر نجاسة، فعلى سبيل المثال ترك إبراهيم مجتمعه بسبب ظهور الجذام على قلفته (وهي نفس الرواية المندائية حول إبراهيم)، فكل من يعاني من هذا المرض يعتبر نجسا. وهذه الأفكار موجودة عند أديان أخرى مثل اليهودية.

• هذا بالإضافة إلى الكثير من التشابه الكبير في الأفكار والفلسفة واللاهوت الديني، وفي النظرة اللاهوتية للرب العظيم ووجوده وكينونته. ربما في مناسبة أخرى سوف اعقد مقارنة أوسع في مجال الفكر واللاهوت الديني.

* راجع كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) عبد الحميد الحمد، وكتاب (معرفة الحياة) س. كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي، وأيضا كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني وكتاب (الفهرست) لابن النديم.

¨ فقد قالت الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون مايلي (وبالنسبة للمؤرخين العرب فقد كانوا منذ اقدم الازمان يعتمدون على الرواية، ولذا لايمكن قبول بيناتهم او تقاريرهم الا على هذه الصورة؛ كما يمكن ان يقال نفس الشيء حول مالدينا من معلومات عن الصابئين دونها الكاتب السرياني "برخوني" فقد كان يدون معلوماته كمجادل يريد الحط من فئة مارقة ؛ ولكن كتابه على كل حال يعطينا أدلة على نقض كل ما قرره عن الصابئين).

معجم الادباء .. ياقوت الحموي ص 892.

يتيمة الدهر .. الثعالبي ص 529.

صبح الاعشى .. القلقشندي ص 25.

يقصد الملابس الدينية البيضاء المندائية (الرستة).

اغلبية هذه التشابهات استخرجتها او وردت في كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) للكاتب عبد الحميد الحمد ‍‍؟

نشرت في تاريخ
الإثنين, 19 تشرين2/نوفمبر 2012 23:46

كلمات آرامية مازالت حية في العامية العراقية

احتفظت لنا الذاكرة العراقية بالكثير من الكلمات والتعابير الاكدية( بلهجتيها البابلية والآشورية) التي ظلت سائدة اكثر من الفي عام  حتى سقوط بابل في القرن السادس قبل الميلاد والتي اعتمدت على الكتابة المسمارية التي ورثتها من شقيقتها السالفة السومرية. قبل الميلاد بببضعة قرون بدأت تنتشراللغة الآرامية التي تعتبر مزيجا من الكنعانية الشامية والاكدية العراقية، والتي تمكنت من ان تحل محل الاكدية السابقة بسبب اعتمادها على الكتابة الحروفية السهلة والعملية التي ابدعها اهل الشام. ظلت الآرامية تستخدم في بلاد الرافدين طيلة قرون حيث اتخذت تسمية (السريانية) بعد انتشار المسيحية في العراق والشام. بعد حتى بعد إنتشار الاسلام ومعه اللغة العربية ظلت الآرامية (السريانية) تلعب دورا اساسيا في الحياة الثقافي في العراق والشام من خلال رفدها للعربية بالعبارات والمصلحات والمفردات الجديدة، وذلك عبر الدور الكبير الذي لعبه المترجمون السريان من مسيحيين وصابئة. من الطبيعي جدا ان هذه اللغة الآرمية  التي كانت لغة العراقيين جميعهم دخلت في اللغة العربية الجديدة بصورة تدريجية وطبيعية كما يذوب الثلج في الماء، بحيث يمكن الجزم بان اللهجة العراقية بجميع تنوعاتها ما هي إلا بقايا اللغات العراقية القديمة ( الاكدية والآرامية) بعدما ارتدت زي اللغة العربية. ان الدراسة الصحيحة ووالمقارنة العميقة تؤكد لنا انه لا زال في اللهجة العراقية ما لا يحصى من المفردات والتعابير واساليب الللحن واللفظ والتصوير اللغوي من اللغات (السومرية والاكدية والآرامية) .  لقد اتيح لي التعرف على جذور الكثير من هذه الكلمات والتعابير عندما بدأت بدراسة اللغة الآرامية القديمة،  ضمن منهاج الدراسات العليا الذي اقوم به . وسأقدم لك عزيزي القارئ  فيما يلي جزء بسيط  منها وهي غيض من فيض كما يقال : 

  مسـگوف : السمك المسـگوف هو ملك المائدة العراقية .  ومسـگوف من الفعل الآرامي [ س ق ف ]  اي خوزق (سيَّخ) .  ومسكوف يعني مخوزق (مسيَّخ) ، وذلك لأن من يشوي السمكة  يقوم بشقها من الظهر وينظفها ثم  يخوزق (يسيَّخ) السمكة عرضيا بأسياخ (أوتاد) خشبية  ترفعها عن الأرض وهي تقابل النار . 

يشجر : يشجر التنور بمعنى يحمي التنور،  و يشـگـر بالارامية من مشـگـور،  وهو شجر الطرفاء المعروف الذي يحمى به التنور او الآتون. 

چـا : يستخدم اهل جنوب العراق هذه الكلمة بكثرة، فيقولون:  چـا شلون ؟ بمعنى كيف اذن ، چـا شفت شلون؟ بمعنى هل رأيت كيف،  و چـا ليش ؟ بمعنى لماذا اذن ، وتأتي كأداة ربط يصعب ترجمتها حرفيا مثل [چـا  شمدريني] و [چـا وينك] وهكذا   . وهذه الكلمة مقتصرة على العراقيين فقط وأصلها من كا او قا الآرامية وهي بنفس المعنى تحولت الكاف الى (چـ) ch    مثلما تحولت كلمة كلب الى چـلب و كف الى چـف وهكذا.  ونجد ذكرا لهذه الكلمة في هذه الأغنية المندائية/ الآرامية الجميلة التي تنشد في الاعراس : الهايه ربيثه استارثي / إد إِدري لي نور اسقيلو /    كـا   هزيت ابـگـوّ  / انات اشفر مني آن ؟   ومعنى الأغنية :  يا  سيدتي الجملية  / التي  تحمل  المرآة من اجلي /   هل  ترين فيها متنبئة  /  بأني اكثر جمالا (نقاوة) منها ؟

  

   

كتابة آرامية عراقية وهي اساس الخط الكوفي 

  

طرئوزي  :  خيار القثاء ترع أوزي [ ترع عوز] قرية قرب حران وتعني  باب الزهرة . وكان صابئة حران يزرعون هذا النبات الحلو في اطرافها،  والذي ينتسب الى عائلة الخيار والبطيخ، لفوائده الطبية. 

  

عزه : تقول النساء العراقيات عزا بمعنى ـ المصيبة ـ  والعزا [ أزا] بالارامية هي  النار المتقدة ـ  الحريق اوالكارثة التي تنجم عنه. 

طرگـاعه : هيجان عظيم ، واضطراب شديد .  وهي مشتقة من الجذر الثلاثي الآرامي [ ط ر ق] بمعنى :  يخفق ، يخلط  ، يقلق (الهدوء والسكينة) .  فنقول [طرگ البيض] أو[ طرگ اللبن] بمعنى خفقه وحركه . و [ طرگـا أو طرگـاءة ] ـ اصبحت بعدئذ طرگـاعة ـ هي بمعنى :  تشويش، اضطراب ، اقلاق ، ازعاج   و  فوضى. 

سرسري : كلمة ارامية تعني  ذو الاخلاق السيئة ؛ اي  سمسار ، قواد . وهي بنفس المعنى بالفارسية ايضا. 

تمريخ : من تمروخ الآرامية بمعنى الدعك او المساج . يقول العراقيون : مرّخوله رجله وفاخ من الوجع .  أي دعكوا قدمه وارتاح من الألم . 

  

يفوخ :  وهي من الجذر الآرامي [ فوخ] بمعنى  ينفخ ، يهب ، يطلق ريحا [ يظرط]  ، يرتاح. يقول العراقي : افوّخ الجمجمة  بمعنى أريح الرأس . 

يدگ حدادي :  يقولها العراقي عندما يقع بورطة لا يعرف لها منفذا ومعناها بالآرامية :  يضرب كفا بكف. 

اسليمة :  تعبير (اسليمه كرْ فـَتـَـه ) يطلقه العراقي على من لا يطيقه. و (سليمه او سليموت) بالبابلية  والآرامية تعني الموت او شبح الموت والفعل گـرف يعني  جرف اي أخذ ،  وعبارة (اسليمة كرفته) عبارة تمني بمعنى ليت الموت يأخذه (البعيد عنكم).  

بوري  : يستخدم العراقيون كلمة [ بوري ]  للدلالة على الانبوب، وكلمة [ بوري ] هي كلمة عراقية اكدية قديمة تعني قصبة البردي المجوفة وهو  النبات المشهورالذي ينبت باهوار العراق ، ومنها جاءت كلمة [ بارية ] وجمعها [ بواري ]  اي حصيرة القصب . ابتكر العراقيون معنى آخر للبوري  فيقولون اليوم  : فلانا انضرب بوري ،  بمعنى نـُصـب عليه ، احتالوا عليه واستغفلوه. 

بلا بوش :  قليل الحياء ، الذي لا يستحي . بلا  تعنى  بدون  و (بوش) كلمة ارامية قديمة تعني الخفر او  الحياء ، الفرج.  وبلا بوش تقال للشخص القبيح اي(  بلا حياء )  والكويتيون مازالوا  يقولون " جليل الحيا" بنفس المعنى .  اما البوشي فهو النقاب.  

حريشي: صمم ، سكون او موت  ، يقولون يطبّه حريشي اي ليصيبه ( يضربه) الصمم ،  الموت. 

 رگـه : سلحفاة ؛ من الأكدية  رقو 

  صريفة : من صريف السومرية / الأكدية  بمعنى كوخ القصب 

  بربوگ : من الألفاظ التي تسب بها النساء ، وجمعها برابيـگ .  وقد جاء في شعر للبهاء زهير:  (( لا تعجبوا كيف نجا سالما         من عادة البربوق لا يغرق)) . ومن النادر ان يخاطب بها الرجل .. وقد خرجها في قاموس العوام من البُربُخ .. قال ويشتمون الغلام والمرأة بقولهم بربوگ كناية عن [ السعة ] كأنها مجرى لماء الرجال .. وفي الأمثال البغدادية : (( بربوگ ما يغرگ)) . 

  يزي : يكفى ، تم ، كمل .  نقول يزي عاد اي يكفي الان. 

صـگـله : لعبة يمارسها الاطفال في العراق هي كلمة ارامية تعني : تكويم الحصى. 

كرَّز ـ  كرزّات  : قطـّع ؛ يقال كرزت فلانة الحب اي قطعت (قشور) البذور  باسنانها ومنه جاءت كلمة (كرزات) العراقية اي مكسرات كما يسميها بعض العرب . و البابلي كان يقول : كرز  فلان فلانا اي اتهمه بالباطل.  وحاليا يقول البعض (گـصّه) اي اغتابه.  

حرمه : بعض الناس يشيرون الى المرأة بالـ " حرمه" ، وترد هذه االكلمة في اللغة الأكدية بصيغة [حرماتو ]  و [ شمخاتو ] وتعني (بغي المعبد) او (كاهنة الحب) ، والكلمتان في الأكادية تشيران الى زمرتين من كاهنات معبد عشتار الموكلات بالبغاء المقدس. 

 دوش : على وزن (خوش) . يقول العراقيون عن اللحمة الدهينة: لحمة دوش ، ودشَـن هو السمين بالآرامية ومنها اسم دشنة  وهي المرأة  السمينة او الدهينة. 

 جت:  من [ دت ] الآرامية وهو عشب من انواع البرسيم ترعاه الماشية. 

عود أو عودين :  على وزن بعدين ، ظرف زمان آرامي  بمعنى عندئذ. 

 ماطول : كلمة آرامية تعني بسبب ، مادام .  وترد  في السريانية بنفس المعنى ايضاً . نقول : ما أطب بيتك ماطول  بيه فلان . اي لا ادخل بيتك بسبب وجود فلان (الذي لا ارغب برؤيته) بداخله. 

 إلّح : يقول العراقيون : اخويه الـ [ لح] وعمي الـ [لح]  بمعنى اخي شقيقي وعمي اخ أبي .  وهي كلمة آرامية / عبرية تعني القريب جدا (ءلح). 

بوجي : بعض العراقيين يسمون الكلب الصغير ( بوجي) . و [البوگـي]  في البابلية والآرامية  كائنات روحانية أو اشباح. ومنها جاءت كلمة [ بعبع] . 

  شاغ ، وشاغت روحه : أي ذهبت روحه وغاب وعيه [ من الألم أو غيره ] . وهي  من الفعل الآرامي [ ش غ ا ]  بمعنى : يضيع ، يُفقد ، يضيّع الهدف ، ينتشي ، يحيد عن ، يخطأ.