• Default
  • Title
  • Date
  • موسى الخميسي-روما
    المزيد
     مدينة فاريزى الشمالية، وفي صالات قصر" ميرابيلو" التاريخي العريق، يقام
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    انتفض شباط من سبات شتائه و بدأ ينفض عنه غطاء
  • موسى الخميسي
    المزيد
    لم تكن تلك الحقبة الفريدة من تاريخ الحروب الحافلة بالأحداث
  • موسى الخميسي
    المزيد
    حادثة الاصطدام التي تعرضت لها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي
الثلاثاء, 29 تشرين1/أكتوير 2019

معرض الفنان كوتوزو رائد الواقعية الايطالية

  موسى الخميسي-روما
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 مدينة فاريزى الشمالية، وفي صالات قصر" ميرابيلو" التاريخي العريق، يقام معرض فني يضم مجموعة مختارة من اعمال الفنان الراحل ريناتو كوتوزو رائد الواقعية الايطالية في الفن التشكيلي ، يستمر حتى نهاية الشهر الاول من السنة الجديدة.

الفنان الايطالي ريناتو كوتوزو "1911-1986" هو فنان عواطف وأفكار وممارسات مبدعة، وهو تاريخ لحياة كبيرة تعلقت بها تذكارات الماضي البعيد والأمس القريب، انه حياة تغور نحو العمق. لقد اتسعت القاعدة التعبيرية الأوروبية الجديدة في فترة الخمسينيات والستينيات على يديه، وخرج على كل النظريات التقليدية ذات الرؤية الضيقة للمستقبل الانساني، اذ أدرك منذ البداية بأن الفن الجديد عليه ان يخرج للآخرين من التراث الواقعي الإنساني الكبير، وهو يستند بذلك على الحداثة في تصوير التاريخ الإنساني المعاصر.
كان يبحث عن علاقة الفن بالواقع اكثر مما يبحث في المدارس والأساليب والنظريات الفنية، كان يرفض ان يصنف فنه تحت تسمية الواقعية الاشتراكية، لأنه كان يعتقد بأن واقعية الفن بالنسبة اليه تتمثل في الكشف عن فردية البشر وتشابههم مع جماهير البشر الأخرى باعتبارهم يعيشون جميعاً حيوات متماثلة ويواجهون مشكلات متشابهة، ودور الفن هو تصوير الروابط التي تؤلف بينهم، وان يبين ما هو الجديد وما هو المتحرك والناهض بين الناس، وان يمنحهم الوعي بمشكلاتهم ويشعرهم بالقربى، ويحل المعرفة محل المخاوف المبهمة باعتباره قوة فعالة في التاريخ الانساني، وكان يعتقد بأن الواقعية بإمكانها الاستفادة من كل التجارب والأساليب بما فيه التجريدية.
وقد سايرت وتزامنت واقعية كوتوزو مع انطلاقة النهوض الكبير الذي عاشته السينما الايطالية بواقعيتها الجديدة التي حمل لواءها روسلليني الذي حاول استنهاض السينمائيين الإيطاليين في التعبير عن مشاكل وأحلام الناس فقال لهم "يجب ان نحمل الكاميرا وننطلق إلى الشوارع والطرقات وندخل البيوت، اذ يكفي الخروج إلى الطرق ونقف في اي مكان ونلاحظ ما يدور بعيون مفتوحة لكي نخرج فيلما ايطاليا حقيقيا" وقد أسس بمقولته هذه الواقعية الجديدة في السينما.
الفنانان كوتوزو وروسلليني تأثرا بالافكار اليسارية التي ألهبت خيال تلك الاجيال في مناهضة التيارات غير الإنسانية وغير الديمقراطية التي مثلها الفكر الفاشي في إيطاليا والذي كان يشبع بعزل المفاهيم الجمالية عن الفن، وعزل الفن عن الحياة الاجتماعية، وتمجيد الفرد القائد.
كوتوزو كان يرى واقعية الفن، توقفها على المدى الذي اخذ الإنسان على عاتقه ان يكون سيداً للطبيعة ومستحوذاً على قوانيها ومحولاً اياها لصالح الاستخدام الإنساني، ومن ناحية اخرى على قدرتها في تمكين الناس في معرفة انفسهم والعالم الذي يحيط بهم، وكان يشعر بحاجة ايطاليا إلى نوع من الفنون تكون قادرة على منح الناس وعيا بحياة الأمة وبنفسهم وعلاقاتهم وبالكيفية التي يتحركون بها وبالقوى التي تعرقل تطورهم.
مع البدايات الأولى ما بعد الحرب العالمية الاولى، شهدت أوروبا صراعات حادة عكست نفسها على الفنان الأوروبي لتبين مسؤوليته الاجتماعية في طبيعة الفن وتوجهاته, وأول الصراعات كانت ما بين الأفكار الثقافية المحافظة التي كانت تسعى لتكريس وتمثيل واستعادة زمنية ماضية، وبين الثقافة الجديدة التي كانت ترفض الطروحات القومية المتعصبة ضيقة الأفق باعتبار ان الفن نتاجاً تاريخياً يصور تاريخ الأمة، وعلى المثقف والفنان ان يفهم صراعات القوى والكفاح من اجل الديمقراطية التي من خلالها يتحرك التاريخ الإنساني.
في إيطاليا كان الفنان كوتوو والفنان فينتوري يمثلان الطليعة الجديدة، فقد اختارا طريقاً صعباً لأنهما أدركا بأن دور الفن ووظيفته تمكنه من لعب دور بارز في تصوير الحياة القومية ومعارك الأفكار الدائرة فيها. وقد توصل ابن صقلية كوتوزو إلى فهم يؤكد "ان مهمات الفن الاجتماعية تتحدد في ان يعي الفنان عملية الاصطفاف التاريخي مع الحرية من خلال تعلم قوانينها وتكيفاتها من اجل ملاءمة الاستخدام الإنساني وأغراضه النبيلة".
لقد أدرك منذ البداية بأن دور الفنان ازاء التاريخ والمجتمع يمتلك الانحياز، وفعلاً انحاز بشكل مختلف إلى حاضر المجتمع وماضيه ومستقبله. ولقد توضح هذا الاتجاه عند كوتوزو في لوحته الشهيرة "الهرب من اتنا" التي يروي من خلالها الفنان احدى قصص النضال الذي خاضته القوى المناهضة للفاشية، وكيف تصدت قوى الظلام بوحشية كبيرة للناس الذين فروا من المدينة الصقلية. رسم هذه اللوحة عام 1939 الملتهبة، مستخدماً فيها الرمزية المعتمدة على التمزق التعبيري لجسد الإنسان، واستخدم اللون الحار الصاخب باحساس عميق وببراعة وحرية شديدة فكانت تلك اللوحة بمثابة البداية القاعدية التي عبر من خلالها عن محبته للجسد الإنساني، محبته لاكتمال الحياة الفعلية بأبعادها الثلاثة وتجسيدها على سطوح أعماله اللاحقة، مما جعل من فنه قوة واقعية عملاقة متحدية.
ولوحة "الهرب من اتنا" التي جاءت بعد عامين من رسم لوحة "الجورنيكا" للفنان الاسباني بابلو بيكاسو الذي ربطته علاقة حميمية مع كوتوزو، مثلت البيان التاريخي لمسؤولية كل من بيكاسو وكوتوزو ازاء مجتمعهما، ففي الوقت الذي وقف بيكاسو ضد ديكتاتور اسبانيا الجنرال فرانكو الذي كان يدعوه بيكاسو "عدو الإنسانية والثقافة " وقف كوتوزو ضد موسوليني وحمل البندقية لمحاربته، وفي الوقت الذي كانت الحياة الثقافية والانسانية تتعرض لوحشية الفاشيست الاسبان الذي دمروا بكل عنف وبربرية شعب تلك المدينة الصغيرة التي كانت تُدعى "جورنيكا" وبالتحالف مع النازيين الألمان، فإن إيطاليا كانت تختنق تحت حكم الفاشية بقيادة بنيتو موسوليني، وتدار بموجات من الأزمات وحروب الانصار والمقاومة التي خاض غمارها الفنان كوتوزو شخصياً وارتبط فنه بها، بل وكانت الممارسة النضالية كما أوضح ذلك لكاتب هذه السطور قبل أشهر من وفاته في محترفه وسط روما "انها قادرة على تحرير رؤيته" وجعله متحدا مع جمال الواقع المتحرر الذي رسمته انتصارات تلك الجماعات من الانصار والمقاومة الايطالية التي كانت تضم العديد من الأحزاب والفصائل اليسارية والدينية. وهكذا ظهر تأكيده وانحيازه وبجرأه كبيرة على الارتباط المباشر ما بين فنه وعملية الصراع التي كانت تدور بحدة داخل واقعه الاجتماعي.
لقد ركز كوتزو على عملية الحداثة في تصوير التاريخ، وهذه الحداثة اعتمدت الابداع الفني من خلال التحكم بالطريقة التي يولد بها الفكر والشعور والحركة والوصول من خلالها إلى أبعد مدى في اضفاء الطابع الإنساني على كل الوقائع الخارجية والداخلية والتي مثلت جزءاً من حركة التاريخ الايطالي، فأصبح عمله يحمل السمو، لا لكونه عملية تسجيل يحكمها التوازن المنطقي المطلوب حسبما تريده النظريات التقليدية يمينها ويسارها، وانما لأنه كان في كل أعماله الفنية، شخصية حية لا ترتضي تبني وجهات نظر تتقرر بمراسيم ليخرج من خلالها الفن الجديد، بل أدرك بأن الفن الجديد يخرج من الاعمال الفنية ذاتها، وأدرك بأنه كلما زادت امكانيات التعبير وتعددت، صاحبتها زيادة في القدرة على انتاج الفن المطلوب في تكونه وحركته التاريخية، حيث يرتبط الابداع الخيالي بشكل وثيق بالظواهر المختلفة للحياة الروحية للمجتمع.
وقد جسد كوتوزو الميزة الحية للصورة الفنية بحقيقة ان الفكرة المطلقة تعطي تحقيقاً ملموسا، ويمكن ادراكه حسياً من خلال تصوير الأحداث والشخصيات وظواهر العالم المحيط، ويتضح ذلك في لوحات كبيرة له من أبرزها "سوق الخضار" و"الساحة" فأصبح فنه فن حركة لأنه وُلد وبشكل مباشر من التراث الواقعي الإنساني الذي شكلت قاعدته الواقعية الجدية، فكانت أعماله التي اعتمدت طريقة التركيب والكولاج بمثابة تعلق بالحياة الانسانية إذ تكلم رسمه وتكلمت الاشجار والأجساد والأرض والظلال حين غطاها بألوانه البراقة الصارخة المحتدة.
لوحاته الشهيرة مثل "المنجم" و"الاجتماع العام" و"جسر الاميرالية" صور الناس فيها بشجاعة كبيرة وتنوع مدهش، ورسم أشكال الرعب والخوف والمعاناة التي جعلت كل لمسة من فرشاته تتقد الاحساسات المتوترة، يمكن قراءة الكرامة والقوة والصلابة لهؤلاء الناس الذين أحبهم الفنان بكل اخلاص.
لوحاته ليست مرآة ميتة تعكس بشكل سلبي عالمه الواقعي الذي عاصره، ففي ادراكه لهذا الواقع المحتدم على الدوام، نجد الإنسان يكافح باستمرار للتأثير في مجرى تطوره وهو يتخذ موقفه إلى جانب هذه الطبقة وتلك الفئة الاجتماعية مدركاً بأن العمل الفني قادر ان يكون مستودعا إعلامياً يغني الثقافة الفنية، لان آفاق الصورة الفنية ومجالات فعلها في حياة الإنسانية المعاصرة، بكل تنوعها اللامحدود، قادر ليشمل المدى المحدود لحياة الابداع، فهو يعتقد بأن "الفن يتطور في وجوده الواقعي ويتغلب على العقبات والصعوبات الذاتية برغم كل البنى النظرية".
امتاز رسم كوتوزو في اعتماده على الخطوط اللونية المتفجرة والتي اتجهت في عدد من اعماله لتكون في بعض جوانبها تصاميم زخرفية، وأجزاء أخرى منها عبارة عن نماذج مبسطة ذات أسطح تموج بحياة الألوان الصارخة. وفي مرحلته المتأخرة بدأ يميل إلى استخدام الخط الحساس ذي البعدين لتصوير الناس وخلفهم ارضيات تميل إلى ان تكون واقعية وذات ثلاثة أبعاد، وقد ابتعد عن التشويه التعبيري، الا انه تلاعب كثيراً وبشكل مثير بالاضواء والظلال والشعور بضخامة الشخوص المرسومة مع انه استخدم في هذه المجموعة من اللوحات خطوطاً مبسطة تبدو فيها الشخصيات كما لو كانت خارجة من اللوحة.
في جميع أعماله الفنية التي حملت تنوعات كبيرة للغاية والتي عكست عدالته بالنسبة لجمال الحياة الانسانية الطبيعية وغناها الحسي، والعمق النفسي والإنساني الذي يشترك فيه البشر حيث صور بها المقاهي "المقهى الاغريقي" الذي يقع وسط مدينة روما وهو من أقدم مقاهي العاصمة الايطالية، والبيوت التاريخية المهجورة القديمة، ودهاليز المسارح والأسواق، والشخصيات العادية وشجاعة الابطال المعادين للفاشية في تاريخ ايطاليا الحديث وصورهم باعتبارهم بشراً يمكن للمرء ان يقرأ في وجوههم صعوبات الحياة ومشقاتها، كما يمكن قراءة الكرامة والقوة والجمال "مثل عدة بورتريهات للكاتب البيرتو مورافيا" رسمها بشعور انساني اصيل اذ كان التأثير أيضاً متجهاً إلى وضع تناقض درامي للضوء والظل، وجعلت من نفسها مدرسة فنية كاملة بكل المعايير الفنية.
كوتوزو عملاق كبير في الشجاعة التي أثار بها فنه معظم المشكلات الاجتماعية والسياسية المتحدية التي مرت بها ايطاليا، وشجاعته تشكل امتداداً لقدرته الفنية على نقل صور التراث والفن الشعبي بما تمثله لوحاته المستمدة من تصوير حياة الناس وتقاليدهم وأماكنهم الجميلة، اضافة الى خياله الخصب المشحون بالاحساس والقدرة على ايصال أفكاره عبر لوحاته، فقد أدرك بأنه لا يمكن لفن أصيل أن ينشأ وتصبح له شخصية متميزة إلا إذا عارض التعصب وضيق الأفق وعمق التعاطف الانساني.

الدخول للتعليق

التجمع المندائي الثامن عشر


 
لاتفوتكم فرصة المشاركة في التجمع المندائي الثامن عشر هذا العام

مفاجئات وفعاليات الخاصة