• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الخميس, 12 أيلول/سبتمبر 2019

خـفـة وراحـة

  عوني سلمان الخشن
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ينساب الماء بخطوط متعرجة من خلال ثقوب شبابيك مبردة الهواء الثلاث ,فأرسمه لوحة في عقلي الباطني و كأنه شلال ماء كنت قد لامست مياهه الساقطة في ( كلي علي بك ) في أيام خوالي كنت قد اغتصبتها عنوة من زمن حكم علينا ان نعيشه قوانينا استثنائية و فقرا و مشاكلا و حروبا . امتلأ حوض المبردة مع ما علق به من غبار و صدأ وقطع من نشارة خشب وحشرات جلبها حظها العاثر بحثا عن مكان بارد فتدفق الماء اسفل المبردة فكوّن بركة من الوحل الممتزج بملح الأرض فازدادت النباتات التي نمت تحت ظل و رطوبة المبردة خضارا و نضارة و ارتفاعا تعالت فيه على النباتات البعيدة عن مصدر ذلك الماء .

شدة حرارة شهر تموز وشحة مصادر الماء المبرد جعلنا نخطط لملأ اقداحنا من ذلك الشلال الذي نلتمس فيه برودة نطفأ بها عطشنا و نخفف من حرارة ريح السموم التي تلفح وجوهنا , وقبل ان انهض من مكاني ازدحمت الأفكار في رأسي و استرجعت كل ما حفظته تقريبا عن حاجة الجسم للماء وان الشعور بالعطش هو المرحلة الأخيرة من التفحم الذي يصيبه ,ثم سمى بي الايمان عاليا فتذكرت قول الخالق سبحانه ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ,اذن انا حي ابحث عن ماء لاستمرار الحياة في داخلي ,اعود بذاكرتي مستذكرا شكل الماء و
طبيعة تركيبه الكيميائي ( الماء سائل عديم اللون و الطعم و الرائحة فأضيف اليه صفة أخرى أن يكون باردا ليكون مستساغا عند شربه راويا ظمأ العطشى ولذلك جلبت مكعبات الثلج من أعالي الجبال المتجمدة الى قصور الخلفاء العباسيين ليهنأ الخليفة بماء بارد اما الرعية من امثالي فيكتفوا بالنظر و بلع ريقهم لترطيبها باللعاب الذي تحول عندي الى مادة لزجة سميكة القوام تنتهي عند اول عملية بلع .

توقفت الأفكار عند هذا الحد فقد وصل التفحّم اشده فأنهض و اركض مسرعا حاملا قدحي ,ازاحم أصدقائي ( أبو فردوس ,نعمه عبد الصاحب و عباس عبد رحم ) لأضعه تحت سيل الماء المنسكب من قاعدة المبردة رغم تحول لونه الى البني الفاتح بفعل الصدأ و قطع نشارة الخشب المختلطة فيه ,ابتلع القدح كاملا ,أقول بصوت عال ونفس طويل ( الله ماء نصف بارد ) فتح اللعاب الذي التصق بمدخل المريء و مرطبا للسان المزمار الذي اكاد احسه قد مال جانبا و ترك مكانه المتوسط بين القصبة و المريء.
صراع جديد في داخلي هل اثني بكأس اخر ,قلتها بصوت عال فكان الجواب من أصدقائي ( امي ما علمتني على التثني ) فأعود الى مكاني مبتسما اتحسس علبة السجائر واخرجها من جيبي اسحب واحدة منها ,اشبع رأسها نارا فيتصاعد دخانها فتصيبني نشوة تخدر اعصابي فأهدأ قليلا ,ثم اعود الى داخل القاعة او الاصطبل من ذلك المكان المتهالك الذي أصبحت جدرانه المبنية من القش المحاك حصرا والمربوطة بأسلاك معدنية ومكسوة بالجص مخابئا للجرذان و الحشرات ولكنه بناء لا يزال واقفا يتحدى سبعون عاما مذ ان بناه الإنكليز معسكرا لهم او اصطبلا لخيولهم والقائمين عليها عند غزوهم الذي اسموه تحريرا للعراق كحصة و غنيمة للمنتصرين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .

تموز 1982 -أبو غريب -فوج الدفاع والواجبات الثاني مركز لتجميع الشباب بمختلف أعمارهم و مستوياتهم الثقافية وظروفهم الصحية و المرضية من خلال دوائر تجانيدهم ,لتجهيزهم بالملابس العسكرية و السلاح وتعطيشهم وشي جلودهم بحرارة الشمس استعدادا لشحنهم الى جبهات القتال وقودا لحرب ضروس بدأت منذ سنتين و اكلت الأخضر و اليابس و حصدت الالاف من أرواح الأبرياء وبترت ما يزيد منها رقما من الأطراف و العيون والاذان وأعضاء داخلية أخرى ,وثكلت و رمّلت و يتمت الالاف من الأمهات و الزوجات و الأبناء .

الرائد هاشم ,امر سريتنا ,رجل متوسط العمر ,ذو روح مرحة شفافة تتعاكس مع شروط الرتبة وسياق القانون العسكري وما اعتاده الضباط في زمن الحرب والسلم ,يبادرنا بالسلام قبل ان نؤدي له التحية العسكرية ,ينظر الى ( علي ) ذلك الرجل البدين جدا الذي يجلس خلف طابور السرية بوضع مائل و مستندا على يده لعدم استطاعته الوقوف ويقول له ( علاوي خفة و راحه ) .

نقلنا الى المحرقة جميعا فأعيد علّاوي لعدم الاستفادة منه و عاد الرائد هاشم محمولا في صندوق خشبي ,اما نحن فأنهينا ما جبرنا عليه صاغرين وعدنا بعد ست سنوات بقايا بشر احياء لا زلنا نعاني الام الجسد و الروح .لأرواح الشهداء السلام ودمتم بخير.

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014