• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 25 كانون1/ديسمبر 2022

الشيخ صحن والدولة العثمانية

  سنان نافل والي
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

تعتبر قضية الشيخ صحن، وهو رئيس الطائفة المندائية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ( 1870 – 1893 ) من أكثر القضايا التي شغلت المجتمع المندائي إلى يومنا هذا وذلك لأسباب عديدة منها، الغموض الذي أكتنف الكثير من جوانبها وخصوصا تلك التي تتعلق منها بحادثة القتل للشيخ عيدان، ابن أخ الشيخ صحن والتي أتُهم فيها الشيخ صحن نفسه بأنه هو الذي كان وراءها أو على الأقل المحرض عليها وأيضا الظروف السياسية التي رافقت تلك المسألة وما نجم عنها من تدخل بريطاني في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية آنذاك. تميز الشيخ صحن وهو بدرجة ( كنزبرا ) بشخصية قيادية وبمعرفة وإطلاع كبيران، سواء في شؤون دينه أو في الأمور العامة، الاجتماعية منها أو السياسية على حد سواء مما جعل اسمه يكون معروفا جدا على المستوى الشعبي في مدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوب العراق وكذلك على المستوى الرسمي الحكومي للدولة العثمانية لأكثر من ثلاثة وعشرين سنة كرئيس للمجتمع المندائي في تلك المنطقة. ولكن أهم ما تميز به هو قدرته الكبيرة على إنشاء علاقات مختلفة ومع جميع الأطراف، بما فيها العشائر الإسلامية في المنطقة وأيضا مع جميع الطوائف الدينية المختلفة هناك وكذلك مع بعض الهيئات الدبلوماسية الأجنبية العاملة أو الوافدة إلى العراق(1)أما أهم تلك العلاقـات، فهي تلك التي كانت مع شيخ عشائر بني أس " الشيخ حسن الخيون" الذي ضمن حماية المندائيين الموجودين في أراضيه ومعاقبة أي شخص يحاول المساس أو التعرض لهم. كانت العلاقة مع الشيخ حسن الخيون، علاقة قائمة في الأساس على مدى الفائدة التي تجنيها قبيلة بني أسد من إمكانية ومهارة المندائيين في الأعمال الحرفية التي يبرعون فيها وخصوصا في مجال الحدادة وصناعة القوارب وكذلك في تصنيع المدافع والإطلاقات النارية ومتفجرات صغيرة عرفت باسم قنابل "الدان" وهو الأمر الذي حظي بأهمية كبيرة لدى آل خيون، نظرا للعلاقة السيئة التي تجمعهم بالسلطات العثمانية حينها والتي كانت من نتائجها المباشرة القيام بتمرد كبير ضد العثمانيين وبالتالي حاجتهم المستمرة إلى الذخائر الحربية التي كان الشيخ صحن ومن معه، هم من يتولون تصنيعها وتزويدهم بها(2-3) وبسبب ذلك، حظي الشيخ صحن بمكانة كبيرة لدى آل خيون وبالتالي الحصول على دعمهم ومساندتهم له بشكل كبير جدا مما رسخ مكانته وزعامته في المجتمع المندائي كقائد وزعيم ديني للمندائيين تصعب منافسته بأي شكل كان. هذا الأمر على ما يبدو قد أثار الكثير من الآراء المختلفة داخل المجتمع المندائي ذو الأعداد القليلة والتي عرفت على الدوام بسلميتها وبسياستها الدائمة بعدم التدخل في الصراعات والنزاعات السياسية أو القبلية التي تحدث بين الحين والآخر لذلك كانت الآراء منقسمة بين مؤيد لسياسة الشيخ صحن في تعامله وعلاقته المقربة مع آل خيون وبين معارض لتك السياسة للتخوف من أن تسبب لهم مشاكل كبيرة مع السلطات العثمانية. وربما كان الحسد والغيرة من تلك المكانة المميزة التي حظي بها الشيخ صحن، هما الدافع الذي يكمن خلف تلك المعارضة الشديدة له من قبل بعض المندائيين الذين حاولوا على ما يبدو أن يقوموا بتنحيته عن زعامة الطائفة وذلك من خلال الإتيان برجل دين آخر وإقناعه بالحلول مكانه كرئيس ديني للطائفة المندائية وهذا ما تم بالفعل عندما ذهب البعض من المندائيين إلى الشيخ "عيدان بن الشيخ داموك" وهو ابن أخ الشيخ صحن وزوج ابنته بنفس الوقت لكي يكون هو الزعيم الديني بدلا عنه على الرغم أن الشيخ عيدان كانت درجته الدينية "ترميذا" وبالتالي لا يمكن له إجراء العديد من المراسيم الدينية وأهمها عقد مراسيم الزواج بينما الشيخ صحن كان بمرتبة "كنزبرا" ومؤهلا بالطبع لإداء جميع المراسيم الدينية وبمختلف أنواعها إضافة إلى أنه لم يكن يتمتع بمؤازرة ودعم عشائر بني أسد وحسب إنما أيضا بدعم وموافقة الوالي العثماني في بغداد أيضا الذي أقره رسميا كرئيس للطائفة المندائية وبالتالي امتلاكه لسلطة واسعة بما فيها حل النزاعات التي تنشب بين الحين والآخر. لم يمضي وقت طويل على مجيء واستقرار الشيخ عيدان في سوق الشيوخ حتى تلقى الجميع صدمة كبيرة عندما سمعوا أن الشيخ عيدان وهو الشاب في مقتبل العمر قد قتل رميا بالرصاص في أول أيام عيد"البرونايا". كان الخبر بمثابة الصاعقة على المندائيين الذين توجهت أنظارهم على الفور إلى الشيخ صحن، متهمين إياه بأنه وراء عملية القتل هذه وأن ابنه جابر هو من نفذها خصوصا مع ما عرف عن معارضة الشيخ عيدان ورفضه بدفع جزءا من المال الذي كان يحصل عليه جراء أداءه المراسيم الدينية لأبناء الطائفة، إلى الشيخ صحن إضافة إلى أن الشيخ عيدان (ربما) كما يشير إلى ذلك أحد الباحثين، قد تملكه الحسد من مكانة الشيخ صحن ونفوذه الواسع في المجتمع المندائي والإسلامي على حد سواء، هذا الأمر يمكن أن يكون قد لعب دورا في قبول الشيخ عيدان للمجيء ومنافسة عمه على السيادة وخصوصا أن والده " الشيخ داموك " كان قد لفت انتباه الوالي العثماني في بغداد كمرشح محتمل لرئاسة الطائفة المندائية إلا أن وفاته المفاجئة قد حالت دون ذلك.(4)وفي رواية أخرى حول الحادثة، أن الشيخ حسن الخيون هو الذي أمر بإرسال أحد رجاله لقتل الشيخ عيدان وذلك في مسعى منه لتثبيت وتقوية سلطة حليفه المقرب الشيخ صحن بعد أن وصلت إليه الأخبار بمعارضة الشيخ عيدان دفع المال إلى عمه ومعارضته له على الملأ .(5) عموما، أيا كانت الحقيقة وراء حادثة القتل، فقد انتهت الثورة التي قامت بها عشائر بني أسد بالفشل واجتاحت القوات العثمانية مناطقهم مما نتج عن ذلك هروب الشيخ حسن الخيون وأتباعه إلى الأهوار وكذلك حاول الشيخ صحن الهروب مع أولاده من قبضة السلطات العسكرية إلا أنه فشل في ذلك وتم إلقاء القبض عليه مع إثنين من أولاده، هما شيخ نادر وشيخ جابر أما الاثنان الآخران، شيخ جادر وشيخ ثامر، فقد استطاعا الهروب والاختباء في الأهوار. ألقي الثلاثة في أحد سجون مدينة البصرة بتهمتين اثنتين، الأولى هي المسؤولية المباشرة عن مقتل الشيخ عيدان والثانية هي المشاركة والمساعدة في التمرد والثورة المسلحة ضد الدولة العثمانية وعلى ضوء هذين التهمتين، حكم على الثلاثة بالسجن المؤبد. حاول الشيخ جادر الطلب من البريطانيين في إيران التدخل من أجل إطلاق سراح والده وأخويه من السجن فكان رد نائب القنصل البريطاني في "المحمرة "W McDouall بأنه من الأفضل أن يكتبوا مناشدة إلى جلالة الملكة فكتوريا للتوسط في هذا الموضوع لصالح ذويه، وبالفعل كتب المندائيون رسالتين، الأولى كانت تحمل توقيع الشيخ صحن نفسه والثانية كانت موقعة من قبل العديد من وجهاء وكبار الشخصيات المندائية يطلبون فيها ويناشدون الملكة أن تساعدهم لإطلاق سراح الشيخ صحن وأولاده من السجن. ( نلاحظ هنا أن الوثيقة الثانية والتي حملت تواقيع كبار الشخصيات الدينية والاجتماعية المندائية قد خلت من توقيع "الشيخ سام بن الشيخ شبوط "وهو الأمر الذي كان محيرا للكثيرين وخصوصا مع ما عرف عن الشيخ سام مدى قربه وعلاقته القوية مع الشيخ صحن). لم يمض الكثير من الوقت على السجناء الثلاثة حتى توفي الشيخ جابر وقيل أن سبب وفاته كانت التعذيب الشديد الذي تعرض له داخل السجن أما والده الشيخ صحن فقد فارق الحياة بعد مضي ثلاثة سنوات في السجن، سنة 1896 أو في تأريخ آخر للوفاة أنه كان في عام 1898. أما الشيخ نادر فقد تم إخراجه من السجن بعد أن تم تقديم رشوة كبيرة إلى المسؤولين في السجن وذهب من هناك إلى إيران وبقي فيها لسنوات طويلة.(6)

المصادر والهوامش
(1) ماجد فندي المباركي : المندائيون سر البقاء والحياة منتصرة . ص 238
(2) لا يعرف صحة هذا الأمر ولكن هذا ما أشيع عن الشيخ صحن ومن معه من المندائيين بقيامهم بذلك الأمر
(3) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 413
(4) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 415
(5) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 415
(6) ماجد فندي المباركي : المندائيون سر البقاء والحياة منتصرة . ص 241

الدخول للتعليق