ليست كرة القدم مجرد لعبة للتسلية ، ولا هي مجرد ممارسة لنوع جميل من الرياضة كما درج الناس على تصنيفها ، بل هي اليوم اكثر من ذلك ، لأن التباري والتنافس (وفي اي مجال) حين يكون على نطاق البلدان فانه يتحول الى صراع ودي من اجل تثبيت المكانة بين الامم ، ورفع اسم البلد ورايته امام العالم .
والفوز في الرياضة في بطولات دولية وخصوصا في كرة القدم له طعم خاص وبهجة خاصة ، ليس فقط بسبب كون كرة القدم هي اللعبة الجميلة الاولى في العالم ، ولا بسبب ماتتضمنه من مهارات وفن وذكاء وقوة وعزم وتعاون ولعب جماعي ، ولا بسبب كونها تجمع الصغار والكبار والبسطاء والعلماء والفقراء والأغنياء والرجال والنساء ، ولا لكونها تجمع الزعماء والعظماء والملوك كلهم على مدرجات واحدة او امام شاشة واحدة ، ليس بسبب ذلك كله انما لكون الفريق في البطولات الدولية يحمل اسم بلده وراية بلده ، فالفريق هنا يمثل الـوطن كله وهو في ساحة المنافسة الرياضية الجميلة ، والوطن وحده سيكون حاضرا امام العالم كله ولا شئ آخر سواه ، ومن هنا تاتي اهمية الفوز في المنافسة ، ومن هنا يكون للفرح والاحتفال طعم اخر .
ولهذا السبب تنفق البلدان اموالا كثيرة من اجل الرقي بمستوى فرقهم الرياضية وبالذات الكروية، فيُنشئون الملاعب ويقيمون المعسكرات التدريبية ويستجلبون افضل المدربين وافضل الاداريين ويعتنون باللاعب المتميز أيما عناية ، لأن المطلوب في النهاية هو رفع اسم البلد في المحافل الدولية.
والانسان بفطرته يتحزب لما يحب ، فهو يتحزب لملته ويتحزب لحزبه ويتحزب لبلده ، وقد يتحزب الشخص لنادي معين او زعيم معين او فنان معين ويسعى جاهدا الى كسب مؤيدين له ويقف في موضع الدفاع عنه الى النهاية ، فهذه فطرة في الانسان يتمسك خلالها بما يحب او يؤمن ، ويفرح بنجاحها ويحزن بفشلها.
الا ان كل التحزبات تسقط وتتلاشى امام التحزب للوطن ، خصوصا اذا كان الوطن في موضع منافسة في محفل دولي ، فمسألة حب الوطن ونصرته واعلاء شأنه بين الامم هي مسالة لاشك تدفع الجميع الى التوحد والتكاتف. ولايشذ عن ذلك الا العملاء وغير الاسوياء .
بالأمس فاز فريقنا العراقي الكروي بمباراة مهمة اهلته للتقدم الى المباراة قبل النهائية من اجل الظفر ببطولة كأس اسيا ، وهو اللقب الذي ناله فريقنا قبل ثماني سنوات ،
وشاهدت فرحة العراقيين الغيارى المنتشرين في كل فج وصوب وعلى اختلاف شرائحهم ومشاربهم والوانهم واطيافهم ، رأيت العراق في عيونهم وقلوبهم ورايت الفرح الغامر في اهازيجهم واغانيهم وهم يهللون فرحا وابتهاجا ويباركون بعضهم بعضا ، رأيت دموع الفرح في عيون الجميع ، فقمة الفرح بكاء.
كل الشعوب تفرح وتبتهج وتحتفل بالفوز، لكن فرحة العراقيين تختلف لأنهم بحاجة الى افراح توحدهم والى احتفالات تجمعهم ، لقد رأيت العراقيين بالأمس ينشدون ويهتفون للعراق قبل ان تهتف حناجرهم لأعضاء الفريق ، بالأمس رأيت العراقيين وهم يحتضنون العراق.
ديترويت