• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 03 آذار/مارس 2015

و يسألوني عن الشهيد .. !

  عبد الجبار السعودي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

*((من قال "لا" في وجهِ من قالوا "نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال "لا" .. فلم يمت ,
وظلّ روحاً أبديّــة الألم !))

روح سبارتكوس التي كانت تجوب التأريخ و تنعشه في أفئدة الثائرين، ومنذ أن عرفتهُ ثائراً في وجه الحاكمين، و مُذ أن دفعني *(خالي) لكي أزور مراراً عرضاً سينمائياً لتلك الملحمة في دار سينما الوطني في البصرة في مطلع الستينيات لكي أشاهد صراع المضطهدين ضد سلطة الأمبراطورية الرومانية و جبروتها. منذ تلك الأيام عرفتُ و أنا في السابعة حكايةً إسمُها .. الشهيد !

في شباط الأسود من عام 1963 ولم أزل في العاشرة، إنتحبتْ اُمي كثيراً في رحيل *(الزعيم) الذي اٌستشهد و غدا ذكرى لم تزل حكايتها تروى لليوم ! حكت لنا بفطرتها، كيف أن عاصفة ترابية قد هبت يوم اُعدم فهد .. فتراءتْ أمام أعيني تلك السحابة الحمراء التي غطت مشهد مصرع سبارتكوس في المشهد السينمائي !

توالتْ دموية و أحزان الوطن، وكان (يوماً) مخيفاً لي، متردداً في خطواتي و أنا أزور مع جموع الزاحفين، نادي الأتحاد الرياضي في البصرة و الملاصق لمعاونية شرطة العشار و الذي إتخذه مجرمو شباط معتقلاً للتعذيب و التصفية الجسدية .. فقد فزعت عيوني وهي تشاهد في أروقة النادي و منازعهِ، (گصايب شعر) لفتيات وملابساً داخلية و دماءً تلطخت بها الجدران و أدوات تعذيب و قتل بشعة ! و أختفى أيّ أثرٍ للضحايـــا .. إختفى أيُّ أثرٍ للشهيدات .. إختفى الشهداء ! لربما نمتُ ليلتها فزعاً، مُدارياً تعب جسدي النحيل، لكن وَجَعَ سبارتكوس و تلك الصلبان التي إمتدت لتحمل أجساد الضحايا وهي تنوءُ، و إغفاءة الزعيم و نحيب اُمي و لطمها و جدائل الشعر المحنّاة بالدماء و صراخ الضحايا قد أيقظ الليل في عيوني .. ولا زلت !

عرفتُ حكاياتٍ أخرى .. عشتُ لصيقاً للحيّ البطولي *(كاورباغي) في كركوك و كنتُ فتىً يافعاً وعرفتُ من *(هاوري) أن شهداءً هنا قد سقطوا، في هذه البقعة، في إضراب سلمي مطالبين بحقوقهم !
في تلك الأيام من تلك الأعوام و في جلسة عائلية، إحتدم فيها نقاشٌ حول بسالة و صمود الشهيد سلام عادل .. فتراءى لي ذعر الجلادين ..

في تلك الأيام وفي ذات المدينة.. و في يومٍ صيفي من تموز، كانت هديتي (فانيلة حمراء) من شيخ عجوز، هو جدّ أحد اللاعبين الصغار، وزّعها علينا نحن الفتية بعد مباراة لكرة القدم، كُتبَ عليها .. شهداء كاورباغي !
لم تنته فصول الحكاية حينها، فقد سقط شهيدٌ هناك في البصرة . سالت دماء الدكتور عبد الرزاق مسلم، أستاذ الجامعة المعروف غدراً بأيادٍ إحترفت القتلَ. كنتُ بعيداً عن مدينتي، لكنّ غضباً كالذي أشعله سبارتكوس قد أيقظ فتوّتي و أنا أسمعُ بالتظاهرات التي إندلعت في البصرة حينذاك وراء حادثة الأغتيال !

عندما يشتدُ عودُك و تدرك بوعيٍ ما يدور حولك، تشتعلُ جذوة التحدي فيك لتنتصر في كل خطواتك للشهداء ولن تنساهم ..
((بوسط روحي حضنتك طيف تطرب وحشة الفرگه)).. سمعتها لاحقاً ..

*عصام الذي خرج ليُحضر مستلزمات عرسه لليوم التالي، كنتُ ملازماً له حتى آخر لحظات خروجه من بيتنا ! أبى الأنتظار.. فغاب عنا للأبد !
*إلتفات و رعد و رشيد الأخوة الثلاثة ومعهم زوج إختهم جبار نعيم، اعتقلوا و غابوا عنا للأبد ..
هناك في سفوح الجبال تسقط عميدة عذبي و يُقطع اصبعها من أجل خاتمٍ رسمت به رفقة حياتها، و تُسرق قلادتها بأيدي ذات القتلة ! هناك في تلك السفوح ينتصرُ *هيثم لقضيته ثم يغيب .. !
ضحكات و إبتسامات صديق طفولتي و مدرستي *يونس تذبحها مرارة الأيام و ضحكات المجرمين . أسألُ عنك يا يونس حتى اليوم .. حتى اليوم تسأل دروب القشلة عنك و ذلك البيت الفقير و تلك الرحلة الدراسية التي جمعتنا!
غيابٌ يأخذهم بعيداً عنا في تفاصيل تطرز بها الحياة بطولاتهم، و حضورٌ يوحدّهم في ذكرى الرابع عشر من شباط من كل عام .. ذكرى يوم الشهيد الشيوعي .
صرخةُ و وجع سبارتكوس و تلك الجدائل و نحيبُ اُمي و قلادة عذيبة و صمود سلام عادل و تلك الأقدام التي خلفت وراءها بصمة للأيام و التأريخ في سفوح كردستان و أهوار الجنوب وحتى إغفاءة عيون *سعدون لم تزل كلها توقظني ..
لم أزل أتلمس الحروف التي كتبها الشهيد كامل شياع رغم غيابه عن المشهد ..
همسَ لي أحدهم (چا .. نسينــه ستار* ؟)
لم تزل غنوة الشهداء تقض مضاجع أعداءهم ..
**(( بوسط روحي .. حضنتك طيف تطرب وحشة الفرگــه ))

طريــــق الشعب
***
* المقدمة الشعرية من مقطع لقصيدة للشاعر المصري أمل دنقل تحت عنوان .. كلمات سبارتكوس الأخيرة.
* سبارتكوس .. قائد ثورة العبيد ضد الأمبراطورية الرومانية قبل الميلاد .
*(خالي) المحامي و المناضل الشيوعي الراحل طالب بدر جابر.
*(الزعيم) الشهيد و القائد الوطني عبد الكريم قاسم.
*(كاورباغي) أحد أحياء مدينة كركوك وقد شهدت نضالات جماهيرية كبيرة منها إضراباً عمالياً سلمياً إبان العهد الملكي و سقط عدد من الضحايا الشهداء برصاص الشرطة و جرح آخرون.
*(هاوري) صديقٌ حميمٌ لي خلال سنوات دراستي في المرحلة المتوسطة و الثانوية في كركوك.
* عبد الرزاق .. الشهيد الدكتور عبد الرزاق مسلم الماجد .
*(ستار) الشهيد ستار خضير الذي اُغتيل على أيدي جلاوزة البعث عام 1969 في بغداد.
*(عصام) الشهيد عصام حسناوي كسار الذي أختفى بعد أن خرج الى أسواق العشار في البصرة ليُحضر مستلزمات المهر لعرسه في اليوم التالي (الأحد).
*(الشهيدة عميدة حالوب عذبي الخميسي) الشيوعية البطلة التي سقطت صريعة عند سفوح جبال كردستان في قتالها ضد سلطات النظام البعثي الدكتاتوري.
*(الشهداء إلتفات ثجيل و أخوته رعد و رشيد) إخوة ثلاث أعتقلوا مرة واحدة و كشفت الوثائق لاحقاً إنهم قد أعدموا مع زوج شقيقتهم جبار نعيم على أيدي السلطات البعثية المجرمة عام 1983.
*(الشهيد هيثم ناصر الحيدر) أستشهد في كردستان العراق خلال كفاحه ضمن فصائل الأنصار ضد سلطات النظام البعثي الدكتاتوري.
* يونس .. الشهيد (يونس شغيّت) صديق طفولتي في محلة القشلة في العشار و زميل المرحلة الأبتدائية في مدرسة المربد الأبتدائية و متوسطة المربد .
* (سعدون) الشهيد وضاح عبد الأمير الذي اُغتيل عام 2004 هو و رفيقيه نوزاد و حسيب ولم يزل القتلة طليقي السراح.
*(ستار) الشهيد ستار خضير الذي اُغتيل على أيدي جلاوزة البعث عام 1969 في بغداد.
* الشهيد الشيوعي كامل شياع الذي أغتيل في شهر آب من عام 2008 في بغداد حيث كان يعمل مستشاراً في وزارة الثقافة العراقية. لم يزل قتلته طليقي السراح.
** (حضنتك طيف تطرب وشة الفرگه) .. مقطع من أغنية للشهيد ..
***
** المادة منشورة في صفحة الفيسبوك

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014