• Default
  • Title
  • Date
السبت, 02 أيار 2015

كـلـماتُ ثَــــرثَــــــرَة

  نــعـــيم عـربــي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

كـلُّ الأَديان التي عـرفها البشر ، مـنذُ فـجـر تاريخ الإِنسان وإِلى يومنا هذا قامت على ( الكلمةِ ) وبالكلمةِ عـُـرِفَ الـلـه، وبالكلمات دُوِّنـتْ تـعاليمه في كتبِ الأَديان ، فـلا أَديان بـلا كتبٍ تحملُ نـصوص التعاليم وطـُرق العبادةِ
فَـفي الـبـدء كـانت الكلمـة وبالكلمةِ تكـوَّن الـدين ، وليس بالمال ، النقود نعم فليس هناكَ دينٌ من الأَديان القديمة أَوالحالية قام بواسطة المال ، فَـفكر الإِنسان التي تحمـله كلمات اللغةِ هــو الـذي أَنشأَ الحضارةَ كـل حضارة منذُ
فجر التاريخ إِلى اليوم ، بالـفكرِ والإِرادةِ أَنشأَ الـعمران وبنى المدن وأَقام الدولِ
والقوانين والنظم الإِجتماعيةِ والسياسيةِ وخلقَ الفنون والآداب بكلِّ صنوفهما
والفلسفات وكتبَ تـعاليم الأَديان التي نزلت على الأَنبياء والـرسل ، إِذن فالإِنسان هـو الـفـكـر ، وكلما كان ذلك الفكر سليماً ، متوازناً يهدفُ إِلـى تحقيق خـيرِ وصلاح وسعادة الآخرين وليس إِلى مـضَـرَّتهم ، كان ذلكَ الفكر
مقياساً لـجـودةِ وصلاح ذلك الإِنـسان فبالكلمة ، الكلمةُ الـطَّـيِّـبة وحدها يُـصلَـحُ الإِنسانُ ويـستقيم في حياته .. فـكل خير في حياة البشر ارتبط
،بالكلمات الطَّيبة ، وكل شـر وحروبٍ ودمارٍ ارتبطَ بشيئٍ إِسمـه المال
فعندما احتلَّ المال مكانه في نفوس البشر راح يزحزح ويهدم ما بنته الكلمةُ الطَّيبةِ في نفوس البشر ، وتحوَّلَ صراعهم مع الطَّبيعةِ لـصنعِ الحياة إِلى صراعٍ بـينهم من أَجلِ المصالح والمنافع المادية وكنز المال وقـد قيل بحق
ـــ الـفـلوس تُــفــسـدُ الـنـفــوس ـــ ، فكيف نـرجـو من المالِ أَن يـصونَ لنا الـدين
وهـو سبب خراب النفوس وسبب أَغـلب الـشرور التي تغلف حياة البشر وما
جاءَت الأَديان إِلاّ لمحاربة هـذا الغول الذي إِسمه المال . إِن مسألة إِنقاذ كياننا المندائي من براثن التهديد التي تمتدُّ إِلي هذا الكيان من عدةِ جهات وبسبلٍ ظاهرة وخفيةٍ تتعـدى المال والإِكثار من المنادي وقاعات الـرَّقـصِ
مـشكلتنا الأَساسية الكبرى تتَعـلَّـقُ في كيفيةِ الحفاظ على كياننا من التآكل والذوبان في مجتمعات الهجرةِ . إِن طائفتنا المندائية من حيث كونها مجتمع
بشري صغير وضعيف ، تتحكمُ بـه كأَيِّ مجتمعٍ بشري آخـر الـظروف الموضوعية والـذاتيةِ وهـذين الـظرفين الـلـذينِ تـمـرُّ بهما الطائفةُ الآن هما
من أَسوء الحالات التي مـرَّتْ بهما المندائية مـنذُ نشوئِها ، فالتَّـهديد ماثلٌ للعيان ، نتيجة تشتت الكيان المندائي بـعـدةِ دولٍ وقاراتٍ ، بعـد أَن كان في السابقِ جـسداً واحـداً متماسكاً تحتضنه أَرضٌ واحـدةٌ ، وسمـاءٌ واحـدةٌ ويتعمَّـدُ
ويغتسل بنهري دجلة والفرات ، كان جـسداً متماسكاً بفعل البيئة الطبيعية الواحدة ، والظروف الإِجتماعية القائمةِ على اللغة الواحدة والعلاقات الحسنةِ
والتسامح الديني من قبلِ الآخرين من المسلمين والمسيحين والمكونات الأُخرى ، هـذا هـو الظرف الموضوعي سابقاً ، أَمـا الظرف الذاتي للطائفة سابقاً فـيتمثَّـلُ في سيادة علاقات الأُخـوَّة المندائيةِ القائمة على الإِحترام والتعاون وخـلو علاقاتهم مـن المشاكل كالتي نراها سائدةًالآن ، فـهذهِ الظروف للطائفة في الماضي هي التي ساهمت تماماً ببقاء الكيان المندائي
كأَقـليَّةٍ دينيةٍ كـل هـذهِ المـدة الطـويلة مـن تـواجـدها على أَرض الـرافدين وليس
بالمنادي وقاعات الإِحتفالات وكثرة المال ، فقد كانت غالبية عـوائل الطائفةِ
تعيشُ على حافة الفقر والعيش الكفاف والقليل جداً منها متوسط الحال وليس عـندهم قاعات للإِحتفالات أَو مـنادي يلتقون بها من أَجل الحصولِ
على ثقافة التعاليم الدينية واللغة المندائية ، إِنما كانت روح العلاقات الطيبة
التي توصي بها المندائية وهي انعكاس لـعـدم سيطرة المصالح المادية والنزعة الأَنانية الفردية والعائلية ، فكانوا عائلةً واحدة يعيشون الأَفـراح والأَحزان سويةً ، وكانت لقاءاتهم تتمُ عبـرَ المناسبات الدينية والإِجتماعية ، كالأَعيادِ ومجالس الـعـزاء أَو أَفـراح الأَعـراس والولادات وكل هـذه اللقاءات
الحميمية بوسائلها البسيطةِ تَـتـمُّ في الـبيوت ، وكانت تشيعُ في حياتهم
في كل الأَيام لـغة الــودِّ والإِحترام والحياء . فكيف إِذن نستهين بالكلمات
الـطيبة ذات المستوى الثقافي الجيد في طروحاتنا وحواراتنا في الندوات
والمحاضرات في اللقاءات المباشرةِ أَوعلى صفحات الأَنترنيت ونـعتبرهُ ونسمِّيهِ
ــ ثـرثَــرَةً و كلمات إِنشاء ــ !! والثرثرةُ تكون دائماً على موائد الخمرِ والقمار أَو مع لـعبتـي الدومنةِ والطّاولي في المقاهي ، إِن كلام المثقفين المندائيين
ذوي الفكر النيِّـر وليس الظلامي ، يـهدف إِلى بناء شخصية الإِنسان المندائي الذي يعيش في العصرِ الحديث بـدولِ الهجرة العلمانية المتحضِّرةِ
وليس في العصور القديمةِ ، أَو الـقـرون الوسطى ، إِنسانٌ يمتلكُ العلمَ والثقافةِ في كل مجالاتهما ، إِنسانٌ مـنفتحٌ على الحياة المعاصرةِ مع الإِعتزاز
بديانته المندائية و تعاليمها وخصوصياتها ولكن ليس على الغيبيات
والخرافات والأَساطير التي يـدحظها العلم والعقل والمنطق ، ويقف إِلى جانب
صاحب الكلام الذي يدعـو أن تسود لـغة المحبَّة والإِحترام والتسامح في المخاطبات بين الإِخـوة المندائيين ، وتجعلهم في كل وقت بشعورٍ أَنهم حقاً
عائلة واحدة ، الكلام الذي يـدعـو المندائيين إِلى حـلِّ مشاكلهم بالهدوء والحسنى ، بلغة العقلِ والـضمير الحي وليس بلغة المشاحنات والمهاترات
نتيجة التحزبات والإِصطفافات الفئوية والعائلية .. الكلام الذي يدعو المندائي
أَن يتجـرَّدَ تماماً من الكراهيةِ والـعـدوانيةِ تجاه أَخيه المندائي مهما كانت الخلافات .. الكلام الذي يـوَحِّـد ولا يـفــرِّق ، يُــعــبد الطريقَ أَمام الـسائرين
ولا يضع لهم الـعثـرات ، يـزرعُ المحبَّـةَ والـطـيبةَ والألفةَ والتآخي الحقيقى في
قـلبِ كـل مـنـدائي .. نـعم هــذا هــو الكلام الذي نجده خارجاً من قلوب وعقول
الإِخوةُ الخيرين وتُـسطِّـرهُ أَقلامهم المضيئة وتنشرهُ على صفحات الأَنترنيت
الخاص بموقع اتحاد الجمعيات العام المجيد ، الذي هـو بـحـق وبرأي كل المندائيين المنصفين هـو الـخيمة التى تـظلل على كل المندائيين ، إِن اتحاد
الجمعيات بإِعـلامـهِ الـضخم وقـنواتـه الثقافية الكثيرة التي تقوم بها جمعياته
العديدة هي مركز اشعاع ثقافي لا يصدرمنه الثرثرة أَو الكلام الرديئ بـل الكلام الـطَّيب النزيه ، البعيد تماماً عـن لـغة المصالح الماديةِ والسلطوية
الفئوية والعائلية التي تصدرُ عـن الأَنانيةِ المتضخِّمة ، وحب التسلُّط والظهور .. بل الكلام الذي يبني ولا يهدم ، يـوَحِّـدُ ولا يُــفَـرِّقُ ، يُـسَهِّل الأُمورَ ولا يُـعـقِّدها ، هـذا الكلام تضخُّـهُ الجمعيات بعطائها الثقافي في
كل المناسبات بأَقلامِ فـرسانها ، من كتاّب الفكرِ والأَدب بكلِّ صنوفهِ والفن
والموضوعات الإِجتماعيةِ و النقدية البناّءة والإِرشاد والتَّـوجيه عن طريق الندوات الثقافية والمحاضرات العلمية والدينية وبكل المناسبات وكذلك عن
طريق الأَنترنيت . هـذا العطاء الثقافي الـثَّـر المتنوع يضخه اتحاد الجمعيات
العام بنكران ذات وبدون مقابل وليس بالمال هـذا الكلام من العطاء الثقافي
الكبير ليس ثرثرةً أَوكلمات إِنشاء مدرسي كما يصفه بعض الإِخوة الأَعـزّاء
إِنما هـو كلام العقلِ والـضّمير .. أمـّا الـثرثرة الحقيقية فهي في لغة التخاطب
العـدائـي ، القائم على التشهيرِ والتَّـسقيط والتخوين والسباب والشتائم الصبيانية ، الذي يـؤَدي في النهايةِ إِلى تمزيقِ وحـدة المندائيين بـإِحداث الإِنشقاقات في صفوفهم وجعلهم في حالة احتراب كأَعـداء متناحرين الذي
يؤدي في النهاية إِلى هـلاك الطائفةِ المندائية ، فيا أَيها الإِخوةُ الأَعـزاء ليس المهم بناء الحجر وإِنما بناء البشر ، فوحدة المندائيين وبقاء ديانتهم
لايتم بكثرة بناء المنادي مع كل ــ احترامنا واعتزازنا ــ بها وإِنــما الإِهتمام الجدي بصيانة الإِسرِ المندائية مـن التآكل والضياع بفعلِ ظروف الهجرة اللعينة بـجعلهم ينتقلون من حالة الشعور بالإِغتراب والـضياع وحمايتهم من
الذوبان في هذه المجتمعات .. ينتقلون إِلى حـالة الشعور كأَنهم موجودون في وطنهم العراق بـواسطة خيمتهم الواحدة الكبيرةِ ــ الإِتحاد العام للجمعيات ــ
الذي يوحدهم عـن طريق الجمعيات الموحدةِ ، ذات الـصوت المندائي الموحَّـد
على أَرض الواقع في الجمعيات الكثيرة وفعالياتها وكذلك عـن طريق الأَنترنيت
الـمُـوَحَّــد .. في الماضي البعيد والقريب ، في ذلك الماضي من تاريخ طائفتنا
لم يكن حال المندائيين مـثـلهُ اليوم حيث يسود الإِحتراب والتناحر على ماديات الحياة الزّائلةِ وإِنما كانت حياتهم تتسم بالبساطةِ والتعاون والحياء
من الغّـلَـطِ أَوالإِساءَةِ في عـلاقاتهم الأَخـويةِ وكانت مشاعرهم واحدة كعائلةٍ واحدةٍ رغم ضعف أَحـوالهم المادية ، وعـدم وجود المنادي الفارهة ولا قاعات الإحتفالات الموجودةِ في هـذه الأَيام . إِذن يـيبقى علينا خـلق الشعور الموحد عندنا
بأَننا مندائيون ويجب أَن نبقى مندائيون رغم محنتنا القاسية . إِن زمن المعجزات التي يراها البعض إِنها من صنعِ قِـوى من خارج نطاق إِرادة البشر
هـذا الـزمن قـد انتهى وليس هناك مجال لحصولِ مثل هـذه المعجزات في هذا
الزمن الذي تراجعت به الغيبيات الخيالية أَمام ألعلمِ والتكنولوجيا وعـصر الفضاء
والأَنترنيت ، هناكَ المعجزات التي يصنعها البشر بِـأَنـفسهم ، ولا يتم هـذا إِلا
بتوفر الظروف الموضوعية والذاتية لـهـم ، وهـذا يـنـطبقُ تمامـاً عـلى طائفتنا المندائية المهددةِ بالتآكلِ والـضياع ، إِذاهـم لم يـصـنعـوا مـعـجزتهم بأَنفسهم ، معجزة
الإِنـقاذ ، للبقاء ككيانٍ ديني كما كانـوا في وطـنهم الأَول ، بلاد الــرّافــدين . ـ

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014