قبل اسبوع تحديدا ، نقلت عددا من الأفكار والملاحظات
من خلال ما نشر في الجزء الأول ، من هذا الموضوع
المهم والحساس والمعايش في حياتنا اليومية بإيجابياته
النافعة والضرورية أو مضاره الضارّة و السلبية ، وكيف
يتفاوت البشر فيما بين الذاكرة والنسيان . خفوت الذاكرة
أو نشاطها ، وكيف يتصرف البعض مع كِلا النقيضين .
كما أوضحت ما متعارف عليه من تعريفاً للذاكرة أو النسيان
واليوم أتابع مع الجزء الثاني لتسليط الضوء على جوانب
أخرى للموضوع ، متوخياً الفائدة العامة من خلال ما جمعته
من معلومات خاصة وعامة .
وكما أشارت تلك الدراسات بهذا الخصوص الى أن التمارين
الخاصة مع نظام الحياة اليومي ينشِّط الذاكرة ويعزز من قوتها
وتركيزها ، والعكس صحيح ؛ لأن ذاكرة الإنسان قابلة للتطور وإلاّ
فقد تتعرض للتلف والفقدان مع مرور الوقت والإهمال !
أقسام النسيان ؟
هناك عدة أنواع للنسيان ، كما عرفتها الدراسات المختصة :
1 - النسيان الايجابي . قد ينسى الإنسان لكن ليس بإرادته .
هذا النوع من النسيان شائع بين البشر إلا أنه ليس قاعدة
عامة ، فالبعض قلما ينسون وهم قلَّة . هذا يعتمد على تباين
القدرات الدماغية والوراثية .
2 - النسيان السلبي . ففي هذا النوع من النسيان يتميز صاحبه
بالسطحية وعدم التركيز ، كما أنه يطغى على تصرفه وسلوكه
الاستعجال في تعاملاته المختلفة .
3 - النسيان المشترك .. حيث تظهر منه حالتين من السلوك :
بعض البشر تكون عندهم الصورة غائبة او مشوشة . هذا
يميل الى الناحية الايجابية .
البعض الآخر تكون عندهم الصورة حاضرة لكن لم يهتم بها
أو يعطيها قيمة أو جدية ، ويكون متَعمِد طبعاً . وهو المتناسي !
4 - التناسي الايجابي . يحصل أحياناً بين اثنين من الناس ، أو أكثر،
سواء في النقاش أو التعامل . وهنا تؤكد الدراسات على أن بين
أحد الطرفين كثيرا ما يتصف بالثقافة والوعي والفهم والإدراك ..
أما لطرف الآخر فيكون إما جاهل أو غاضب أو فارغ فكرياً
أو حتى أرعن ! لهذا فان الطرف الأول يحاول نسيان او تناسي
ما بدر من الطرف الثاني !!!؟
لكن ، ما هي أبرز النظريات التي تحدثت عن النسيان ؟
استطاعا علم النفس وعلم الاجتماع من إيجاد عدد من
النظريات التي ساعدت على فهم طبيعة النسيان والذاكرة
من خلال دراسات معززة بالتجارب الميدانية والبحثية المثبّتة :
1 - نظرية التضاؤل . ان عدم استعمال او استخدام المعلومة ،
مادية كانت أم معنوية ، بشكل متواصل أو بدون انقطاع كبير ،
سيصيبها الاضمحلال أو الضعف وقد يطويها النسيان هذا ! مثل
اللغات او المهارات او بعض الأسماء والأفعال والأحداث .
2 - نظرية التداخل . ان تداخل المعلومات أو الأحداث يبعضها قد
يسبب تذكر واستحضار بعضها ونسيان البعض الآخر . كما ان
النسيان أثناء النوم يصبح أبطأ منه أثناء اليقظة ، لهذا السبب
يتذكر الطفل تلك الحكايات التي غالباً ما تحكى له قبل النوم ، بالعادة .
3 - نظرية الكبت . ان النسيان قد ينتج عن كبت الرغبات والتي
هي أصلاً مكبوتة ! فمن ذلك مثلاً ؛ المصائب .. المشاكل المعقدّة ..
القضايا الخطيرة ( خاصة او عامة ذات صلة ) .. الأحداث المثيرة
وهنا يحاول الانسان نسيانها بعد كبتها وتعتبر هذه الحالة نعمة !
وربما هنا أجد نوع من الصلة بين هذا وبين رأي عالم النفس
" فرويد " : ان الحلم تحقيق مقنع للرغبة المكبوتة او المضغوطة؛
فهو بمثابة صمام أمان للتخفيف عن المكبوت او المعاناة ؟
أهم الأسباب والمسببات لحالة النسيان ؟
1 - عامل الكِبَر والزمن والشيخوخة .
2 - غياب الراحة والهدوء في أغلب أوقات الإنسان الحياتية
اليومية ، سواء في المنزل أو العمل أو المحيط ، أحياناً ، وما
يرافق ذلك من صراخ وعويل او توتر ، والابتعاد عن الحوارات
الهادئة والعقلانية في حلول المشاكل .
3 - عامل الوراثة والطبيعة البيولوجية والسيكولوجية للفرد . حيث
النبوغ أو الغباء .. المهارة أو الكسل .. شدة الذاكرة او ضعفها
كلها فروق فردية موجودة بين البشر ، وأحياناً كثيرة تستحوث
عليها الطبيعة اللاإرادية نتيجة لذلك !
4 - غياب القرائن التي تساعد على التذكر او استحضار المعلومة
المقارن بها .
5 - عدم التركيز قد لا يسمح للدماغ بتثبيت التقاط صورة معينة أو
معلومة بدرجة كافية أو حتى معقولة .
6 - العمليات الجراحية وما يرافقها من تخدير للجسم يؤثر سلبياً
على قوة الذاكرة واستفحال النسيان نتيجة لذلك .
7 - انشغال الانسان بأمراض مزمنة ومؤثرة ، مثل الشقيقة او الزاهيمر
او الجلطات الدماغية وغيرها تجعله ينسى او تضعف عنده الذاكرة
أما الصدمة الدماغية فقد وجد أنها قد تفقده الذاكرة لفترة طويلة جداً .
8 - الفقر وشغف العيش ومقدار الكم من الأثقال الملقاة على ذلك
الإنسان في حياته ومن معه . ربما قلة الحيلة وضعف الإيمان وقلة
الصبر والتدبر ، أسباب مضافة أخرى لاستهدافه من قبل النسيان !
9 - الحوادث والعوارض الحياتية المفاجئة ، سواء من فعل البشر او
من الطبيعة او البيئة .
10 - كثرة الأعمال والمسئوليات والارتباطات والعلاقات الاجتماعية
او المهنية او غيرهما وتزاحمها داخل المخ ؛ كثيراً ما يسبب النسيان
أو حتى التناسي في بعض الأحيان !
11 - عدم اللجوء الى كتابة المعلومة .. الخبر .. التأريخ .. المبلغ
.. الرقم .. الاسم ...الخ . ان كثيراً من هذه الأشياء تصبح عرضة
للنسيان مع ضعف الذاكرة وضغوط الحياة ، لذلك من المؤكد أحياناً
تحصل المشاكل والاحراجات وضياع لحقائق والحقوق ، اذا لم توَثّق .
12 - العجلة والاستعجال نتيجة لأسباب مختلفة ،منها طبع الانسان
ومنها عدم جديّته أو استخفافه بتلك الحالة أو ذلك الموضوع .
13 - الأكل ! فعندما يتناول الانسان كميات من الدهون والنشويات
والسكريات حيث تزداد كمية السعرات الحرارية داخل جسمه وهذا
بدوره يؤدي الى ازدياد بروتينات الدماغ مما ينتج عن ذلك ضعف
الذاكرة ، خاصة يحدث هذا مع الكبار في السن عادة .
يتبع رجاءً ..