ان المندائيين وبعد سنوات من الازمات التي مروا بها ، خصوصا منذ التغيير الذي حصل في العراق منذ عام 2003 ولحد الان ، وقفوا من الاحداث عن قرب واصابهم ما اصابهم من ويلات من قتل وتشريد وخطف واغتصاب وارهاب على الهوية والتي اصبح العراق وقتها على شفى الحرب الاهلية المقيته والتي راح ضحيتها العدد الكبير من ابناء الطائفة الابرار قياسا بكثافتها السكانية ، ليس لذنب اقترفوه سوى انهم حافظين لدينهم وتقاليدهم وتمسكهم بهذا المعتقد الذي امتاز بالسلام والصفاء والتسامح ، وبقوا على قدر من العزله والاحتقان واثر هذا الامر بشكل كبير على حالتهم النفسية والاجتماعية حيث ظلت تنعكس في نفوس المدائيين مشاعر شتى ورغبات متعددة واتجاهات مختلفة بين الهجرة الالزامية او الرغبة في نسيان الماضي والعيش فيه والسعي الى التسامح المفروض والميل الى تقبل الواقع الجديد وجعل النظرة الى المجتمع العراقي مثل النظرة الى مريض ويحتاج الى فترة نقاهه طويلة ، وعلى الرغم من تجاوزه مرحلة الخطر لبعض الاوقات ، لكنه لم يتجاوز حالاتها واثارها المدمرة اي لم يشف منها حتى اليوم بل إزداد تعقيدا بعد الهجمة الشرسة والممنهجة من قبل فلول الارهاب وتكفير الاخر المتمثل بعصابات داعش الاجرامية المأجورة لتدمير ما تبقى من البنية التحتية العراقية واشعال الفتنة الطائفية المقيتة ، لابتزاز هذا البلد ونهب خيراته باسم الطائفية ودفاعا عن الدين والمقدسات .
وعلى هذا الاساس على كافة المعنيين بشؤون الطائفة ان يضعوا نصب عينهم كيفيفة التعامل مع هذه الحالة بالتشاور والتحاور والتعاون البناء مع كافة المندائيبن ان كان على مستوى المسؤولين بشوون الطائفة او على مستوى القاعدة الجماهيرية المندائية في اي مكان يتواجد فيه وجعلها بادرة استغائة وانعكاسة طيبة من الجميع لانقاذ ما يمكن انقاذة من إخوة لنا القابعين بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية المقيته وليكن شعارنا الدائم ( المندائيون عائلة واحدة ) والمساهمة الفعالة في كل عمل وان كان بسيطا في اي فعالية واي مبادرة رائدة تنصب في هذا المجال ومن خلال المؤسسات المندائية وغيرها وباستخدم الوسائل الاعلامية الموجودة وتكثيفها وتوضيفها لهذه الحالة الجديدة ، والمثل يقول اول الغيث قطر، ان التعامل مع الحالة الجديدة وفق الصورة المطلوبة مع تقدير الضرر الذي حصل ، وكذلك الاثار النفسية للحاله هذه وان تؤسس قاعدة تجنب ذاتي للوقوع في نفس الفخ مستقبلا , والخطوط الاولى في التعامل مع هذا الموضوع الذي ازهق الارواح والمال في الداخل لعدة سنوات ولقرب البلاد من حافة الهاوية ، بسبب انتشار مشاعر العزل والغاء الاخر بشتى الطرق وبمختلف الاساليب ، اذا لتتظافر الجهود الخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه في هذه المحنة لاهلنا في الداخل وفي دول الانتظار ، خصوصا والطائفة تمر اليوم بمنعطف كبير وخطير ونحن على ابواب مؤتمرين مندائيين منفصلين ومهما اختلفت التسمية الاول ينعقد في سودرتاليا والاخر في مدينة لوند السويدية .
لذا ان تكوين وتثقيف الفرد على صعيد التعرف معه والاعتراف به ، ليست مسألة غاية في الصعوبة والادراك ، لان احد الاهداف الاساسية الاولى من معرفة هذه الامور يتوجب الاحتكام للعقل والمنطق ، ثم المتابعة والتًماس المباشر دون عوارض مُحكمة ، والذي اثبت هذا القول مع مرور الوقت اهميته وفاعليته في تقريب القلوب والافكار وفي تعريف الاخرين بها ، واذا صح ما تقول الحكمة الدارجة عن كون الانسان عدو ما يجهل ، فان مجرد التقارب يعتبر هذا خطوة كبيرة نحو ارساء دعائم الوئام المرجوا والمطلوب في الاطار الصحيح ، باحتكام وعي واردة رجال الدين والجهات المدنية في مواقع الاشراف و المسؤولية في كلا الاطراف ، كذلك الدور الفاعل للاعلام وما نتتجة الاقلام النيرة الواعية لمعالجة وردم الخلافات مهما كان نوعها نتيجة لخطورة المرحلة الحالية ، فان اشكالية الاعتراف بالاخر تتذلل من خلال تبادل الافكار والرؤى، وتكوين الصداقات الحميمة لاننا تربطنا وشائج القرابة العائلية والاجتماعية والدينية معاَ ، والاستمرار في علاقات فكرية تتغذى منه وفق اطار سياسة الحوارالمبدأي تمثل نقطة الانطلاق نحو تفاهم مشترك لخدمة المسار العام للطائفة ، ان التنازلات مطلوبة من كلا الاطراف المعنية وللصالح العام ، بعيدا عن اي تقاطع يضر بولادة تلك العلاقة الاجابية من اي تقارب مدروس ، علينا ان نجمع الفكر مع المال ليولد انبثاقة جديدة ولبناء جديد بعيدا كل البُعد عن المناصب والاغراءات الزائلة ، لان البقاء لفاعل الخير والذكر الطيب على مدى عمر التأريخ .
ولكي نحقق اطار ثقافي مدني وديني منشود لابد لنا ان ندخل تغيرا جذريا على فهم الناس لماهية الدين ودوره ومدى سلطانه ، لا كما يراه البعض اداة تدمير وفناء وتحجر وعثرة امام سُبل التقدم والتحضر الانساني ، فهو وجد ليس اداة تحجر بل اداة لبناء مجتمعات صالحة نبيلة وانسانية في ذات الوقت ، وهذا ينطبق تماما على كافة الاديان السماوية دون تمايز ، وهذا ناشيء في اساسه من محض اعتقاد كل منها انه منزل من عند الله ، فهو كلمة الحق النهائية التي لا تحتمل تبديلا ولا تقبل جدلا ، لكن الذي ضاعف الخطب وللاسف الشديد ، ان كلا منها نشأت فيه طبقة كهنوتية ، ادعت ان الدين الذي تمثله هو المصدر الوحيد للاحكام وهو نظام قائم بذاته ، دون الاعتراف باي عارض تطوري وايجابي ،
وكان في مقدمة ادعائها هي وحدها التي يجب أن يوكل لها الحكم في كل الامور . كما ان رجال الدين في نواحي كثيرة يعارضون كل تجديد في الفكر والمجتمع ، ويسمونه بدعة غربية ، وهذه تعتبر حالة تناقضية لسنة الحياة المستمرة التغير ، لان حالة تجميد المجتمع ، تعتبر حالة راكدة اسنة تنتهي الى الانقراض المحتوم لا محالة .
نرى اليوم وللاسف الشديد بعض من دعاة التدين والفضيلة ، لا يزالون يستخدمون سلطان الدين في تعزيز الرجعية الفكرية ، ومحاربة الفكر الجديد ، ومعارضة دعوات التغيير الاجتماعي ، اي لا يزالون يتخذون من الدين وسيلة لتجميد العقول والفكر واغلاق ابواب الثقافة رافعين شعار لا للتجديد والتغيير كما هو اليوم من فتاوى الظلالة لقوى داعش الارهابية واذنابهم المأجورين .
اذن هناك محنة قائمة واشكالية في كيفية وبطريقة حلها ، الواجب المرجوا يكمن بتفنيد كافة المزاعم على ما هو سماوي وغير سماوي ، والسعي الجاد في تحقيق انطلاقة جديدة واعدة لوعينا الديني الحقيقي الناصع ، دون وضع العثرات ، والخطوط الحمر بهذا الاتجاه ، والدليل لما حدث ويحدث الان في العراق وفي المنطقة العربية عموما كل هذه التداعيات الخطيرة انعكست على واقعنا المندائي المتداعي والذي يحتاج الى وقفة تأمل صغيرة من لدن الجميع بعيدا كل البعد عن التقليد الاعمى لما حدث ويحدث على الساحة اليوم ، دمتم بخير .