التفت وحيد إلى صديقه الذي اعتاد على
زيارته بين الحين والآخر ليروح الإثنان عن نفسيهما في أرض المهجر لكن
وفي لحظة خاطفة إنتبه الصديق إلى أن وحيد يريد أن يحدثه عن أمرٍ ما لكنه
متردد ؛لذا بادره الصديق بالسؤال : يبدو لي أنك تريد أن تسأل عن أمرٍ ما
لكنك لا تجد كيف تتعامل مع الأمر، أخبرني ماذا يقلقك؟لا لا لا شيء
يُقلقني ، لكن خطر ببالي سؤالٌ : أيهما أكثر تأثيراً أوبقاءاً { الطبع
أم التطبّع } أقصد العادة أم التعوّد أو قُــل بشكلٍ آخر هل يُمكن أن
نغييّر ما جُبلنا عليه !
- الحقيقة، في بعض الأحيان يغلبُ التطبّع الطبع؛
فمثلاً، تجد الكواسر التي تعيش في البريّة، و تحصل على غذائها عن طريق
اصطياد بقية الحيوانات الأضعف منها والتغذّي عليها، لكنها في الأسر لا
تفعل ذلك، بل تنتظر من يدعمها لتعيش، ونلاحظ ذلك على الأغلب في ما
يُطلقُ عليه {السيرك } حيث نرى الأسود والنمور والدببة وهي تأتمر بأمر
المدربين وتحصل مقابل ذلك على قطعة سُكّـر أو لحم، وهذا مثالاً على
التطبّع ، ولولاه لبقيت تلكم الحيوانات تتصرف على طبيعتها وسجيتها في
الغابة حيث تطارد الفرائس للحصول على غذائها ، لكنها في الأسر أُجبرت على
التخلي عن طبيعتها وطُبّعت على شيءٍ آخرَ يُناقض طبيعتها وطُوعت لحياةٍ
ليست لها ؛ لذا يُخافُ على تلك الحيوانات فيما لو اُطلقت في البريّة أو في
الغابة أن تموت جوعاً لأنها لا تعرف كيف تصطاد ،بل يُمكن أن تكون فريسةً
لغيرِها من الكواسر ! وكذلك نرى ذلك في حدائق الحيوانات ،لكن قُل لي ما
الذي دعاك لهذا السؤال أو التساؤل !
- الحقيقة فيما دفعني لهذا التساؤل ما حدث البارحة ، أنت وبالتّأكيد تعرف زوجتي أم بلسم
ـ بالتأكيد أعرفها ،
وأعرف إنها رائعة في كلِّ شيء ، ولا أظن بأنها أرادت أن تأكلك !
فضحك الإثنان على هذه الدعابة .- أزيدك القول ، ولا أعتقد بأنها ممن تؤذي نملة
، بل هي تخافُ أن تدوسها ، لكنها ومن بعد أن تمَّ السطو على
بيتنا ولمرتين ،باتت تخشى أن تُفاجأ بما لا تتوقع ؛ لذا ( تطبْعت أو تعودت
) على غلق الأبواب الخارجيّة كلما غادرت مكانها أو أنها تفعل ذلك ولو كانت داخل البيت أو لو كانت في الحديقة
مثلاً ؛ فأنها تغلق الباب من الخارج وتضع المفتاح في جيبها ، وأنت تعرف بأن في بيتنا ثلاث مخارج ؛ الباب الأماميّة واثتنان جانبيتان في الباحة الخلفيّة والجانبيّة ، وتعودت الحبيبة على غلق الباب
من الداخل كلما دخلت للبيت ، تحسّباً ، وقد اُسميه حرصاً مبالغاً فيه ،
لكنه حرصٌ على كلِّ الأحوال ،البارحة كنت وأياها جالسينِ في الباحة
الخلفيّة نرتشف القهوة ،وكعادتي كنت أرتشف بسرعة ؛ كيلا تبرد وأقرأ في
هاتفي النقّال آخر أخبار الدنيا ، لكن ولأمر ما خطر ببالها وأرادت مني
أخرج معها للتسوق ، ولأني لم انهِ ما أنا فيه؛ لذا لم أشأ أن أخرج معها في ذلك
الوقت ، فخرجت لوحدها من البيت ، لكن وبعد خمسٍ وعشرين دقيقة أنهيتُ ما كنتُ أقرأه
وأردت الدخول للبيت ؛ فوجدتُ الباب الحديدي موصداً من الداخل!