بـالتَّأكيد كلنا نـحنُ الـمـنـدائيون الـذينَ ، لانـزالُ على ديانتنا المندائيةِ العريقةِ ، نـعـتَـزُّ بـهـذهِ الديانةِ التي ورِثـنـاهـا عـن آبائـنا وأَجـدادنا
الرّاحلين إِلى رحمةِ الحي الـعـظيم ، ونَـحـرصُ أَشَــدَّ الـحـرصِ على بقائِنا
كياناً دينياً ، يُـدعى ( طائفة الـصّابِـئـةِ المـنـدائيةِ )، وإِلاّ تـوجهنا إِلى دياناتِ
أُخـرى ، الأَمـر الـذي نـرفضه أَشّـدّ الـرَّفضِ ونستنكره .. ولكن بالتأكيد إِن هـذا الحرص وهـذا الإِعـتـزاز ، ليس هما كل المطلوب مِـنّــا .. نـعم إِن مـسأَلة بقائنا كطائفةٍ دينيةٍ لها تاريخها وخصوصيتها لا يـقتصر عـلى اعـتزازنا وحرصنا اللذين هما في داخل كل واحدٍ مـنّا ، بل إِنـه مـطلبٌ كبيرٌ يكادُ يكونُ
عـصياً ولكنه ليس بالمستحيل ، بعـد أَن اقـتُـلِـعـنا مـن جـذورنا وتَـشَــرَّدنا وتَشَتَّـتنا في ديار الـغـربةِ الـعـديدةِ ، وقـد كنّـا من قبل جـسماً واحـداً على أَرضٍ
واحـدةٍ ، صـرنا أَجـزاءًا متناثرةً ، فليس بِـإِمكاننا إِعادةِ هـذا الجسد إِلى ما كان عليهِ بمجرَّد الحرص والـتَّمنيات التي في نفوسنا وقلوبنا ، إِنـهُ ليس تشاؤمٌ بقدر مـا هـو هـاجسُ خـوفٍ لـَهُ مـا يبررهُ ، لـقـد زرعـهُ في نـفوسنا وعـقولنا
الـظَّـرف المـوضوعي المأساوي لهجرتنا الجماعيةِ القـسريَّـة وتَشـتتنا في العديد
من دولِ العالم ، التي تختلفُ اختلافاً كبيراً في بيئاتها الطبيعية وحياتها الإِجتماعيةِ ولغاتها . إِن الـدين كل دين هـو ظاهرةٌ اجتماعيةٌ بالأَساس أَي
ينشأ ويستـمر بـقاءهُ بوجود الناس الـذين يـتبعـونه ويعملون لِـبقائِـهِ وكلما كان
تواجدهم متقارباً ، ساعـد ذلك على تقوية أَواصر العلاقات بينهم التي ينتجُ عنها التعاون والتَّماسك والتفاهمِ حـول حمايةِ هـذا الكيان الديني من أَي خطرٍ خارجي ، عـندما يشعرون بوجود تهديد ٍ لهذا الـدين وهي الحالة التي تحتاجها كُـلُّ الأَقليّات الـدينيةِ ، كطائفتنا المـنـدائية لِأَنـنا فـعلاً مُـهَـدَّدون وهذا الـتَّـهـديد مـاثلٌ لـلعيان والـذي ينكر هذا ويكابر ، فـهو يـخدعُ نفسه قبل أَن يخدع الآخرين ، أَو إِنسانٌ يـعرفُ الـتهديد والخطر الذي يُحيطُ بنا ولكنهُ لا يُبالي وتفكيرهُ محصورٌ في حدود حياته الخاصة فقط . إِن بـقاءَنا كياناً وديانةً لا يَـتم بكلمات الـتَّبـجُـحِ والتَّغني بِـأَننـا ( أَمـَّـة ) صامدةٌ مـحروسةٌ ولا يمكن أَن يـمـسَّها سوء ، ولكننا نقولُ لـهؤلاء الإِخوةِ الأَعـزّاء الـمُـتبَجحينَ بالقوَّةِ الـسحريَّـةِ لـهذه الأُمـةِ التي بها يَـدَّعـون ، نـقولُ لـهم إِن الـسّوءَ قـد أَصابها وصار ينخـرُ في كيانها على كل المستويات مـنـذُ تشردنا في بقاع العالم وتـآكل بـعـضُ أَجـزائـنا بِـأَسبابٍ مختلفةٍ ، وسيطرة حالات الإِحتراب والتناحرِ والإِنقسامات والتكتلات المتعاديةِ .. أَلَـيسَت هـذهِ مؤشرات على بدايةِ
تآكلنا وثم نهايتنا ؟ إِذا لـم تـحـدث المعجزةُ ، ولكن أَيَّـةِ مُـعـجزةٍ نـحتاج لبقائِنا ؟؟ إِنَّ زمـن المعـجزات التي هي من صـنـعِ قِــوىً خارج نـطاقِ إِرادةِ البشر ، هـذا الـزمن قـد انـتهى وليس هناك مجال لحصولِ مثل هـذهِ المعجزات في زمـن تـراجع الـغيبيات أَمـام نتائج العلم والتكنولوجيا وعـصـر الفضاء والأَنترنيت ، ولكن تـظل الـمـعـجزات التي يـصنعُـها الـبشر بِأَنـفسهم وإِرادتهم ولا يتم هـذا إِلاّ بـتوفـر الـظروف الموضوعيةِ والـذاتيةِ لهم لـتحقيقها ، وهـذا ينطبقُ تماماً على الطائفةِ المندائيةِ ، المُـهـدَّدَة بالتآكلِ والضَّياعِ إِن عاجلاً أَم
آجـلاً إِذاهـم لـم يـصنعـوا مُـعجزةَ الإِنقاذِ ، للبقاءِ ككيانٍ ديني كما كانـوا في وطنهم الأَصلي بلاد الرّافدين . إِذاً لايمكن أَن يظلوا لا مبالين بالخطر الذي يتهدَّدُ كيانهم الديني ، كالنعامة التي تخفي رأَسها في الرمالِ عند الخطر ، مُـخـدَّرينَ بالأَوهامِ عـن الـقِـوى الغيبيةِ التي تحرسهم وتحميهم وهم نيام ، هذهِ الأَفكار لتي يـروِّجُ لها ويبثها لنا مع الأَسفِ بعض رجال ديننا والملتفين حولهم لِأَغـراضٍ ومصالح خاصَّةٍ .. إِنـنا نلاحظُ أَتباع الـديانات الأُخرى
المسيحية واليهودية والإسلام والبوذية وغيرها من الأَديان ، الذين تعـدادهم
آلاف الملايين حريصون على دياناتهم ، وهم أَينما ذهـبوا لا يخافون الذَّوبانِ في دياناتٍ أُخرى ، لِـسبـبين وهما أَولاً ــ أَنَّ لهم أَوطاناً يستطيعون العودَة إِليها متى شاءوا . وثانياً ــ المسيحيون والمسلمون يأخذون من الأَديان الأخرى ، ولكن الطوائف الدينيةِ القليلة العدد والتي لا تأخذُ من الأَديان الأُخرى هي المُـهـدَّدة بالذوبان ، إِذا هاجرت من أَوطانها الأَصليةِ التي كانت تجـدُ فيها الأَمان والإِستقرار والحماية في ظل القانون إِلى البلدان الأَوربيةِ
مجتمعات الإِنفلاتِ والـضَّياع . إِنَّ ظـروف الـغربة القاسيةِ التي نحياها الآن
أَفقدتنا الكثير من من الأَشياء الجميلةِ التي كانت في وطننا العزيز ، تربطنا
ببعضنا وحفَرَت في أَعـماقنا آثاراً مـؤلمَـةً .. قلقاً وحـزناً مكبوتاً وشعوراً بالضَّياع ، وعـدم الإٍنتماء النفسي مع المجتمعات الخليط التي نعيشُ معها ، فصرنا نترنَّـح كالسكارى ومـا نحنُ بسكارى ، كمن يسيرُ نحـو المجهول
،نـعــم نـحــنُ الآن نعيشُ في حالةِ خــوفٍ كــبـيــرٍ مــن مـصـيرنـا المجـهول
نحنُ لسنا شعباً أَو أُمَّــــةً ، كما يـَدَّعي الـبعض بخيلاءٍ وتَـبَـجحٍ فارغَيْن ، إِذ لو كنا كمايَــدَّعـون لما كان حالنا اليوم هـكـذا في مجتمعات الغيــر التي تَــتَصدَّق عـلينا بـعــد ذلك العـز والكرامةِ في وطننا .. إِنَّ الـشعب والأُمَّـةَ مرتبطانِ بـوجود الدولةِ الخاصَّةِ بمقوماتها ، الوطن والحكومة وقوانينها وبرلمانها وجيشها وشرطتها فَـأَين لنا من هـذهِ المقـومات أَيها الأُخوةُ المتبجحون ؟ ! إِذن ليس أَمـامنا إِلاّ الـثَّـورة على نـفـوسنا التي ترزحُ تحتَ
نَـيرِ الأَنـانيةِ وحـب الـسَّيطرةِ ، والتناحـر على المناصب والعداوات والتفاخر والتَّـعالي الأُسري والعائلي العشائري .. ونَــتَـعَـمَّــدُ (نـصطبغ ) بـنهـرِ المحبَّـةِ والإِخلاص لـِبعضنا ، ولِـتَحـلَّ لـغة الإِحترام والـتَّواضعِ والـتَّسامحِ في كلامنا َّومخاطباتنا ، وطـرد كـلَّ عـواملَ الـفُـرقةِ والإِنقساماتِ والتكتلات الـفئويَّـةِ ، وتحـقيق وحـدة الـطائفةِ المندائيةِ كعائلةٍ واحـدةٍ بالقلبِ والمشاعـر الأَخويةِ
الصادقةِ وليس باللسان ومساعدة الأُسر الفقيرةِ والسعي بكل الوسائل لإِنقاذ
إِخوتنا العـالقين في العراق ودول الإِنتظار الذين تحيطُ بهم المخاطـر .. فنحنُ
ــ ( نــكــونُ أَو لا نـــكــون .. تـلـكَ هــي الـمسأَلـة ) ـ نــكـــونُ ونـظلُّ مـنـدائيين إِذا أَصَــرَّيـنـا وعـملنـا بـصـدق الــنَّـوايـــا والإِتحاد التّـام بالقـلوب والأَيادي ونكران الـذّات وتغليب مصلحة الطّائفةِ على المصالح الخاصَّـةِ أَو الـفِـئويةِ واستخدام
الـعـقل الـرَّشـيد والمـنطق الـواقعي لا الأَوهام والفكر الخيالي في حـلِّ مشاكل وكل أُمـور الـطّائفة وتسهيل طقوس الديانة أَمام الجيلِ الحاضر من الشباب
وجعلها تـواكب تطور الحياة المعاصرة واحترام منطق العلم في تفسير ظاهرات الحياة والطبيعة ونبذ الخرافات والأَساطير .. وجعل أَمـورالطائفة
الدينيةِ والإِجتماية في كل مؤسساتها بأيـدي أُناسٍ فاعـلين لا إِنـفعاليين ، صادقين ، مخلصين أَصحاب ضمائر حيّةِ وعـقولٍ حكيمة نَـيِّرةٍ ، متـواضعين
بسطاء ، أَنقياء لايبحثون عـن المناصب والجاه والسطوةِ والـتَّفاخر وحُـب الظهور واستعـراضِ أَنـفسهم بـالمال لِـينالوا الحضوةَ والـتَّـصفيق أَناسٌ نـذروا
أَنـفسَهم للعمل بـدون مقابـل من أَجلِ بقاء الـطائفةِ والديانةِ المندائيةِ ، رجال دين أَومُـثقَّفين .. وبـهـذا فقط نـكـــون ، وبــغـيرهِ لا نـــكــــــون ، وبــهـذا وحــدهُ تَـتَـحـقَّـقُ المـعـجـزةُ ، مُـعجـزة إِنقاذنـا ، إِنـقاذ الـكَيان المندائي العريق الذي عاشَ مـئـات الـسنين ، ولِــنــسَمِّـيـها ( الـمُــعـــجــزةُ الــمـنـــدائِـــيَّــةُ ) للخلاصِ والــبَـــــــقــــــــــــــــاء