• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2020

الأخوات السبع

  عماد حياوي المبارك
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )


بداية القرن العشرين، التقى ثلاثة رجال في (إسكتلندا) برحلة صيد، ما كانت غايتهم الظفر بطيرٍ هائم في السماء ولا أرنب ضال بين الجحور، تخَطـّوا بتصويبهم الجزر البريطانية، ترنو عيونهم الزرق إلى سائل لزج أسود، لا تُطاق رائحته ولا ملمسه، كلّ ما يميزهُ انه قابل للاشتعال.
تعوّد العراقيون خلال أشهر الصيف المنام على السطح، لأنهم يعيشون في منازل ذات سطوح مستوية، وقيظهم شديد يدعو لتجنبه. كانت تلك (النومة) تعني لنا متعة ما بعدها، نفترش السرير في العصرية ونرش الأرض، كي ننجح (بمكافحة) الحر والأستمتاع ببرودة (المخدة) وعذوبة النسيم. كنا حين نستلقي على ظهورنا، نتأمل السماء ونغوص بأعماقها، نتابع حركة نجومها المتلألئة، فكان يُلفت نظرنا سبع نجمات على شكل رقم 6، نسميها (الأخوات السبع). ومع انها نجوم جبارة بالسماء، لكن ثمة أخوات سبع على الأرض، أصلب منها وأدهى، سنسمح لأنفسنا أن نكون بضيافتهن، بضيافة شركات النفط العملاقة المُسماة (الأخوات السبع). رجل هولندي وآخر بريطاني وثالث فرنسي، خططوا لتأسيس ما يستحوذ على ربع تجارة البترول بالعالم... (شِل الهولندية وبريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية).
توزيع النفط جغرافياً على خارطة العالم معروف، إلا أن الأهم من ذلك بالنسبة للغرب كيفية توزيعه سياسياً، وهو على النحو التالي، الأول بأيادي العالم المتقدم، روسيا في سيبيريا، الولايات المتحدة في خليج المكسيك وولايتي تكساس وألاسكا، إنكلترا والنرويج في بحر الشمال*، جزؤه الثاني يسمى النفط البارد، لدى أنظمة مستقرة مدعومة من الغرب، دول الخليج العربي العربية والمكسيك وكازاخستان على بحر قزوين، وثالث يدعى النفط الساخن، لأنه يقع في بلدان إما ثورية كإيران وفنزويلا، أو غير مستقرة كالعراق وليبيا وجنوب السودان واليمن، أو بلدان أنظمتها متأرجحة مثل الجزائر ونيجيريا.
بإمكان (الأخوات السبع) أن تُسخن بلداناً بنيران نفوطها أو تبردها كيفما ومتما تشاء، فلو رضخت لها، كان نفطها برداً وسلاماً، وإن شقّت يد الطاعة وعصت أو تمرّدت، أوقدته سعيراً تحت أقدام شعبها، خير مثال، أسقاط حكومة الدكتور مصدق في إيران بداية الخمسينيات. بهذا الإسلوب الشديد، هيمنت (الأخوات) على إنتاج وتسويق الذهب الأسود في العالم والتحكم باسعاره.
لما قام العراق بطرد ثلاث من الأخوات في قرار التأميم عام 1972، اقتصرت حساباته في الاعتماد بالإنتاج على البنى التحتية والتسويق بقدراته الذاتية، وقد نجح الكادر العراقي، ساعده تنامي الطلب على النفط عالمياً وعلاقته بالاتحاد السوفيتي عدو الغرب، فكسر الحصار الذي فرضته الشركات في وقته، لكن ما غفل عنه، ظنه أن (كارتل) الشركات قد استسلم ونسي الإهانة، وهذا لم يحصل، فبرغم أن فائض واردات العراق أواسط السبعينيات جعله خامس أغنى بلد في العالم، اختلقت له مشاكل اضطرته لأن يوظـّـفها لشراء أسلحة، إما لاستعراض قواه أمام إسرائيل أو لردع الأكراد، ثم أدى تكدّسها لتحدي إيران، الأكبر منه بأربعة أضعاف حجماً وسكاناً، فتجرأ لمحاربتها، لتعود أثمان النفط بطريق آخر لجيوب الغرب. لو أن الأخوات كانت في العراق وفي إيران لدى قيام الحرب بينهما، وكان لهن استثمارات ومصالح، لدفعت بلدانها لإخماد الحرب ووأد نيرانها منذ أيامها الأولى.
ولكيلا نخوض في مآسي العراق وشؤم نفطه عليه، لنذهب بعيداً إلى أفريقيا، ولنا فيها أمثلة مأساوية، لنأخذ (نايجيريا) مثالاً يوضح بشاعة سلوك (الأخوات) هناك ويدين أعمالها.
التاريخ يذكر لنا أن الفرنسيين هم أول من تيقـّـن من وجود النفط في شمال أفريقيا، في ليبيا، فساندوا حليفهم نظام (السنوسي) الملكي، لكنهم لم يجدوا في الجزائر من بُـدّ سوى استعمارها مباشرةً، وقد باركت الدول الأوروبية ذلك من أجل ضمان تدفق النفط لأسواقها، ولكي نتيقن من غاية المستعمر، عندما منحت فرنسا الاستقلال بعد أن قدّم الجزائريون مليون شهيد، كان شرطها الوحيد أن تبقى آبار النفط الممتدة على الحدود الشرقية المتاخمة لليبيا وأنابيب نقلها وميناء تصديرها على المتوسط، بإدارة وحماية فرنسية.
لو اتجهنا جنوباً عبر الصحراء الأفريقية الكبرى، لوصلنا بلدا لا يهدد بموقعه أوروبا، ولا نظامه ثوري، أو له علاقة له بصراع العرب مع إسرائيل، أسباب يمكن أن تبرر العداء له. (نيجيريا)، بلد غرب أفريقي، أكبر بلدان القارة من حيث السكان (130 مليون نسمة)، تحدّه الصحراء من الشمال وخليج غانا من الجنوب ودول فقيرة من شرقه وغربه، يجري في أراضيه أحد أعظم أنهار أفريقيا، النيجر، مشكلاً عند مصبه دلتا غنية بالأراضي الزراعية، يسكن البلد خليط من المسلمين والمسيحيين، يُعتبر، وهذا ما يهم مقالنا، أكبر منتج للنفط في أفريقيا.
أكتُشف النفط في نيجيريا في وقت متأخر نسبياً، في الخمسينيات، في وقت أعطى نفط الأميركان مؤشرات بإمكانية نضوبه، وصار عليهم إما شفطه أو ضخ مياه البحر تحته، وهي عملية مكلفة، في وقت جعلتهم أزمة الصواريخ بداية الستينيات مع كوبا، التي تقع على طريق إمدادات النفط الفنزويلي؛ يبحثون عن مصدر بعيد وأمين، فكان هذا البلد الأسمر الفقير. جاء دور (الأخوات السبع) بالتلاعب بمصيره، غذّت انقسامات عرقية وطائفية، موّلت حربا أهلية بين الشمال والجنوب، بين كنائس ومساجد، اغتصاب واختطاف و(بلطجة)، تنفذها أطراف تتسلح بمعدات اشترتها ووزعتها (الأخوات) لهم بأموال نفوطهم، تلويث وتَدمير دلتا النهر الجميل في سبيل خفض كلف الإنتاج.
باع هذا البلد من نفطه على مدى خمسين عاماً، ما قيمته 350 مليار دولار، تعادل اليوم أضعاف هذا المبلغ، ذهب نصفها صافيا لحساب الأخوات، والنصف الآخر، يذهب ثلثه الأول كـُلف إنشاء بنى إنتاج تحتية للنفط، بينما تشتري هذه الشركات بثلثه الثاني أسلحة ومعدات تقوم بتوزيعها على الأطراف المتناحرة (بالتساوي)، الثلث الأخير أي 15% فقط من العائدات يُسلـّم بيد طغمة حاكمة فاسدة لا تخجل من القول... (نيجيريا عبارة عن مركبة تسير بوقود نيجيري وقيادة أوروبية).
قامت (الأخوات) بمد طرق وجسور لخدمة عمليات إنتاجها، يُحرم على المواطن العادي استخدامها، خربت من أجلها الطبيعة، جُرفت الغابات، لوِّثت الأنهار، أضرّت بشكل ملحوظ تحت تعتيم شديد، بالثروة الحيوانية والسمكية والتوازن البيئي، آخرها انفجار انبوب نفط ناقل، قتل 15 شخص ودمر 50 بيت وشرد أهلها.
هذا مثال لما تقوم به سياسة (الأخوات السبع) المدعومة من الغرب، التي جعلتها سنوياً تتحرك برأس مال يبلغ 1500 مليار دولار، ضعف مجموع تجارة (الأوبك).
هذا (الكارتل) الرهيب، لا يتردد بقلب كرسي حاكم وإخلائه وإشغاله بشخص آخر (مفصّل) على القياس، وهو وجه للسياسة الرأسمالية ومثال للإتجار بمصائر الدول والشعوب الضعيفة المغلوب على أمرها، الأمر الذي يتكرر حدوثه اليوم في فنزويلا والعراق وليبيا واليمن وسوريا، مثلما تتحكم الولايات المتحدة بمصير بلدين بأمريكا اللاتينية، نيكاراغوا وهندوراس، المسماة مزرعة الموز الأمريكية، حيث اقتصادهما يقوم فقط على ما يُصدراه من الموز لأمريكا.
وبينما يظهر اليوم للأخوات ظل، سوف يحتدم صراع وتنافس سرّي لسحق من يقترب من نفوطها، فهل يا ترى تستطيع الأخوات احتواء الوصيفات وهنّ يزاحمن الحصص في الكعكة البترولية (اللذيذة)؟ هل يمكن اغتيال التنين الصيني الشره القادم بسياسات إغراء، منح القروض والاستثمارات لمشاريع بالدول النفطية، فالصين تستعمر الدول اليوم اقتصادياً، وتدخل بذكاء لأروقة (أوبك) في (فينا)، ولها آذان بكل وزارة بترول وعين فوق كل حقل عملاق يَنتج نفطا، ولديها الاستعداد في الذهاب حيث يتواجد آخر برميل نفط في العالم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014