• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013

ألصابئة ألمندائيون: تاريخ قديم واجتهادات كثيرة

  جورج منصور
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كثر الكلام عن الصابئة (تاريخهم ودينهم وطقوسهم). وماتزال وجهات النظر التي تدور حولهم مختلفة، لابل متناقضة احيانا من خلال الابحاث والدراسات التي ما تزال متواصلة حولهم. وان لم يبق اليوم الا القليل منهم، ممن يعتنق هذا المذهب ويمارس طقوسه، الا ان ذكرهم في القرآن يدل على وجود اناس، عند ظهور الاسلام في مكة والحجاز، كانوا يعتنقون هذا الدين ويمارسون طقوسه. الا ان خلافات كثيرة في وجهات نظر الباحثين القدامى والمعاصرين ماتزال تثار حول تسميتهم.

 لقد وردت كلمة (الصابئة) ثلاث مرات في ألقرآن [ سورة البقرة، الاية 62 والاية 69 وسورة الحج، الاية 17]. غير ان علماء اللغة العربية اختلفوا حول اصلها. بعضهم اعتبر كلمة (الصابئة) اسم فاعل، ورأى ان الصبأ يعني الرغبة. واطلقوا صفة الصابئي على الشخص الذي يترك دينه ليعتنق دينا اخر. ومن هنا وجدوا الصلة بين هؤلاء وبين الاحناف.

 واعتبر البعض الاخر هذه اللفظة مصدرا لكلمة السباحة، بمعنى معرفتهم بالسباحة، حيث يقولون ان قسما من اليهود ممن آمنوا بيحيى بن زكريا (يوحنا المعمذان) وتم تعميدهم، اطلق عليهم لقب " السابحون " وبمرور الزمن تحولت الكلمة الى الصابئة او الصابئين.

 اما الجماعة الثالثة فترى ان الكلمة مشتقة من سبأ اليمانية، وان هذا الدين كان الدين الاول لاهل سبأ [ تفسير ابو الفتوح الرازي ج1 وتفسير الطبري ج1 وتاريخ العرب قبل الاسلام ج5 والملل والنحل للشهرستاني ص 210].

 وتعني الصبأ في اللغة العربية : الرحل او الميل للانتقال من مكان الى اخر، وبالتالي تعني تغيير الدين [ الدكتور ماتسوخ " مسألة التاريخ الاقدم لدين الصابئة " ] ويلاحظ ان قريشا اطلقت على الرسول تسمية " الصابي " ايضا [ تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد 5 ] وعلى الصحابة الذين كانوا يتخلون عن دين ابائهم ويعتنقون الدين الاسلامي، اطلقت تسمية " الصباة " [ ابو الفتوح الرازي 1:197]. ويروى انه بسبب اعتناق قبيلة بني جذيمة للاسلام [ جذيمة بن عامر، من الكنانة التي تقاتل معها خالد بن الوليد في السنة الثامنة للهجرة (غزوة القميط)] فانها كانت تقول" صبأنا، صبأنا ". ولان عمر بن الخطاب اعتنق الاسلام ، سمي ب " الصابي ". وعندما اسلم ابوذر الغفاري، كان اهل مكة يضربونه لانه خرج عن الدين واثار الفتنة واصبح صابئيا. وعندما اراد (معصم بن عدي) وهو من اشراف قريش، ان يزوج ابنه من بنت ابي بكر، خشي ان يؤثر " الصبأة " على ابنه، لان المشركين كانوا يسمون المسلمين ب " الصبأة ". وفي غزوة حنين قال دريد بن الصمة [ كان من اشراف بني حشم ] لاحد كبار القوم : " ثم القى الصباء على متون الخيل ". ولبيد الذي كان ايضا قد ذهب الى الرسول ليطلع على الامور، حدث اهله، لدى عودته، عن القيامة والجنة وجهنم، وسمى شاعر يدعى (صرافة) هذا الدين " دين الصابئين "[ هو صرافة بن عوض بن الاحوض: الاغاني للاصفهاني 15:131] كثيرة هي النماذج التي تدل على تسمية اهل الجاهلية، المسلمين بالصابئين. بيد انه ليس من الواضح اذا كان المسلمون قد قبلوا بتسمية كهذه. لكن يذكر انه عندما اسلم عمر بن الخطاب، نشر جميل بن معمر [ كان يطلق عليه صاحب القلبين لقوة ذاكرته وفكره الثاقب – مجمع البيان 4:334 ل] وسط قريش ان عمر بن الخطاب صار صابئيا. بيد ان عمر نفى ذلك معلنا اعتناقه الاسلام. لكن قريشا قالت: " صبأ عمر "[ سيرة ابن هشام 1:349 ] وان دل هذا النفي على شيئ فانما يدل على عدم تقبل المسلمين هذه التسمية، في حين انهم لم يعارضوا اطلاق تسمية " الحنيف " او " الاحناف" عليهم. غير ان هذه المسألة جديرة بالمزيد من البحث، وهذا ماحدا باللغويين العرب ان يشتقوا كلمة "صابيئ" من "صبأ" التي تعني تبديل الدين. بيد ان علماء اللغة المعاصرين سلكوا طريقا اخر.

 يقول الدكتور رودلف ماتسوخ، المتخصص في اللغة والادب المندائي : ال"صابيئ" هو الاسم العربي لهذه المجموعة، وهو مأخوذ من الارامية. وان ال" صبع" يعني التعميذ، لان اساس دينهم هو عملية التعميد. فالشخص الذي يرتكب خطيئة ما يجب ان يعمد بماء جار، ليدل ذلك ان المذنب عاد ثانية الى جادة الله واصبح طاهرا من جديد. والماء في المذهب المندائي هو عنصر مقدس يسمونه " يردنه " وتعني الاردن. ويطلقون اسم الاردن على اي ماء جار صالح للتعميد.ويعتبر بعض العلماء، امثال جون باليس وبوركيت، ان مفردات المذهب الصابئي المتعلقة بالتوراة والانجيل، مأخوذة من المسيحيين السريان (النساطرة).

لقد جمع ليتزمن عدة نماذج من النصوص السريانية، التي استخدمت فيها كلمة الاردن بمثابة اناء للتعميد زاعما ان الصابئة اخذوا هذه الملمة من المسيحيين السريان. بيد ان باحثين اخرين لم يقتنعوا بهذا الاستنتاج ، واعتبروا (الاردن) بلغة الصابئة ، كلمة اصيلة واساسية واصطلاح حيوي ومهم في دينهم. ومما يثير الخلاف ايضا هو ان الصابئة يطلقون على التعميد في ماء جار (ماسويتا) ولاعلاقة بين هذه التسمية و" المعموذية" السريانية، والتي تطلق على تعميد المسيحيين.

 يسمي الصابئة انفسهم بالمندائيين، وهي صفة مشتقة من كلمة "مندا" الارامية والتي تعني (العلم والعرفان). فالمندائي يعني العارف. واللغة الصابئية او المندائية هي احدى اللهجات الارامية – البابلية. ولقد تم الحفاظ على كلمة " ماتدا " من اجل المصطلح الديني البحت والذي يعني " معرفة الوجود ". واشتقت كلمة " مندا " من اصل والتي تقابلها كلمة " جنوسيس " Gnosis اليونانية كلمة Manda d’ Hayya لايمكن للمذهب المندائي ان ينوجد بمعزل عن " معرفة الوجود "، كالمسيحية التي لاوجود لها بدون المسيح. ان هذا العرفان او التصوف هو اساس الدين الصابئي، ويعتمد تماما على مانعرفه من انواع العرافان والتصوف المختلفة. فالتصوف هو احد فروع واوجه العرفان. والتصوف نهج وطريقة وسلوك عملي استمد مصدره من ينبوع العرفان. اما العرافان فهو مفهوم عام واكثر شمولية، يشتمل على التصوف ومناهج اخرى ايضا. وبعبارة اخرى، ان الفرق بين التصوف والعرفان هو كالفرق بين العام والخاص. بالاحرى يمكن ان يكون المرء عارفا وان لايكون متصوفا. كما يمكن ان يكون متصوفا في الظاهر، وهو لايمت بصلة الى العرفان. ويعتبر البعض العرفان، الجانب العلمي والفكري للتصوف. اما التصوف فهو الجانب العملي من العرفان.

وحول العرفان، يذكر المؤرخ السرياني تيودور برخونائي، الذي عاش سنة 792 ميلادية، ثلاث طرق الت الى ظهور المذهب الصابئي.

 كما كان العرب يسمون المندائيين ب " المغتسلة " ارتباطا بممارسة هذه الجماعة، غالب الاحيان اداب وطقوس الاغتسال. ويبدو ان هؤلاء هم " الصابئون " انفسهم الذين ورد ذكرهم في القران والكتب الاسلامية. وهم في الواقع قدامى المندائيين. الا ان هناك من لم يوافق على ان المغتسلة هم المندائيون انفسهم. بيد ن ابن النديم اعتبر المغتسلة هم " صابة البطايح " صابئة ناحية ميسان تحديدا.

 كما اطلقت تسمية " النصورائي " على المندائيين. الا انهم كانوا يستخدمون هذه التسمية للروحانيين (رجال الدين) والمؤمنين الحقيقيين (التقاة). وفي كتبهم الدينية عنت الكلمة رجال الدين الذين يراعون تطبيق الاحكام والاوامر الدينية، قبل غيرهم. وقد اشار البروفيسور ليدزبارسكي، الى ان هذه الكلمة هي نفس كبمة (الناصري) التي وردت في انجيل متى، كلقب للسيد المسيح. فانجيل متى يعتبر ان الاسم مشتق من مدينة الناصرة، مكان اقامة السيد المسيح. بيد ان اشتقاقا كهذا غير صحيح ، والمعنى الحقيقي لهذه الكلمة هو " حافظ القوانين والاوامر الدينية ". ويبدو ان هذه الكلمة ادت بالبعض الى ان يعتبروا مجموعة منهم نصارى، وان يعتبروا النصرائي، نصرانيا.

في القرن السابع عشر ادى عدم فهم البحارة البرتغاليين للمعنى الصحيح لاسم هذه لطائفة، ادى في اوروبا الى اعتبارهم " المسيحيين الذين عمدوا يحيى " [ حسب ماورد في كتاب خولسون(الصابئون وصبأ) المجلد الاول ص 100]. وربما يعود هذا الالتباس الى ان يحيى بن زكريا هو اول من عمد المذهب النصراني، ولان احد مبادئ الدين المندائي هو التعميد ايضا. اضافة الى ذلك فأن قصص الصابئة المتعلقة ب " يحيى المعمدان " كزعيم لهذا الدين، جمعت في كتاب يحمل عنوان " دراشي د يحيى "Draschi d' Jhia، والتي تعني " دراسات يحيى ". بيد ان هذا الكتاب حديث تماما، وقد تم جمعه بعد الاسلام. بالاضافة الى ذلك فان اسم يحيى بالارامية هو يوحنا، اي ان الاسم الاول كلمة معربة. وهذه شهادة على حداثة هذه الدراسات [ حسب الدكتور ماتسوخ في قاموسه (ايران زمين) 8:26 ] ومن الاسماء الاخرى التي سمي بها الصابئة "المسيحيون المنحرفون". اذ يرى اتباع هذا الرأي ان الصابئة يعتبرون السيد المسيح نبيا كاذبا، والروح القدس ام السياطين، وابليس و"الاعور" قائد جند الظلمة. وكذلك ترى ان ام المسيح وكذلك انبياء الاقوام السامية قد ولدوا جميعا من الروح القدس مع الشياطين من ام واحدة.

 وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة فيما يخص ظهور الصابئة والدين الذي يعتنقونه، الا ان تأريخهم، على مايبدو، اقدم من تاريخ الدين المسيحي في فلسطين. ويعزى التشابك والتداخل والتعقيدات المتداخلة في هذا الدين متأتية من ان كتب الصابئة الدينية كتبت في وقت متأخر نسبيا.

 يقول الدكتور ماتسوخ في قاموس (ايران زمين) ج8 ص25 : "بعد هجرة الصابئة من فلسطين الى بلاد مابين النهرين، فأن اديانا عديدة كالدين البابلي والزرادشتي والمسيحي واخيرا الاسلام، قد اثرت على هذا الدين، الى درجة انه اصبح من الصعب جدا فرز العناصر الاصلية عن التأثيرات البعيدة ".

 ومما يلفت الانتباه ايضا، ان بعض العلماء كانوا يتصورون، ان هذا لدين وجد في بلاد مابين النهرين نفسها، وان عناصره الفلسطينية جاءت نتيجة العلاقة مع اليهود البابليين والمسيحيين السريان – حسب المصدر نفسه.

 بيد ان التمعن في عناصر هذا المذهب الاصلية منها تشير الى ان الدين الصابئي ظهر في فلسطين.

 ان مفردات هذا الدين الاساسية مثل: معرفة الوجود والنصورائي والاردن، والتي بدونها لايمكن تصور هذا المذهب، تدل وحسب مؤشرات لغوية-حضارية، على ظهور هذه الطائفة في فلسطين اول الامر. مما يؤكد ذلك على ان وثائق الصابئة القديمة منها تعتبر فلسطين مملكتهم الاصلية، وجميع الاماكن المقدسة المذكورة في الكتب الدينية، كالكرمل ولبنان وحران... وغيرها، هي فلسطينية وليست بابلية [ جينزا Genza يمينا 231:5 ] يتذكر الصابئة، اليهود بالكره وروح التبشير بالانتقام والضغينة. وان دل ذلك على شيئ، فانما يدل على الاهانة والتعذيب الذي تعرضوا له على ايدي اليهود " ومن الطبيعي ان تقع احداثا كهذه في فلسطين، اذ كانت اورشليم مكان تعذيب الصابئة ومعاناتهم. وقد غادر هذه الديار وبسببهذا الاضطهاد 365 كاهنا صابئيا [ نفس المصدر السابق ].

في علم 1953 اصدرت سيدة انكليزية تدعى (ليدي دراور) في الفاتيكان، وثيقة مهمة عن الصابئة تحت عنوان " حران الداخلية " تحكي قصة تاريخية عن الصابئة تعود الى هجرة اتباع هذا المذهب الى حران في عهد الملك الفرثي ارتيانوس الثالث، الذي يعتبره الدكتور ماتسوخ معاصرا للسيد المسيح، وقد حكم من سنة 12-38 للميلاد. ويعتقد ان يكون قد هاجر الصابئة الى مدينة حران في السنوات الاخيرة لحكم هذا الملك [ ماتسوخ (ايران زمين) 8:30 ] ان ما يلقى اهتماما كبيرا في النقاشات الدائرة حول الصابئة، هو التأثير الكبير للمذهب الصابئي على المذهب المانوي. فبعد ان شعر الاب ماني تغيرا وثورة في روحه وقلبه وناداه الوحي داعيا اياه لاحتراز الخمر واللحم ومعاشرة النساء، رحل الى الجنوب واستقر في ناحية ميسان او سهل ميسان، وانضم الى فرقة " المغتسلة " الدينية. وترعرع ماني وسط القوم هناك. ولهذا يمكن القول ان قسما من افكار ماني هي انعكاس شديد لافكار الصابئة الدينية.

اضافة الى ذلك، فهناك الكثير من الافكار والمفردات الدينية المشتركة بين المذهبين الصابئي والمانوي، كالتضاد بين النور والظلام وملكها على يد منجم، والايمان بنبي النور او الوجود الذي ارسل الى ادم – الانسان الاول، ومصير الروح بعد الموت ورحيلها الى عالم النور.... وغيرها.

وانطلاقا من كون المذهب الصابئي اقدم من المذهب المانوي، فأن هذا الشبه يدل على تأثير المذهب لصابئي على المذهب المانوي [ كتاب المندائيين (سدرا ربا) Sidra Rabbai] يقول ماتسوخ في قاموسه المذكور، ان الصابئة هي الطائفة العرفانية الوحيدة قبل الاسلام التي بقيت لحد الان. وانها حافظت بدقة، لحسن الحظ، على جميع كتبها الدينية. واستادا الى ذلك فان هذا المذهب هو من احسن الوسائل لمعرفة الغنوصيةGnosticesim، والتي تعني العرفان القديم. وان ما يلفت النظر هو تشابه الافكار الاساسية للصابئة مع اصل العرفان المسيحي المثبتة بشكل خاص في انجيل يوحنا، وهي متساوية ومترابطة الواحدة بالاخرى، دون شك [ ماتسوخ 8:23 ] بيد ان ماذكر في القران حول الصابئة معقد بعض الشيئ. فقد رافقت كلمة " الصابئة " ثلاث مرات مع كلمتي اليهود والمسيحيين [ يقال ان المراد من " الصابئين " في سورتي البقرة والمائدة، هم القوم الموحدون. ومن " الصابئين " في سورة الحج، هم الصابئون المشركون (اعلام القران، 39) ] فقد صنف علماء الاسلام " الصابئين " الى مجموعتين: احناف ومشركين. واعتبروا الحنفاء اتباع ابراهيم، اما المشركون فهم الذين يؤمنون بالنجوم.

 يتحدث ابن النديم في فصل " اسماء كتب الشرائع " ايضا عن " الصابئين الابراهيميين" ويبرز الخلاف بين المفسرين حول هذه الجماعة. لقد وردت كلمة " الصابئين " في القران بمستوى واحد مع اصحاب الكتاب. اي ان الاسلام اعتبرهم من اهل الكتاب ايضا اسوة بالمسيحيين واليهود. وتشير الرقاق والالواح المعدنية الموجودة اليوم في المتحف البريطاني، الى وجود الخط الصابئي في القرن الرابع الميلادي، كما هو الحال بالنسبة لقصص الصابئة الدينية اتي كانت محفوظة في هيئة كتاب، قبل الاسلام.

كان المندائيون يتحلون بشيئ من الايمان حيال التوحيد. ومن هنا تأتى اعتقاد بعض العلماء، كون ان المقصود بالصابئين في عهد الرسول، هم المندائيون. بيد ان الذي ادى الى ملابسات الموضوع فهو وجود صابئة حران، الذين كانوا مشركين وعبدة نجوم.

 ومن هنا لايد من التمييز بين هاتين الفئتين من الصابئة. وكما رأينا فان المندائيين كان لهم اصل فلسطيني. بيد ان ما قيل عن عبدة الاوثان السريان الذين اشتهروا في حران يختلف عن ذلك تماما. وكان لهذه الفئة من الصابئين في حران، حتى النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، مدارس وكتب باللغة السريانية، وكانت وسيلة لايصال الحضارة اليونانية. واشتهر في وسط هذه الفئة علماء كبار تركوا اثرا كبيرا على الحضارة العربية. وكان هناك تداخلا كبيرا بين هاتين الفئتين من الصابئة والى يوم قريب. واول من ميز بينهما هو خولسون استنادا الى ابن النديم.

 وقد ظهر هذا الاشكال لدى عبور الخليفة العباسي المأمون، في المعركة الاخيرة مع الروم الشرقيين، من اقليم حران، وملاحظته بين المستقبلين اناسا بمظهر فريب وشعر طويل وملابس ضيقة، فأستفسر عن اصلهم ومعتقدهم، الا انه لم يلق جوابا شافيا، فامهلهم فرصة الى عودته من المعركة: اما الاسلام او اعتناق احد الاديان السماوية المذكورة في كتب الله. مما ادى هذا الى اعتناق البعض منهم الدين الاسلامي، اما البقية فقد انتابهم قلق شديد الى ان جاءهم فقيه مسلم ليريهم، مقابل القليل من الذهب، الطريق لحل معضلتهم، بأن يعرفوا منذ ذلك الوقت كطائفة من الصابئين. مؤكدا لهم بذكر اسم هذه الطائفة في القران. وهكذا احتفظ هؤلاء ومنذ ذلك التاريخ باسم الصابئين.

 يقول ابو ريحان البيروني " يطلق احيانا على الحرانيين، بقايا المؤمنين بدين مغرب الارض القديم، والذين تخلى عنهم الروم بعد المسيحية، بالصابئة، رغم انهم اطلقوا على انفسهم هذه التسمية في الدولة العباسية سنة 228 هجرية، وذلك لتراعى شروط الذمة بحقهم كذلك " ان وضع الحلول لهذه الاشكالية ليس بالشيئ السهل. فحسب كتابات ابيفانيوس وهيبوليثوس (من كتاب قبل الاسلام) ان اسم الصابئة كان قبل الاسلام يستخدم للمشركين مابين النهرين ومدينة حران كذلك.

 واستنادا الى كتب الصابئة انفسهم، كانت مدينة حران نحط اهتمام كبير من الصابئة وعبر تاريخهم. فبعد ان هرب الصابئة اثر اضطهاد اليهود لهم، لجأوا الى حران وشيدوا معبدا لهم فيها. وهذا يدل على وجود صلة بين الحرانيين والصابئة.

يقول الدكتور ماتسوخ : يبدوا ان حران كانت تتمتع بحرية المعتقدات، مما حدا بها الى قبول اللاجئين المندائيين وممارسة معتقداتهم الدينية بحرية. وان تحتاج دقائق الامور الى تسليط اضواء اخرى لتبيان الحقائق. وهذه من مهام المتخصصين في تاريخ الاديان.

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014