• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 12 تموز/يوليو 2013

إبداع في الفيزياء والتخطيط العلمي

  د. نجاح هادي كبة
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

د. نجاح هادي كبة

 

عبد الجبار عبدالله 1911ــ 1969م علامة عراقي شهير داخل بلده وفي الخارج لاسيما في الجامعات الامريكية والفرنسية ، محاضرا او استاذا ، وعلى الرغم من قصر عمره الـ 58 سنة الا انه ترك وراءه نظريات علمية فيزياوية ، بالاضافة الى المعرفة الثرة في التخطيط التربوي ، فهو ثاني اثنين من مؤسسي جامعة بغداد عام 1956م هو وزميله الدكتور متي عقراوي ، الذي تولّى رئاستها ثم خلّفه فيها الدكتور عبد الجبار عبدالله عام 1959م . وكانت تربطه بالزعيم عبد الكريم قاسم روابط عديدة منها اهتمام قاسم وقتئذٍ بتوسيع التعليم ، ولعبد الجبار عبدالله الفضل في تأسيس جامعتي البصرة والموصل ، ووضع اسس علمية للدراسات العليا ، وتأسيس المجلس الاعلى للبحوث ، والتخطيط لبناية رئاسة الجامعة في الجادرية ، ووضع اسس وامتيازات البحث العلمي ، وتاسيس المكتبة المركزية ، كما له الفضل في رئاسة العديد من اللجان العلمية والادبية ، فقد تولّى في العهد الملكي عام 1950م رئاسة لجنة العلوم واشترك في لجان اخرى اكاديمية مع د. زكي صالح ومصطفى جواد وطه باقر وغيرهم من الاساتذة اللامعين ، وهو عضو في جمعية الفيزياء والرياضيات العراقية، اما في الخارج فهو : ـ 

ـ1ـ عضو سيكما ــ جماعة اساتذة معهد ماساسوسيتس الفني 

 ـ 2ـ عضو اتحاد الأنواء الجوية

 ـ 3ـ عضو نقابة الجيوفيزياويين الامريكية

 ـ 4ـ عضو الجمعية الملكية للأنواء الجوية

 ـ 5ـ عضو الاتحاد الامريكي للتقدم العلمي 

ـ 6ـ عضو الجمعية الدولية الجيوفيزيائية والجيوديسيا فرع من الرياضيات التطبيقية يعني بدراسة الارض 

 

ذكاء مبكر

ولد العلامة الدكتور عبد الجبار عبدالله في قلعة صالح وهي قضاء تابع لمحافظة ميسان العمارة ــ سابقا ــ وهو صائبي مندائي الدين فأبوه عبدالله بن سام كان شيخا وكذلك جده سام ، وتعلّم الصبي اللغة المندائية والديانة الصابئية من افراد اسرته ، وكانت البذرة الاولى لثقافته، اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة بالمرتبة الاولى ، وعلى اثر تخرجه في المتوسطة التحق بالاعدادية المركزية ببغداد ، وتخرج فيها بمرتبة الشرف ، وحصل على بعثة الى الجامعة الامريكية في تخصص الفيزياء واكمل دراسته فيها بدرجة شرف ايضا. وعلّق اسمه في لوحة الشرف في الجامعة ، ومارس التدريس الثانوي في العمارة وفي الاعدادية المركزية في بغداد.

عيّن بعدها في بغداد استاذاً مساعداً في دار المعلمين العالية كلية التربية ابن رشد حاليّاً ، بعد حصوله من معهد أم ــ أي ــ تي على الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر، ولهذا الموضوع قصة ، فقد تخاصم مع اساتذه على نظرية علمية ، كان استاذه يراها صحيحة ، وقرّرت الجامعة فصله ان لم يثبت صحة رأيه العلمي ، واوضح لهم بالدليل العلمي القاطع ان الغلط في منطوق النظرية وليس في النظرية عندئذ منح الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر فقط

 

ان مخايل الذكاء بدت عليه وهو يدرس في الإعدادية المركزية دخل على زملائه والجو كان صحوً بمعطف ومظلّة ، فاستغربوا منه ، وما حانت الساعة الحادية عشرة حتى انهمر مطر غزير، فوقى نفسه 

كان رحمه الله بسيطا متواضعًا ، روي عنه عند أول دخوله قاعة المحاضرات في دار المعلمين العالية ، ان عميد الدار آنذاك ، قدّم شرحاً مسهباً للطلبة عن استاذهم الجديد ، وكيف ان له من المميزات في الخارج ، والطلبة ينتظرون دخول أستاذهم وبعد فترة عرف الطلبة ان هذا الانسان الهادئ البسيط المتواضع الواقف بجنب المنصة هو استاذهم الجديد

 

وروي عنه ايضا ، انه حين اسس المكتبة المركزية ببغداد ، كان يحضر فيها صباحا ، الساعة السادسة ، ويخرج الساعة الثامنة ، بعد ان يقرأ ما استجد فيها من كتب ، اذ إنْهالَتْ على المكتبة المركزية على يده مئات من الكتب من مختلف انحاء العالم وكان يخرج الى رئاسة الجامعة بسيارة ستيشن مع السائق وهو يجلس بتواضع الى جانبه فلم يتعامل معه كتعامل البيك مع السائق ، هذا الرجل جمعته علاقات حميمية مع علماء اخرين امثال طه باقر ومع سياسيين أمثال عبد الفتاح ابراهيم ابن عم كاتب القصة الريادي محمود احمد السيد ، جمعته معهم محاربة الانكليز والانحياز للطبقات الفقيرة والمطالبة باستقلال العراق من الهيمنة الاجنبية واتهموا بالشيوعية ، وهي تهمة تلصق وقتئذٍ على كل من يحارب الانكليز، ان انحياز عبد الجبار عبدالله للطبقة الفقيرة سببه انه نشأ فقيرا ، كانت عائلته تسكن في قلعة صالح في كوخ من طين قرب المندى الصابئي في محله اللطاطة ، اذ المعلوم ان عبد الجبار عبدالله لم ينتم للحزب الشيوعي العراقي الا مدة شهرين عام 1941م وكان لعبد الفتاح ابراهيم وقتئذ رئاسة حزب الاتحاد الوطني ولم ينتم عبد الفتاح ابراهيم للحزب الشيوعي وان حسب يساريًّا ، وكانت له صحف منها صحيفتا السياسة وصوت السياسة وله مجلة باسم الرابطة كان عبد الجبار عبدالله ينشر فيها بحوثه العلمية وكان عبد الجبار سكرتير تحريرها ، لقد آمن عبد الجبار عبدالله بالديمقراطية والحرية وهذا متأتٍ من دراسته في الخارج في أمريكا وقبلها في دراسته بالجامعة الامريكية في بيروت اذ كانت هذه الجامعة على الرغم من طابعها الغربي الا انها شجّعت العرب على الاهتمام بلغتهم وتراثهم وشجعتهم على إبداء الرأي والحرية والديمقراطية وكان عبد الفتاح ابراهيم من خريجي الجامعة الامريكية في تخصص التاريخ مما قرّبه من عبد الجبار عبدالله ، اذ اسس عبد الفتاح ابراهيم وعزيز شريف وخدوري خدوري وعبد الجبار وهبي وكامل قزانجي وروز خدوري ونزيهة رؤوف ، جمعية الرابطة الثقافية ، وهي تمثل التيار الليبرالي الاول في العراق ومجلتهم كانت الرابطة 

وانعكست افكاره الليبرالية على التدريس ، فكان يشجع طلابه على التفكير الإبداعي ويبتعد عن الاسلوب الالقائي ــ الخطابي، الذي يحوّل العملية التعليمية بين المرسل الاستاذ والمستقبل الطالب الى اشبه بعملية اطعام بالملعقة

Spone Feeding 

 ، وروى عنه ذات مرة انه قال لطلابه ادخلوا ماشئتم الى قاعة الامتحان من كتب ومصادر ، كانت اسئلته تفكيرية انتقادية وليست تحصيل حاصل 

قال عنه حميد المطبعي 

ألِفْتُ قيه ذاكرة ناشطة ، وكوّنت فيه أوليات الذكاء الفطري ، لكن ثمة أسباباً اخرى أسهمت بتفوقه العلمي ــ العبقري ، وهي :ـ 

 ـ 1ـ ولع بالرياضيات منذ صغره في مرحلة الدراسة الابتدائية ، والمعلمون يتحيّرون إزاء ذلك ، كان يحل اعقد المسائل في علم الجبر، ولم يكن مَنْ درّسه، وكان يشكّل ظاهرة رياضية منفلتة من أي قانون علمي، والرياضيات في الصغر تدرّب الدماع على فلسفة الاشياء والوقائع في الكبر

 

 ـ 2ـ وكان معلّمه في الصف السادس الابتدائي يخرجه الى السبورة ليكتب له شروحات عن ظواهر الرياح والامطار، ويسأله من اين لك هذا ؟ فيجيبه الطالب الصغير عبد الجبار عرفتها … عرفتها ، فسمّي بين الطلاب بـ الفلكي الصغير ، وتخرج في الابتدائية عام 1926م وهو الأول على اقرانه في العمارة وفي الثانوية في بغداد 1930م وهو كذلك الاول ليس في دروس العلوم المحض وانما في دروس اللغة والادب … اذ كان ينشئ جيّدا ، والناس تلتمس المقالة من بين يديه … والمعروف عن عبد الجبار المامة باللغة العربية والسريانية وكان قارئاً بالانكليزية وقارئا بالفرنسية والالمانية

 

 ـ 3ـ درس العلوم الفيزياوية في الجامعة الامريكية في بيروت وتخرج فيها عام 1934م وسجلت له مدوّنات علمية في تلك الجامعة ، اعجب بها اساتذته ، وفي بيروت كتب ونشر في صحفها بعض مقالاته ، وتعرّف على تيارات الفكر، اهمها التيار الماركسي الذي أفاده في تفسير التطور تفسيراً ماديّا ، نشط فيه بملاحظته الظاهرات الاجتماعية

 

 ـ 4ـ عاد من بيروت وعّين في مطار البصرة في دائرة الأنواء الجوية ، 1937ــ 1941م ، ثم انشأ له مختبرا فيزياويًّا في مطار البصرة ووضع له منهجا علميا في قياس الأنواء ، ثم انشأ له في بيته مختبراً آخر مارس به ذات العملية ، واكتشف بوساطته فرضيات عدة ولم يقل لاحد شيئا عن فرضياته التي تطوَّرت الى نظريات في العواصف والاعاصير، وكان في مختبره الخاص اجهزة يقيس بها الامواج الصوتية ، ولم يذكر لاحد انه يملك اجهزة او ابتكارات ، بل كان يكتم اشياءه الإبداعية حتى تتبلور وتنضج ، والعلماء يكتمون ارقامهم ثم يفرجون عنها في لحظة مفاجئة…!ـ

 

 ـ 5ـ في سنوات 1952ــ 1955م طلبته جامعة نيويورك لاجراء بحوث خاصة في فيزياوية الجو ، فقدّم لهم ابحاثا عدة في مشكلة الاعاصير في البحار ، وكان في هذه المدة الامريكية يجري بحوثا مع علماء امريكيين بشأن فلسفة الانواء الصوتية ودخل من اجل ذلك مختبرات علمية دولية واكتشف في اثناء تبحره ومعاناته مبادئ مركزية في الطاقة النووية

ومن الجدير بالذكر إن العلامة عبدالجبار عبدالله له الفضل في تاسيس الطاقة النووية في العراق للأغراض العلمية اواسط الخمسينات، وترأس لجنة الطاقة عام 1958م  

ولعبد الجبار عبدالله 25 مقالة رصينة في الاعاصير والامواج الصوتية والرياح في مجلات امريكية منها :ـ

  

 ـ 1ـ مجموعات كتل الأمواج، وقائع أكاديمية، نيويورك للعلوم، المجلد 28 عام 1947م صفحة 744 

 ـ2ـ حركات الموج عند سطح تيار ذي توزيع دليلي اسي دوراني، وقائع أكاديمية نيويورك للعلوم، المجلد 49 عام 1948م صفحة 469 

 ـ 3ـ مشكلة في الحركة الدورانية للسوائل، مجلة الجمعية الأمريكية للأنواء الجوية، المجلد 28 عام 1948م صفحة 469 

 ـ 4ـ تاثير الاحتكاكات في الاضطرابات الجوية، مجلة الجمعية الامريكية، للأنواء الجوية، مجلد 34 عام 1949م

 ـ 5ـ عين اعصار هريكين، اوراق بحوث جامعة نيويورك حول الأنواء الجوية، المجلد 2 رقم 2 ، الجزء الاول، 1953م …. الخ

 

وان للعلامة د. عبد الجبار عبدالله كتب منهجية للمراحل الدراسية المختلفة حتى الجامعية. وبعد عام 1963 اودع السجن رقم 1 بتهمة الشيوعية او الشعوبية ، وبعد المقسوم ، نقل الى سجن نقرة السلمان ، ولولا الأصوات الدولية لهلك في السجن فرحل الى امريكا مدرساً اول في جامعة اوهايو وباحثا في جميعة المترولوجيا ، ومستشارا في مراكز بحثية عديدة ، وانجز هنالك نظريات عدة بين عامي 1964 ــ 1968م وطلب قبل وفاته ان ينقل جثمانه الى العراق ، ونقل الجثمان الى بغداد ، ودفن في ابي غريب في مقبرة الصابئة المندائيين

كتبت على قبره الشاعرة لميعة عباس عمارة هذه الابيات 

 سهرت للعلم العيون وذوّب الجسم الذكاء

 ومنحته متجردًا زهو الشبية والدواء

 حتى اذا جدّ السقام وعاصره الداء العياء 

قصرت يدا العلم السخي ولم يساعد بالشفاء

 

والسؤال الذي يطرح نفسه ، أفلا يستحق منا العلماء بعض التكريم ؟ الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014