كان جون فوستر بلاك وهو رئيس وصاحب شركة أم أم سي التي ورثها من والده في منتصف الستينات من عمره واحداً من ثلاثة أخوة يديرون الشركة التي تتفرع عنها أربعون شركة نقل وتشكل أخطبوطاً عملاقاً قد عملوا جاهدين خلال الأربعين سنة المنصرمة على توسيع الشركات العملاقة وتنويع نشاطاتها وفي نفس الوقت كانوا مصممين على الإحتفاظ بالصرامة والجدية والقسوة البالغة التي ورثوها من والدهم على من يحيد عن أنظمة العمل وكان هاجسهم الدائم وشعارهم هو تخفيض الكلف فإذا عرفت المقدمات عرفت التوالي لذا كانوا يهيمون حباً بقص جميع الزوايا الممكنة من قوائم المصاريف وفي نفس الوقت عزل أنفسهم عن باقي العاملين بمجموعة منتخبة من المديرين الأشداء لمفاصل العمل يرمون لهم فتات المال مقابل التنفيذ الدقيق بلا هوادة ولا تساهل لمتطلبات العمل.
وهكذا كانت الإدارة الحديدية والتخطيط الدقيق قد راكمت جبل الأرباح من جانب لكنها شكلت ضغطاً هائلاً لا يحتمل على العاملين.
لقد إعتاد (الأخوة بلاك ) ((Black Brothersوهكذا يسميهم جميع العاملين أو يختصرون إسمهم إلى BBأن يجتمعوا كل ثلاثة أشهر ومعهم قوائم تفصيلية كاملة بمصاريف الشركة ولا تمييز هنا بين قيمة الجريدة المحلية البالغة 150 دولاراً كل ثلاثة أشهر وبين قيمة مكائن تزويد النقد الجديدة بمئات الآلاف من الدولارات وشعارهم الدائم المعلق في كل مكان من الشركة هو الدولار يساوي مائة سنت !
وعليك أن تفهم، وهكذا وخلال سلاسل متواصلة من عمليات التوفير جرى ضغط الكثير من النفقات التي يطلقون عليها تسمية (غير الضرورية) وكانت أساليب عملهم تتسم بالشيطانية والمراوغة فكانوا يعمدون بعد الإجتماع الفصلي إلى طبع قائمة بما يرغبون بالإستغناء عنه ويوزعونها على مدراء الأقسام ويطلبون مقترحاتهم السرية على سبل معالجة كل حالة ويجتمعون ثانية لتحليل المقترحات ويختارون منها ما يظنون أنه مناسباً وعلى سبيل المثال كان هناك موظف متخصص في جمع الأوراق والفضلات من المكاتب كان يكلف الشركة 14000 ألف دولار سنوياً فطلبوا تخفيض المبلغ إلى 7000 دولار سنوياً وبمعدل 20 دولاراً يومياً وهكذا جاء الإقتراح أن يقوم من يرغب من سواق المساء بهذا العمل لقاء 20 دولاراً وهكذا تخلصوا من أحد الموظفين! لكنها أتاحت لتشارلي الفرصة الذهبية للحصول على مسودات الميزانية!
كانت هذه السلسلة الطويلة المستمرة من عمليات ضغط النفقات قد أوصلت الشركات إلى موقف مالي مثالي وتوسع مضطرد إنما على حساب الموظفين والعمال بشكل عام.
ومن جانب آخر طورت الشركة شبكة علاقات ممتازة مع المنظمات الخيرية والمنظمات غير الربحية حيث كانت تقدم لهم التبرعات التي تنزل من الضريبة. كانت الشركة تنتقي هذه المنظمات في ولاية نيويورك بشكل دقيق ومدروس وبموجب إتفاقات بعضها معقد تضمن لأصحاب الشركة خدمات مجانية.وفي الحقيقة كان أصحاب الشركة وزوجاتهم يستلمون رواتب من الشركة في حدودها الدنيا بحيث تكون شبه معفاة من الضرائب رغم أنهم يصرفون أضعاف أضعاف هذه المبالغ.
بموجب التدابيرالقانونية أسس أصحاب الشركة مكاتب لهم في بيوتهم يديرون أعمالهم منها أحياناً وعلى هذا الأساس تدفع الشركة نصف المصاريف الجارية للدار وكذلك فإن سياراتهم وسواقها وصيانتها مدفوعة من الشركة.
إن عشق جون فوستر للعبة البيسبول جعله على علاقة دائمة مع نادي هواة اللعبة وهو مؤسسة غير ربحية في منطقتهم خصوصاً وأنه كان أحد رواد النادي في صباه وهو أكبر متبرع للنادي حيث كانت الشركة تقدم لهم تبرعاً سنوياً مقداره خمسين ألف دولار ومقابل ذلك كان النادي يتنازل لجون فوستر وعائلته عن المقصورة الفاخرة المحجوزة له طيلة الموسم في ملعب نيويورك يانكييز مع الطعام والشراب المجاني لعشرة أشخاص.
كان نادي الهواة يرتبط بالنوادي المحترفة وخصوصاً نادي نيويورك يانكييزويبيع لها سراً (مقابل تبرعات ) اللاعبين الهواة المتقدمين الذين يرومون الإحتراف
ومن جانب آخر كان جون فوستر وإخوته يهيمون حباً بالسيارات ولديهم مجموعة متنوعة منها لذا كانت لهم علاقة ممتازة مع منظمة خيرية أخرى تعمل على إنتاج سيارات خاصة بالمعوقين كل حسب طبيعة العوق إن كان في القدم أو الذراع أو العمود الفقري وهكذا وكانوا يقدمون لها تبرعاً سنوياً محترماً مع ترتيب أن تجري صيانة وإدامة سيارات العائلة وكذلك بطاقات الوقود مجاناً.
كانت هيلدا بلاك زوجة جون قد آمنت منذ وقت طويل بالطاقة النظيفة والزراعة الطبيعية والرعي وتتابع بشغف الأبحاث المتعلقة بهذا الأمر وكانت تتبرع من خلال الشركة بطبيعة الحال بمبالغ سنوية جيدة لمنظمة أبحاث رائدة لتطوير الطاقة النظيفة وإستخدامها في الزراعة الطبيعية وتربية الحيوانات بالأسمدة والمبيدات العضوية التي تطورها المنظمة وكذلك الإكتفاء الذاتي للمزرعة من الطاقة.
وعن طيبة خاطر كانت المنظمة تزود بيوت أصحاب الشركة بجميع الخضار والفاكهة الطازجة المنتجة في المزارع التجريبية طوال العام وكان من المدهش دائماً تذوق هذا الإنتاج الرائع والثناء عليه كما لا ننسى الخراف ولحم الخنزير الطيب التي تصل إلى دور أصحاب الشركة دون عناء.
كما لا ننسى أن الطائرة الخاصة بالشركة تؤمن للعائلة تنقلاتها البعيدة بلا مقابل.