تم يوم أمس السبت 16/11/2013 أهداء درع المخزومي لعائلة أبن العراق البار ألعلامه الدكتور عبد الجبار عبدالله ألعالم الأشهر في العراق خلال تاريخه الحديث.في الأمسيه الثقافيه لمجلس المخزومي الثقافي في المنصور.
وقد تسلم الدرع نيابة عن العائله ألأستاذ المهندس طارق بركات رومي ألذي ألقى محاضرة قيمه عن مسيرة حياة عالمنا الجليل نالت أستحسانا كبيرا من لدن الحاضرين جميعا تناولت نشأته ودراسته وتوظفه ورئاسته لجامعة بغداد ورحلة العذاب في سجون البعث أبان انقلاب 1963الأسود وهجرته لأمريكا وتكريمه وتقديره الكبير هناك.ووفاته وتشييعه الفخم ألى مثواه الأخير في بغداد.
ثم تلاها توزيع شهادات تقديريه لبعض المتميزين حضورا وأداءً في المجالس الثقافيه البغداديه وكان من بينهم المهندس الفنان المبدع حامد عبد الرزاق رويد ألأسم المندائي اللامع في كل المجالس الثقافيه البغداديه والذي رفع رؤوسنا عاليا بين الحضور.
بعدها ألقى صديق الطائفه ألشاعر صادق أطيمش قصيدة جميله لمناسبة تكريم عالمنا الراحل ألدكتورعبد الجبارعبد الله رحمه الله.
لقد كان الحضور نخبة مميزه من الدكاتره والباحثين والأدباء وكان الحضور المتواضع جدا لأبناء الطائفه(ألسكرتير والمقرر وخمسه من أعضاء مجلس العموم فقط والمحاضر) متميزا في اللقاءات الجانبيه التي تمت عقب انتهاء الأمسيه التي دامت ثلاث ساعات تقريبا.
وقد غطت ثلاث قنوات فضائيه هذا التكريم وهي ألرشيد والبغداديه والحضاره.
د. نجاح هادي كبة
عبد الجبار عبدالله 1911ــ 1969م علامة عراقي شهير داخل بلده وفي الخارج لاسيما في الجامعات الامريكية والفرنسية ، محاضرا او استاذا ، وعلى الرغم من قصر عمره الـ 58 سنة الا انه ترك وراءه نظريات علمية فيزياوية ، بالاضافة الى المعرفة الثرة في التخطيط التربوي ، فهو ثاني اثنين من مؤسسي جامعة بغداد عام 1956م هو وزميله الدكتور متي عقراوي ، الذي تولّى رئاستها ثم خلّفه فيها الدكتور عبد الجبار عبدالله عام 1959م . وكانت تربطه بالزعيم عبد الكريم قاسم روابط عديدة منها اهتمام قاسم وقتئذٍ بتوسيع التعليم ، ولعبد الجبار عبدالله الفضل في تأسيس جامعتي البصرة والموصل ، ووضع اسس علمية للدراسات العليا ، وتأسيس المجلس الاعلى للبحوث ، والتخطيط لبناية رئاسة الجامعة في الجادرية ، ووضع اسس وامتيازات البحث العلمي ، وتاسيس المكتبة المركزية ، كما له الفضل في رئاسة العديد من اللجان العلمية والادبية ، فقد تولّى في العهد الملكي عام 1950م رئاسة لجنة العلوم واشترك في لجان اخرى اكاديمية مع د. زكي صالح ومصطفى جواد وطه باقر وغيرهم من الاساتذة اللامعين ، وهو عضو في جمعية الفيزياء والرياضيات العراقية، اما في الخارج فهو : ـ
ـ1ـ عضو سيكما ــ جماعة اساتذة معهد ماساسوسيتس الفني
ـ 2ـ عضو اتحاد الأنواء الجوية
ـ 3ـ عضو نقابة الجيوفيزياويين الامريكية
ـ 4ـ عضو الجمعية الملكية للأنواء الجوية
ـ 5ـ عضو الاتحاد الامريكي للتقدم العلمي
ـ 6ـ عضو الجمعية الدولية الجيوفيزيائية والجيوديسيا فرع من الرياضيات التطبيقية يعني بدراسة الارض
ذكاء مبكر
ولد العلامة الدكتور عبد الجبار عبدالله في قلعة صالح وهي قضاء تابع لمحافظة ميسان العمارة ــ سابقا ــ وهو صائبي مندائي الدين فأبوه عبدالله بن سام كان شيخا وكذلك جده سام ، وتعلّم الصبي اللغة المندائية والديانة الصابئية من افراد اسرته ، وكانت البذرة الاولى لثقافته، اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة بالمرتبة الاولى ، وعلى اثر تخرجه في المتوسطة التحق بالاعدادية المركزية ببغداد ، وتخرج فيها بمرتبة الشرف ، وحصل على بعثة الى الجامعة الامريكية في تخصص الفيزياء واكمل دراسته فيها بدرجة شرف ايضا. وعلّق اسمه في لوحة الشرف في الجامعة ، ومارس التدريس الثانوي في العمارة وفي الاعدادية المركزية في بغداد.
عيّن بعدها في بغداد استاذاً مساعداً في دار المعلمين العالية كلية التربية ابن رشد حاليّاً ، بعد حصوله من معهد أم ــ أي ــ تي على الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر، ولهذا الموضوع قصة ، فقد تخاصم مع اساتذه على نظرية علمية ، كان استاذه يراها صحيحة ، وقرّرت الجامعة فصله ان لم يثبت صحة رأيه العلمي ، واوضح لهم بالدليل العلمي القاطع ان الغلط في منطوق النظرية وليس في النظرية عندئذ منح الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر فقط
ان مخايل الذكاء بدت عليه وهو يدرس في الإعدادية المركزية دخل على زملائه والجو كان صحوً بمعطف ومظلّة ، فاستغربوا منه ، وما حانت الساعة الحادية عشرة حتى انهمر مطر غزير، فوقى نفسه
كان رحمه الله بسيطا متواضعًا ، روي عنه عند أول دخوله قاعة المحاضرات في دار المعلمين العالية ، ان عميد الدار آنذاك ، قدّم شرحاً مسهباً للطلبة عن استاذهم الجديد ، وكيف ان له من المميزات في الخارج ، والطلبة ينتظرون دخول أستاذهم وبعد فترة عرف الطلبة ان هذا الانسان الهادئ البسيط المتواضع الواقف بجنب المنصة هو استاذهم الجديد
وروي عنه ايضا ، انه حين اسس المكتبة المركزية ببغداد ، كان يحضر فيها صباحا ، الساعة السادسة ، ويخرج الساعة الثامنة ، بعد ان يقرأ ما استجد فيها من كتب ، اذ إنْهالَتْ على المكتبة المركزية على يده مئات من الكتب من مختلف انحاء العالم وكان يخرج الى رئاسة الجامعة بسيارة ستيشن مع السائق وهو يجلس بتواضع الى جانبه فلم يتعامل معه كتعامل البيك مع السائق ، هذا الرجل جمعته علاقات حميمية مع علماء اخرين امثال طه باقر ومع سياسيين أمثال عبد الفتاح ابراهيم ابن عم كاتب القصة الريادي محمود احمد السيد ، جمعته معهم محاربة الانكليز والانحياز للطبقات الفقيرة والمطالبة باستقلال العراق من الهيمنة الاجنبية واتهموا بالشيوعية ، وهي تهمة تلصق وقتئذٍ على كل من يحارب الانكليز، ان انحياز عبد الجبار عبدالله للطبقة الفقيرة سببه انه نشأ فقيرا ، كانت عائلته تسكن في قلعة صالح في كوخ من طين قرب المندى الصابئي في محله اللطاطة ، اذ المعلوم ان عبد الجبار عبدالله لم ينتم للحزب الشيوعي العراقي الا مدة شهرين عام 1941م وكان لعبد الفتاح ابراهيم وقتئذ رئاسة حزب الاتحاد الوطني ولم ينتم عبد الفتاح ابراهيم للحزب الشيوعي وان حسب يساريًّا ، وكانت له صحف منها صحيفتا السياسة وصوت السياسة وله مجلة باسم الرابطة كان عبد الجبار عبدالله ينشر فيها بحوثه العلمية وكان عبد الجبار سكرتير تحريرها ، لقد آمن عبد الجبار عبدالله بالديمقراطية والحرية وهذا متأتٍ من دراسته في الخارج في أمريكا وقبلها في دراسته بالجامعة الامريكية في بيروت اذ كانت هذه الجامعة على الرغم من طابعها الغربي الا انها شجّعت العرب على الاهتمام بلغتهم وتراثهم وشجعتهم على إبداء الرأي والحرية والديمقراطية وكان عبد الفتاح ابراهيم من خريجي الجامعة الامريكية في تخصص التاريخ مما قرّبه من عبد الجبار عبدالله ، اذ اسس عبد الفتاح ابراهيم وعزيز شريف وخدوري خدوري وعبد الجبار وهبي وكامل قزانجي وروز خدوري ونزيهة رؤوف ، جمعية الرابطة الثقافية ، وهي تمثل التيار الليبرالي الاول في العراق ومجلتهم كانت الرابطة
وانعكست افكاره الليبرالية على التدريس ، فكان يشجع طلابه على التفكير الإبداعي ويبتعد عن الاسلوب الالقائي ــ الخطابي، الذي يحوّل العملية التعليمية بين المرسل الاستاذ والمستقبل الطالب الى اشبه بعملية اطعام بالملعقة
Spone Feeding
، وروى عنه ذات مرة انه قال لطلابه ادخلوا ماشئتم الى قاعة الامتحان من كتب ومصادر ، كانت اسئلته تفكيرية انتقادية وليست تحصيل حاصل
قال عنه حميد المطبعي
ألِفْتُ قيه ذاكرة ناشطة ، وكوّنت فيه أوليات الذكاء الفطري ، لكن ثمة أسباباً اخرى أسهمت بتفوقه العلمي ــ العبقري ، وهي :ـ
ـ 1ـ ولع بالرياضيات منذ صغره في مرحلة الدراسة الابتدائية ، والمعلمون يتحيّرون إزاء ذلك ، كان يحل اعقد المسائل في علم الجبر، ولم يكن مَنْ درّسه، وكان يشكّل ظاهرة رياضية منفلتة من أي قانون علمي، والرياضيات في الصغر تدرّب الدماع على فلسفة الاشياء والوقائع في الكبر
ـ 2ـ وكان معلّمه في الصف السادس الابتدائي يخرجه الى السبورة ليكتب له شروحات عن ظواهر الرياح والامطار، ويسأله من اين لك هذا ؟ فيجيبه الطالب الصغير عبد الجبار عرفتها … عرفتها ، فسمّي بين الطلاب بـ الفلكي الصغير ، وتخرج في الابتدائية عام 1926م وهو الأول على اقرانه في العمارة وفي الثانوية في بغداد 1930م وهو كذلك الاول ليس في دروس العلوم المحض وانما في دروس اللغة والادب … اذ كان ينشئ جيّدا ، والناس تلتمس المقالة من بين يديه … والمعروف عن عبد الجبار المامة باللغة العربية والسريانية وكان قارئاً بالانكليزية وقارئا بالفرنسية والالمانية
ـ 3ـ درس العلوم الفيزياوية في الجامعة الامريكية في بيروت وتخرج فيها عام 1934م وسجلت له مدوّنات علمية في تلك الجامعة ، اعجب بها اساتذته ، وفي بيروت كتب ونشر في صحفها بعض مقالاته ، وتعرّف على تيارات الفكر، اهمها التيار الماركسي الذي أفاده في تفسير التطور تفسيراً ماديّا ، نشط فيه بملاحظته الظاهرات الاجتماعية
ـ 4ـ عاد من بيروت وعّين في مطار البصرة في دائرة الأنواء الجوية ، 1937ــ 1941م ، ثم انشأ له مختبرا فيزياويًّا في مطار البصرة ووضع له منهجا علميا في قياس الأنواء ، ثم انشأ له في بيته مختبراً آخر مارس به ذات العملية ، واكتشف بوساطته فرضيات عدة ولم يقل لاحد شيئا عن فرضياته التي تطوَّرت الى نظريات في العواصف والاعاصير، وكان في مختبره الخاص اجهزة يقيس بها الامواج الصوتية ، ولم يذكر لاحد انه يملك اجهزة او ابتكارات ، بل كان يكتم اشياءه الإبداعية حتى تتبلور وتنضج ، والعلماء يكتمون ارقامهم ثم يفرجون عنها في لحظة مفاجئة…!ـ
ـ 5ـ في سنوات 1952ــ 1955م طلبته جامعة نيويورك لاجراء بحوث خاصة في فيزياوية الجو ، فقدّم لهم ابحاثا عدة في مشكلة الاعاصير في البحار ، وكان في هذه المدة الامريكية يجري بحوثا مع علماء امريكيين بشأن فلسفة الانواء الصوتية ودخل من اجل ذلك مختبرات علمية دولية واكتشف في اثناء تبحره ومعاناته مبادئ مركزية في الطاقة النووية
ومن الجدير بالذكر إن العلامة عبدالجبار عبدالله له الفضل في تاسيس الطاقة النووية في العراق للأغراض العلمية اواسط الخمسينات، وترأس لجنة الطاقة عام 1958م
ولعبد الجبار عبدالله 25 مقالة رصينة في الاعاصير والامواج الصوتية والرياح في مجلات امريكية منها :ـ
ـ 1ـ مجموعات كتل الأمواج، وقائع أكاديمية، نيويورك للعلوم، المجلد 28 عام 1947م صفحة 744
ـ2ـ حركات الموج عند سطح تيار ذي توزيع دليلي اسي دوراني، وقائع أكاديمية نيويورك للعلوم، المجلد 49 عام 1948م صفحة 469
ـ 3ـ مشكلة في الحركة الدورانية للسوائل، مجلة الجمعية الأمريكية للأنواء الجوية، المجلد 28 عام 1948م صفحة 469
ـ 4ـ تاثير الاحتكاكات في الاضطرابات الجوية، مجلة الجمعية الامريكية، للأنواء الجوية، مجلد 34 عام 1949م
ـ 5ـ عين اعصار هريكين، اوراق بحوث جامعة نيويورك حول الأنواء الجوية، المجلد 2 رقم 2 ، الجزء الاول، 1953م …. الخ
وان للعلامة د. عبد الجبار عبدالله كتب منهجية للمراحل الدراسية المختلفة حتى الجامعية. وبعد عام 1963 اودع السجن رقم 1 بتهمة الشيوعية او الشعوبية ، وبعد المقسوم ، نقل الى سجن نقرة السلمان ، ولولا الأصوات الدولية لهلك في السجن فرحل الى امريكا مدرساً اول في جامعة اوهايو وباحثا في جميعة المترولوجيا ، ومستشارا في مراكز بحثية عديدة ، وانجز هنالك نظريات عدة بين عامي 1964 ــ 1968م وطلب قبل وفاته ان ينقل جثمانه الى العراق ، ونقل الجثمان الى بغداد ، ودفن في ابي غريب في مقبرة الصابئة المندائيين
كتبت على قبره الشاعرة لميعة عباس عمارة هذه الابيات
سهرت للعلم العيون وذوّب الجسم الذكاء
ومنحته متجردًا زهو الشبية والدواء
حتى اذا جدّ السقام وعاصره الداء العياء
قصرت يدا العلم السخي ولم يساعد بالشفاء
والسؤال الذي يطرح نفسه ، أفلا يستحق منا العلماء بعض التكريم ؟ الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون
عندما يشتد الجدل، ويحتدم النقاش ، وتضعف الحجة ، بين المتحدثين عن الديمقراطية، وأحقية ابناء الاقليات القومية والطائفية والدينية التي تدخل في صميم مكونات الشعب العراقي، من أجل منحهم حقوقهم ومستحقاتهم القانونية ، وإقرارها من قبل رجال الحكم في الدستور المقترح ، يصار الى ضرب المثل بموقف الزعيم عبدالكريم قاسم قائد ثورة الرابع عشر من تموز/ 1958 ، من تبؤ عالم الفيزياء العراقي الصابئي المندائي عبد الجبار عبد الله كأول رئيس لجامعة بغداد ، هذا ما نقرأه هذه الايام وما يدور في أروقة مجلس الحكم الانتقالي ، و بين الكتاب وجماهير الشعب ، واللجان والافراد المكلفة بصياغة مسودة الدستور الجديد في دولة العراق الجديد ، وكأن الامر يبدو غريبا ومدهشا ونشازا ، لحدث غير معهود كان قد حدث منذ أربعين سنة ونيف خلت . وقد يعده البعض مثالا رائعا لتطبيق الديمقراطية ومكسباً لمبدئيً العدل والمساواة .
لا يمكن النكران أبدا أن المعلومة المذكورة كانت نقطة بيضاء و مضيئة بتاريخ العراق المعاصر، وهي جديرة بالملاحظة والاهتمام لما تعكسه من دلالات ديموقراطية ، وتصرف حكيم من قبل الحاكم و ذي الشأن وصاحب القرار آنذاك الزعيم الركن عبد الكريم قاسم . فيقول المربي الكبير الاستاذ نجيب محيي الدين في ايضاحه على مقال الاستاذ عزيز الحاج الموسوم ( هكذا كان مجتمعنا ) وهو يستشهد بموقف الزعيم من تولي الدكتور عبد الجبار عبد الله منصبه المذكور (فأثارت في نفسي خواطر وذكريات جميلة لعهد كنا ننعم فيه بجو فيه قدر غير قليل من الحرية السياسية والاجتماعية ، صرنا ويالاسف نفتقده منذ عقود عدة ،منذ ان اغتصب البعثيون السلطة في بلادنا وتسلط المجرمون منهم على شؤون البلاد ومصائر العباد) وكان الاستاذ عزيز الحاج يشيد بديمقراطية الزعيم عبد الكريم قاسم عندما لم يعترض الاخير في حينه شخصيا على تبؤ الدكتور عبد الجبار عبد الله هذا المنصب العلمي والثقافي الرفيع رغم ان الاخير ينتمي الى طائفة الصابئة المندائيين في دولة اسلامية ينص دستورها ( الاسلام دين الدولة الرسمي ) .
والحقيقة لا يعلم معظم المتحدثين عن طبيعة هذا الحدث والملابسات التي رافقته ، إلا من تعايش معه عن قرب . وكما أن البعض تجاهل ويتجاهل عن قصد المنزلةالعلمية لهذا العالم على النطاق العالمي والمحلي ، ثم وما هي مستحقاته على الدولةالعراقية ؟ وما هو دوره في النهضة العلمية والثقافية أبان ثورة 14 / تموز قبلها وما بعدها ؟ و من هو الدكتور عبد الجبار عبد الله ؟؟ وأخيرا لماذا لا توظف هذه التجربة الرائدة اليوم في عملية صياغة دستور يقال له دستور حضاري ديموقراطي يحوي كل أطياف الشعب العراقي دون تمييز أو تفريق ؟؟ يقول الاستاذ نجيب محيي الدين في نفس التعليق أعلاه ردا على الاستاذ عزيز الحاج (إن الفقيدعبد الكريم قاسم لم يعين المرحوم العالم عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد آنذاك.إذ كان قانون الجامعة النافذ آنذاك لا يسمح له بذلك . بل كان ينص في حالة تعيين رئيس للجامعة أن يرشح مجلس الجامعة بالانتخاب ثلاثة أشخاص من أعضائه الى مجلس الوزراء ليختار واحدا منهم ....... الخ .. ثم يستمر بقوله ( وقد أجرى مجلس الجامعة الانتخاب فعلا وفق أحكام القانون .. وكان أعلى من حاز بنتيجة هذا الانتخاب من الاصوات هما المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله -- إستاذ الفيزياء المعروف -- والدكتور عبد العزبز الدوري ----- الاستاذ المتميز المعروف باختصاصه في التأريخ الاسلامي ..... الخ.
وفي مكان آخر يستطرد الاستاذ نجيب في قوله ..
التزم الفقيد عبد الكريم قاسم التزاما تاما بأحكام قانون الجامعة ، وعرض الامر على مجلس الوزراء من دون أن يبدي ميلا الى هذا أو ذاك .فطلب المجلس من الجهات المعنية تقريرا مفصلا عن تاريخ حياة كل منهما وانجازاته العلمية ..وعندما إكتمل هذا إجتمع مجلس الوزراء للمناقشة والتصويت على هذا الامر ،.... الخ .. وعند المناقشة كان هناك من الوزراء من رشح هذا وآخرون عارضوا هذا ورشحوا ذاك . ثم كان التصويت فكانت نتيجته تصويت اكثرية أعضاء مجلس الوزراء الى جانب تعيين المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بعداد .. وفعلا فقد قوبل هذا التعيين بأستحسان وتقدير واسعين . ولعل من المناسب أنه كان من بين المتحفظين أو المعارضين لهذا التعيين هو المرحوم الفريق الركن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة حيث كان يحرص على حضور إجتماعات مجلس الوزراء ولا سيما الاجتماعات التي يرى ضرورة وأهمية في الامور التي تناقش خلالها . فكان مبعث تحفظه ومعارضته هو - حصب رأيه - أن الدكتور عبد الجبار عبد الله صابئي وقد لا يكون ذلك مناسبا - حسب رأيه أيضا - في بلد اسلامي، برغم تقديره لمزاياه الشخصية ومكانته العلمية ، فأجابه المرحوم احمد محمد يحيى وزير الداخلية آنذاك - باشا إحنا الان مجتمعين لأنتخاب رئيس للجامعة وليس لأنتخاب إمام يصلي أمام المصلين في جامع ، فسكت الباشا ،وكان رجلا متدينا فاضلا ووافق.. .. الى آخر مقالة الاستاذ نجيب المنشورة في جريدة الزمان العدد 1535 / في 19/20 / ت2 / 2003 من يدقق المعلومة أعلاه بشكل موضوعي ، ويتجرد عن الميول والاهواء والانتماءآت الضيقة، يخرج بنتائج قد لا تسر القارئ الكريم ، ولا ترضي كل ذي ضمير يؤمن إيمانا حقيقيا بمبادئ الديمقراطية والمساواة والعدل وتكافؤ الفرص والتنافس الشريف ، بين أبناء العراق بمختلف قومياته وطوائفه دون تمييز أو تفريق ووضع مصلحة البلد فوق كل المصالح !! .
صحيح أن موقف الزعيم عبد الكريم قاسم في هذه القضية كان ديمقراطيا ، وأن ديمقراطيته تتجسد بأمرين اثنين : أولهما تمسكه بتطبيق قانون الجامعة نصا وروحا ، ولم يتدخل بالقضية المطروحة لا علنا ولا سرا كما تثبت الوقائع . وثانيهما أن الزعيم لم يعترض على إجراء التصويت أمام مجلس الوزراء ، ولم يعط أية أهمية على إعتراض رئيس مجلس السيادة الفريق الركن نجيب الربيعي على فوز الدكتور عبد الجبار عبدالله بالتصويت ، رغم أن الفريق نجيب كان يشغل أقدم الرتب العسكرية وأعلى المناصب في الدولة العراقية آنذاك ، الا أن الزعيم عبد الكريم قاسم بموقفه هذا قد وضع مصلحة البلد فوق كل المصالح كما يتوضح ادناه .
أما من جهة الاعتراض ، الذي أبداه رئيس مجلس السيادة الفريق نجيب الربيعي على فوز الدكتور عبد الجبار في التصويت ، ومن ثم رد وزير الداخلية آنذاك الزعيم الركن أحمد محمد يحيى على هذا الاعتراض ، لهو أمر غاية في الاهمية ، لأنه يعبر عن عقلية رجعية كانت كامنة في ذهن الشخص المقابل ، لا تبغي الخير لهذا البلد وهي بعيدة كل البعد ، عن العدل والمساواة والديمقراطية وبأسم الدين مع الاسف الشديد .
يصعب على الباحث الالمام التام بكل ما قدمه هذا العالم المعاصر لجامعة بغداد من خدمات وأعمال وأفكار جليلة للجمهورية العراقية الفتية وللعالم أجمع ، وذلك لما تحتويه تلك العلوم من بحوث ونظريات غاية في الدقة والتعقيد ، تدخل بأعماق بحورالمعرفة الكونية والفضاء الخارجي ونظريات الانواء الجوية ، لا يفهم كنهها إلا ذو الاختصاص من العلماء ، وعليه أترك البحث والتنقيب لمن يروم المزيد لمعرفة تلك البحوث العلمية التي ليست من أهداف موضوعي هذا . ولكن لا بد لي أن أدعم طروحاتي هذه بالاستشهاد ، ببعض ما قاله عنه زملاؤه واصدقاؤه من الاجانب والعراقيين على حد سواء ، ليطلع عليها القارئ وليتعرف من خلالها على هذه الشخصية الوطنية العراقية العبقرية والفذة . ومنها على سبيل المثال ما يلي :
قول تلميذه وصديقه فيما بعد ، الدكتور عبد الكريم الخضيري في مقالته ( عبقري الجيل ) المنشورة في مجلة الثقافة الجديدة العدد 261 لسنة 1994/ 1995وهو يروي لنا أول مقابلة حصلت له مع الراحل الدكتور عبد الجبار عبد الله ( ... شكرته على هديته وانا آلهج بالثناء على لطفه ، وقد ظلت صورة الاستاذ عبد الجبار قوية في ذاكرتي ، كان فائق الذكاء ، لدرجة العبقرية بحفظ الارقام ، والمعادلات الرياضية من النظرة الاولى،وكان محبوبا من طلابه ومحترما من زملائه ) .وفي معرض حديثه حول إصدار مجلة علمية على مستوى عالٍِِِِِِ في العراق هي : ( proceeding of Iraqi Scientific Socientes ) حيث يقول ( - وكان المحفز على لهذه الفكرة ومحركها الاول الدكتور عبد الجبار عبد الله ، الذي إنتخب رئيسا لتحريرها بالاجماع .وشرعت تصدر المجلة باللغات الاوربية الحديثة مع خلاصة بالعربية . ولم يأت إختيارنا لرئيس التحريرإعتباطا ، فقد كان الدكتور عبد الجبار عبد الله يتألق بين المثقفين وأساتذة العلوم لجدارته العلمية وطيب أخلاقه . فهو من خريجي جامعة ( MIT ) المشهورة عالميا ، وكان خبيرا بالنشر العلمي ، وقد سبق أن نشر أبحاثا عديدة في المجلات العلمية العالمية ، وقديرا على إدارة الجلسات ، وكان ضليعا بالعربية حافظا للشعر ، كما كان ضعا باللغة الانكليزية ولغات أوربية إخرى .......) ويسترسل الدكتور عبد الكريم الخضيري في كلامه الممتع والموضوعي في أمور كثيرة رائعة ، حول أعمال ومنجزات الدكتور عبد الجبار حتى يصل به الحديث عن ثورة 14 تموز 1958 ( وما حملته من تغيرات كبيرة نتيجة التحولات السياسية والاقتصادية ، والشروع بالتصنيع وبالمشاريع الانمائية، لتؤكد الحاجة الى كادر متعلم ينهض بهذا البناء .. والى تطويرالتعليم العالي والفني ليشمل تخصصات جديدة علىالبلاد، كالهندسة الكيماوية وهندسة النفط والحاسبات الالكترونية والتخطيط وغيرها ، وكان تأسيس جامعة بغداد إستجابة لهذه الحاجة ، وإنتخب الدكتور عبد الجبار عبد الله لتولي رئاستها . كانت مهمة الرئيس صعبة في جمع شمل الكليات التي كان لكل منها تأريخها الخاص ، كما كان على الرئيس اختيار كادريتسم بالكفاءة العلمية والاداريةلادارة الجامعة وكلياتها ) ..... الخ ..ثم يذكر عن صديقه الراحل قوله ( كان يسابق الزمن للنهوض بمشروع الجامعة ، ولذلك شجع الاساتذة العراقيين في الخارج للعودة للوطن ليشغلوا مواقعهم في الجامعة الوليدة، وفي ذات الوقت نشْط حركة إرسال البعثات العلمية الى الخارج بالتعاون مع مجلس الوزراء ومديرية البعثات ) .ثم يتطرق الدكتور عبد الكريم الى خطط وبرامج الراحل حول الكادر الوسطي او الفني ، وإعتبرها مهمة أساسية من مهمات الجامعة ، وأنصرف في الجانب المقابل الى العناية بقمة الهرم ، وإعداد دراسات الماجستير والدكتوراه ، ويقول : (ان الفقبد حريصا على إشاعة التقاليد الديمقراطية في الجامعة ، فقد منح عمداء الكليات ومجالسها صلاحيات كبيرة ..... الخ ..كما كان الدكتور عبد الجبار حريصا على تحفيز البحث العلمي والنهوض بالحركة العلمية.لذلك بادر إلى تنظيم عقد المؤتمر الاول لجامعة بغداد ...... الخ.. ويأتي الثامن من شباط 1963 ويتعرض كل هذا البناء الى صدمة عنيفة !! فقد عزل رئيس الجامعة وعمداء الكليات ، وفصل عدد كبير من أساتذتها وهكذا خسرت الجامعة اكثر من مئتين من الاساتذة المتخصصين المشهود لهم بالكافاءة... )
(إتجه الفقيد الى الولايات المتحدة وإنضم الى مركز أبحاث الفضاء في كولورادو . وبعدها عين إستاذا في جامعة نيويورك في ( آلبني )عاصمة ولاية نيويورك .... )
ويختتم الدكتور عيد الكريم الاخضيري مقالته المؤثرة بحق هذه الشخصية الفذة بكلماته التالية :-
( كان عبد الجبار عبد الله يذكرني بغاندي . كان هادئاَ في مشيته وطباعه ، قليل الكلام ، ولكنه إذا تكلم نطق بالحكمة . كان وطنيا غيورا ، وحريصا على عروبته . لذلك سمى أولاده بأسماء علماء عرب ، سنان وهيثم وثابت . كان متواضعا ، لا يعرف الكبرياء ، رغم أنه قد بلغ قمة الانجاز العلمي والآكاديمي ، مقتنعا في مناقشاته بمنطق سليم ورأي سديد . بدأ في خدمة بلاده كأختصاصي في الانواء الجوية في ميناء البصرة ومدرسا في الثانوية ليغدو إستاذا ورئيسا لجامعة بغداد . لقد إزدهرت جامعة بغداد في عهده كازدهار ( دار الحكمة ) في عهد المأمون . رحم الله أبا سنان ..فقد كان نعم الاخ والصديق . ) الى هنا ينتهي حديث الدكتور عبد الكريم الخضيري . واليكم شهادات إخرى لأثنين من زملائه من الاساتذة الاجانب وهذه الشهادات هي :
عبارة عن بعض ما ورد في نص نعي وفاة الدكتور عبد الجبار عبد الله الذي نشرته جمعية الانواء الجوية الامريكية ، الصادرة في تشرين الثاني 1969 ، وقد وضع النعي إثنان من العلماء الامريكين المعروفين في حقل علم الانواء الجوية الاول ( هورتز ) وكان إستاذا معه في جامعه ولاية نيويورك في آلبني . والثاني وهو( جيمس ابرين ) تلميذه في دراسة الدكتوراه وهو الان إستاذا في جامعة فلوريدا .
لم تكن صيغة هذا النعي مشابهة لما إعتدنا عليه نحن العراقيين ، ووفق عرفنا السائد ، بل هو سرد دقيق ومرًكز لمجمل انجازات الدكتور عبد الجبار عبد الله العلمية ، في مجال علوم الانواء الجوية المعقدة ، والتي لا أفهم كنهها مطلقا ، كما وأن هذا النعي قد إرفقت به قائمة طويلة بعناوين بعض بحوثه باللغة الانكليزية ، والتي كان قد أغنى بها علوم الانواء الجوية ، على نطاق عالمي ، كما يشهد له هذان العالمان في نص نعيهما وما ذكراه حولها بقولهما (: إن القائمة الملحقة ، والتي تتضمن الابحاث المنشورة ، تظهر ان ما ألمحنا اليه هنا لا يعالج سوى جزء من أعمال الدكتور عبد الله ، إن إهتماماته الواسعة وقدراته العلمية مكنٌتاه من ان ُيسهم في كل جانب من جوانب علم الانواء الجوية بأسهامات مهمة. )
ومن ثم يدليان بشهادتهما الخاليتين عن كل قصد او غرض بقدر ما هي الحقيقة عندما يقولان :
( إن معظم العلماء الامريكيين على دراية بمساهماته المهمة في علم الانواء الجوية في نهاية الاربعينيات ومطلع الخمسينيات في ( MIT ) أولا ، وفي جامعة نيويورك من بعد ، وقد لاحظوا مساهماته الكثيرة في عام 1966 حين عاد الى الولايات المتحدة - كعالم أقدم في برنامج الدراسات المتقدمة للمركز الوطني للابحاث الجوية في بولدر ، كولورادو ) ومن ثم كأستاذ للعلوم الجوية لجامعة ولاية نيويورك في ( آلبني ) ومع ذلك فأن كثيرين من علماء الولايات المتحدة لم يطلعوا على جهوده التعليمية المتفانية في وطنه الام - العراق ، فمنذ عام 1947 حتى عام 1963 وضع وترجم خمسة كتب تدريسية في الفيزياء وعلم الانواء الجوية باللغة العربية لكي تستخدم في بلاده . ومنذ 1959 حتى عام 1963 شغل منصب رئيس جامعة بغداد الفتية ، وفي الفترات التي يزور فيها الولايات المتحدة كان زملاؤه يعرفون انه يعتبر بغداد هي الوطن بالنسبة له ، وحتى في الوصف الاخير الذي ادرجته عنه نشرة ( رجال العلم ) جاء ان بغداد هي وطنه مع مكتب له في ( المركز الوطني للبحث الجوي ) في بولدر، كولورادو .
لقد فقد وطنه ، العراق ، بموته واحدا من أبرز علمائه وأن زملاءه الذين أسعدهم الحظ للتعرف عليه شخصيا كزملاء في المهنة وكأصدقاء ، سبذكرونه ليس فقط لمساهمته في علم الانواء الجوية ، وإنما أيضا لخصاله الانسانية الرفيعة . الى هنا ينتهى بعض ما جاء بنص النعي .
عين الاعصار -- هذا عنوان ما كتبه الدكتور الاستاذ ابراهيم الخميسي بالمناسبة نفسها ، عن العالم الراحل الدكتور عبد الجبار عبد الله حيث ورد مما كتبه -- ( من المعروف أن هذا الاستاذ الجليل شغف بالعلوم ، والفلسفة العربية ولاسلامية ،إضافة الى حبه للغة العربية والشعر والادب ) . ثم يسترسل في حديثه ويقول ( نشر عبد الجبار بعض مقالاته ، عند ما كان في امريكا ،ومن يطلع على أعماله العلمية يرى أنه كان في قلب الجبهة الامامية لعلوم الانواء الجوية في ذلك الوقت . وأن المرء ليعجب كيف أستطاع مدرس ثانوية من بلد ، أقل ما يقال فيه ، إنه خال من الجامعات ومعاهد البحث العلمي ، الوصول الى هذا المستوى العلمي الرفيع ، وفي بلد يعتبر من أكثر البلدان تقدما علميا وتطورا تكنولوجيا ؟؟ ) ويتسائل الكاتب ( ترى أي جهود مضنية بذلها دكتور عبد الجبار ، وأي ذكاء كان يتمتع به ، وأي اصرار على تحدي الصعاب والمضي في طريق العلم ، وصعود درجاته درجة درجة ، وامتلاك ناصيته خطوة خطوة ! ؟) إن قرأءة أبحاثه ومقالاته العلمية تشير الى خيال خصب ، وإفق واسع، وإطلاع وفير لهذا العالم الجليل في مجال تخصصه ) أما عن طبيعة هذا الاختصاص يقول _ ( معظم أبحاثه كانت حول الاعصار ، والرياح القوية والزوابع . درس أسباب وكيفية تولدها ، والعوامل التي تساعد على نموها وأخذها أشكالها النهائية . الخ والاهم من ذلك كله، هو وصفه لما يحدث بمعادلات رياضية، يستطيع الباحث بواسطتها التنبؤ بحالات هبوب الاعصار ..الخ )
وبعد ثورة 14 تموز عين دكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد . ومن موقعه هذا قدم لبلده خدمات جلى ، فاهتم بالمناهج التدريسية والتربوية وبالكادر التدريسي ، وبذل جهودا كبيرة للاهتمام بأرساء اسس البحث العلمي ، ولعب دورا كبيرا في تأسيس العديد من الكليات والمعاهد في بغداد وغيرها من مدن العراق الرئيسية . وأسس جمعية العلوم العلوم الرياضية والفيزياء وأصدر ، سوية مع زملائه الاساتذة الاخرين ، أول مجلة علمية كان هو رئيسا لتحريرها ، كما عمل جاهدا على عقد المؤتمر العلمي الاول لجامعة بغداد ) وقد إتختتم دكتور إبراهيم الخميسي مقالته قائلا :
( لقد فقد العراق الدكتور عبد الجبار عبد الله ، العالم الفيزيائي ، والاستاذ الفاضل ، والمربي الكبير ، وهو لما يزل في ذروة نشاطه العلمي والتعليمي والتربوي ، وفي أوج حماسه لتحقيق أهدافه بخدمة العلم في بلادنا ، وفي قمة تألقه الفكري ولمعان افكاره الجديدة بمجال تخصصه. كان يمكن لتلك الافكار أن تفيد العلم والناس وأجيالنا القادمة التي ستذكره وتقدره أجمل تقدير ، وتعظمه بما يستحق ، وستستفيد أجيالنا حتما من قصة حياة وكفاح وتألق هذا الانسان الكبير في علمه ، العظيم في عمله ، المتواضع في حياته وسلوكه .هذا الانسان الذي انتقل بكل اصرار وتصميم وجد ومثابرة من مدارس محافظة العمارة في جنوب العراق الى ذرى العلم السامقة.
هذا بعض ما جاء بشهادة رجل العلم القدير الدكتور ابراهيم الخميسي الموسومة ( عين الاعصار ) عن العالم الراحل الدكتور عبد الجبار عبد الله شهادة عينية موثقة اضيفت الى كثير من الشهادات لعلماء واساتذة افاضل .
واخبرا كلمة لا بد منها :
يمكن للفرد أن يستخلص العبر من هذه الواقعة ، فولا حكمة صاحب القرار الزعيم الركن عبد الكريم قاسم لما تبؤ الدكتور عبد الجبار عبد الله منصب رئاسة جامعة بغداد ، رغم كل مؤهلاته واستحقاقاته التي ممرنا بها خلال هذا العرض البسيط . وفي المقابل، يستبان جليا أن النعرات الدينية والطائفية ، تبقى في قلوب وأذهان اؤلئك الافراد مهما وصلت بهم الرتب والمناصب ، طالما لا يؤمنون بالديموقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص ، إنطلاقا من نظرة ضيقة تضر بحقوق المواطنيين كما تضر بمصلحة البلد وتقدمه . و قد يظهر هذا التوجه البغيظ حينما ُتفتقد القوانيين ، التي من شأنها حماية حقوق الناس دون تفريق أو تمييز، مستندة الى دستور وطني تقدمي في دولة عراقية ذات مؤسسات قانونية ومجتمع مدني ضامن .
لم أتعرف حتى عام 1955 في مدينتي الحلة أو في عموم العراق على الكثير من الأخوة المندائيين بسبب كونهم كانوا قلة قليلة جداً في مدينة الحلة . في وبعد عام 1955 تعرفت على البعض منهم أصدقاءً وزملاءً أثناء سنوات الدراسة في دار المعلمين العالية ( 1955 ــ 1959 ) في جامعة بغداد كما سنرى . ثم َّ تعرفت على العديد منهم خلال السنوات التي تلت هذه الأعوام تحت ظروف شتى متباينة
1 ــ
الأستاذ فاضل فرج خالد
تعرفت على الصديق فاضل فرج خالد يوم أنا كنا طلاباً في ثانوية الحلة للبنين ... وبالضبط خلال العام الدراسي 1953 ــ 1954 . كنت أنا في السنة الخامسة الإعدادية وكان فاضل بعدي بعام واحد فقط . لا أتذكر أين أمضى سنوات الدراسة المتوسطة الثلاث ، في الحلة أم في ناحية المدحتية
( الحمزة يومذاك ) حيث والده وباقي أفراد عائلته . كنت ألاحظ الزميل فاضل شاباً كثير الهدوء عظيم الخُلق مسالماً لا يحب المجادلات ولا يقحم نفسه ( شأن بقية الطلبة يومذاك ) في منازعات وخصومات أيا كان طبعها ودوافعها . كان شعاره [[ إدفعْ بالتي هي أحسنُ فالذي بينك وبينه عداوة ٌ كأنه ولي ٌّ حميم ]] . هكذا عرفت فاضل فرج طالب الثانوية . رغم كونه جاء الحلة من ناحية الحمزة ، ثم كونه ينتمي للطائفة المندائية (( الصبّة )) الصغيرة ... كان نشطاً إجتماعياً بين الطلبة . تحفظاته وتحوطاته أقل من تلك المعروفة في وعن أبناء بقية الطوائف غير الإسلامية . أخبرني فاضل فيما بعد إنه كان يزور خلال فترة قصيرة من تلكم المرحلة بيت الشاعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد . كان عبد الرزاق حينذاك مدرساً للغة العربية في متوسطة الحلة للبنين . جاء الحلة مباشرة ً بعد تخرجه في دار المعلمين العالية سنة 1954ــ 1953 . فصل من وظيفته عام 1954 وكنتُ أراه يعمل صائغاً في دكان صغير في شارع النهر في بغداد .
عدنا وفاضل لنلتقي ثانيةً طلاباً في دار المعلمين العالية في خريف 1955 ... هو يدرس علوم البايولوجي ( علم الأحياء ) وأنا أدرس الكيمياء . عشنا في الأقسام الداخلية للكلية معاً وكنا لا نفترق تقريباً . كنا طلاب قسم الكيمياء وطلبة قسم البايولوجي نحضر محاضرات مادة الفيزياء معاً ... وكان أستاذ هذه المادة الأنسان الرائع المرحوم سعدي الدبوني ، الصديق المقرَّب والحميم للبروفسور المرحوم المندائي عبد الجبار عبد الله. أتذكر جيداً كيف كان يأتينا أستاذنا الدبوني أحياناً متأخراً بضعة دقائق ... فهمنا في حينه إنه كان يشغل وظيفة مرموقة في الحكومة العراقية يومذاك ... مدير دائرة أو مديرعام أو شئ من هذا القبيل . كان يأتي الكلية بسيارة صغيرة لعلها بريطانية الصنع. هذا الأمر زاد في علاقاتنا حميمية ً وصرنا نقضي معاً أوقاتاً كثيرة في نادي الكلية أو في حدائقها خاصةً في الأوقات التي كنا ننتظر فيها مجئ أوان ساعات وجبات الطعام الثلاث التي كان طلبة الكلية يتمتعون بها مجاناً . ما كان فاضل آنذاك يختص بصديق أو زميل بعينه ، كان صديق وزميل الكل وما عرفنا عنه إنه يؤثر بني طائفته على بقية الطلبة . كان أممياً في طبعه ومنذ نشأته الأولى وفترة شبابه . بعد ثورة تموز قفز إسم فاضل فرج مرشحاً قوياً ليحل محل مهدي الحافظ ، رئيس إتحاد الطلبة في الكلية ، فقد قفز الحافظ ليتبوأ منصب رئيس إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية . لا أدري بالضبط ماذا دار خلف الكواليس لكن ، إختفى إسم فاضل فرج وبرز بدلاً منه إسم الصديق عبد الجبار عبد الحليم الماشطة فغدا الماشطة رئيساً للأتحاد في دار المعلمين العالية وقد تحولت إلى كلية التربية . كان الماشطة صديقاً قريباً من فاضل سوية ً مع الصديق المشترك بيننا ( عبد الحسن عبد الرزاق الكُفيشي / أستاذ في جامعة بغداد فيما بعد) .
لم ألتق ِ والصديق فاضل فرج بعد تخرجنا في كلية التربية فقد تم تعيينه مدرساً في الشطرة أو في سوق الشيوخ في حين تم تعييني في مدينتي الحلة . لكننا إلتقينا بالصدفة المحضة في بغداد آواخر شهر حزيران عام 1977 في مبنى السفارة الجيكية وكان قصدنا تأمين الحصول على تأشيرة دخول هذا البلد إنقطعنا مرةً أخرى حتى تم بيننا لقاء قصيرمساء يوم من أيام آواخر شهر مايس عام 2002 في العاصمة السويدية ستوكهولم . كنتُ هناك مدعواً من قبل نادي 14 تموز الثقافي الديمقراطي لإلقاء محاضرة وبعض أشعاري . إفترقنا لكننا واصلنا الإتصالات التلفونية بين حين وآخر. ثم كانت تصلني أخباره عن طريق بعض الأصدقاء المشتركين فضلاً عما كنت ُ أزوده به من أشعار ومقالات أدبية قصيرة لينشرها في المجلة الثقافية المندائية (( الصدى )) حيث كان وما زال عضواً في هيئة تحريرها .
2 ــ
شاءت الصدف يومذاك ، حين كنا طلبة سنة أولى في دار المعلمين العالية ، أن أتعرف على طالب مندائي من العمارة يسبقني في الدراسة بثلاثة أعوام وكان ذلك أمراً نادرَ الحصول . فطلبة السنة الأخيرة في الكلية كانوا يحسبون أنفسهم صاروا مدرسين على الملاكات الثانوية والمتوسطة ، أما باقي الطلبة فما زالوا طلبةً مبتدئين
( زعاطيط ) لا يستحقون عقد صداقات . وكان فراشو الكلية يسمون الواحد منهم ( أستاذ ) فيزدادون غروراً . شذ عن هذه القاعدة طالب السنة الرابعة بايولوجي ( مثل فاضل ) إبن العمارة المندائي ( أُسامة إبراهيم يحيى ) . كان طريفاً منكّتاً خفيف الظل طيب الحديث والمعشر . وخلاف فاضل ، ما كان يعرف التحفظ المعروف عن الصابئة . كان يقص القصص وفيها ما فيها من كلام لم أسمعه من فاضل أبداً . ما كان يتحرج من ذكر الفاظ ٍ مكشوفة محرجة أو تخدش المشاعر وكان أحياناً سليط اللسان . أحببته كثيراً وكنت أود دوماً مصاحبته في النادي أو التمشي في حدائق الكلية أو أحياناً نتمشى معاً حتى باب المعظم بدل ركوب الباص المألوف ( أظنه يحمل رقم 7 ) . سمعت أخيراً أنه ما زال حياً يقطن بغداد.
3 ــ
من هو المندائي الآخر في دار المعلمين العالية ؟ إنه البروفسور الأشهر الدكتور عبد الجبار عبد الله . كان الأستاذ عبد الجبار مضرب المثل الأعلى في علمه وأخلاقه ومسلكه . كان طلبته يقدسونه تقديساً . كان بعض أصدقائي الحلاويين وغيرهم من طلبته يحكون عن علمه الأعاجيب. أتذكر منهم علي حسين وتوت وعبد الوهاب عبد الشهيد والمصلاوي حكمت فرجو والصديق النبيل أدور حنّا الساعور . بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 أصبح الدكتور عبد الجبار رئيساً لجامعة بغداد بعد منافسة مشهورة بينه وبين الدكتور عبد العزيز الدوري حسمها عبد الكريم قاسم بترجيح كفة الأستاذ عبد الجبار . ما زلت أتذكره كيف كان حريصاً على أداء رسالته التعليمية السامية وتربية شباب العراق إذ لم تمنعه مهمات رئاسة جامعة بغداد المعقدة من مواصلة التدريس بكل دقة . كنت أراه يأتي دار المعلمين العالية يقود سيارة جامعة بغداد بنفسه تعففاً من أن يقودها السائق المكلف بقيادتها . كانت سيارة فورد صالون أمريكية ماركة فورد سماوية اللون تحمل علامة ( رئاسة جامعة بغداد رقم واحد ) . ما كانت تهمه المظاهر أبداً ، فكان يأتي صيفاً وهو رئيس جامعة بغداد بقميص أبيض وبنطرون لا غير . لا بدلة كاملة ولا ربطة عنق . عرف العراقيون ما جرى لهذا العالم الجليل إثر إنقلاب الثامن من شباط عام 1963 من إعتداءات وسجن وإبعاد من الوظيفة فأُضطر إلى مغادرة العراق والعمل والعيش في الولايات المتحدة الأمريكية إذ كان موضع تقدير وترحيب عاليين من قبل بعض الجامعات الأمريكية . غادر الدنيا في أمريكا وأظن إنه أوصى أن يدفن تحت تربة العراق ، وطنه ووطن أجداده الأقدمين . يشرفنا أننا طلاب تلكم المرحلة أن يرعى البروفسور عبد الجبار عبد الله حفل تخرجنا صيف عام 1959 في ساحة ملعب الإدارة المحلية الكبيرة الواقعة في حي المنصور من بغداد . خطب في هذا الحفل عبد الكريم قاسم يقف إلى جانبه المرحوم عبد الجبار رئيس جامعة بغداد .
4 ــ
عبد الرزاق عبد الواحد
قرأ الشاعر عبد الرزاق ، وكنتُ أحد الحضور ، في نادي إتحاد الأدباء العراقيين صيف عام 1961 قصيدة ( يا خال عوف ٍ عجيبات ُ ليالينا ) يجاري فيها قصيدة الجواهري ( يا أم َّ عوفٍ عجيبات ٌ ليالينا ) تعرض فيها صراحة لما وصل إليه حال العراق آنذاك من التمزق والتطاحن والإغتيالات والتجاوزات غير المسبوقة ثم التحول عن نهج الديمقراطية وسيطرة البعثيين والقوميين على أغلب مرافق الدولة : الجيش والشرطة والمحاكم والأمن والإستخبارات العسكرية ومعظم مناصب الدولة الحساسة . لم يمضِ إلا يوم أو أكثر إلا وتم إبعاد عبد الرزاق من منصبه معاونَ مدير معهد الفنون الجميلة في بغداد فجاء الحلة مدرساً في ثانوية الحلة للبنين . هنا توثقت علاقتي لأول مرة بالشاعر الزميل عبد الرزاق عبد الواحد إذ كنتُ مدرساً في متوسطة الحلة للبنين . كنا نقضي بعض الأوقات نتجول في سيارته البريطانية خضراء اللون ( أظنها ماركة زفير ) وأحياناً بسيارتي الروسية مسكفيج الزرقاء . وكان أحياناً يزورني في بيتنا ونتداول موضوعات سياسية شتى . كما كنا نلتقي في مقهى قريبة من دارنا في الحلة حيث كان يلعب [ الأزنيف ] مع الصديق المرحوم شوكت عباس . ما كنت أعرف هذه اللعبة لذا كنتُ متفرجاً أو أسجل النقاط لقاء شايات مجانية على حساب الخاسر في الجولات . نشط عبد الرزاق كثيراً كشاعر في هذه الفترة ولكن لم تكن الظروف السياسية يومذاك تسمح بإلقاء الشعر في منتديات أو تجمعات أو مناسبات عامة . كان يلقي أشعاره على حلقات خاصة من الأصدقاء في بيوتهم ويتم تسجيلها أحياناً . أزف صيف 1962 موعد مغادرتي العراق للدراسة في جامعة موسكو متمتعاً بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية . طلب عبد الرزاق مني أن أحمل إلى موسكو معي ديوانه الشعري للنظر في إمكانية إعادة طبعه هناك بمساعدة صديقه الشاعر عبد الوهاب البياتي . ما كان مرتاحاً من طبع وإخراج هذا الديوان وكان يشكو من كثرة ما ورد فيه من أخطاء مطبعية .
إعتذرت منه من أني معرض في مطار بغداد للتفتيش . ديوانه سياسي بالدرجة الأولى وفيه ما فيه من أشعار ثورية وأممية و... و... لكني وعدته أن أنقل طلبه حين أصل موسكو إلى الشاعر عبد الوهاب البياتي وهناك سيتم القرار . بالفعل ، إلتقيت ُ البياتي أواخر عام 1962 في جامعة موسكو لمناسبة إنعقاد مؤتمر إتحاد الطلبة العراقيين في الإتحاد السوفييتي . نقلت له رغبة عبد الرزاق فقال دون تريث وبشئ من الإنفعال : أنا نفسي هنا أعاني من صعوبات النشر !!
حدث إنقلاب الثامن من شباط عام 1963 وحصل في العراق ما حصل وقد نجوت من الموت المحقق . أخبرتني المرحومة والدتي في لقاء معها صيف عامي 1965 و1966 في بيروت ودمشق ... أخبرتني أن الحرس القومي بعد هذا الإنقلاب الفاشي الدموي مباشرةً جاءوا بيتنا يبحثون عني يحملون الرشاشات / أين عدنان أين عدنان ؟ قالت لهم إنتم تعرفون إنه في موسكو فصرخ أحدهم في وجه أمي {{ آخ ... مع الأسف ... طفر من الطاوة !! }} كان بين هذا الحرس بعض الطلبة الذين درستهم في متوسطة الحلة للبنين . سمعت أن أذى وبلاوي هذا الإنقلاب قد نالت من الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد أسوة بباقي المدرسين والمعلمين وباقي الناس وكان حينها ما زال في الحلة .
دارت الأيام والسنين ... أكملت دراساتي وأبحاثي في جامعتي موسكو وكالفورنيا الأمريكية ( إرفاين ) وعدت بإلحاح من الأهل إلى العراق فواجهتُ بدوري المصائب والمصاعب حتى تمكنت ُ بصعوبات بالغة من العمل في كلية علوم جامعة بغداد . صدر أمر تعييني في الخامس من شهر شباط 1970 . ضاع مني عبد الرزاق وما كنتُ أعرف مصيره أو مكان عمله حتى أرسل لي ذات يوم عام 1971 أو 1972 رسالة شفوية مع إبنة شقيقتي ( أسماء ) يعرب فيها عن رغبته أن يراني . أعطتني عنوان مكان عمله (( وزارة الثقافة والإعلام )) . زرته بالفعل هناك عدة زيارات وكان يشاركه مكتبه شاعر فلسطيني بعثي ( مصطفى علي أو علي مصطفى ...) وكان يأتي مكتبه بشكل دائم رئيسه عبد الجبار البصري . كان عبد الرزاق يقوم بمهام تصحيح وتحرير المقالات المرشحة للنشر في مجلة ( المعلم ) . كلما زرته وجدت قبلي صديقه الشاعر يوسف الصائغ . وكانت بينهما مودة وصداقة متينة . ثم إنتبهت إلى وجود شاب حلاوي جميل الوجه أخضر العينين يروح ويجئ إلى مكتب عبد الرزاق . إنه الكاتب عبد الستار عباس ... شقيق الصديق الأستاذ عبد الأمير عباس ( أو عبوسي ) .
إنقطعت علاقتي بالشاعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد بعد أن أصبح مدير معهد الدراسات النغمية ولم أره بعد ذلك أبداً . غادرت العراق في اليوم التاسع من شهر تموز عام 1978 ولم أعدْ إليه حتى هذه اللحظة . صعد نجم الشاعر عبد الرزاق صعوداً خرافياً وقد غدا شاعر صدام حسين وإبنه عدي كما يعرف الجميع . سألتُ عنه بعض معارفه من الأخوة المندائيين فقالوا إنه يتنقل بين دمشق وباريس .
5 ــ
الدكتور إبراهيم السُهيلي / أبو سوسن
تعرفت على هذا الإنسان المندائي الرائع شهر حزيران عام 1971 حين ضمتنا لجنة الإشراف على الأمتحانات النهائية لطلبة الأقسام العلمية في كلية التربية الملغاة يومذاك . كان البروفسور السهيلي يمثل قسم البايولوجي وأنا أمثل قسم الكيمياء والأخ الأستاذ سليم الغرابي ( أبو محمد ) يمثل قسم الرياضيات والدكتور رحيم عبد آل كتل ممثلاً لقسم الفيزياء ورئيساً للجنة . تعرفت على الأستاذ السهيلي جيداً خلال عملنا في هذه اللجنة ليلاً ونهاراً . لمست ُ في الرجل النزاهة والشجاعة وعلو الهامة والهمة . ثم عرفت أنه هو الآخر ناله الكثير من الأذى والظلم على أيدي القتلة الفاشيست أنقلابيي الثامن من شهر شباط 1963 . ألا نعم الرجل إبراهيم السهيلي عالماً فاضلاً وصديقاً صدوقاً وزميلاً زكياً طاهر الروح والسريرة . تعمقت علاقتي به أكثر بعد أن أنتقلنا إلى كلية العلوم / جامعة بغداد خاصةً وكان قسمانا ( الكيمياء والبايولوجي ) متجاورين في الكلية يربطهما جسر معلق قبل أن يهدمه الصديق النادر عميد الكلية الدكتور مجيد القيسي لأسباب تخص السلامة والشك في قدرة هذا الجسر على تحمل أثقاله بعد أن شاخ وهرم . وكان معه في القسم أستاذنا الدكتور المرحوم محمد سليم صالح وإبن الحلة المرحوم دكتور أحمد شوقي و نخبة أخرى من المعارف والأصدقاء .
6 ــ
الأستاذ عزيز سباهي / أبو سعد
كنتُ في سبعينيات القرن الماضي ألتقي والأخ عزيز في مقر صحيفة
( طريق الشعب ) في منطقة البتاويين من بغداد . إفترقنا هو إلى الجزائر وأنا إلى ليبيا . ثم جمعنا لقاء صيف عام 1981 في العاصمة الجيكية براغ
، جاءها أبو سعد من الجزائر وكان معه الدكتور عزيز وطبان وزوجه أم ذكرى والدكتور عبد اللطيف الراوي وحرمه أم دريد ودريد وأخواته الصغيرات . ثم كان كذلك الأستاذ إبراهيم أحمد الداوود وعقيلته . لا أدري لِمَ لمْ تأتي السيدة ليلى ، زوج عزيز معه إلى براغ . غادرنا براغ : رجعت أنا إلى العاصمة الليبية طرابلس . عزيز سباهي إلى الجزائر ومنها إلى كندا . أحمد إبراهيم إلى الجزائر ومنها إلى السويد . عزيز وطبان إلى الجزائر ومن الجزائر إلى هنكاريا . وغادر عبد اللطيف الراوي مدينة براغ كذلك للجزائر ... ومنها إلى سوريا ، ثم الإنتقال الأخير لأبي دريد ... للعالم الآخر مع شديد الأسف !!
7 ــ
أما في مدينة ميونيخ الألمانية فقد أسعدني الحظ بالتعرف على الصديق الوفي الكريم السيد ( كلدان قبيس ) وعائلته وأولاده ماجد ومحجوب وخلدون ... لقد أنجب أبو ماجد ونعم ما أنجب . كما تعرفت قبل بضعة سنين على أخيه الأصغر منه الشاعر الدكتور قحطان الأستاذ في بعض الجامعات الأمريكية . علاقتي وثيقة بالصديق الصدوق أخي كلدان ونكاد لا نفترق رغم صعوبة ظروفه العائلية جرّاء توعك صحة السيدة أم ماجد . الصديق ( كلدان ) موسوعة في الشعر الشعبي يحفظ منه آلاف الأبيات فضلاً عما ينظم هو من جميل وبليغ مثل هذه الأشعار . لا يكاد يفارقه مَن يسعفه الحظ في التعرف عليه ... رجلاً متواضعاً أميناً ومناضلاً يسارياً حافظ على شرف إلتزاماته السياسية التي تستهدف إعلاء شأن الإنسان وحريته وكرامته ومستقبله . لم يستطع البعث من تلويث نقاوة هذا الرجل ولم يطأطئ رأسه لطغاة بغداد الفاشيست ، فالعراق يفتخر ويتشرف بأمثاله . لا يبخل عليَّ بإعارتي ما بحوزته من كتب قديمة وحديثة وقد زودني ببعض كتب التراث المندائي ديناً وطقوساً وتأريخاً . أما بيته العامر فإنه مفتوح للأصدقاء ليلاً ونهاراً .
ختام / لديَّ معارف مندائيون آخرون ربطتني بهم علاقات غير عميقة وبعضها قصيرة أو وقتية أو موسمية . أذكر منهم الشاب الطريف البشوش ( منجد جواد غافل ) ... جاء موسكو شهر أيلول عام 1962 ثم غادرها إلى مدينة ( كراسندار ) هو وصديقه الكظماوي ( عباس الصرّاف ) ليدرسا الزراعة في جامعتها هناك . لمنجد خال كان كذلك طالباً في بعض معاهد موسكو . والد منجد هو المربي المعلم الفاضل السيد ( جواد غافل ) الذي كان يومذاك معلماً في بعض مدارس ناحية ( قضاء ) المحاويل التابع لمحافظة الحلة .
إن من يطلع على الأعمال والأبحاث العلمية التي قام بها د.عبد الجبار عبد الله ، وكذلك على كتبه وترجماته ومقالاته العامة ونتاجه وآرائه وأفكاره في العملية التعليمية والتربوية يدرك القيمة الحقيقية لمكانته كعالم مرموق في مجال الأنواء الجوية، ويعرف أنه ريادي في بعض فروع هذا العلم وأستاذ جامعي ومربي وتربوي قلَّ مثيله. عندئذ يفهم المرء مقدار الخسارة التي مني بها العراق لدى فقدانه عبد الجبار عبد الله. ويشعر المرء بالحزن العميق عندما يعرف ما ألمَّ به إثر الأنقلاب الدموي في شباط 1963 حيث إن ذلك العالم الكبير والأستاذ الجليل والمربي الفاضل والأنسان المتواضع المحب لوطنه وشعبه قد ضُرب وأُهين وأُلقي به في السجن.
ومع الأسف فإن ذلك الحزن ما يزال مخيماً على العراقيين إذ يفقد العراق المئات من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات يفقدهم بين قتيل أو مهاجر. وفقدانهم يعتبر خسارة لايمكن تعويضها فهم الخبراء والمهرة وأصحاب التجارب الكبيرة في أعمالهم واختصاصاتهم. وما أشد الحاجة إليهم اليوم حيث يريد بلدنا أن ينهض من جديد!
لقد حُرم العراق من الكفاءات والخبرات المتميزة لرائد علم الأنواء الجوية في العراق الحديث عبد الجبار عبد الله عندما اضطر للهجرة إلى امريكا. وهناك نشر معظم أبحاثه العلمية سواء إثناء دراسته لنيل الدكتوراه أو بعد عودته إليها ثانية. وتدل مقالاته العلمية على انه كان في قلب الجبهة الأمامية لعلم الأنواء الجوية في ذلك الوقت. إن أبحاثه تشير إلى خيال خصب وأفق واسع وإطلاع وفير لهذا العالم الجليل في مجال تخصصه. كان في بداية كل بحث من بحوثه معتاداً أن يوجز أهم ما توصل إليه الباحثون الآخرون، ومن ثم يبيّن أهمية الموضوع ألذي يتناوله هو أو النموذج الجديد الذي يضعه، يدخل بعد ذلك في صلب البحث نفسه، ليصل أخيراً إلى ألنتائج النهائية مقارناً إياها بالنتائج العملية المتوفرة.
معظم أبحاثه كانت حول الأعاصير والرياح القوية والزوابع. درس أسباب وطرق تولّدها والعوامل التي تساعد على نموها وأخذها أشكالها النهائية. كان يصف ذلك بشكل مذهل حتى يخيل إليك أنه راكب مع تلك الموجات التي كان يبحث فيها، مندفع مع التيارات المتلاطمة والدوارة، سائر في طرقها الملتوية، الصاعدة منها والهابطة والحلزونية وغيرها. كان يبيّن بإمعان ووضوح طبقات الهواء المتباينة، الباردة، الأقلّ برودة، الدافئة والأكثر دفئاً، وكذلك علاقات تلك الطبقات مع بعضها البعض. كما بيّن درجات حرارتها، أسباب اختلافها عن بعضها و فرق الضغط بينها، إضافة إلى دراسته العوامل والمؤثرات التي كانت تلعب دوراً مهماً في حدوث ونمو وتكامل الزوابع والأعاصير. ولقد خصص قسماً من أبحاثه لدراسة قلب الأعصار الذي يدعى (عين الأعصار) [1].
الشيء المهم الذي تميزت به أعماله هو وصفه لما كان يحدث بمعادلات رياضية، يستطيع الباحث بواسطتها التنبؤ بحالات هبوب الأعصار. وعلى هذا الأساس يتم التهيؤ والأستعداد لمواجهة ذلك، حيث يتم إنقاذ السفن والبواخر التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وأخذ الأحتياطات اللازمة في المدن.
باكورة أعماله العلمية كانت إطروحة الدكتوراه حيث (عالجت نظرية الأمواج الجوية وتزايد طاقة مثل هذه الأمواج بواسطة سرعة مجموعتها) [2].
من بين أعماله، على سبيل المثال، بحث لدراسة التأثير الميكانيكي لموجة الهواء البارد على حدوث الأعاصير الحلزونية المدارية [3]. وهو بحث نظري تناول التأثيرات والأضطرابات والتخلخلات الضغطية، والأختلافات في درجات الحرارة التي تحدث حينما تتحرك طبقات الهواء البارد إلى الأعلى، مخترقة جبهة الموجة التي تفصلها عن طبقات الهواء التي تقع فوقها والتي هي ادفأ منها. وهذا بدوره، دون الخوض في تفاصيل عديدة، يشكل الجانب الميكانيكي ألذي يؤدي إلى حدوث الزوابع. وأشاراثنان من العلماء الأمريكيين البارزين في علوم الأنواء الجوية هما هورتز و اوبراني [2] الى اهمية هذا العمل(لأنه يدل على التطبيق الأصيل لأسلوب الأعداد البيانية في اللوغاريتمات على قضايا الأنواء الجوية. وفي بضع سنوات فقط حذت أبحاث عديدة حذو ما توصل إليه د. عبد الجبار. وأُستخدمت هذه الأداة الجبارة في حل معادلات تفاضلية جزئياً غير خطية زائدية المقطع في معالجة القضايا الجوية).
وفي مقالة أخرى [4] درس د. عبد الجبار حدوث ونمو وتكامل عين الأعصار. والأعصار يبدأ كدوامة صغيرة، ثم تكبر وتنمو عين الأعصار، فتكون ضيقة، دافئة، واضحة و تحدّها ريح قوية وفرق بالضغط شديد الكثافة. وهذه الحالة غير مستقرة، مما يؤدي إلى تغيير شكل العين، فتأخذ بالتوسع، وقد تكون غير دافئة، غير واضحة وتقل كثافة فرق الضغط. وبإستخدام موديلات(نماذج) رياضية مبسطة عن طريق إهمال بعض العوامل مثل تأثيرات الأحتكاك ودوران الأرض على التحركات الجوية، استطاع د. عبد الجبار توضيح بعض الخصائص المهمة لهذا الأعصار وامكانية التنبؤ بحدوثه. وله دراسات اخرى حول عين الأعصار (انظر، على سبيل المثال، المراجع 11 و 12 في [2]).
وقد خصص بعض بحوثه[5-7]إلى دراسة خصائص خطوط العاصفة. كان يلاحظ أن تلك الخطوط، التي تشكل مقدمة الجبهة الباردة للعاصفة والتي تندفع بتعجيل معين،يجري نموّها طوليا. قام د. عبد الجبار بوضع محاولة [6] لتوضيح صفات خطوط العاصفة والتي تُدعى أيضاً خطوط قفز الضغط وكذلك لأستنتاج معادلة رياضية يُستطاع من خلالها التنبؤ بذلك النمو. لقد اعتمد في موديله(نموذجه) على عدة فرضيات منها: إن مستوى هبوب العاصفة افقيا وخاليا من أية ارتفاعات، وإن تعجيل الجبهة الباردة ثابتاً كما إن تلك الجبهة الباردة لا تحتوي على اية سرع جانبية إثناء جريانها. إعتماداً على هذه الفرضيات استطاع من اشتقاق معادلة رياضية يمكن بواسطتها دراسة كيفية تشكل ونمو خطوط العاصفة او الزوبعة وكذلك التكهن بوقوعها.
درس د.عبد الجبار في أعمال اخرى له الموجات الجوية المنفردة [8-9]. كان يُعرف بوجود موجة منفردة في المياه الضحلة، وهي عبارة عن ارتفاع منفرد على سطح الماء، يسير، دون أن يغير شكله، إلى مسافات بعيدة. بحث د. عبد الجبار في احتمالات وجود مثل هذه الموجات في الهواء الجوي. وأثبت وجود ذلك فعلاً، أي وجود ارتفاع منفرد في السطح العلوي لطبقة من الهواء، ينتقل لمسافة كبيرة على ذلك السطح. ويكون ذلك على شكل ارتفاع صغير يسير منتقلاً بالنسبة لمشاهد على الأرض. كما بين إمكانية حدوث مثل هذه الموجات في الهواء الجوي، وكيف إنها قد تؤدي إلى خلق نشاط انتقالي يسبب بدوره نشؤ إعصار قُمعي(على شكل قُمع). باتت دراسته بهذا الشأن(طليعة الحقل الخاص من العلوم الذي أصبح والذي إزدهر، وغدا فرعاً مهماً من علم الأنواء الجوية) [2]."Mesometeorology" يُعرف ب
يلجأ العلماء والباحثون في أحيان كثيرة إلى تبسيط المسألة التي يبحثون فيها وذلك بإهمال أو إغفال بعض العوامل التي تؤثر في المسألة موضوع البحث. فعند إدخال جميع العوامل قد يحصلون على معادلات غير قابلة للحل، أو تكاملات غير قياسية أو أشكال رياضية معقدة اخرى. وغالباً ما يتوقفون عن البحث الفيزيائي الذي بين أيديهم ليغرقوا في عمل رياضي قد يطول. لذلك يقوم الباحثون بترك بعض العوامل جانبا ليحصلوا على نتائج لأعمالهم في شكل تعبير رياضي مناسب يمكن الأستفادة منه في التطبيقات العملية. أما العوامل الأخرى فيجري تركها للمستقبل. فهي إما تؤخذ في أبحاث قادمة أو حين توفر إمكانيات جديدة في الرياضيات تسمح بحل ما يصادفهم من صعوبات.
وينبغي الأشارة هنا إلى أن التقريبات(أي اهمال او اغفال بعض العوامل)التي يقوم بها الباحثون تشمل عواملاً ثانوية وليست رئيسية أو بمعنى آخر تشمل عواملاً أقلّ تأثيراً من العامل أو العوامل الرئيسية التي يجري إدخالها في صلب البحث. ولذلك فإن التقريبات التي يلجأ اليها العلماء لا تؤثر على الشكل العام والمهم للنتائج، ويبقى دورها محصوراً في زيادة الدقة لنتائج البحوث.
كان د.عبد الجبار يعمل بتلك الطريقة أيضاً. وكان يورد بكل وضوح العوامل التي يتركها جانبا في البحث الذي بين يديه. ففي أحد أعماله [10] درس شكل الحزم الحلزونية للأعصار وكيفية تكونها. ومن التقريبات التي فرضها لتبسيط المسألة هي أن الأعصار يتكون من منطقتين متميزتين بشكل واضح وهما عين الأعصار وهي دائرية الشكل، والمنطقة الخارجية التي تكون متماثلة حول العين. كما أن الهواء داخل منطقة العين يدور حول محوره الهندسي كجسم صلد. أما سرعة الرياح في المنطقة الخارجية فهي تتناقص مع المسافة حسب قانون التناسب العكسي، إضافة الى ذلك فإن سرعة الرياح لا تعتمد على الأرتفاع. إستناداً إلى كل ما تقدم إستطاع د.عبد الجبار توضيح شكل وسلوك الحزم الحلزونية في الأعصار سواء الحزم المنفردة منها أو المجتمعة. وبين أيضاً أن توضيح طبيعة الحزم الحلزونية يساعد على إعطاء معلومات مهمة عن طاقة الأعصار.
هنالك أعمال أخرى لعبد الجبار عبد الله، يمكن الأطلاع على قسم منها في [2]. إضافة الى ذلك ألف وترجم عدة كتب مهمة منها، على سبيل المثال، كتاب (الصوت) لطلبة الفيزياء في الجامعة، فكان خير مرجع لهم ولأساتذتهم. كما ترجم، مع زميل له، ترجمة رائعة كتاب (مقدمة في الفيزياء النووية والذرية) لمؤلفه هنري سيمات. أفادت تلك الترجمة أجيالاً من الفيزيائيين، طلبة وأساتذة. إضافة إلى أبحاثه العلمية قام بعمل تدريسي وتربوي كبير. فقد درّس في جامعة بغداد وفي كليات ومعاهد ومدارس اخرى. كما درّس في جامعات ومعاهد أمريكية مرموقة ، منها جامعة نيويورك وجامعة بوسطن ومعهد أبحاث الفضاء في ألبني (نيويورك) وفي كولورادو (بودلر).
عبّر عبد الجبار عبد الله في أكثر من مناسبة عن آراء وأفكار قيمة عن كيفية النهوض بالبحث العلمي وبمجمل العملية التعليمية والتربوية في العراق. آمل في امكانية التطرق إلى ذلك في وقت آخر.
بعد ثورة 14 تموز عُيّن د. عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد. ومن موقعه هذا قدّم إلى بلده خدمات جلّى. لقد اهتم بالمناهج التعليمية والتربوية وبالكادر ألتدريسي، كما بذل جهوداً كبيرة للأهتمام بإرساء أسس البحث العلمي. ولعب دوراً مهماً في تأسيس العديد من ألكليات والمعاهد في بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسية. أسس جمعية العلوم الرياضية والفيزيائية. وأصدر، سوية مع زملائه الأساتذة الآخرين، أول مجلة علمية كان هو رئيساً لتحريرها. (وقد حدد الدكتور عبد الجبار أسس النشر في المجلة واشترط أن ما يُنشر فيها يجب أن يكون على المستوى العلمي العالمي، وأكد أن يحصل المقال على تأييد إثنين من ثلاثة خبراء من خارج العراق قبل نشره [11]). كما عمل جاهداً على عقد ألمؤتمر العلمي الأول لجامعة بغداد حيث كان بحق أول تضاهرة علمية كبيرة ومهمة في بلادنا.
لقد فقد العراق الدكتور عبد الجبار عبد الله، عالم الأنواء الجوية، الأستاذ الفاضل والمربي الكبير، وهو لما يزل في ذروة نشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، وفي أوج حماسه لتحقيق اهدافه في خدمة العلم في بلادنا، وفي قمة تألقه الفكري ولمعان أفكاره الجديدة في مجال تخصصه. كان يمكن لتلك الأفكار أن تفيد العلم والناس وأجيالنا القادمة التي ستذكره وتقدره أجمل تقدير، وتعظمه بما يستحق.
ستستفيد أجيالنا حتماً من قصة حياة وكفاح وتألق عبد الجبار عبد الله، ذلك الأنسان الكبير في علمه، المخلص والمتفاني في عمله، المتواضع في حياته وسلوكه..... ذلك الأنسان الذي انتقل بكل إصرار وتصميم وجد ومثابرة من مدارس محافظة العمارة في جنوب العراق إلى ذرى العلم السامقة.
* في التاسع من تموز تمر الذكرى الأربعين على رحيل عبد الجبار عبد الله.
المراجع باللغة العربية
[1] د. ابراهيم الخميسي ، عين الأعصار،مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة 130.
[2] برنارد هوروتز و جيمس ابراني، مساهمات د. عبد الله العلمية، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام
1995، صفحة 118.
[11] د. عبد الكريم الخضيري، عبقري الجيل، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة
124.
المراجع باللغة الأنجليزية
[3] Abdul J. Abdullah, Cyclogenesis by a purely mechanical process,
J. Meteorology 1949, V.6, P.86.
[4] Abdul J. Abdullah, A proposed mechanism for the development of the eye of
a hurricane, J. Meteorology 1954, V.11, P.189.
[5] Abdul J. Abdullah, Proposed mechanism of squall lines, the pressure jump
lines, J. Meteorology 1953, V.10, P.298.
[6] Abdul J. Abdullah, The meridional growth of squall lines, J. Meteorology
1954, V.11, P.301.
[7] Abdul J. Abdullah, Head- on collection between two pressure jumps, J. Geo-
phys.Res., 1966, 71, P.1953.
[8] Abdul J. Abdullah, The Atmospheric solitary wave, Bulletin of the American
Meteorological Society, 1955, V.36, P.511.
[9] Abdul J. Abdullah, A note on the atmospheric solitary wave, J. Meteorology
1956, V.13, P.381.
[10] Abdul J. Abdullah, The spiral bands of a hurricane: A possible dynamic
explanation, 1966,V.23, P.367.
شريك هو في الذي يجمع العراقيين من المبدعين .. النسيان..إذ لا من كتاب يتحدث عنه و لا من كاتب يبرق له ذكرى تذكار. إلا تلك النفحة من المساواة التي بان عنقها في زمن الزعيم , أصر هذا الأخير على أن يتولى هذا المبدع رئاسة جامعة بغداد و الحقيقة أن هذه ليست بداية التميز لإبن الماء و الطين القادم من أهوار الجنوب.بالضبط لا أحد يعرف كيف تولد لديه هذا الولع الشديد بالطبيعة و العلوم الفيزيائية حتى أنهى دراسة الماجستيرفي جامعة بيروت الأميركية عام 1930 , ولد عبد الجبار عبد الله في مدينة قلعة صالح في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية و والدته السيدة (نوفه) شقيقة غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف, وبالرغم من المكانة والوجاهة الإجتماعيتين إلا أن عبد الجبار الطفل نشأ يتلمظ شظف العيش في بيئة جلها من الفقراء ثم إرتحل الى الثانوية المركزية في بغداد لإكمال الدراسة عام 1924، متفوقاً على العراق بأكمله في هذا إلى جانب ذلك اظهر عبد الجبار عبد الله ميلاً آخر للموروث الثقافي لديانته و برع في المقال اللغوي المندائي و التراث الشعري العربي وكان شغوفاً بالشعر الجاهلي. وحين اتسعت مداركه ازداد تعلقه وشغفه بالكتاب والمعرفة، فقرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب المصادر العلمية الفيزيائية , و العجيب أن لا من سجلات توثق جهوده الأكاديمية إلا أن عضويته في المجامع العلمية و المراكز البحثية الأميركية كانت قائمة الى حين مماته. وتجاوزت ابحاثه ونظرياته الثلاثين نظرية، كمااشرف على العديد من الدراسات الأكاديمية العليا في أميركا حتى آخر أيام حياته.
دخل اسمه أكبر المعاجم العلمية في العالم. واحتل مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم.وفي عام 1930 أسس النواة الأولى لجمعية الرابطة الثقافية التي تشكلت في بغداد، فيما بعد، واصدرت مجلة رئاسة تحريرها منذ صدور عددها الأول عام 1944 في بيروت و بغداد.عاد عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء .
حتى عام 1938، إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الانواء الجوية بمطار البصرة واكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للانواء الجوية، كما منحته احدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الانواء الجوية.وتسنح الفرصة له مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946. فيعود إلى العراق لتدريس اختصاصه في دار المعلمين العالية . شغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها وفي عام 1959 صدر مرسوم جمهوري باناطة مهمة الرئاسة إليه.وليقترح عبد الله مشروعاً تنموياً لتحقيق النهضة العلمية عبر ثوابت يأتي في مقدمتها: خلق العرف الجامعي وتفعيل دور الجامعة والايمان بقدرات الاجيال الجديدة والحرية الأكاديمية الفكرية وأخيرا استقلالية الجامعة. كما ترأس لجنة الطاقة النووية للأغراض السلمية في فترة تعد الأغنى في الحصول على المعلومات المهمة في مجالات استخدام الطاقة عبر صلات علمية مع الإتحاد السوفيتي السابق ثم ليأتي الرئيس الأميركي هاري ترومان و يقلده وسام (مفتاح العلم) تقديراً لجهوده العلمية المتميزة في هذا المجال. له في المكتبة العلمية : مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى انشتاين.. بيروت1938 الفيزياء النووية- مبادئ الطاقة العامة ..بيروت .1960 -بدائل الطاقة ...بحث أكاديمي / جامعة بغداد .. 1950 .عاد الى بغداد في صندوق خشبي بعد أن غادرها عام 1963 هارباً من بطش الغزاة المحليي
راجعنا مؤسسات ودوائر عديدة بدأت بمديرية التقاعد العامة، املاً في الحصول على ملفته الوظيفية بعد احالته على التقاعد، والتي لم نجد لها اثراً في تلك المديرية، أو في رئاسة جامعة بغداد، أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كما لم نجد لها من أثر في كليتي التربية (ابن الهيثم، ابن رشد) رغم عمله الطويل في تلك المؤسسات..
بهذه المرارة والخيبة، تحدث الدكتور ستار نوري العبودي وهو يستعرض سيرة حياة العالم العراقي عبد الجبار عبد الله في كتابه (سفير العراق العلمي).
يقع الكتاب في أربعة فصول ابتدأها بالمراحل المبكرة من حياة عبد الجبار عبد الله، ثم دراسته الجامعية وحياته الوظيفية الأولى، ودراسته العليا، واختتمه بانجازاته العلمية ومواقفه الوطنية. وحرص المؤلف على تعزيز معلوماته بالصور والوثائق والشهادات التي تخص الدكتور عبد الله، ومن المؤسف جداً، ان يطبع الكتاب بطريقة (الاستنساخ) فضيع ملامح العديد من الصور والوثائق النادرة، التي بذل المؤلف جهداً استثنائياً في جمعها واعدادها، يستحق عليه الثناء والتقدير.
المراحل المبكرة
ولد عبد الجبار عبد الله في مدينة قلعة صالح (محافظة العمارة) عام 1911، في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية، فوالده الشيخ عبد الله كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة في العراق والعالم. والدته السيدة (نوفه رومي الناشيء) وهي من عائلة معروفة بين ابناء طائفتها، شقيقها غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف، اما زوجه فهي السيدة (قسمة الشيخ عنيس الفياض) والدها أحد الصاغة المشهورين عاش عبد الجبار في كنف اسرة فقيرة، عانت من شظف العيش، وانعكست تلك المعاناة على صباه، يتذكرها بالقول: كنت ارتدي الثياب الصيفية في الشتاء، والتجوال حافي القدمين في سنوات طفولتي الأولى.
أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة قلعة صالح، التي تعد أول مدرسة ابتدائية تؤسس في (لواء) العمارة. دخل المدرسة عام 1918 وتخرج فيها عام 1925. واكمل دراسته الاعدادية في (الثانوية المركزية) ببغداد عام 1930، متفوقاً على زملائه في النتائج الامتحانية، وتشير بطاقة درجاته الامتحانية إلى ميل واضح لديه للدروس العلمية خاصة في مادتي الرياضيات والفيزياء.
إلى جانب ذلك اظهر عبد الجبار عبد الله ميلاً آخر للموروث الثقافي لديانته. وحرصه على حفظ نصوص تعاليمها وتراتيلها منذ الصغر. إلى جانب قراءاته للأدب العربي بصورة عامة، والشعر بصورة خاصة، وكان شغوفاً بالشعر الجاهلي. وحين اتسعت مداركه ازداد تعلقه وشغفه بالكتاب والمعرفة، فقرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب المصادر العلمية المختلفة لا سيما تلك التي تتعلق باختصاصه العلمي. وكان يوصي اصدقاءه بقراءة شعر أبي العلاء المعري، والمتنبي، وابي تمام، وابي نواس، على ان شاعره المفضل كان الشاعر الكبير الجواهري. ولذلك لم يكن من باب المصادفة ان نجد بين مقتنيات مكتبة عالم فيزيائي كبير كتباً في الأدب العربي، أو معاجم للغة. كما يروي اصدقاؤه، وزملاؤه، وابناء عائلته، الذين يؤكدون انه كان شاعراً ومثقفاً واعياً بأهمية التراث العربي، ومما يؤكد ذلك، قراءته المستمرة للتاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص. كما يعني أيضاً تعدد وتنوع مصادر ثقافته العلمية والانسانية، فضلاً عن حرصه على تعلم اللغات غير العربية.
ان سعة مداركه الثقافية، وموهبته النادرة، وذكاءه الحاد، عمقت وعيه وأهلته لأن يتبوأ بجدارة منزلة العلماء، باعتراف العالم أجمع بعبقريته المتميزة. تجاوزت ابحاثه ونظرياته الثلاثين نظرية، اشرف على العديد من الدراسات الأكاديمية العليا في أميركا أو غيرها من البلدان حتى آخر أيام حياته. دخل اسمه أكبر المعاجم العلمية في العالم. واحتل مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم.
دراسته الجامعية وحياته الوظيفية الأولى
عرف عنه تفوقه بين زملائه في الاعدادية المركزية، ولعل ذلك كان سبباً وراء ترشيحه إلى بعثة دراسية خارج العراق. وقد شملت البعثات ستة وعشرين طالباً، من بينهم عبد الجبار عبد الله إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1930، وتخصص في علم الفيزياء مثلت بيروت والجامعة الأمريكية، محطة جديدة ومهمة في حياته، إذ اسهمت بصورة فاعلة في بلورة شخصيته الثقافية والعلمية التي برزت بوضوح بعد تخرجه في تلك الجامعة.
وشهد عام 1930 تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج العراق. ضمت عبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان إلى جانب عبد الجبار عبد الله. وكانت الجمعية النواة الأولى لجمعية (الرابطة) الثقافية التي تشكلت في بغداد، فيما بعد، والتي لعبت دوراً ثقافياً وطنياً وديمقراطياً وقومياً خلال الأربعينيات من القرن الماضي. واصدرت مجلة (الرابطة) التي شغل فيها عبد الله مسؤولية (سكرتير التحرير) منذ صدور عددها الأول عام 1944 .
ومن المفارقات، ان يعود عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء. حتى عام 1938، إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الانواء الجوية بمطار البصرة.
وعلى الرغم من ان وظيفته هذه ابعدته عن زملائه من رواد الثقافة والفكر السياسي الوطني فانحسرت نشاطاته الثقافية العامة، الا انه عاد مجدداً لنشر مقالاته العلمية في مجلة (التفيض) البغدادية، فقد نشر مقالته العلمية الأولى تحت عنوان (مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى انشتاين) ويبدو انه اكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للانواء الجوية، كما منحته احدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الانواء الجوية عن طريق المراسلة.
وفي مرحلة مضطربة من تاريخ العراق في اثناء الحرب العالمية الثانية. وضمن حملات التعبئة العسكرية التي اقدمت عليها الحكومة آنذاك، ينخرط عبد الله في خدمة الاحتياط كضابط في الجيش، يعود بعدها إلى مطار البصرة حتى عام 1941. ثم ينتقل إلى بغداد للتدريس في الاعدادية المركزية لغاية أيلول 1943. وتسنح الفرصة له مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946. فيعود إلى العراق لتدريس اختصاصه في دار المعلمين العالية.
دورة تأسيس منتدى (الرابطة) الثقافي
سبقت الاشارة إلى ان عبد الجبار عبد الله، كان من بين الأسماء التي اسست (جمعية الرابطة الثقافية في العراق). ولابد من التوقف عند هذه المحطة المضيئة في تاريخ عبد الله وجهده الفكري والعلمي منها.
بدأت فكرة تأسيس هذه الجمعية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وعلق مؤسسو الجمعية آمالاً على انتصار الديمقراطية بمفهومها السياسي والاجتماعي في المحيط العربي، في تلك الاجواء فكر عبد الفتاح إبراهيم في تأسيس الجمعية، ولعل ذلك سيكون نواة حزب سياسي راديكالي فيما بعد. واعلن عن تأسيسها في كانون الأول 1943، وضمت قائمة المؤسسين إلى جانب إبراهيم، خدوري خدوري، مخلف العبيدي، جمال عمر نظمي، حازم نامق، جميل عبد الله، فضلاً عن عبد الجبار عبد الله، وناظم الزهاوي ومحمد توفيق حسين، وفاضل حسين وكامل قزانجي. وعبد القادر اسماعيل البستاني.
اختلفت توجهات أعضاء الرابطة المؤسسين الفكرية والسياسية، بين اليمين والوسط واليسار. إلا ان القاسم المشترك الذي كان يجمع هؤلاء، هو الهدف في اشاعة الثقافة الديمقراطية، وتشجيع النشاط العلمي والاجتماعي. فكان عبد الجبار عبد الله من انشط أعضاء مجلة الرابطة الشهيرة والمهمة. وعملت تلك المجموعة الشبابية النشيطة باكثر من اطار لتأكيد توجهاتها الثقافية الديمقراطية والتقدمية. دون ان تكون لها طموحات سياسية، وان كان عبد الفتاح إبراهيم قد دخل اللعبة البرلمانية، حين أسس حزب الاتحاد الوطني في مرحلة لاحقة من عام 1946، إلا ان توجهاته واهدافه ظلت تدور في ذات الإطار الفكري.
ضمت الرابطة كذلك عدداً مهماً من الشباب المثقف في العراق، نذكر منهم على سبيل المثال: طه باقر، كوركيس عواد، عزيز شريف، حسين جميل، جواد هاشم. ولابد لمثل هذا التجمع ان يترك بصماته على الحياة الثقافية العراقية امتد إلى خارج العراق، بعد ان توسعت نشاطاتها، من خلال المناقشات والمحاضرات وتشكيل لجان التأليف والنشر، وتأسيس مكتبة خاصة بها، ثم تأسيس شركة للطباعة هي (مطبعة الرابطة). التي احتلها انقلابيو 8 شباط 1963، وتؤول ملكياتها إلى الدولة فيما بعدباسم دار الجماهير للطباعة انصرف عبد الجبار عبد الله إلى اهتماماته العلمية، وهو يخوض تجربة سكرتارية تحرير مجلة الرابطة. الا ان ذلك لم يمنعه من الكتابة في موضوعات فكرية واجتماعية، تعطي بوضوح مدى تبلور الوعي الوطني والتوجهات الديمقراطية والاشتراكية لديه. كما اتسمت برؤية خاصة في فهم الديمقراطية والمجتمع. وعلى الرغم من اختلافه مع آراء وافكار بعض مؤسسي (الرابطة) كعبد الفتاح إبراهيم، إلا انه ظل وفياً لتلك الجماعة غير بعيد عنها.
رئاسته لجامعة بغداد
شغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها، وكان وجوده في المجلس فاعلاً ونشيطاً وحينها كان الدكتور متي عقراوي اول رئيس للجامعة الذي احيل على التقاعد عقب ثورة تموز 1958 فتحول وكيله عبد الجبار إلى منصب الرئاسة من الناحية الفعلية. وامين عام لها حتى شهر شباط 1959 إذ صدر مرسوم جمهوري باناطة مهمة الرئاسة إليه، بعد تنافس شديد مع شخصية علمية أخرى هي (الدكتور عبد العزيز الدوري).
تسلم عبد الله مسؤولية الجامعة، في أوضاع سياسية محتدمة، مثلما احتدم الجدال والنقاش في الأوساط السياسية والعلمية حول المرشح لرئاسة الجامعة آنذاك.
ولعل من الطريف ان نشير إلى رأي الفريق نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة بعد تموز 58 ـ يرويه المؤرخ خليل إبراهيم حسين ـ حين اعترض على ترشيح عبد الجبار عبد الله باعتباره ينتمي إلى الطائفة (المندائية) فرد علي احمد محيي الدين وزير الداخلية بالقول: (نريد إماما للجامعة، لا إماما لجامع يؤم المصلين).
وكان رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، قد حسم مسألة الاختيار على أساس موضوعي ومتجرد وغير منحاز، من منطلق معرفته الأكيدة بكفاءة عبد الجبار ومنجزه العلمي وموهبته النادرة، حين رد بالقول: ان الثورة لا تفرق بين مذهب، ومذهب، ودين وآخر، بل جاءت لوضع كل انسان عراقي مهما اختلف دينه وقوميته، وشكله في المحل المناسب.
ويرى العديد ان سمعة عبد الجبار عبد الله العلمية العالمية، وكفاءته العلمية، وصفاته الأخلاقية، واستقلالية تفكيره، ومنهجيته الصارمة والدقيقة كانت كلها عوامل أهلته لان يحتل هذا الموقع بجدارة وإخلاص.
وخلال توليه هذه المسؤولية، قدم الكثير من أجل بناء وتطوير هذا الصرح العلمي، على الرغم من قصر الفترة التي تسنم فيها رئاسة الجامعة.
آراؤه التربوية وفلسفته
تقوم فلسفة عبد الجبار عبد الله، على الايمان بدور العلم في تطوير الحياة البشرية. ايماناً مطلقاً، إذ يرى ان خير مقياس لتقدير تقدم المجتمع، هو مقدار ما ينتجه ذلك المتمتع من البحوث العلمية. ويؤكد هذه الحقيقة في حديثه عن العلاقة بين العلم والمجتمع بقوله: البلد المتأخر هو ثقافة متأخرة، والثقافة هي، جميع الطرق للعمل أو التفكير التي تعلمها الناس في تاريخهم الحافل بالتطور. ولأن المجتمع (أي مجتمع) لا يمكن ان يعيش بمعزل عما يجري من حوله من تطورات علمية في مختلف صنوف الحياة. فلابد له من مواكبة التطورات التي تجري من حوله. ويرى ان الجامعة باعتبارها المؤسسة العلمية الأولى يمكن لها ان تأخذ بيد المجتمع في التقدم بعد ان عرفت واجباتها نحو المجتمع.
ويقترح عبد الله مشروعاً تنموياً لتحقيق هذا الغرض. لكي تقوم بهذا الواجب الاجتماعي الكبير. فلابد لها من ان تنشئ لها كياناً وتقاليد خاصة بها تميزها عن سواها بثوابت لا يمكن الحياد عنها يأتي في مقدمتها: خلق العرف الجامعي، تفعيل دور الجامعة، الايمان بقدرات الاجيال الجديدة، الحرية الأكاديمية الفكرية، وأخيرا استقلالية الجامعة.
وأكد الشرطين الاخيرين في أكثر من مناسبة. بالقول: ان الحرية الأكاديمية لا تأتي بالرغبة المجردة، ولا تتحقق بالنية وحدها، بل لابد من ممارستها امداً. ولابد من التوصل إليها بالتجربة المضنية الطويلة. اما استقلالية الجامعة، فكانت متأصلة في فكره، ظل يعمل من اجلها، بتحديد مضامينها وأساليب تطبيقها، لكي تكون جزءاً من طباعنا، مستقراً في دواخلنا. ادراكاً منه بالترابط الوثيق بين الاستقلال الوطني واستقلال الجامعة. والاقرار بحتميتهما.
ومن اللافت للنظر كما يشير المؤلف، كثرة استعاراته اقوال الفلاسفة وكبار رجال الفكر، في احاديثه ونقاشاته. إذ يستعين بحكمة الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس)، وطروحات (غاليلو) وكتابات الفيلسوف (بيكون)، أو العودة للأساطير القديمة، والموروث الثقافي العربي والاسلامي، وتاريخ العراق القديم والحديث. ومحاولته استخدام قصص الخيال العلمي. وجميعها تشير إلى سعة اطلاعه وثقافته العامة، وعمق تفكيره. فضلاً عن تمتعه برؤية ثاقبة للإدارة التربوية الناجمة.
عمله في مجال الطاقة الذرية
حرص عبد الجبار عبد الله على امتلاك العراق لمصادر الطاقة الذرية للاغراض السلمية في الفترة التي شغل فيها منصب نائب رئيس لجنة الطاقة للفترة من 1958 ـ 1963، وتعد هذه المدة من اغنى المراحل التاريخية في الحصول على المعلومات المهمة في مجالات استخدام الطاقة في مختلف الفروع العلمية. لاسيما وان اهتمام العراق في هذا الميدان جاء متأخراً بعض الشيء، وقد اتاحت له تجاربه السابقة خلال دراسته، التعرف على الكثير من اسرار الطاقة الذرية، وتشير احدى المخطوطات المحفوظة لدى زهرون دهام (من عائلة عبد الله). ان الرئيس الأميركي هاري ترومان قلده وسام (مفتاح العلم) تقديراً لجهوده العلمية المتميزة في هذا المجال. وهذا الوسام كان يمنح إلى كبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلمية. ثابر عبد الجبار بكل جد وإخلاص في خدمة بلاده في هذا الميدان، وقدم العديد من الاسهامات والبحوث والدراسات، وترجم الكثير من المصادر، فضلاً عن دوره في اختيار الموقع المناسب لبناء الفرن الذري للبحوث في بغداد.
مواقفه الوطنية
الدكتور عبد الجبار عبد الله، الذي بلغ الواجهة، ونال شهرة علمية واسعة، كان بديهياً ان يساق إلى ساحة الاتهامات رغماً عنه، محسوباً على اليسار العراقي في ذروة امتداده بعد تموز 1958، ودفع ثمن هذا الاتهام ان صح التعبير باحالته على التقاعد عام 1963 بعد انقلاب شباط، الذي لم يكتف مديروه بهذا الاجراء فقط انما دفعوا به إلى زنزانات الاعتقال والتعذيب، شأنه شأن العديد من الكفاءات والعلماء التي طالتها يد الجريمة والقتل من الجهلة والمتخلفين.
ولابد من تأكيد حقيقة واحدة فقط تتعلق بانتماء هذه الشخصية المرموقة فتكاد كل الوثائق والمعلومات تجمع على عدم انتمائه لأي حزب سياسي، بل كان ديمقراطي النزعة، تقدمي التفكير متنوراً إلى ابعد الحدود، هاجسه الوطني دائماً هو خدمة وطنه العراق، مؤمناً بالحرية، واحترام الآخرين، وبسبب مواقفه الجريئة والصريحة، تعرض إلى الأذى، والملاحقة، فقرر مغادرة الوطن بعد ان أطلق سراحه عام 1963، والعودة مجدداً إلى الولايات المتحدة، وظل يحمل العراق في قلبه وعيونه، فكان دائم الحنين اليه بالرغم من القسوة والجفاء اللذين ذاق مرارتيهما وهو يمنحه خلاصة فكره وعلمه.
فمات بعيداً عنه في التاسع من تموز 1969 ليعود إليه تابوتاً من خشب الساج.
في الختام لابد من الاشادة بالجهد الكبير الذي قدمه الدكتور ستار نوري العبودي في تقصي حياة الدكتور عبد الجبار عبد الله وتتبع اثارة العلمية وتسليط الضوء على الكثير من الحقائق والاسرار التي رافقت حياته، وهو محاولة نأمل لها ان تكسر الصمت الطويل لمؤسساتنا العلمية والثقافية لتعيد لذاكرة العراقي امجاد رموزه من العلماء والمفكرين.
بمناسبة مهرجان الذكرى المئوية لميلاد العالم عبد الجبار عبد الله
ان احترام حقوق الانسان الاساسية قيمة عليا في مستوى المبادىء وضرورة عملية لنجاح اي مسعى يستهدف تحرير العقل والارتقاء به . لكن كلمة الثقافة لم تنفذ بعد الى ناسنا، ناهيك بالاستقرار في ضمائرهم . ونعلم جميعا ان الفكر لايغير الواقع الا حين يتحمس له سواد الناس، ومن ثم يتعين علينا ان نطرح على انفسنا السؤال بصراحة: لماذا لايصدقنا الناس كما صدقونا في مواقع كثيرة في الماضي؟ ولا يجوز ان تقف الاجابة عند حد الممارسات القمعية السائدة التي نراها بام اعيننا على شاشات التلفزة، في مناطق عربية ساخنة، والقول صراحة بانها تبطش بمن يدافع عن حقوق الانسان، بل تجعل الجماهير تنظر الى خطابنا عن تلك الحقوق، وفي احيان كثيرة، كما لو انها ضربا من الخيال. فكل تقدم في تاريخ البشرية تحقق في مواجهة صادقة ومضنية مع القوى التي كانت ترفضه، وكان دعاة التقدم والديمقراطية في البداية قلة مؤمنة مضحية نجحت في ان تجذب اليها كثرة عززتها وخاضت معركة التغيير. ومن ثم لابد ان نحدد مسؤوليتنا كمثقفين عن افتقاد المصداقية الذي تعانيه الدعوة الى احترام حقوق الانسان العراقي مهما كان اتجاهه الديني او السياسي او القومي. حقا ان تغيير الواقع المشين، في اي مكان وزمان لايتم الا بنضال القوى الاجتماعية والشبابية التي تطالب بالتغيير الحقيقي في اوضاعاها المزرية، فنحن كمثقفين مسؤولين مرتين، مرة من حيث اننا اهل الفكر والتعبير، ومرة اخرى لان اعدادا كبيرة منا تنخرط في نضال منظمات حقوقية ومدنية وثقافية وسياسية، واذا كان التغيير فوق طاقتنا، فان التأثير هو صميم مهمتنا، ومن هذا المنطلق يصبح السؤال: ما اثر ممارساتنا اليومية في حصر تأثير دعواتنا الى احترام حقوق الانسان والتذكير بها والتركيز عليها؟
ان من حق الناس ان يشكوا في امانة كل مثقف يتحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ويؤيد في الوقت ذاته علنا او ضمنا القوى المسؤولة التي قمعت هذا الانسان في السنوات الماضية ولازالت تقمعه تحت يافطة الدين والسلفية والحنين الى الماضي.
فعلنا في عملية التأثير يأتي بثماره من خلال عملنا وفعلنا الثقافي المؤثر، ومن خلال قيامنا بفعاليات ثقافية كبيرة ونموذجها المهرجان الثقافي الكبير والمنظم تنظيما رائدا الذي اقامته الجمعية الثقافية المندائية في لوند بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد العالم العراقي الكبير عبد الجبار عبد الله. وفي تقديرنا بان مثل هذا المهرجان هو الحد الامثل الذي يمكن ان نبدأ منه كمثقفين مندائيين في ضوء الواقع العراقي الحالي الذي نرسم حوله علامات استفهام كثيرة، احتراما لانفسنا واتساقا لافعالنا واقوالنا واطلاقا لشعاع من نور وسط ظلمات التشتت التي اصابت المندائية في صميمها.
بروح واقعية نكتفي بالاشادة والتقدير والدعم والتعاون كاتحاد للجمعيات المندائية في المهجر، بمثل هذه الفعاليات التي تمجد الانسان وتناضل من اجل قيمته وحريته وعمله.
تحية لاولئك الابطال من اخوتنا المثقفين ابناء المندائية بقيام مثل هذا المهرجان الاحتفالي الكبير
لم يكن د.عبد الجبار عبد الله عالماً في الأنواء الجوية وباحثاً وخبيراً في تحرك وتغير واضطراب وهيجان الكتل الهوائية وفاتحاً بعض المجالات الجديدة لدراستها فحسب [1] وانما كان ايضاً رائداً وعلماً بارزا في مجال التربية والتعليم وارساء الأسس الصحيحة لمستلزمات البحث العلمي وطرق تطويره.
إن سبب نجاحه الكبير والباهر يعود إلى أسباب عديدة أهمها، باعتقادي، هي تنوع وثراء حياته العملية والعلمية والخبر والتجارب التي اكتسبها نتيجة لذلك. وأيضاً تعدد اهتماماته وغنى مصادر ثقافته. اضافة إلى موهبته وذكائه اللذين تميز بهما عبدالجبار عبد الله وربما قد اكتسبهما بالفطرة، وكذلك ما عُرف عنه من جد ومثابرة وعزم وتصميم رافقت حياته كلها.
محطات مهمة
لذلك، سنتوقف بإيجاز شديد عند أهم المحطات في حياته العلمية والعملية والثقافية لكي تساعدنا على فهم أفضل للعوامل والمؤثرات التي ساهمت في بلورة وصياغة آرائه وأفكاره في عملية التربية والتعليم والبحث العلمي.
إثناء دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت في أربعينيات القرن الماضي كان على إطلاع وصلة بالحياة الطلابية الديمقراطية والثقافية هناك. وبعد حصوله على البكلوريوس في الفيزياء وعودته الى العراق عمل مدرساً في عدة مدارس ثانوية في بغداد والعمارة(ميسان). كما اشتغل في مجال الأرصاد الجوي بمطاري البصرة وبغداد.
كان عبد الجبار عبد الله على إتصال وثيق بالحياة الثقافية العراقية في أربعينيات القرن السابق، فقد كان من ضمن المؤسسين ل (جمعية الرابطة الثقافية) التي أعلن الأستاذ عبد الفتاح ابراهيم عن تأسيسها عام 1943 [2]. وقد شغل عبد الجبار عبد الله منصب سكرتير التحرير في (مجلة الرابطة) الناطقة بلسان تلك الجمعية [3]. ونشر العديد من المقالات العلمية والثقافية العامة في تلك المجلة التي كان هدفها، الذي صاغه المؤسسون، هو (إشاعة الثقافة الديمقراطية وتشجيع النشاط العلمي والأجتماعي، فكان عبد الجبار عبد الله من أنشط أعضاء مجلة الرابطة الشهيرة والمهمة، وعملت تلك المجموعة الشبابية النشيطة بأكثر من إطار لتأكيد توجهاتها الثقافية الديمقراطية والتقدمية) [3]. وكانت لعبد الجبار عبد الله علاقات وثيقة مع كثيرين من رموز الحركة الثقافية في بغداد بتلك الفترة، وخاصة مع الأعضاء المؤسسين أو المنتخبين للرابطة ومنهم (عبد الفتاح ابراهيم، خدوري خدوري، مخلف العبيدي، جمال عمر نظمي، حازم نامق، جميل عبد الله، ناظم الزهاوي، محمد توفيق حسين، فاضل حسين، كامل قزانجي، عبد القادر اسماعيل البستاني، طه باقر، كوركيس عواد، عزيز شريف، حسين جميل و جواد هاشم) [2].
كما أن فترة وجوده في أمريكا للدراسة والبحث كانت بكل تأكيد فترة غنية من حيث إطّلاعه على أحدث الطرق في التربية والتعليم والبحث العلمي. كما اكتسب خِبراً وتجارب كبيرة نتيجة لعلاقته وتواصله مع المؤسسات العلمية والتعليمية المختلفة هناك، وبصورة خاصة مراكز ومختبرات البحوث حيث كان عبد الجبار عبد الله في قلب الجبهة الأمامية لعلوم الأنواء الجوية، وكان باحثاً وعالماً مجرباً في ذلك الوسط العلمي.
بعد عودته من أمريكا إلى العراق عام 1947 عمل مدرساً ورئيساً لقسم الفيزياء في دار المعلمين العالية ببغداد عام 1949 وحتى عام 1958. وفي الفترة ما بين عامي 1952 و 1955 كان استاذاً باحثاً في جامعة نيويورك في أمريكا.
تأسيس جامعة بغداد
كان للدكتور عبد الجبار عبد الله، سوية مع الدكتور متي عقراوي، الدور الرئيسي في التهيئة والأعداد لتأسيس أول جامعة عراقية حديثة هي جامعة بغداد التي تأسست عام 1956. كان أول رئيس للجامعة هو د. متي عقراوي، وشغل د. عبد الجبار عبد الله منصب الأمين العام للجامعة عام 1958، كما كان وكيلاً لرئيس الجامعة.
وفي عام 1959 أُنتخب د. عبد الجبار رئيساً لجامعة بغداد. (ويرى العديد أن سمعة عبد الجبار عبد الله العلمية العالمية وكفائته العلمية، وصفاته الأخلاقية، واستقلالية تفكيره، ومنهجيته الصارمة والدقيقة كانت كلها عوامل أهلته لأن يحتل هذا الموقع بجدارة وإخلاص) [2].
وإثناء رئاسته للجامعة استخدم د. عبد الجبار كل خبراته وتجاربه، إضافة إلى تفانيه وإخلاصه اللامتناهيين في عمله، لخدمة قضايا العلم والمعرفة والتربية والتعليم ولتطوير جامعة بغداد على أسس علمية ومهنية وديمقراطية سليمة.
تأسيس جامعات ومعاهد ومجالس بحوث في أنحاء العراق
وفي فترة رئاسته لجامعة بغداد أسس [4-5] :
- جامعة البصرة
- مجلس البحوث الإسلامية
- مجلس البحث العلمي
- كلية الشريعة
- العديد من المعاهد، مثل، معهد اللغات، معهد الغابات، معهد التمريض ومعهد الإدارة العامة [6].
- الكثير من الكليات، مثل، كلية الزراعة والغابات في الموصل، كلية الطب في الموصل وكلية الإدارة في البصرة [6].
أول جمعية للعلوم وأول مجلة علمية
لقد أسس عبد الجبار عبد الله، مع زملاء له، أول جمعية للعلوم الرياضية والفيزيائية، كما أصدروا أول مجلة علمية تنشر البحوث في المجالات العلمية والبحثية المختلفة. (كان المحفز لهذه الفكرة ومحركها الأول د. عبد الجبار عبد الله الذي أُنتخب وشرعت المجلة Proceeding of Iraqi Scientific Societieرئيساً لتحريرها بالإجماع. وقد أُطلق عليها أسم تصدر باللغات الأوربية الحديثة مع خلاصة بالعربية. ولم يأت اختيارنا لرئيس التحرير إعتباطاً. فقد كان د. عبد الجبار عبد المشهور عالمياً، وكان MIT الله يتألق بين المثقفين وأساتذة العلوم لجدارته العلمية وطيب أخلاقه، فهو من خريجي خبيراً في النشر العلمي، وقد سبق له أن نشر أبحاثاً عديدة في المجلات العلمية العالمية، وقديراً على إدارة الجلسات، وكان ضليعاً بالعربية حافظاً للشعر، كما كان ضليعاً باللغة الإنجليزية ولغات اوربية أخرى. وقد حدد د. عبد الجبار أسس النشر في المجلة واشترط أن مايُنشر فيها يجب أن يكون على المستوى العلمي العالمي. وأكد أن يحصل المقال على تأييد إثنين من ثلاثة خبراء من خارج العراق قبل نشره) [6].
إن إجادة اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية مكّنه من الإطلاع على ما يُنشر في تلك اللغات من مصدره الأصلي وساهم في تنوع وإغناء مصادره المعرفية والمعلوماتية. هذا اضافة إلى اهتماماته وقراءاته المتنوعة في الشعر والأدب والفلسفة والتأريخ.
نشاطات وعلاقات لخدمة الوطن
كان عبد الجبار عبد الله عضواً في لجان عديدة مهمة منها ( انظر [3] مثلاً):
1. لجنة الترجمة التي شكلها المجمع العلمي العراقي عام 1948.
2. اللجنة الوطنية لليونسكو عام 1955.
3. لجنة الطاقة الذرية عام 1957 وكان نائباً للرئيس الأعلى لتلك اللجنة.
4. الجمعية الملكية البريطانية للأنواء.
5. الجمعية الأكاديمية للعلوم في نيويورك.
6. جمعية الفيزياء الأمريكية.
إن عضويته في تلك اللجان المهمة سواء الوطنية منها أو الدولية جعلته يسافر إلى بلدان مختلفة ليطلع ويتعرف على تجارب وخبر غنية في ميادين البحث والتربية والتعليم وقضايا ملحة أخرى كالطاقة وغيرها.
مؤلفات وترجمات للأجيال
كان د. عبد الجبار يدرك تماماً إن العملية التعليمية لا يمكن لها أن تسير بطريق صحيح وتتطور من دون مراجع وكتب يستطيع كل من الطلبة والمدرسين والباحثين الرجوع إليها. وقد عمل شخصياً على تأليف العديد من الكتب وترجم قسماً آخر منها. من بين الكتب التي ألّفها أو ساهم في تأليفها [3]:
1. علم الفيزياء- قسم الحرارة، بغداد، 1942.
2. الفيزياء الأعدادية، ج1، لتلاميذ الخامس ثانوي/اعدادي، بالأشتراك مع هاشم الحسني، بغداد 1950.
3. كتب الفيزياء لتلاميذ الثانوية/الأعدادية لمادتي الصوت والضؤ، سوية مع هاشم الحسني [7].
4. الفيزياء الأعدادية – جزئين، بغداد 1950/1951. قد يكون هذان الجزءان هما نفس الكتابين اللذين ذكرهما الأستاذ الحقوقي عربي الخميسي في المرجع [7].
5. علم الصوت، مطبعة العاني، بغداد 1955.
أما الكتب التي ترجمها فهي [3]:
1. موسوعة الأنواء الجوية.
2. قياس الرياح العليا بواسطة المنطاد.
3. مقدمة في الفيزياء الذرية، بالأشتراك مع د. صلاح عزت (أنظر أيضا [1]).
4. العلم والمجتمع.
5. الماء مرآة العلم.
كان عبد الجبار عبد الله يألوا اهتماماً كبيراً إلى أهمية دور الثقافة الشعبية وخاصة العلمية منها، ولذلك دأب بنفسه، كما شجع الآخرين، على نشر مقالات تتعلق بأهم النظريات والإنجازات العلمية بأسلوب شعبي قابل للفهم والإستيعاب من قبل المهتمين والمختصين على السواء. ومن بين ما نشره في هذا المجال [8]:
1. مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى آينشتان، بيروت 1938.
2. الفيزياء النووية – مبادئ الطاقة العامة، بيروت، 1960.
3. بدائل الطاقة، جامعة بغداد.
آراء وإنجازات متميزة في البحث والتربية والتعليم
و بعد أن تعرفنا على أهم التجارب والخبرات العملية والنظرية العلمية منها والثقافية التي ملكها د. عبد الجبار نتطرق الآن إلى آرائه وأفكاره في كيفية النهوض بعملية البحث العلمي وقضايا التربية والتعليم وتطويرها إلى مستويات جديدة وآفاق أرحب. وحيث أن جامعة بغداد كانت حديثة العهد حينذاك، والنواة المهمة والمصدر الأساسي للبحث والتعليم، وكان عبد الجبار عبد الله رئيساً لها، فكان من الطبيعي أن يركز جلّ اهتمامه على الجامعة من حيث الدور الذي تقوم به و كذلك واجباتها، مهامها ووظيفتها ليس لبغداد وحدها وإنما للعراق كله.
واجبات الجامعة وفقاً لتصورات عبد الجبار عبد الله
كان عبد الجبار عبد الله يرى ثلاثة واجبات مهمة للجامعة هي [9]:
1. تدريس مختلف المهن وإعداد المهنيين والخبراء.
2. تربية الشباب تربية صحيحة.
3. القيام بالبحث العلمي وتطويره.
ومثلما كانت تلك الواجبات والأهداف تتمتع بأهمية استثنائية في بداية عهد الجمهورية الفتية أنذاك، فهي مازالت تملك نفس تلك الأهمية الفائقة اليوم إذا ما أُريد لعملية النهوض والبناء والتقدم أن تبدأ في العراق. خاصة وإن البلد بحاجة إلى كم هائل من الأختصاصيين والخبراء في مهن عديدة جداً. كما أن الشبيبة بحاجة إلى عناية وإهتمام كبيرين ولفترة طويلة جراء ما تعرضت له من حروب عبثية وقمع واضطهاد شديدين وتبعيث قسري وبعد كبير عن سوق العمل. أما البحث العلمي فقد تدهور إلى أدنى درجاته بسبب السياسات الرعناء للنظام البائد التي أدت إلى عزل العراق عن العالم لسنين عديدة، إضافة إلى جعل الولاء للسلطة الحاكمة وحزبها هو الأساس في الترقية العلمية والتعيينات وتبؤ المراكز البحثية والبعثات إلى الخارج، خاصة مئات البعثات التي أرسلها النظام في السبعينات.
الواجب الأول
ولكي تقوم الجامعة بالواجب الأول عليها، كما رأى د. عبد الجبار [9]، (أن تحور مناهجها التعليمية وتقدمها حتى تكون في مصاف المناهج اللائقة بالتعليم الجامعي. و أن تقوم بتهيئة الوسائل اللازمة للقيام بالتدريس قياماً متقناً وعميقاً وتتلخص هذه الوسائل بتوفير المختبرات التعليمية واستكمال أجهزتها وأدواتها واستكمال المكتبة وتزويدها بأهم المراجع والنشرات والمجلات. وتهيئة قاعات الدراسة والمطالعة. وتوفير العدد اللازم من المدرسين المتخصصين). كان العراق في ذلك الوقت يمر في مرحلة من التحول والتغيير مما يتطلب معها بالضرورة إعادة النظر بالمناهج وطرق التعليم بغية تحديثها وتطويرها لتلائم التقدم الحاصل في مختلف فروع العلم والمعرفة في البلدان المتطورة. ومن المهم جداً هو ما أكد عليه من توفير المدرسين الأكفاء والمختصين في مجالاتهم إذ كان عبد الجبار عبد الله يدرك تماماً انه بدونهم لا يمكن الأستفادة من المناهج مهما بلغت جودتها. كما أن المدرسين المهرة والمناهج لاتكفي وحدها للسير بالعملية التعليمية إلى آفاق أرحب وأوسع من دون توفر المختبرات الجيدة وقاعات الدراسة والمراجع.
وإذا كان العراق في عام 1959 يمر في مرحلة انتقالية، ويحتاج إلى تحقيق تلك الأهداف التي ذكرها عبد الجبار عبد الله في الواجب الأول للجامعة، فبلادنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى نفس تلك الأهداف وغيرها أيضاً لأعادة بناء مجمل العملية التربوية والتعليمية بعد أن تعرضت إلى إهمال وتشويهات لسنين طويلة أوصلتها إلى مستويات متدنية للغاية. وقد أكد العديد من الباحثين والعاملين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي وقضايا البحث العلمي في بلادنا ([10]–[16]) على ما تعرضت له تلك المجالات من خراب ودمار، وبينوا طرق ووسائل علاج مهمة لذلك، وأشاروا إلى أهداف مهمة للمرحلة الحالية والقادمة. إن ما تطرق إليه أولئك الأساتذة والأكاديميين والباحثين يؤكد من جديد على أهمية ما توصل إليه د. عبد الجبار من أهداف للواجب الأول التي على الجامعة أن تقوم بها.
الواجب الثاني
و عنى عبد الجبار عبد الله بالواجب الثاني، أي التربية، ( أنه ينتظم كافة أوجه الحياة التي لا تتناولها المناهج الدراسية). وكان يرى أن تربية الشباب ترمي (إلى تهيئتهم لأن يكونوا مواطنين صالحين). والمواطن الصالح بنظره [9] (من كان متمتعاً بالصحة السليمة جسمية كانت أم عقلية، ومن كان ناضجاً في ثقافته الاجتماعية، واعياً لمطالب العصر المتطور، ومن كان واقفاً على ميول جمهوريته ونزعاتها، متفهماً أهدافها، مؤمناً بواجباته الوطنية تجاهها......مروضاً نفسه على حب النظام والتقيد بالحميد من العادات الإجتماعية والسلوك المتزن المقبول). وهنا كان د. عبد الجبار يرى واجباً مهماً على الجامعة النهوض به وهو الارتفاع بالمستوى الاجتماعي والثقافي للشباب وتنمية طاقاتهم المتنوعة والإستجابة لحاجاتهم وطموحاتهم الأمر الذي يؤدي إلى تعميق الشعور بحب الوطن وتوثيق أواصر المواطنة، فيعطي الشباب بعد ذلك أضعاف ما تعلموه واكتسبوه إلى الوطن والمجتمع.
ولتحقيق ذلك بيّن عبد الجبار عبد الله إن على الجامعة أن تكيف مناهجها ونمط حياتها الداخلية لكي يستطيع الشباب أن يمارس ويطور إهتماماته وإبداعاته بكل حرية، ولكي تمتزج سلوكياتهم بالحياة الجامعية وينهلوا من الأخيرة ما يساعدهم على التأثير بمحيطهم الجديد بعد تخرجهم من الجامعة.
وأوضح أن الجامعة تستعين على تأدية هذا الواجب بإنشاء وتنظيم الأمور التالية [9]:
1. أقسام داخلية كافية ومجهزة باحتياجات الطلبة.
2. قاعات صالحة لممارسة سائر الفنون الجميلة.
3. وسائل ضرورية لممارسة الألعاب الرياضية بمختلف أنواعها.
4. محاضرات تثقيفية عامة.
5. حلقات جدلية.
6. جمعيات علمية.
7. سفرات قصيرة وطويلة الأمد.
8. إتحاد طلابي للطلبة.
أكد بعض الباحثين على أهمية المسائل أعلاه حتى في يومنا هذا( انظر على سبيل المثال [10] ). إن من شأن النقاط المذكورة أن تخلق إنسجاماً وتكاملاً بين الطلبة أنفسهم، بينهم وبين الجامعة ومع المجتمع ككل. ولم يذكر د. عبد الجبار تلك القضايا فقط، إنما عمل على أن تأخذ طريقها إلى التحقيق في كل المعاهد والجامعات. كان يهتم جداً بالطلبة، و يتابع عن كثب حياتهم الجامعية ونشاطهم اللاصفي، (فكان يحرص على الإصغاء للطلبة، لذلك كان يزور بين الحين والآخر كليات الجامعة ويلتقي بالطلبة للإستماع إلى آرائهم والتعرف على رغباتهم) [6].
المراجع
[1] د. ابراهيم ميزر الخميسي، "عبد الجبار عبد الله- الريادة في علم الأنواء الجوية" موقع " الحوار المتمدن" الإلكتروني بتأريخ 29-6-2009، الموقع الإلكتروني "لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر"، موقع "الناس" أو "صوت العراق".
[2] د. جمال العتابي، " عبد الجبار عبد الله ...شرف العلم والموهبة الفذة"، الصفحة الإلكترونية لموقع " إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر". هذا المرجع عبارة عن عرض مكثف لكتاب د. ستار نوري العبودي بعنوان: " د. عبد الجبار عبد الله – سفير العراق العلمي"، من إصدار دار المرتضى في بغداد.
[3] كاظم حسوني، "د. عبد الجبار عبد الله سفير العراق العلمي...سيرة حافلة بالإنجازات والمواقف الوطنية"، جريدة (الصباح) العراقية 16 نوفمبر عام 2005 . المصدر المذكور هو قراءة قام بها كاظم حسوني لكتاب د. ستار نوري العبودي الذي ورد ذكره في المرجع [2].
[4] "عبد الجبار عبد الله"، مجلة (الراصد)، مجلة عراقية اسبوعية جامعة، العدد العاشر، السبت 2 آب 1969.
[5] أحمد عبد الرحمن الأسدي، سيناريو بعنوان "العالم العراقي المندائي الكبير الدكتور عبد الجبار عبد الله"، الصفحة الإلكترونية لسفارة جمهورية العراق في لاهاي – هولندا (نتاجات الجالية العراقية):
www.embassyofiraq. nl
[6] د. عبد الكريم الخضيري، "عبقري الجيل"، مجلة (الثقافة الجديدة) العراقية، الصفحة 124، العدد 261، عام 1994-1995.
[7] عربي الخميسي، "العالم الدكتور عبد الجبار عبد الله يوم التقيته"، موقع (الناس) الإلكتروني في 18-8-2009 أو موقع (اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر).
[8] قيس قاسم العجرش، "وجوه عراقية"، جريدة (الصباح) العراقية الصادرة في 17-05-2003.
[9] "مهام الجامعة كما رآها د. عبد الجبار عبد الله"، جريدة (طريق الشعب)، العدد 1159 الصادر في بغداد بتاريخ 21-07-1977. إن هذا المرجع هو قسم من كلمة لعبد الجبار عبد الله بعنوان "جامعة بغداد – واجباتها وأهدافها" كانت قد تصدرت دليل جامعة بغداد لعام 1959 1960.
[10] د. عبد جاسم كاظم الساعدي، "التعليم في العراق: الواقع والآفاق" – ورقة للمشاركة في المؤتمر الأول حول حق التعليم في البلدان المتأثرة بالأزمات الذي نظمته منظمة اليونسكو تحت عنوان "توقفوا عن تعريض مستقبل العراق للخطر" من 30 تشرين الأول (اكتوبر) ولغاية 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في باريس بفرنسا.
[11] د. عامر ياس القيسي، "التعليم العالي في العراق...الواقع والطموح"، صفحة (الطريق) الإلكترونية بتاريخ 10-06-2008.
[12] د. تيسير عبد الجبار الآلوسي، "آراء وملاحظات في تطوير التعليم العالي والجامعة في العراق"، صفحة (الطريق) الإلكترونية بتاريخ 22-03-2007.
[13] د. ياسين الأنصاري، "التعليم العالي والبحث العلمي العراقي بعد عام من سقوط النظام"، صفحة (موسوعة النهرين) الإلكترونية بتاريخ 27-04-2004.
[14] د. أسعد الخفاجي،"العراق...الأصلاح الجامعي وتحديات المرحلة الحالية"، صفحة (المجلة العلمية العراقية) الإلكترونية في 21-04-2004.
[15] د. حامد الحمداني، "من أجل إعداد جهاز تربوي جديد"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.
[16] د. حامد الحمداني، "من أجل نظام تربوي ديمقراطي جديد"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.
[17] د. كاظم المقدادي، "الأمم المتحدة تحث على مواجهة التلوث وبقايا اليورانيوم المنضب في العراق"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.
[18] د. إبراهيم ميزر الخميسي، "الديمقراطية هي الأمل"، مجلة (الثقافة الجديدة) الصادرة في بغداد، الصفحة 69، العدد 329-330، عام 2009
يا عبدَ الجبارْ
ياجُرفَ الأنهارْ
يا شوقَ الأنوارْ
قمْ فاليوم وُلدتَ
هاهوذا المطرُ النيساني دعاكْ
بل أنت دعوتهْ
قلتَ له هيا إهطلْ
القلعة باتتْ مهجورة
واللطلاطة لاجرفَ يجاورها والنخلة مغدورة
هل تذكر نخلتك المشهورة؟
قال أبي أنك تهواها
في كل نهارٍ بعد الدرس تعود لترقاها
قال أبي أنك لا تنساها
تتوحدُ والكتب المحبوبة والفانوسْ
تعشقُ ماتقرأ فالعالم في عرفك شيئ محسوسْ
بل يغدو أبهى حين تعانقه روح الدارس والمدروسْ
قم ياعبد الجبارْ
هذا الغيم المطّارْ
يدعو صاحبه المختارْ
قم فاليوم ولدت وقرنٌ في عرف العلم ثواني
والقلعة تغرق في ليل الأحزانِ
والنخلة ثكلى ياعمي
العالِم يركب ظهرَ الغيمة كي يمطر في القلعة
الماء يغطي الأرض ويسقي بنت النخلة
والناس ترى روحاً تتدفق
حباً
علما
وفسائلَ من موت قامتْ
من مائك ياعمي عادتْ
تحيا
صدق ما كانت رؤيا
هذا غيمُك يُلبسنا الأردية البيضاءْ
والماء هو الرحمة من بين الأشياءْ
وأسمك ياعمي علمٌ فوق الأسماء
وسيبقى نوراً وضياء
وسيبقى