وقفت في حضرتك، ونفس صَلاتي، مفردات جمعت سرّاً من الخشوع بيننا، من بينها كلمة "بابا "، ولأني، تلميذك، ما حسبتك راحلاً قط، أحيا وأنت معي، عندما تنبض الأشياء حياةً، تأبى ألاّ تبتسم
وقفت في حضرتك، ابناً، تلميذاً، كاتباً للقصيد ومعتذراً
والابن، في حضرتك، مهما كتب، فما بالوسع تجنب الإطراء، فأكتفي وأقول أنتم الأفلاذ، بكم نقتدي
والتلميذ، في حضرتك، تعلم الأخلاق والإيمان والعلم والأدب والفن والخط والرياضة والشطرنج ثم، وما زال، الشعر
وكاتب القصيد، في حضرتك، والخربشــات تســقط خجلاً، وقطراتي أحسبها، وهي تندى، مكسورةً، وهذا اليمّ لا أقوى على وصف جبروته، وقد لا يسعفني، كما القريض، هذا النثر... ومن أول الســلّم، كتبت، والبناء، كلمات اخترتها بعناية وكنت أعنيها، عسى أن ترقى فأحظى بشرف أول السلم ويكفيني شرفاً ألاّ أبارحه... أيها الخــالد فينا وفي سفر التأريخ
والمعتذر، في حضرتك، إن مراشف الدمع لم تنفع والوفاء قد قصّر... ســـيّدي الوالد
في حضرة الوالد
لعَــــلَّ الصـبرَ يأتينـــا البديــــــلا
عنِ الأحـــــزانِ أو يُحيـِيِ القتيـلا
وبي ممـّــــا يؤرقـني جســـــــــامٌ
فأحســـدُ في دموعيَ أن تســــيلا
وكيفَ العـَـينُ تهجـرُهـا دمــــوعٌ
إذا كانت لآهـــــاتٍ ســــــــبيلا ؟
هيَ الأيــــــــامُ ترفــــــدُنـا بمــــــــرٍّ
وتجعـلُ مُــــرَّهـــــا حمـــلاً ثقـيــــلا
فراقــَك أرتوي مــــــــرّاً بصمتٍ
فأحســـبهُ بمجــدكَ ســـــلســـبيلا
وصمتي أقسـى من صخبِ الأنينِ
فأمسى في أحـــــــاينٍ عـويـــــلا
يداوي الجُــرحَ في نفسي قصــيدٌ
ومِن شـــــــوقٍ بَـــدا داءً عليـــلا
ويجهلني بذاكَ الجـــــــــرحِ يأسٌ
أُمنـّي العيشَ بي صــبراً جميـــلا
تـُرى هلْ للدواءِ اليـــومَ نفـــــــعٌ
وصبري باتَ مِنْ ذكراكَ عِـيلا ؟
وكنتُ بمـــــــا تروّيني نضـــاراً
وكنتَ الدفءَ والعـطفَ الظــليـلا
حـكيمــاً كنتَ قـــدواً في كــــرامٍ
بســـيطاً، عــــادلاً فـــذّاً، نبيـــــلا
وكم عــــاندتُ فيكَ الناسَ قــولا
فرأيتُ الجَــمَّ في مـــــــدحٍ قـليـلا
فـِرِنـْدُكَ يا أبي في الشـِّـعرِ برقٌ
فأيُّ القـــدِّ إن حَـمَـلَ الصقيــــــلا
وما مالت لدونِ الشـــِّــعرِ كـَـفُّ
فتثقــلهـــــــا بتـبـْرٍ كي تميــــــــلا
ســــدولُ التـّبرِ تجمعــها قريضاً
على الشـــــــطينِ تنثرها مُقـيـــلا
ولا أنســـــــــى صوارمَها علينا
فأمســـت في ثنايانــــا ســـــَـــليلا
تحاكي الشــمسَ عن علوٍ بكعـبٍ
أرى الأجبالَ تغلبهــــــــا طويـــلا
بواســــــقـُها بكــفٍّ منكَ تعـــــلو
كأنـَّكَ ســــــفحُها يضفو الخميـــلا
على شـــرقٍ تطلُّ الشـمسُ ضوءاً
وتمنحـُــها قصـــائدكم أصــــــيلا
ويعـــرفكم بأطيـــــــارٍ قصـيـــــدٌ
وذا نظـــــمٌ ترتلهُ هديــــــــــــــلا
ولســــــــــتُ مبالغــــــــاً أنّا بدأنا
صدى الأشــعارِ نســمعها صليلا
أرى الأغصانَ تزهو في حروفٍ
فكيفَ الزهــوُ إنْ فضتَ الكـَميـلا
وتأتينـــا، فلم أمـــــدحْ، بســـــبقٍ
وإعجـــــازٍ يفــوقُ المـُســـــتحيلا
ألا فابشــرْ فـهـــذي الخـيلُ نادت
فوارســَــها إذا نطـــقت صهـــيلا
ســــــتعرفكم ربى أُمَــــمٍ بسـِـــفرٍ
كمـا عرَفت فـــــراتاً والنخـيـــــلا
إخالُ الشـِّـعرَ في وصفٍ عقيمــاً
وكنتُ الأمسَ أحســـــبهُ جــــديلا
فكيفَ الوصفُ في مَنْ طالَ مجداً
فأضحى المجدُ في وصفٍ نزيلا ؟
أُمَنّي النفسَ - تدري بي - قريضـــاً
ومثلكَ ما رأت نفســـــي مثيـــــلا
أتعــذرُني غـَـريقــاً في بحـــــــورٍ
فتمنحـــــنا من الأوزانِ قيــــــــلا
هجــرتَ الدنيا لا أســـــفاً عليهــــا
ومجدُكَ أمســى في الدنيـا بديـــلا
ســـألتُ الجـرحَ هل يشـفى بجرحٍ
وهل جَمرُ اللظى يروي الغليــلا؟
أتتركني يتيمَــــــاً في زمـــــــــانٍ
بـدا مُـــرّاً لنــا، داءً دخيـــــــلا ؟
يطوفُ الشــوقُ نـُسْـكاً في نهاري
وأطمعُ أنْ يعــــــــاودَ منكَ ليـــلا
يكــــــادُ الصمـتُ يقتلني، وعيني
فأغمضهــــا بذكراكم كحيـــــــلا
ألا أشـــــــدو وتســـــــمعني وإلاّ
لمـاتَ الشعرُ منكسـِـــراً هَــزيلا
ســــــأجعلُ مِن ثراكم لي مزاراً
وحـــــينَ ممــــاتي أجعلهُ دليـــلا
أتســــــمحُ أن أجـــاورَكم بلحدٍ
فأطمعَ في اللقا شــِــبْراً، جليـلا ؟