أدب ومعتقدات المندائية

مؤلفون مندائيون
سميع داود
المشاهدات: 6278
تقييم المستخدم: / 15
ضعيفممتاز 

قراءة

كُتب بواسطة Super User

بغداد – صفاء ذياب
"أنا الجفنة السنية الوادعة.. أنا الكرمة التي غرست في لبَّة البهاء.. في جذر البهاء غرست، والعظيم غارسي، وهو الذي وهبني حارسي.. غمرني ضياءً على ضيائي وأقام لي حارساً يحرسني في الخفاء"..
تحيل النصوص المندائية، مثل نص كهذا، إلى روح وادعة بسيطة، تحب الحياة والبهجة والخير، وهذا ما عرف به المندائيون على طول تاريخهم في الجنوب العراقي أو أو حتى خارج العراق. إلا أن أغلب نصوصهم بقيت في خزائن رجال الدين المندائيين، وبلغتهم القديمة، ولم يترجم منها إلا النزر اليسير. فكتابهم المقدس؛ على سبيل المثال، لم يترجم كاملاً إلا في العام 2000. هذا ما يؤكده الكاتب سميع داود في كتابه الصادر حديثاً "المندائية أدباً ومعتقدات"، فهو يرى في هذه الديانة انها ذات إشكاليات عديدة، "لذا كثر حولها جدل واسع وأطلقت بشأنها آراء مختلفة، وهذا يحسب لصالحها. فهي ستظل منطلقاً لتساؤلات مستمرة في الحاضر المستقبل".
وفي مقالاته عن الأدب المندائي يشير داود إلى أنه تناول أهم الموضوعات التي كانت تشغل بال الناس وتهم حياتهم العامة والخاصة، وفي مقدمة ذلك نظرتهم إلى الكون والخليقة وأصل الوجود وعالم ما بعد الموت والخلود وظهور آدم وحواء وفكرة الطوفان والنظرة إلى المياه الجارية "يردنا" باعتبارها حاضنة لعمليات خلق واسعة. كما تضمن هذا الأدب شكلاً من أشكال الملاحم تمثل في هبوط المخلص- الملاك هيبل زيوا- إلى عالم الظلام الذي تمت له السيطرة عليه. ومن الملاحظ تأثر هذا الأدب بالكتابات والنصوص السومرية واقتباس الكثير من الأساطير السومرية ونسبها إلى المندائية، حالها حال أغلب الديانات القديمة التي تستنسخ الأساطير وتقدمها بثوب جديد يلائم عقائدها ومرتكزاتها الفكرية. لكن داود؛ في الوقت نفسه، يبين أن النصوص المندائية حافظت على نفسها من عمليات التشويه والانتحال والحذف والإضافة التي تعرضت لها المدونات القديمة، بسبب عزلة المندائيين والنزعة المحافظة لدى رجال الدين وتمسكهم الشديد بإرثهم الديني وحرصهم على دقة الاستنساخ والإشراف، لهذا ظل الأدب المندائي حبيس المخطوطات طوال قرون عديدة لم يطلع عليه أحد إلا أولئك الذين يعرفون اللغة المندائية.
وفي معرض حديثه عن أسلوبية الأدب المندائي، يرى داود أنه تميز بجماليته ورؤاه الشعرية المكثفة، "لذا جاز لنا أن نعده أدباً عالمياً ذا منطلقات إنسانية وأنساق ذات طابع غرائبي لا يمكن فهمها وإدراكها إلا من خلال وعي متقدم وثقافة عالية وحال من التأمل الشديد، فالعبارات والجمل والمفردات ذات مدلولات كثيرة تستغلق على معانٍ وصور شتى لاستخدام الرمز والاستعارة والمجاز بكثرة مما يجعل المتلقي حائراً ومنبهراً في الوقت نفسه". ويضيف ان الأدب المندائي عبر نصوصه الميثولوجية واللاهوتية ومجموعة التراتيل والدواوين الدينية العديدة تشكل بؤرة لتكوين تصورات وتوليد رؤى ذات مساحة فيها جانب كبير من الخيال.
ومثلما اشتغل داود على الأدب والديانة المندائية، حاول أن يحدد أسس ورموز الثقافة الشعبية، فبيَّن أنها ترتبط بالطقوس التي يمارسها المندائيون، وهي ذات خصوصية تتسم بروح شعرية وبالقدم، "مما يؤكد نشاط وفاعلية الأفكار المؤسسة التي أفرزتها، لذا فقد استقرت في الذاكرة المندائية جملة من التصورات والرؤى التي أنتجتها الممارسات الطقسية وهي متنوعة، منها شعائر الصباغة- التعميد- والزواج والصلاة وطعام الغفران- اللوفاني- والوفاة وطقوس الأعياد. وقد تركت آثاراً لها في المخيلة المندائية لتحفزها على إنتاج ثقافة شعبية متداولة ومستمرة".قدم داود في كتابه ست مقالات، تتسم باللغة الواضحة والطرح البسيط، مثل الغنوصية المندائية، وتحولات الأدب الديني، وملامح من الثقافة الشعبية، وتأثير الأدب المندائي في إنجيل يوحنا وسفر الرؤيا، وغيرها. إلا أن الملاحظ في الكتاب ان داود اشتغل على النصوص الدينية والأدعية باعتبارها أدباً مندائياً وليس نصوصاً يفترض أن كتبتها لم يعنوا بالأدب، بل كان همهم تقديمها في أثناء الصلاة والطقوس الدينية، هذا من جانب، ومن جانب آخر خلا الكتاب من أي نماذج لنصوص أدبية مكتملة، وكان من المفترض أن يقدم هذه النصوص، حتى لو أخذت مساحة كبيرة في الكتاب، من أجل أن يأخذ القارئ نظرة واضحة، تتناسب مع عنوان الكتاب بالدرجة الأولى.
يشار إلى أن الكتاب صدر عن ديوان أوقاف الديانات بـ112 صفحة من القطع المتوسط.


أضف تعليق


كود امني
تحديث

كتب جديدة