بعد ان انقضت العطلة الإجبارية التي تعطلت فيها الدراسة لمدة تجاوزت الشهرين في كليات بغداد ومعاهدها ومدارسها الثانوية على اثر الانتفاضة الجماهيرية التي عمت مدن العراق كافة نتيجة قيام العدوان الثلاثي على (مصر)، والذي أبتدأ يوم 29/10/1956 وبمساندة الحكومة العراقية من طرف خفي لهذا الاعتداء الغاشم مما سبب ذلك حصول نهوض ثوري لعموم فئات الشعب العراقي وفي مقدمة تلك الشرائح والفئات كان طلبة الكليات والمدارس الثانوية عموما ولا نستثني أنفسنا نحن طلبة دار المعلمين العالية سابقا ( كلية التربية) لاحقا، حيث قدمنا شهيدا من طلبتنا في المظاهرة التي انطلقت صباح اليوم الثاني لحصول ذلك العدوان والتي ضمت طلبتنا و طلبة الكليات والمعاهد المجاورة لنا واعني بها ( كلية التجارة والهندسة وثانوية الصناعة) وعند وصولنا إلى محطة قطار شرقي بغداد جوبهنا بالرصاص من قبل الشرطة المدججة بالأسلحة والمتأهبة لقمع أية تظاهرة، وعندها سقط برصاص تلك القوات البوليسية احد طلبة كليتنا شهيدا، وهو الطالب الشهيد ( ناجي نعمة السماوي) وكان طالبا في السنة الثالثة / قسم الفيزياء. وعند الظهر صدر قرار بتعطيل الدراسة في الكليات والمعاهد ثانويات بغداد لأجل غير معلوم، وعند التئام شمل الدراسة مجددا في أواسط شهر كانون الثاني 1957م، نشط (اتحاد الطلبة العراقي العام) والمتمثل باللجنة التي تدير نشاطه سريا في كليتنا، فقامت بطباعة صور الشهيد السماوي وتم توزيعها من قبل نشطاء الاتحاد على بقية الطلبة فولد ذلك حماسا ثوريا في نفوسهم مما ساعد على انضمام اعداد غفيرة منهم الى تنظيمات الاتحاد وكان هذا واضحا في العديد من النشاطات الطلابية التي نظمت وقتها بعيدا عن عين الادارة متمثلة بالسفرات والحفلات الطلابية
وعندما اقتربت الذكرى التاسعة لمؤتمر ساحة السباع والذي انعقد في تلك الساحة لاعلان تأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام وذلك يوم 14 نيسان 1948
عندها قررت اللجنة الاتحادية الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة يوم 14 نيسان 1957 والذي كان حينها يوم دوام اعتيادي ، لذلك ارتأت اللجنة الاتحادية القيام بكتابة شعارات تمجد المناسبة وتأريخها وكذلك تمجد نضال الشعب العراقي البطل , لذلك تم احضار عددا من الورق المقوى( كارتون) بحجم كبير مع أقلام الخط والحبر الصيني الأسود وبدأ العمل قبل اسبوع من يوم المناسبة وانتدبت انا لمهمة القيام بخط اللافتات المذكورة حيث بدأت أزاول مهمتي في إحدى الغرف العائدة لسكن بعض طلبتنا الاتحاديين في احد الأقسام الداخلية لطلبة السنة الأولى الواقع في منطقة الوزيرية قريبا من البنايات الرئيسة لأقسام الكلية واستغرق العمل مني لانجازه بضعة ليالي وفي صبيحة الرابع عشر من نيسان 1957 و الذي صادف الذكرى التاسعة لمؤتمر السباع الخالد وأثناء توجه الطلبة لتناول طعام الفطور الصباحي في مطعم القسم الداخلي والذي هو ضمن بنايات مجمع الأقسام الدراسية شاهد الجميع شعارات خطت على أوراق كارتونية كبيرة قد رفعت على واجهات جميع بنايات أقسام الكلية ومن ضمنها واجهتي المطعم والمكتبة جميعها تحمل تمجيداً لتلك الذكرى الخالدة مما احدث ذلك العمل اعتزازا وتقديرا في نفوس طلبة الكلية لاتحادهم المناضل واستمرت تلك اللافتات مرفوعة طيلة الدوام الرسمي وفي نهايته أوعزت العمادة الى عمال الخدمة برفعها دون التوصل إلى معرفة من هم الأشخاص الذين كانوا وراء هذا العمل البطولي.
بمناسبة الذكرى الخامسة والستين
لمؤتمر ساحة السباع - 14/4/1948
تأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام
اطلعت على موضوع الاخ الاستاذ فاضل فرج خالد والموسوم بعنوان ( الرابع عشر من نيسان 1957 - يوم في ذاكرتي ) والمنشور في صحيفة طريق الشعب الغراء هذا اليوم الثلاثاء 16 نيسان 2013 ، وقد اثار شجوني وذكرياتي عن تلك الايام الخالدات حيث بلغت الحركة الوطنية الطلابية ذروتها آنذاك .. كما اعادت ذاكرتي بوصفه الرائع لاجواء تلك الايام وكأني اعيش تفاصيلها هذا اليوم .. فقد انطلقت المظاهرات الطلابية المتلاحمة مع جماهير الشعب العراقي بجميع شرائحه بعد العدوان الثلاثي الغاشم على مصر اوكتوبر 1956 وباشتراك غارات جوية عراقية غير معلنة من الحبانية قي ذلك العدوان
انطلقت الشرارة الاولى للمظاهرات من مجموعة الكليات في الكسرة وهي دار المعلمين العالية وكلية الهندسة وكلية التجارة وكلية الحقوق وثانوية الصناعة وبتضامن كليات الحكمة في باب المعظم ( كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان والموظفين الصحيين ) وبسبب تمترس قوات الشرطة السعيدية ورجال الامن المدججين بالسلاح في ساحة باب المعظم كان من الصعوبة بمكان التحام المتظاهرتين ، ولكن بعزم واقدام المتظاهرين القادمين من الكسرة والاعظمية وجماهير الشعب الاخرى حصل الاشتباك بينهم وبين رجال الشرطة وهم يطلقون النار عشوائيا على المتظاهرين في ساحة باب المعظم ، فسقط الشهيد الاول البطل ناجي نعمة السماوي احد طلاب دار المعلمين العالية ، والتحمت جموع المتظاهرين مع الشرطة من عدة اتجاهات ، وشاهدت الشهيد بعد قليل في منظر مؤلم لن انساه ابدا وهو بين ذراعي خطيبته وزميلته الطالبة في نفس الكلية وسط حزن وغضب عارم من قبل المتظاهرين
واستمر الغليان لعدة ايام وحتى ايقاف العدوان على مصر بتدخل دولي حينذاك وقد لعب الاتحاد السوفيتي دورا حاسما في ايقافه ، بعدها طالت الاعتقالات والمطاردات للعديد من الطلبة فهدأت الاوضاع نسبيا
كانت تربطني بالشهيد المناضل ناجي نعمة السماوي صداقة حميمة وكان زميلي لسنتين في الاعدادية المركزية وهو من ضمن مجموعة طلبة من السماوة واقربهم اليه هما المرحوم عبد جايد السماوي ( مدير تربية السماوة فيما بعد ) وعبد العظيم عبد الصاحب السماوي ( مهندس استشاري فيما بعد ) ، كانوا خلال المواسم الدراسية ايام الاعدادية يسكنون في الفنادق ، وبعدها في الاقسام الداخلية ، وكانوا في زيارات مستمرة لي للتذاكر سوية احيانا في دارنا في محلة الكريمات / الدوب ، ومن الاشياء الجميلة التي ميزتهم كاصدقاء يتصفون بدماثة الخلق والطيبة ، كانوا يطلبون من والدتي ( رحمها الله ) ان تطبخ لهم اكلات مندائية مميزة ، فكانت تلبي طلباتهم بين فترة واخرى لانهم في بغداد عزاب وغرباء وتطلب مني ان ادعوهم .. وعند قدومهم نرى فيهم روح الفرح والدعابة والامتنان والتلذذ بالاطباق المندائية ... فقد رحل احدهم الشهيد البطل ناجي نعمة السماوي قبل اوانه تاركا اهله وخطيبته واصدقائه بالآلام والحسرة .. ولكنه بقي خالدا في قلوب اهله واصدقائه ومحبيه
اما المرحوم المربي الفاضل عبد جايد السماوي والمهندس الاستشاري عبد العظيم عبد الصاحب السماوي فقد استمرت علاقتنا وصداقتنا لعشرات السنين وحتى سنين قليلة قبل سقوط الصنم والتغيير في العراق
اما عن الاحتفال بالذكرى التاسعة لميلاد اتحاد الطلبة العراقي بتاريخ 14/4/1957 والذي تطرق له الاستاذ فاضل فرج خالد ولم تسنح الفرصة لبقية الكليات بالاشتراك به معنا في السفرة لهذا الغرض ، فقد قام اتحاد الطلبة في كليات الحكمة (الطبية والصيدلة وطب الاسنان والموظفين الصحيين) بتنظيم سفرة طلابية الى بساتين سدة الهندية / الحلة في اول جمعة بعد 14/4 للاحتفال واحياء الذكرى الخالدة .. وكان تجمعا طلابيا كبيرا واحتفالا رائعا لازال عالقا في الذاكرة
ولكن للاسف لم تسير الا مور بعدها على مايرام .. اذ القي القبض على احد الطلبة المفصولين من الكلية الطبية لاسباب سياسية ( جبار حسين البصري _ تخرج طبيبا بعد الثورة ) وعثر في جيبه على قائمة اسماء كثير من الطلبة وفيها عناوينهم ... وشنت السلطة حملة اعتقالات طالت العشرات من الطلاب الناشطين وانا منهم وكذلك ابن عمتي المرحوم شاكر يوسف الحيدر الطالب الناشط في كلية الآداب ، وبقينا في معتقل التحقيقات الجنائية في شارع النهر ( المستنصر ) وقد تعرضنا للتعذيب الجسدي والنفسي ( لا زلت اتذكر ذلك الطنين المؤلم في اذني نتيجة صفعات قوية على وجهي من قبل ذلك الضابط اللعين ) ، ولعدم تمكن التحقيقات من انتزاع اعتراف من المعتقلين وانكار المتهم جبار حسين لقائمة الاسماء اطلق سراح معظم المعتقلين الا هو ، وحكم عليه بالحبس لمدة ستة اشهر
عاشت ذكرى مؤتمر ساحة السباع في 14/4/1948 يوم ميلاد اتحاد الطلبة العراقي العام
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية
لم أتعرف حتى عام 1955 في مدينتي الحلة أو في عموم العراق على الكثير من الأخوة المندائيين بسبب كونهم كانوا قلة قليلة جداً في مدينة الحلة . في وبعد عام 1955 تعرفت على البعض منهم أصدقاءً وزملاءً أثناء سنوات الدراسة في دار المعلمين العالية ( 1955 ــ 1959 ) في جامعة بغداد كما سنرى . ثم َّ تعرفت على العديد منهم خلال السنوات التي تلت هذه الأعوام تحت ظروف شتى متباينة
1 ــ
الأستاذ فاضل فرج خالد
تعرفت على الصديق فاضل فرج خالد يوم أنا كنا طلاباً في ثانوية الحلة للبنين ... وبالضبط خلال العام الدراسي 1953 ــ 1954 . كنت أنا في السنة الخامسة الإعدادية وكان فاضل بعدي بعام واحد فقط . لا أتذكر أين أمضى سنوات الدراسة المتوسطة الثلاث ، في الحلة أم في ناحية المدحتية
( الحمزة يومذاك ) حيث والده وباقي أفراد عائلته . كنت ألاحظ الزميل فاضل شاباً كثير الهدوء عظيم الخُلق مسالماً لا يحب المجادلات ولا يقحم نفسه ( شأن بقية الطلبة يومذاك ) في منازعات وخصومات أيا كان طبعها ودوافعها . كان شعاره [[ إدفعْ بالتي هي أحسنُ فالذي بينك وبينه عداوة ٌ كأنه ولي ٌّ حميم ]] . هكذا عرفت فاضل فرج طالب الثانوية . رغم كونه جاء الحلة من ناحية الحمزة ، ثم كونه ينتمي للطائفة المندائية (( الصبّة )) الصغيرة ... كان نشطاً إجتماعياً بين الطلبة . تحفظاته وتحوطاته أقل من تلك المعروفة في وعن أبناء بقية الطوائف غير الإسلامية . أخبرني فاضل فيما بعد إنه كان يزور خلال فترة قصيرة من تلكم المرحلة بيت الشاعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد . كان عبد الرزاق حينذاك مدرساً للغة العربية في متوسطة الحلة للبنين . جاء الحلة مباشرة ً بعد تخرجه في دار المعلمين العالية سنة 1954ــ 1953 . فصل من وظيفته عام 1954 وكنتُ أراه يعمل صائغاً في دكان صغير في شارع النهر في بغداد .
عدنا وفاضل لنلتقي ثانيةً طلاباً في دار المعلمين العالية في خريف 1955 ... هو يدرس علوم البايولوجي ( علم الأحياء ) وأنا أدرس الكيمياء . عشنا في الأقسام الداخلية للكلية معاً وكنا لا نفترق تقريباً . كنا طلاب قسم الكيمياء وطلبة قسم البايولوجي نحضر محاضرات مادة الفيزياء معاً ... وكان أستاذ هذه المادة الأنسان الرائع المرحوم سعدي الدبوني ، الصديق المقرَّب والحميم للبروفسور المرحوم المندائي عبد الجبار عبد الله. أتذكر جيداً كيف كان يأتينا أستاذنا الدبوني أحياناً متأخراً بضعة دقائق ... فهمنا في حينه إنه كان يشغل وظيفة مرموقة في الحكومة العراقية يومذاك ... مدير دائرة أو مديرعام أو شئ من هذا القبيل . كان يأتي الكلية بسيارة صغيرة لعلها بريطانية الصنع. هذا الأمر زاد في علاقاتنا حميمية ً وصرنا نقضي معاً أوقاتاً كثيرة في نادي الكلية أو في حدائقها خاصةً في الأوقات التي كنا ننتظر فيها مجئ أوان ساعات وجبات الطعام الثلاث التي كان طلبة الكلية يتمتعون بها مجاناً . ما كان فاضل آنذاك يختص بصديق أو زميل بعينه ، كان صديق وزميل الكل وما عرفنا عنه إنه يؤثر بني طائفته على بقية الطلبة . كان أممياً في طبعه ومنذ نشأته الأولى وفترة شبابه . بعد ثورة تموز قفز إسم فاضل فرج مرشحاً قوياً ليحل محل مهدي الحافظ ، رئيس إتحاد الطلبة في الكلية ، فقد قفز الحافظ ليتبوأ منصب رئيس إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية . لا أدري بالضبط ماذا دار خلف الكواليس لكن ، إختفى إسم فاضل فرج وبرز بدلاً منه إسم الصديق عبد الجبار عبد الحليم الماشطة فغدا الماشطة رئيساً للأتحاد في دار المعلمين العالية وقد تحولت إلى كلية التربية . كان الماشطة صديقاً قريباً من فاضل سوية ً مع الصديق المشترك بيننا ( عبد الحسن عبد الرزاق الكُفيشي / أستاذ في جامعة بغداد فيما بعد) .
لم ألتق ِ والصديق فاضل فرج بعد تخرجنا في كلية التربية فقد تم تعيينه مدرساً في الشطرة أو في سوق الشيوخ في حين تم تعييني في مدينتي الحلة . لكننا إلتقينا بالصدفة المحضة في بغداد آواخر شهر حزيران عام 1977 في مبنى السفارة الجيكية وكان قصدنا تأمين الحصول على تأشيرة دخول هذا البلد إنقطعنا مرةً أخرى حتى تم بيننا لقاء قصيرمساء يوم من أيام آواخر شهر مايس عام 2002 في العاصمة السويدية ستوكهولم . كنتُ هناك مدعواً من قبل نادي 14 تموز الثقافي الديمقراطي لإلقاء محاضرة وبعض أشعاري . إفترقنا لكننا واصلنا الإتصالات التلفونية بين حين وآخر. ثم كانت تصلني أخباره عن طريق بعض الأصدقاء المشتركين فضلاً عما كنت ُ أزوده به من أشعار ومقالات أدبية قصيرة لينشرها في المجلة الثقافية المندائية (( الصدى )) حيث كان وما زال عضواً في هيئة تحريرها .
2 ــ
شاءت الصدف يومذاك ، حين كنا طلبة سنة أولى في دار المعلمين العالية ، أن أتعرف على طالب مندائي من العمارة يسبقني في الدراسة بثلاثة أعوام وكان ذلك أمراً نادرَ الحصول . فطلبة السنة الأخيرة في الكلية كانوا يحسبون أنفسهم صاروا مدرسين على الملاكات الثانوية والمتوسطة ، أما باقي الطلبة فما زالوا طلبةً مبتدئين
( زعاطيط ) لا يستحقون عقد صداقات . وكان فراشو الكلية يسمون الواحد منهم ( أستاذ ) فيزدادون غروراً . شذ عن هذه القاعدة طالب السنة الرابعة بايولوجي ( مثل فاضل ) إبن العمارة المندائي ( أُسامة إبراهيم يحيى ) . كان طريفاً منكّتاً خفيف الظل طيب الحديث والمعشر . وخلاف فاضل ، ما كان يعرف التحفظ المعروف عن الصابئة . كان يقص القصص وفيها ما فيها من كلام لم أسمعه من فاضل أبداً . ما كان يتحرج من ذكر الفاظ ٍ مكشوفة محرجة أو تخدش المشاعر وكان أحياناً سليط اللسان . أحببته كثيراً وكنت أود دوماً مصاحبته في النادي أو التمشي في حدائق الكلية أو أحياناً نتمشى معاً حتى باب المعظم بدل ركوب الباص المألوف ( أظنه يحمل رقم 7 ) . سمعت أخيراً أنه ما زال حياً يقطن بغداد.
3 ــ
من هو المندائي الآخر في دار المعلمين العالية ؟ إنه البروفسور الأشهر الدكتور عبد الجبار عبد الله . كان الأستاذ عبد الجبار مضرب المثل الأعلى في علمه وأخلاقه ومسلكه . كان طلبته يقدسونه تقديساً . كان بعض أصدقائي الحلاويين وغيرهم من طلبته يحكون عن علمه الأعاجيب. أتذكر منهم علي حسين وتوت وعبد الوهاب عبد الشهيد والمصلاوي حكمت فرجو والصديق النبيل أدور حنّا الساعور . بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 أصبح الدكتور عبد الجبار رئيساً لجامعة بغداد بعد منافسة مشهورة بينه وبين الدكتور عبد العزيز الدوري حسمها عبد الكريم قاسم بترجيح كفة الأستاذ عبد الجبار . ما زلت أتذكره كيف كان حريصاً على أداء رسالته التعليمية السامية وتربية شباب العراق إذ لم تمنعه مهمات رئاسة جامعة بغداد المعقدة من مواصلة التدريس بكل دقة . كنت أراه يأتي دار المعلمين العالية يقود سيارة جامعة بغداد بنفسه تعففاً من أن يقودها السائق المكلف بقيادتها . كانت سيارة فورد صالون أمريكية ماركة فورد سماوية اللون تحمل علامة ( رئاسة جامعة بغداد رقم واحد ) . ما كانت تهمه المظاهر أبداً ، فكان يأتي صيفاً وهو رئيس جامعة بغداد بقميص أبيض وبنطرون لا غير . لا بدلة كاملة ولا ربطة عنق . عرف العراقيون ما جرى لهذا العالم الجليل إثر إنقلاب الثامن من شباط عام 1963 من إعتداءات وسجن وإبعاد من الوظيفة فأُضطر إلى مغادرة العراق والعمل والعيش في الولايات المتحدة الأمريكية إذ كان موضع تقدير وترحيب عاليين من قبل بعض الجامعات الأمريكية . غادر الدنيا في أمريكا وأظن إنه أوصى أن يدفن تحت تربة العراق ، وطنه ووطن أجداده الأقدمين . يشرفنا أننا طلاب تلكم المرحلة أن يرعى البروفسور عبد الجبار عبد الله حفل تخرجنا صيف عام 1959 في ساحة ملعب الإدارة المحلية الكبيرة الواقعة في حي المنصور من بغداد . خطب في هذا الحفل عبد الكريم قاسم يقف إلى جانبه المرحوم عبد الجبار رئيس جامعة بغداد .
4 ــ
عبد الرزاق عبد الواحد
قرأ الشاعر عبد الرزاق ، وكنتُ أحد الحضور ، في نادي إتحاد الأدباء العراقيين صيف عام 1961 قصيدة ( يا خال عوف ٍ عجيبات ُ ليالينا ) يجاري فيها قصيدة الجواهري ( يا أم َّ عوفٍ عجيبات ٌ ليالينا ) تعرض فيها صراحة لما وصل إليه حال العراق آنذاك من التمزق والتطاحن والإغتيالات والتجاوزات غير المسبوقة ثم التحول عن نهج الديمقراطية وسيطرة البعثيين والقوميين على أغلب مرافق الدولة : الجيش والشرطة والمحاكم والأمن والإستخبارات العسكرية ومعظم مناصب الدولة الحساسة . لم يمضِ إلا يوم أو أكثر إلا وتم إبعاد عبد الرزاق من منصبه معاونَ مدير معهد الفنون الجميلة في بغداد فجاء الحلة مدرساً في ثانوية الحلة للبنين . هنا توثقت علاقتي لأول مرة بالشاعر الزميل عبد الرزاق عبد الواحد إذ كنتُ مدرساً في متوسطة الحلة للبنين . كنا نقضي بعض الأوقات نتجول في سيارته البريطانية خضراء اللون ( أظنها ماركة زفير ) وأحياناً بسيارتي الروسية مسكفيج الزرقاء . وكان أحياناً يزورني في بيتنا ونتداول موضوعات سياسية شتى . كما كنا نلتقي في مقهى قريبة من دارنا في الحلة حيث كان يلعب [ الأزنيف ] مع الصديق المرحوم شوكت عباس . ما كنت أعرف هذه اللعبة لذا كنتُ متفرجاً أو أسجل النقاط لقاء شايات مجانية على حساب الخاسر في الجولات . نشط عبد الرزاق كثيراً كشاعر في هذه الفترة ولكن لم تكن الظروف السياسية يومذاك تسمح بإلقاء الشعر في منتديات أو تجمعات أو مناسبات عامة . كان يلقي أشعاره على حلقات خاصة من الأصدقاء في بيوتهم ويتم تسجيلها أحياناً . أزف صيف 1962 موعد مغادرتي العراق للدراسة في جامعة موسكو متمتعاً بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية . طلب عبد الرزاق مني أن أحمل إلى موسكو معي ديوانه الشعري للنظر في إمكانية إعادة طبعه هناك بمساعدة صديقه الشاعر عبد الوهاب البياتي . ما كان مرتاحاً من طبع وإخراج هذا الديوان وكان يشكو من كثرة ما ورد فيه من أخطاء مطبعية .
إعتذرت منه من أني معرض في مطار بغداد للتفتيش . ديوانه سياسي بالدرجة الأولى وفيه ما فيه من أشعار ثورية وأممية و... و... لكني وعدته أن أنقل طلبه حين أصل موسكو إلى الشاعر عبد الوهاب البياتي وهناك سيتم القرار . بالفعل ، إلتقيت ُ البياتي أواخر عام 1962 في جامعة موسكو لمناسبة إنعقاد مؤتمر إتحاد الطلبة العراقيين في الإتحاد السوفييتي . نقلت له رغبة عبد الرزاق فقال دون تريث وبشئ من الإنفعال : أنا نفسي هنا أعاني من صعوبات النشر !!
حدث إنقلاب الثامن من شباط عام 1963 وحصل في العراق ما حصل وقد نجوت من الموت المحقق . أخبرتني المرحومة والدتي في لقاء معها صيف عامي 1965 و1966 في بيروت ودمشق ... أخبرتني أن الحرس القومي بعد هذا الإنقلاب الفاشي الدموي مباشرةً جاءوا بيتنا يبحثون عني يحملون الرشاشات / أين عدنان أين عدنان ؟ قالت لهم إنتم تعرفون إنه في موسكو فصرخ أحدهم في وجه أمي {{ آخ ... مع الأسف ... طفر من الطاوة !! }} كان بين هذا الحرس بعض الطلبة الذين درستهم في متوسطة الحلة للبنين . سمعت أن أذى وبلاوي هذا الإنقلاب قد نالت من الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد أسوة بباقي المدرسين والمعلمين وباقي الناس وكان حينها ما زال في الحلة .
دارت الأيام والسنين ... أكملت دراساتي وأبحاثي في جامعتي موسكو وكالفورنيا الأمريكية ( إرفاين ) وعدت بإلحاح من الأهل إلى العراق فواجهتُ بدوري المصائب والمصاعب حتى تمكنت ُ بصعوبات بالغة من العمل في كلية علوم جامعة بغداد . صدر أمر تعييني في الخامس من شهر شباط 1970 . ضاع مني عبد الرزاق وما كنتُ أعرف مصيره أو مكان عمله حتى أرسل لي ذات يوم عام 1971 أو 1972 رسالة شفوية مع إبنة شقيقتي ( أسماء ) يعرب فيها عن رغبته أن يراني . أعطتني عنوان مكان عمله (( وزارة الثقافة والإعلام )) . زرته بالفعل هناك عدة زيارات وكان يشاركه مكتبه شاعر فلسطيني بعثي ( مصطفى علي أو علي مصطفى ...) وكان يأتي مكتبه بشكل دائم رئيسه عبد الجبار البصري . كان عبد الرزاق يقوم بمهام تصحيح وتحرير المقالات المرشحة للنشر في مجلة ( المعلم ) . كلما زرته وجدت قبلي صديقه الشاعر يوسف الصائغ . وكانت بينهما مودة وصداقة متينة . ثم إنتبهت إلى وجود شاب حلاوي جميل الوجه أخضر العينين يروح ويجئ إلى مكتب عبد الرزاق . إنه الكاتب عبد الستار عباس ... شقيق الصديق الأستاذ عبد الأمير عباس ( أو عبوسي ) .
إنقطعت علاقتي بالشاعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد بعد أن أصبح مدير معهد الدراسات النغمية ولم أره بعد ذلك أبداً . غادرت العراق في اليوم التاسع من شهر تموز عام 1978 ولم أعدْ إليه حتى هذه اللحظة . صعد نجم الشاعر عبد الرزاق صعوداً خرافياً وقد غدا شاعر صدام حسين وإبنه عدي كما يعرف الجميع . سألتُ عنه بعض معارفه من الأخوة المندائيين فقالوا إنه يتنقل بين دمشق وباريس .
5 ــ
الدكتور إبراهيم السُهيلي / أبو سوسن
تعرفت على هذا الإنسان المندائي الرائع شهر حزيران عام 1971 حين ضمتنا لجنة الإشراف على الأمتحانات النهائية لطلبة الأقسام العلمية في كلية التربية الملغاة يومذاك . كان البروفسور السهيلي يمثل قسم البايولوجي وأنا أمثل قسم الكيمياء والأخ الأستاذ سليم الغرابي ( أبو محمد ) يمثل قسم الرياضيات والدكتور رحيم عبد آل كتل ممثلاً لقسم الفيزياء ورئيساً للجنة . تعرفت على الأستاذ السهيلي جيداً خلال عملنا في هذه اللجنة ليلاً ونهاراً . لمست ُ في الرجل النزاهة والشجاعة وعلو الهامة والهمة . ثم عرفت أنه هو الآخر ناله الكثير من الأذى والظلم على أيدي القتلة الفاشيست أنقلابيي الثامن من شهر شباط 1963 . ألا نعم الرجل إبراهيم السهيلي عالماً فاضلاً وصديقاً صدوقاً وزميلاً زكياً طاهر الروح والسريرة . تعمقت علاقتي به أكثر بعد أن أنتقلنا إلى كلية العلوم / جامعة بغداد خاصةً وكان قسمانا ( الكيمياء والبايولوجي ) متجاورين في الكلية يربطهما جسر معلق قبل أن يهدمه الصديق النادر عميد الكلية الدكتور مجيد القيسي لأسباب تخص السلامة والشك في قدرة هذا الجسر على تحمل أثقاله بعد أن شاخ وهرم . وكان معه في القسم أستاذنا الدكتور المرحوم محمد سليم صالح وإبن الحلة المرحوم دكتور أحمد شوقي و نخبة أخرى من المعارف والأصدقاء .
6 ــ
الأستاذ عزيز سباهي / أبو سعد
كنتُ في سبعينيات القرن الماضي ألتقي والأخ عزيز في مقر صحيفة
( طريق الشعب ) في منطقة البتاويين من بغداد . إفترقنا هو إلى الجزائر وأنا إلى ليبيا . ثم جمعنا لقاء صيف عام 1981 في العاصمة الجيكية براغ
، جاءها أبو سعد من الجزائر وكان معه الدكتور عزيز وطبان وزوجه أم ذكرى والدكتور عبد اللطيف الراوي وحرمه أم دريد ودريد وأخواته الصغيرات . ثم كان كذلك الأستاذ إبراهيم أحمد الداوود وعقيلته . لا أدري لِمَ لمْ تأتي السيدة ليلى ، زوج عزيز معه إلى براغ . غادرنا براغ : رجعت أنا إلى العاصمة الليبية طرابلس . عزيز سباهي إلى الجزائر ومنها إلى كندا . أحمد إبراهيم إلى الجزائر ومنها إلى السويد . عزيز وطبان إلى الجزائر ومن الجزائر إلى هنكاريا . وغادر عبد اللطيف الراوي مدينة براغ كذلك للجزائر ... ومنها إلى سوريا ، ثم الإنتقال الأخير لأبي دريد ... للعالم الآخر مع شديد الأسف !!
7 ــ
أما في مدينة ميونيخ الألمانية فقد أسعدني الحظ بالتعرف على الصديق الوفي الكريم السيد ( كلدان قبيس ) وعائلته وأولاده ماجد ومحجوب وخلدون ... لقد أنجب أبو ماجد ونعم ما أنجب . كما تعرفت قبل بضعة سنين على أخيه الأصغر منه الشاعر الدكتور قحطان الأستاذ في بعض الجامعات الأمريكية . علاقتي وثيقة بالصديق الصدوق أخي كلدان ونكاد لا نفترق رغم صعوبة ظروفه العائلية جرّاء توعك صحة السيدة أم ماجد . الصديق ( كلدان ) موسوعة في الشعر الشعبي يحفظ منه آلاف الأبيات فضلاً عما ينظم هو من جميل وبليغ مثل هذه الأشعار . لا يكاد يفارقه مَن يسعفه الحظ في التعرف عليه ... رجلاً متواضعاً أميناً ومناضلاً يسارياً حافظ على شرف إلتزاماته السياسية التي تستهدف إعلاء شأن الإنسان وحريته وكرامته ومستقبله . لم يستطع البعث من تلويث نقاوة هذا الرجل ولم يطأطئ رأسه لطغاة بغداد الفاشيست ، فالعراق يفتخر ويتشرف بأمثاله . لا يبخل عليَّ بإعارتي ما بحوزته من كتب قديمة وحديثة وقد زودني ببعض كتب التراث المندائي ديناً وطقوساً وتأريخاً . أما بيته العامر فإنه مفتوح للأصدقاء ليلاً ونهاراً .
ختام / لديَّ معارف مندائيون آخرون ربطتني بهم علاقات غير عميقة وبعضها قصيرة أو وقتية أو موسمية . أذكر منهم الشاب الطريف البشوش ( منجد جواد غافل ) ... جاء موسكو شهر أيلول عام 1962 ثم غادرها إلى مدينة ( كراسندار ) هو وصديقه الكظماوي ( عباس الصرّاف ) ليدرسا الزراعة في جامعتها هناك . لمنجد خال كان كذلك طالباً في بعض معاهد موسكو . والد منجد هو المربي المعلم الفاضل السيد ( جواد غافل ) الذي كان يومذاك معلماً في بعض مدارس ناحية ( قضاء ) المحاويل التابع لمحافظة الحلة .
لقد كانت الاحداث السياسية ساخنة جدا آنذاك على الساحة العراقية قوميا بسبب القضية الفلسطسنية والحرب الدائرة فيها وبوادر تنفيذ القرار الدولي بتقسيم فلسطين وتكوين الدولة الاسرائيلية ، وداخليا بسبب الضائقة الاقتصادية والمعاشية للشعب العراقي والمضايقات والمطاردات ضد الصحافة والاحزاب والحركة الوطنية والحريات العامة وازمة الخبز، تزامنت مع اعلان صالح جبر رئيس وزراء العراق من لندن عن التوقيع مع آرنست بيفن وزير الخارجية البريطاني على معاهدة بورتسموث المهينة والجائرة في 18كانون ثان1948، فبدأت حالة الغليان في الشارع العراقي وشملت كافة شرائح المجتمع في بغداد والمدن العراقية بقيادة الاحزاب الوطنية التي نشرت بيانات تندد بالحكومة والمعاهدة وتطالب باستقالة حكومة صالح جبر ورفض المعاهدة واعلن العمال وطلبة المدارس والكليات تضامنهم مع جماهير الشعب ضد بيانات الحكومة ، اخذت الامور تتسارع نحو التأزم والتوتر وانتشرت حالة الرفض والتنديد بسرعة واستمرت الاضرابات والمظاهرات (يرجى الرجوع الى مقالة عشتار البرزنجي في الرابط ادناه --- من تجارب شعبنا في الكفاح السلمي - وثبة كانون عام 1948 --- لمتابعة تفاصيل دقيقة وتسلسل الاحداث وتطوراتها السريعة) حتى جاء يوم الحسم والمعركة الوحشية الطاحنة في بغداد والمدن الاخرى بين جماهير الشعب العزل من السلاح وقوات الشرطة المدججة بكافة انواع الاسلحة والاوامر المشددة في صبيحة يوم 27/كانون ثان/1948 وسقط في بداية المعارك اربعة شهداء وعدد من الجرحى مما زاد في غضب الجماهيرفوقعت معركة جسرالشهداء الشهيرة التي راح ضحيتها 40 شهيدا من بينهم الشهيد جعفرالجواهري والشهيد قيس الالوسي ، وكان عدد جرحى المعركة ما لايقل عن 130 جريحا ، وعلى اثرذلك سقطت الحكومة والغيت معاهدة بورتسموث الجائرة وتحققت معظم مطاليب الاحزاب الوطنية ، وبهذا فقد انتصر الشعب العراقي مسجلا ملحمة بطولية مشرفة بالاصرار والتضحيات والاباء والشهادة
شذرات وطنية مندائية في وثبة كانون المجيدة
وثبة كانون معركة جميع مكونات الشعب العراقي ضد الظلم
كل الذي ادركته في حينها وانا ابن الثانية عشرعاما ونيف من عمري ان مادار من احداث هو ثورة الشعب الموحد بجميع شرائحه واطيافه ضد الحكومة والنظام وان اختلفت الشعارات والهتافات ، ومما زاد في يقيني عن عدالتها هو مساهمة اهلنا ومعظم الصابئة المندائيين فيها من صاغة وحرفيين وطلابا ومثقفين مع كافة شرائح ومكونات الشعب بدون تمييز سواء كان ذلك بالاضرابات وغلق المحلات التجارية والتوقف عن العمل والمظاهرات ومسيرات تشييع الشهداء .. في ذلك الحين لم افقه من مبادئ السياسة الرئيسية سوى ان هنالك شريطا من الاحداث التي سبق وان طبعت في مخيلتي ولم استطع بلورتها وتجميعها بشكل واضح الا بعد معايشتي احداث الوثبة التي كانت ذروتها ايام عصيبة (18 - 28/1/1948) ولم تنته تداعياتها الا بعد تحقيق معظم مطاليب الشعب وقياداته الوطنية وامتدت حتى شهر آذار 1948 حينما انحل مجلس النواب ، ولكن الشئ الذي لم اصدقه هو وحشية الحكومة وقساوة الشرطة وهم يوجهون نيران بنادقهم ورشاشاتهم الى صدور ابناء الشعب العزل من السلاح فسقط الكثير من الشهداء والجرحى بهذه المذبحة المروعة واعتقال المئات من المواطنين
احداث اثناء طفولتي لم اكن افقهها
من الاحداث التي بقيت عالقة في ذاكرتي في السابق ولم يكن لدي تفسير واضح لها .. احدها ان ابن عمي مدلول عبد الرزاق اعتقل من قبل رجال امن الفلوجة حينما كان مع جمهرة من الناس في مدينة الفلوجة وهم يشاهدون قطعات عسكرية عراقية ذاهبة الى فلسطين لانه كان يتكلم مع احد الواقفين بجنبه ويقول له اننا يجب ان نشم السمكة من ( ذيلها ) للتأكد من ان التفسخ لم يصل بعد للذنب ، فاعتقلوه !! والحادثة الاخرى لقد اعتقلوا ابن عمي لطيف كثير حينما كان طالبا في ثانوية العمارة وكتب الى اهله بريديا في احد ايام المناسبات الصابئية المندائية (يوم دك ابو الفل وهو مناسبة دينية تراثية يعملون فيها مدكوكة من التمر والسمسم) وكان يطلب منهم ان يرسلوا له كمية من الفل من العيارالثقيل ويقصد من الحجم الكبير، اذ كانت الرسائل تخضع للرقابة الامنية ، فاعتقلوه !! والحادثة الاخرى حينما ذهب رجال الامن في مدينة الكحلاء للتحري في دار ابن عمي حليم كثير ووجدوا صورا معلقة لرجال ملتحين في فناء الدار ( وعلمت فيما بعد انهما ماركس وانجلس ) وسأل رجل الامن احدى نساء الدار قائلا من هم هؤلاء؟ فردت عليه انهم اجداد الاولاد ، فاعتقلوا حليم !! والحادثة الاخرى حينما ذهب رجال الامن للتحري في بيت ابن العمة خيري يوسف في مدينة الكحلاء ووجدوا ان ام خيري جالسة على كوم من التبن في (حوش الهوايش) فسألوها لماذا انت جالسة هنا فقالت لهم اخاف على (الهوايش) منكم فامروها بالنهوض ونبشوا التبن ووجدوا كتب واوراق كانت قد دفنتها في نفس المكان الذي جلست عليه !؟ فاعتقلوا خيري !!! هذه الاحداث وغيرها توضحت لي بعد معايشتي لاحداث الوثبة الدامية وبدأت اعي ما يدور حولي بشكل واضح ووجدت ضالتي في السياسة
يوم مذبحة الجسر المروعة
كنت ايام الوثبة طالبا في الصف السادس الابتدائي في مدرسة الفيصلية الابتدائية للبنين في منطقة المشاهدة / محلة الجعيفر وهي مدرسة نموذجية تضم الصفوف الثلاثة الاخيرة من المرحلة الابتدائية ومعظم طلابها وحسب نظام الانسيابية من خريجين مدرسة المشاهدة الاولية المختلطة التي كنت انا احد طلابها ، واسكن مع عائلتي التي انتقلت قبل بضعة اشهر من محلة الدوريين الى محلة الكريمات قرب السفارة البريطانية في شارع حيفا حاليا مقابل المركز الثقافي البريطاني ومستشفى الدكتور محمد صالح الاهلي ونادي الشباب الرياضي مع بيت المرحوم ناهي ساهي الخفاجي والد كل من الدكتور طالب والفنان غالب وفاروق وغازي وفيصل وعائلتهم الكبيرة وكذلك بيت المرحوم ضامن حويزاوي ابو زهير (لفترة قصيرة) وثم بيت المرحوم زيدان خلف والد المرحوم المهندس فوزي زيدان .. كنت اذهب الى مدرستي في الجعيفر سيرا على الاقدام وحينما حصلت احداث وثبة كانون في ايامها الاولى كان الهيجان في الشارع ليس بتلك الخطورة والاحداث تتسم بالطابع السلمي بعيدا عن العنف ، ولكنني اخذت اسلك طرق الازقة الضيقة عند ذهابي وايابي للمدرسة ، كان مدير المدرسة المرحوم صالح الكرخي من المدراء المعروفين في بغداد بكفائتهم وقوتهم اداريا وكان حريصا جدا على سلامة الطلاب لاسيما وان الجعيفر والتيار القومي فيها هائج الى درجة الغليان فكان يغلق باب المدرسة بالاقفال ولا يسمح للدخول او الخروج من المدرسة وسارت الامور اعتياديا وبسلام حتى صبيحة 27 / 1 / 1948 يوم المجزرة حينما سمعنا دوي الرصاص من بنادق ورشاشات قريبة من مدرستنا في ساحة الشهداء ومظاهرات وتجمهر طلاب ثانوية الكرخ امام باب مدرستنا طالبين فتح ابواب المدرسة لنكون معهم وحاول المدير مقاومة ذلك ولم يفلح فانفتحت الابواب على مصراعيها لثلاثمائة طالب تقريبا ووجدت نفسي في الشارع في منتصف معمعة الهتافات والشعارات واهمها .. تسقط معاهدة بورتسموث والموت لصالح جبر والخبز للجياع ويسقط الاستعمار وهنالك من يهتف ( أكعد ياغازيها ألاسد فلسطين قسموها ) فسحبت نفسي بهدوء الى الرصيف واذا بأمي تفاجئني وتصرخ (ها يمه انت وين؟) كانت المسكينة مرتعبة شاحبة الوجه وخائفة ولفتني بعبائتها وقلت لها ما بك ولماذا انت خائفة؟) فقالت يمه سمعت الرصاص يلعلع وقالوا لي ان المعركة في الجعيفر وساحة الشهداء قرب مدرستكم وسيول الدماء على الجسر وهنالك عشرات القتلى والجرحى وهرعت من الخوف وامسكت بعبائتي وخرجت مسرعة خائفة عليك ولم اصدق ان اراك سالما ) وامسكت بيدي باتجاه الشواكة فوجدنا انفسنا في وسط المعركة قرب ساحة الشهداء والجسر ودوي الرصاص الذي يطلق على المتظاهرين في الشارع عشوائيا من فوق سطوح العمارات ومنائر الجوامع .. لفتني بعبائتها وسحبتني الى الخلف باتجاه الجعيفر والسوق الجديد وعن طريق الازقة الضيقة باتجاه مستشفى العزل ( م . الكرامة التعليمي حاليا ) وعلاوي الحلة ومن هناك باتجاه السفارة البريطانية والكريمات فتنفسنا الصعداء وتطمنا على الوالد والاطفال والاقارب
تعطلت المدارس والكليات وبدأ الحداد وخيم الحزن على شوارع بغداد والمدن العراقية .. في مساء نفس اليوم اعلن الوصي عبد الاله في خطابه للشعب العراقي عن رفض المعاهدة واستقالة حكومة صالح جبرالذي هرب مع نوري سعيد الى خارج العراق ، والموافقة على مطاليب الاحزاب الوطنية ، وبعدها توالت البيانات ، اذ بعد يومين تم تكليف الشيخ محمد الصدر لتأليف الوزارة الجديدة وتهدئة الامور وتحقيق معظم المطاليب
مواكب تشييع الشهداء المهيبة
وفي اليوم الثاني جرى تشييع مهيب للشهداء وعلى رأسهم الشهيد جعفر الجواهري والشهيد قيس الالوسي والاخرين ... فخرجت بغداد عن بكرة ابيها في مسيرات التشييع باتجاه جانب الكرخ وعلى شكل مواكب منظمة تمثل محلات واحياء بغداد وجميع شرائح المجتمع ومكوناته الاثنية والدينية وباتجاه علاوي الحلة ومقبرة الشيخ معروف حاملة اكاليل الزهور واللافتات السوداء لنعي الشهداء ولافتات اخرى تحيي الشعب العراقي وقواه الوطنية وتمجد بارواح الشهداء وتندد بحكومة صالح جبر العميلة وبالاستعمار البريطاني ومعاهدته المهينة مطالبة باطلاق الحريات وتوفير الخبز للجياع
ومن بين هذا المواكب كان موكب مهيب ومنظم جدا لطائفة الصابئة المندائيين اشترك فيه المئات من النساء والرجال والاطفال وعلى شكل مجموعتين رجالية وشبابية يتوسطها مجموعة نسائية ثالثة يحملون الاكاليل واللافتات وهنالك زناجيل بشرية في الجانبين للحماية ونساء يرتدين العبايات السوداء يحملن الماء (بالمصاخن) والطوس لتوزيع الماء على العطشى من المشاركين في الموكب واتذكر منهن (رحمة لارواح المتوفيات منهن) المرأة الرائعة ام عزيز سباهي وام نبيل بهية الشيخ دخيل زوجة المرحوم غدير باحور ورسلية غالب رومي زوجة المرحوم ابراهيم وهام واخريات لاتسعفني الذاكرة لذكر اسمائهن وكان من ضمن هذه المجاميع المندائية صاغة وحرفيون وعمال وشعراء وعدد كبير من المثقفين وطلاب الكليات والمدارس .. وقد وزع شعراء ومنظموا الموكب ادوارا على المجاميع الثلاثة لينشدوا مقاطع من الابيات الشعرية الشعبية الحزينة وبشكل متناغم ومؤثر يثير انتباه الحشود البشرية المصطفة على الارصفة وهي تبكي وتلوح للمواكب المارة
فتقول المجموعة الرجالية الاولى
شرطة ورشاش وتفك بحجار قاومتوها
الله واكبر ياعرب شبانا كتلوها
وتجيب المجموعة الرجالية الثانية
ما صارت بكل الدول صالح جبر سواها
وتجيب مجموعة النساء في الوسط
أم الشهيد أتصيح وين المعركة ياناس
ابني اشتراها عله الجسر نايم بليه اجفان
وتعود الادوار بالتعاقب بدون انقطاع على المجاميع بهذا الشكل حتى وصول المواكب الى المقبرة مما ترك اثرا كبيرا على الجماهير والمشيعين واهتمام منظمي المسيرة من القوى الوطنية وامتنانهم وانتباه رجال الصحافة والاعلاميين ووكالات الانباء في حينها
لقد كانت ايام حزينة ومؤلمة بالرغم من نشوة الانتصار التاريخي الذي حققته الوثبة المجيدة والذي كان حافزا قويا وممهدا لانتصارات الانتفاضات التي تلتها وحتى ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة
تحية اجلال واكبار للذكرى الثالثة والستون لوثبة كانون المجيدة
المجد والخلود لشهداء وثبة كانون الخالدة
المجد والخلود لجميع شهداء الحركة الوطنية في العراق
العزة والنصر للشعب العراقي العظيم
الخزي والعار للارهاب والقتلة المجرمين في كل زمان ومكان
الموت والاندحار لقوى التخلف والظلام
ليس الذي نطالعه من قبل البعض من حين لآخر بالجديد والمستحدث والمستنتج مع الأحداث ،من أن المندائيين في الوطن العراق ومن ثم دول جواره (دول اللجوء) وحتى (إيران) مستهدفين بسبب بعض الكتابات والأصدارات من تعليقات وأخبار التي ينشرها بعضاً من كتــّابهم و مثقفيهم تحديداً، فلقد عشنا أحوالاً مماثلة منذ أكثر من عقد من السنين حول هذا الموضوع المختلق في عنوانه و في تفاصيله ، وعانى المثقفون الوطنيون المندائيون عموماً من التلويح بالعصا لهم ومن ثم التخويف والترهيب ومحاولة تحييدهم، بضرورة الأبتعاد عن الاساءة لأنظمة البلدان التي يعيش فيها المندائيون أو الأشارة الى ظلم وتعسف تلك الحكومات الجائرة أو ما يهدد مصالحها الفكرية والسياسية والطبقية!! فما أن ينشر أحدهم مثلاً قصيدة ما للجواهري في زمن النظام الصدامي المجرم ( الذي أسقط الجنسية العراقية عن الجواهري ذاته وعن غيره من المثقفين العراقيين ) فإن نشر مثل تلك القصيدة ستشكل خطراً واضحاً على المندائيين وعلى وجودهم وعلى ديمومة المياه المقدسة لنهري دجلة والفرات و (شاخات الأنهر)! وما أن يكتب أو ينشر أحدهم قصيدة للشاعر سعدي يوسف أو للشاعر الكبير مظفر النواب، فهذا أنحياز معلن مع للشيوعيين وخطرهم القادم! أما لو جاء التضامن مع تشيلي وشعبها ضد نظام بينوشيت الفاشي، وهي البلد التي تبعد عن العراق بعشرات الآلاف من الكيلومترات، أو مع شاعرها وفنانها (فكتور جارا) الذي قطعت يداه الأثنتان من قبل الأنقلابين في 1973 وظل يغني، فهذا يعني تهديداً مباشراً و خطراً سيعصف بأنظمة صدام والخميني و سيمحق بسلالة سومر المتبقية من المندائيين!! وحتى الصور الملتقطة التي تصوّر البؤس والفاقه والعوز الذي يلف العراقيين وأضطرارهم للأستجداء أو ممارسة أعمال مهينة لأنسانيتهم وكرامتهم كبشر في سنوات الحصار المعروفة، حتى تلك الصور كان يجري الأعتراض عليها لأنها تهدد نظام البعث و تسيء اليه! لكون أمارة مونت كارلو وسكانها كانوا يحسدون العراقيين على رخاءهم الذي فاق رخاء تلك الأمارة الزاهية في تفاصيل عيشها!!
هكذا (عشنا) وبعدها ( رأينا) الأحوال المستجدة، فلا صدام أحسنَ الى المندائيين و جنّبهم عذاباته للوطن وشعبه ومعها جرائمه المتعددة التي أنتهت بهم وبأولادهم قتلى وأسرى و مفقودين في السجون وجبهات القتال ومن ثم بهم لاحقاً، مبعثرين ومشردين بسبب حروبه و مغامراته في أيام حكمه، إلا بما يضمن الدعاية له أمام المجتمع الدولي، ولا آيات الله في إيران و نظامهم قد أحسنوا للمندائيين ومنحوهم كامل الحقوق الأنسانية كما تنص المعاهدات الدولية وحتى اللحظة، ولا الذين راهنوا على بقاء و ديمومة النظام وفكره وسياساته و طبلوا له ومدحوه قد بقوا معه الى النهاية وحتى آخر ساعاته المعروفة و دافعوا عنه، فقد هاجر الكثير من هؤلاء مع الملايين الهاربة من الحروب والحصارات المتعددة و البطش!
كل ذلك الذي كتبتهُ أحداث العراق قد مضى و يمضي ومضت قبله بعض من تلك الأنظمة وجاء معها الأحتلال بمباركتها هي ذاتها قبل رحيلها، والمندائيون من حال سيئ ٍ الى حال لا تسر ( هُم أعرف بها قبل الأصدقاء والمُحسنين ) تعج بهم المخاطر المتلاحقة و تنزف دماء أبناءهم من حين لآخر تحت سطوة التطرف الديني و ينزف وجودهم ، دون أن تؤثر في الحكام على مختلف مللهم ونحلهم و توجهاتهم السياسية ، برقية ما ذليلة كأصحابها أو قصيدة ما لشاعر مهزوز ولعين تمدح بحاكم أهوج و صفيق و تنصفه فوق الآلهة وهو لايعدو كونه جورباً أخرقاً و نتناً !! كل ذلك لم يحدث ولن يحدث، لكن الذين يهتزون هلعاً وخوفاً على أمتيازاتهم ومصالحهم الفكرية والذاتية الضيقة هم الذين يطالعوننا من حين لآخر بتسريبات و ( خرّوعات ) لا أصل ولا فصل لها عن الحكام الأشاوس و مضايفهم العامرة الذين لا يزالون يمسكون بسياطهم ، جالدين و مفزعين لعامة الناس، وكذلك عن الخطر الذي سيعصف بالوجود المندائي في هذا البلد أو ذاك عند الأشارة الى هؤلاء الطغاة، وكأن أجهزة مخابرات ودوائر الأمن وأجهزة الرقابة لتلك البلدان لا شغل لها ولا همّ لها سوى مراقبة المندائيين وما يكتبوه وتحركاتهم وبرامجهم السرية الخطيرة التي تهدد مستقبل البلدان!
لن نستغرب إن طالعنا أحدهم يوماً ما من أن ( خطاً تليفونياً دولياً ساخناً ) قد تم أقامته بين الرئيس الأمريكي (أوباما) والرئيس الروسي (ميدفيديف ) والصيني (هو جين تاو) لتجنب تهديدات حروب نووية كارثية محتملة الوقوع بسبب المقالات التي ينشرها الكتاب الوطنيون المندائيون أو بسبب الأخبار التي يتداولونها حول الأنظمة المجرمة التي تسحق بشعوبها دون رحمة في أية بقعة من بقاع العالم الملتهبة !!
ليس هناك أعتبارات ما في قانون محلي أو دولي أو شريعة ما تعترف بوجود المندائيين توجب عليهم أن ينصاعوا لأرادة هذا الحاكم أو ذلك القانون ولا يكتبوا أو ينشروا مقالة ما أو يتداولوا خبراً ما. كل هذا وغيره لا وجود له، إلا في أذهان حاملي (خيالات المآتى) الذين ينتقون بعض الكتابات و يتعاملون معها بأنتهازية واضحة ومفضوحة كما نرى من حين لآخر! فالإساءات التي تشير الى أوضاع العراق السياسية المتدهورة ومظاهر الفساد و الفضائح، يسارع هؤلاء البعض الى التطبيل و الترويج لها، بل و يسيئون للقوى الوطنية النزيهة التي تحارب كل تلك المظاهر، فيما ينتفضون ضد أية إساءة تشير الى حاكم عربي ما أو نظامه، معتقدين أنه سيحمل لواء المندائية يوماً ما، رافعاً ( درفشهم ) ومدافعاً عنهم!
المندائيون في العراق وفي كل الدول المجاورة له أو البعيدة عنه يُعاملون كما هو معروف كعراقيين من خلال وثائقهم و وجودهم ومصالح ذلك الوجود كأفراد وليس من خلال تبعيتهم الدينية، وبعيداً عن كونهم يمثلون حزباً سياسياً معارضاً يعادي ما موجود من نظام حكم في العراق أو لأنهم طبقة بروليتاريا ثائرة أو نهجاً فكرياً يهدد مصالح كل هؤلاء الحكام من ملكيين أو جمهوريين أو أنظمتهم أو حتى الأديان عموماً. كل ذلك لا وجود له والأنظمة ذاتها و مؤسساتها المختلفة من أمنية أو مخابراتية أو أعلامية تعرف ذلك جيداً ولهذا فإنها و بسبب سياساتها التعسفية تنتقي أفراداً أو مجموعات للتطبيل لمثل هذه المخاوف والتهديدات المزعومة بسبب مقالة ٍ أو خبر ٍ ما أو صورة ٍ ما!
إن أي طارئ ٍ لا نتمناه سيحصل لأقامة العراقيين كمواطنين في سوريا أو الأردن أو اليمن أو ليبيا أو لبنان أو مصر أو الأمارات أو غيرها بسبب صراعات و تصفيات الحكومات العربية ذاتها والتي لا تعرف مجتمعاتها شيئاً عن المندائيين سوى كونهم عراقيين مهاجرين، فالمندائيون ليسوا أستثناءً منه على الأطلاق وسيقف بالضد منه وقبل المجتمع الدولي و منظماته الدولية كل الوطنيين العراقيين كما هو حالهم دوماً ولأعتبارات أنسانية واضحة وليس لأي أعتبار طائفي أو مذهبي أو سياسي.
من المعروف ان الصابئة المندائيين لهم جذور عميقة تمتد ال عمق آلاف السنين في التاريخ والحضارات المتعاقبة في وادي الرافدين ... فهم غرس التوحيد الاول منذ ايام ابونا ومعلمنا الاول آدم عليه السلام ومن بعده شيت ونوح وسام وادريس ويحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) عليهم السلام ، وبشهادة كتابهم المقدس ((الكنزا ربا..م أ)) الذي يتضمن اركان الدين الخمسة ((التوحيد والتعميد والصلاة والصوم والصدقة)) وقد ذكروا في القرآن الكريم ضمن الديانات السماوية . وما قدسيتهم لنهري الفرات ودجلة وفلسفتهم بنشوء الخلق الا دليل ساطع على اصالتهم وتعلقهم بهذه الارض الطيبة .. فقد خلقوا وعاشوا في وادي الرافدين وتكلموا اللغة المندائية التي هي لهجة من لهجات اللغة الارامية الشرقية لغة المنطقة السائدة آنذاك وحتى دخول الفتوحات العربية والاسلامية .. وواكبوا كل حضارات وادي الرافدين القديمة وساهموا في بنائها مع الاقوام التي تعايشوا معها وتقاسموا الويلات والنكبات والنوائب والهجرة والتنقل والاستيطان في المناطق الممتدة من جنوب غربى بلاد فارس وشمالا وجنوبا وغربا وحتى سيناء حسب ما املته الظروف عليهم ولكنهم في الاخر استقروا في بطائح جنوب العراق على ضفاف نهري دجلة والفرات واهوارهما ويخبرنا التاريخ بانهم ساهموا في بناء الحضارات المتعاقبة بالمعرفة والعلوم المختلفة وبرز اسلاف افذاذ منهم في تاريخ العراق وبالاخص في العصر العباسي وساهموا مساهمة متميزة في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة في بداية القرن العشرين ولا زال دورهم بارزا في كافة المجالات بالرغم من قلة تعداد نفوسهم وبرز منهم الحرفيون في النجارة والحدادة وصناعة القوارب والمستلزمات الزراعية وصياغة الفضة والذهب واصحاب الاعمال وعلماء واطباء وادباء وشعراء وفنانون ومهندسون واكاديميون ومحامون وسياسيون وتربويون في كافة المجالات ... ولم يكن نصيبهم في الاضطهاد والتضحيات والضحايا على مذابح الحرية نتيجة للاستبداد والتسلط السياسي والدكتاتورية والحروب العبثية والتكفير والتهجيرالتي تعرضت له كافة مكونات الشعب العراقي بأقل مما لحق بهذه المكونات قياسا لتعداد نفوسهم ، وبالرغم من انهم قوم مسالمون ووطنيون يحضون بحب واحترام المنصفين والاخيار ممن عرفهم وتعايش معهم من مكونات الشعب العراقي كافة .؟ لهذه الاسباب مجتمعة فقد نالت هذه الطائفة حب واحترام المنصفين الاخيار من العراقيين وغيرهم حيث اسماهم البعض (( برحي العراق )) وآخرون اسموهم (( ملح ارض العراق ))؟
لذلك ولهذه الاسباب التي ذكرت آنفا نحن نعتز ونفتخر بمندائيتنا ولكن نحن جزء من موزائيك جميل لمكونات الشعب العراقي الاخرى ... نحن نقول ان مكونات الشعب العراقي جميعها عبارة عن " شدة من الزهور المتعددة الالوان " وما نحن الا لون واحد ن هذه الزهور لايكتمل جمالها الا بتعدد الوانها .. فنحن نعتبر العراق بكل هذه التشكيلات الجميلة
هو أمنا ... وهو أبونا
نريد الخير والاستقرار والازدهار له كما لانفسنا .. لا سيما وان العراق بعد التغيير الذي اطاح بقوى الاستبداد والظلم منذ سبع سنوات مر ويمر باصعب المراحل التي كلفته دفع الثمن غاليا جدا بسبب الارهاب المقيت وبقايا النظام السابق والتيار الديني السياسى الطائفي المتطرف وتكالب الدول الاقليمية مما تسبب في وضع العصي وعرقلة تجربة ارساء النظام الدستوري المؤسساتي الديمقراطي وتأخيره والسلبيات الكثيرة التي رافقت العملية
السياسية والتشريعية والفساد الاداري والمالي والطائفية المقيتة في الحكومات التي تعاقبت بعد التغيير وحرمت الشعب من تذوق طعم التغيير بسبب تردي الامن وسلطة القانون والقتل والتهجير القسري وتدهور الخدمات العامة والمشاريع الاقتصادية وتفشي البطالة .. ولكننا كمندائيين وبالرغم مما لحق بنا من المظالم لا زلنا متمسكين بعراقنا الحبيب ننشد الاستقرار والسعادة والازدهار لشعبنا العراقي العظيم بكافة مكوناته .. لا زلنا متفائلين ومؤمنين ومشاركين مع القوى الخيرة لاعادة بناء العراق وارساء قواعد الديمقراطية الصحيحة بالرغم من كل المصائب والمعوقات ... وما تصميم كل المندائيين بالمشاركة الحقيقية في الانتخابات القادمة الا لاعتقادنا بان هذا الاتجاه هو المسار الصحيح في بناء العراق الجديد.؟
يتضح للقارئ الكريم من السرد اعلاه مدى اعتزاز الصابئة المندائيين بمندائيتهم وبالعراق لانهم يشعرون بانهم السكان الاصليين لوادي الرافدين ويقدسون ارضه ومياهه منذ آلاف السنين .؟
في الوقت الذي يسعدنا نحن المندائيون اقرار الدستور الجديد لحقوقنا وانصافنا كمكون اصيل من بين المكونات العراقية المتعددة ولاول مرة في التأريخ نشعر الان بالغبن بسبب ما افرزته تشريعات قانون الانتخابات والتمييز ، فان اقرار نظام الكوتا بمقعد واحد لهم في البرلمان القادم عن محافظة بغداد فقط ولا يحق لسكنة المحافظات الاخرى من المندائيين سواء كانوا في الداخل او الخارج للتصويت له اسوة بالاخوة المسيحيين مما جعله مقعدا يتيما تحاول قوائم اخرى للاستحواذ عليه نتيجة تشتت الاصوات ، نحن نعتبره اجحافا بحقهم ، بالاضافة الى ان الجميع يعرف ان الصابئة المندائيين يستوطنون في محافظات متعددة وبالاخص المحافظات الجنوبية .. فهل يعقل ان لا يوجد من يمثلهم في البرلمان القادم !؟ لقد كان لقرار المحكمة الاتحادية العليا لهذا اليوم أثر غامر بالفرح بقرار الموافقة على اعتبار انتخاب الكوتا المندائية كدائرة انتخابية واحدة اي يحق لكافة مندائيي المحافظات بالتصويت الى مرشحهم الوحيد عن بغداد .. ولكن للاسف لقد اصابنا الاحباط حينما علمنا ليس للدورة الانتخابية الحالية في 2010 وانما للدورات الانتخابية القادمة ، نظرا لكون الشكوى جاءت متأخرة ولانتهاء دورة البرلمان الحالية .. ونقتبس من ذيل قرار المحكمة الاتحادية العليا هذا اليوم ما نصه للاطلاع :::-؟
وهذا يعني عدم شمول ابناء المحافظات بالتصويت لهذه الدورة البرلمانية
فهذا القرار وان جاء بهذه الصيغة ولكننا نعتبره اعادة حق للمندائيين ونجاحا معنويا لمساواتهم بالاخوة المسيحيين ولكن للاسف ليس في هذه الدورة البرلمانية.؟
في هذه الحال سيكون المندائيون في الداخل والخارج مصنفون الى طبقتين .. طبقة الذين يثبتون انفسهم من سكنة بغداد وهؤلاء فقط يحق لهم للتصويت على مقعد الكوتا اليتيم .؟
اما الطبقة الثانية المحسوبة على المحافظات الاخرى فلا يحق لهم التصويت لمقعد الكوتا
وستتشتت اصواتهم او لربما يعزفون عن الذهاب الى صناديق الاقتراع ... ولهذا بقي المرشح الذي تريده وتؤيده قيادات الطائفة الدينية والادارية ومؤسساتها وجمعياتها وغالبية المندائيين في الداخل والخارج كمرشح لمقعد الكوتا وهو السيد خالد امين رومي بخطر ولربما عدم فوزه لتشتت الاصوات ولربما تستحوذ عليه جهات غير مرغوب بها من غالبية المندائيين وقياداتهم او لربما يسيس وتلتف عليه قوائم اخرى بعيدة عن الطائفة .؟
لذلك ارى شخصيا يجب ان يكون توجه المندائيين في ممارسة حقهم الانتخابي بكثافة وعدم العزوف عن الادلاء باصواتهم وعدم ضياع ولو صوت واحد وكما يلي ::-؟
اولا ::- المندائيون المسجلون في محافظة بغداد سواء كانوا في الداخل والخارج ان يصوتوا للمرشح على مقعد الكوتا السيد خالد امين رومي ( بالرغم من تحفظ البعض ) لانه يحضى بتأييد غالبية المندائيين وانه اكثر التصاقا بقيادات الطائفة الحالية ومؤسساتها وجمعياتها ويمكن ان يكون اكثر التزاما بالقضايا المندائية ووحدة المندائيين واكثرهم تنسيقا مع المؤسسات المندائية وتمثيلها في البرلمان القادم بعيدا عن الالتزام او الارتباط بكيانات اخرى وعلى مسافة واحدة من كل التكتلات السياسية وصوتا مدافعا عن حقوق المندائيين .؟
ثانيا ::- أما الذين هم من المسجلين في محافظة بغداد ولا يرغبون في اعطاء صوتهم الى السيد خالد امين رومي او لديهم تحفظات لاي سبب كان ، وكذلك الناخبين المندائيين في الداخل والخارج المسجلين في المحافظات الاخرى الذين لا يحق لهم التصويت لمرشح الكوتا المندائية فامنيتي ورجائي ان لايعزفوا عن التصويت او يضيعوا او يشتتوا حتى ولو صوت واحد .. وان يذهب كل هؤلاء الى صناديق الاقتراع ويصوتوا للقائمة التي يعتقدون انها ستدافع باخلاص وتناصر الشعب العراقي بكافة مكوناته عامة والمندائيين خاصة .. والذي يعزف عن التصويت او يبيع صوته او يضع صوته في المكان غير الصحيح سيرجح ولو بصوت واحد كفة الذين دمروا وسرقوا العراق وشعبه عامة خلال السبعة سنوات الماضية، وسيرجح كفة الذين هجروا 90% من المندائيين خارج العراق ، سيرجح الذين اباحوا دماء واعراض واموال وممتلكات المكونات الدينية والاثنية الصغيرة وبالاخص المندائيين بالقتل والتفجير والاختطاف والاغتصاب وتغيير الدين والختان القسري ، سيرجح كفة ذوي المحابس والسبح والفتاوي المتخلفة المحرضة ضدنا وضد الآمنين ، سيرجح كقة ابطال الفساد الاداري والمالى وسراق النقط والمليارات ومزوري الشهادات والذين باعوا العراق الى المحتل وايران ودول الجوار واصحاب المذاهب الدينية المتطرفة .؟
لذلك ومن مصلحة الشعب العراقي بكافة مكوناته والصابئة المندائيين بصورة خاصة ونأمل من كافة الاخوان الناخبين المندائيين في الداخل والخارج ممن لا يحق لهم او من المتحفظين في انتخاب السيد خالد امين رومي ان يشاركوا بقوة في الادلاء باصواتهم وان يصوتوا لانظف واخلص وانصع القوائم بياضا .... قائمة اتحاد الشعب .... قائمة ذوي الايادي البيضاء باعتراف كل القوى السياسية على الساحة العراقية سواء باختيار المرشحين المندائيين او غير المندائيين ضمن هذه القائمة ... لان هذه القائمة هي خليط من الشيوعيين والديمقراطيين والاشوريين الديمقراطيين والعمال الاشتراكيين والحركة العربية الاشتراكية والمستقلين ، تجد هؤلاء من المدنيين والتكنوقراط والاكاديميين يشتركون ببرنامج متكامل جيد وطموح .؟ هذه الوجوه اذا لم تؤلف وزارة ، فاعطوها نصيبا لتكون معارضة تصرخ بوجه الفساد وبوجه الطائفية .. فهي لايمكن ان تكون وصية او ولية على المندائيين فقط بل انها خير من يدافع عن المظلومين والاقليات المسحوقة ... وخير من يعمل على استرداد الحقوق العادلة المسلوبة بدون تمييز عرقي او ديني او طائفي .؟
لذلك بدلا من تشتيت اصواتنا هنا وهناك او ضياعها او بيعها باثمان بخسة ان نعطيها لانظف الايادي في .. قائمة اتحاد الشعب .. اذ ان تواجدهم في البرلمان القادم مهما كان عددهم سندا قويا ومناصرا للمرشح الوحيد للطائفة المندائية الذي سيمثل طموح المندائيين اولا وطموح القوى الخيرة في العراق ثانيا ... اما العزوف عن المشاركة او انتخاب القوائم الاخرى التي خبرناها فاعتقد انها ليست بصالح المحنة التي يواجهها المندائيون والمكونات الصغيرة الاخرى ولا من مصلحة قوى الخير والتقدم في الشعب العراقي بصورة عامة .؟ بل ضد مصلحة الشعب بكافة مكوناته وبالاخص طائفتنا ، آملين بعد الاستفادة من كل الاصوات التي يحق لها انتخاب ممثل الكوتا المندائية السيد خالد امين رومي ان لا تضيع او تتشتت اصوات المندائيين الاخرى للاستفادة منها بالاضافة الى اصوات اصدقائنا ومعارفنا من غير المندائيين في داخل العراق وخارجه الذين يجب مناشدتهم واستنهاض هممهم وتشجيعهم للادلاء باصواتهم جميعا في صناديق الاقتراع لصالح ذوي الايادي البيضاء .؟ قائمة اتحاد الشعب ... فهؤلاء خير نصير لكم يا اهلنا الكرام