• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 13 حزيران/يونيو 2019 20:39

سمفونية الفصول

انتفض شباط من سبات شتائه و بدأ ينفض عنه غطاء البرد رويدا فتسلل مواء الهررة والقطط الى اذنه فأنفتحت اساريره المتجمدة وعرف ان الثلج قد بدأ بالذوبان مكونا انهارا من العافية التي بدأت ترسم خضرة و الوانا على الاراضي اليابسة لتبعث فيها روحا و مرحا و جمالا . كان فرحا جذلا متباهيا على سابقه ولاحقه فقد استلم الموظفون والعمال رواتبهم كاملة و وفروا من الزمن يومين او ثلاثة .
زأر اذار فعلّت اصوات الرعد مصحوبة برياح قوية و امطار منهمرة غزيرة كشلال هادر واعلنت الريح انها ستحافظ على التوازن النباتي بعد ان تسقط كل صغير و ضعيف و قلق من ازهار اشجار الفواكه ولا يصمد امامها الا المتعافي الصحيح القوي . اثبت الاخضر النضر وجوده على الاشجار و افترش الابيض الارض تحتها في تناسق لوني فريد رسم بيد مصمم ليس له من منازع او منافس او شبيه . وهكذا خرجت عن صمتي فأرتفع صوتي هادرا ينشد للحياة والربيع ويشارك الناس افراحهم وسفراتهم و موائد الفرح الغامر المغلف بأغلفة الحكايا و الاساطير التي ترددت عبرّ الاف السنين وفي ثنايا العقول و القلوب و طيات ملابس العيد الجميلة الملونة التي لفت اجسادا اجمل منها .
سنة صينية يتوجها تنين خارق، و فارسية يجلس على عرشها شاهنشاه يأكل طاوسا في عيد مولده، وحكاية بطولة كردية فارسها حداد فقير اصبح مثلا و رمزا توقد النار كل نوروز على هامات الجبال و قممها احتفاء به و عرفانا لجميله ويزرع عرب العراق الاف الاشجار في عيد للشجرة و يستهلك المصريون كل ما جففوه من سمك مع فحول البصل في احتفال جميل اسموه شم النسيم .
نسائم نيسان لطيفة صافية انيقة مشبعة بعطر الزهور الذي اختلط مع بعضه مكونا اجمل و اغلى قنينة عطر في الوجود لا تصلح الا الى الوجوه الملكية و الاجساد الملائكية في ليلة عرسها و احيانا تحتاج الى زخات مطر فأن تعذر سقوطها انشدنا لها نشيد نيسان (تبخل بمزنة مطر عالورد يا نيسان)
نيسان الفرح و السرور و موسم الفراشات الملونة و خروج افراخ العصافير من قشور بيضها وفي زمن مضى كان زير الماء (الحب ) سيد اجهزة تبريد الماء يطيب شرب الماء منه في هذا الشهر حيث برودته الطبيعية تروي العطاشى و تطفأ لهيب الجوف الحار فيقال نيسان الماء .اشربوا هنيئا و اكثروا منه لتزدادوا نظارة وجمالا وحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)

اشتدت حرارة الصيف فلفحت ريح السموم الوجوه السمر فأزدادت سمرة و اقتربت الشمس من هامات رؤسنا فتعالى صوت فيروز بأغنيتها التي طالما طربت لها ولم اعرف جميع كلماتها حتى احتضنتنا ارض الشام في رحلة هجرتنا القسرية فأنقشع الضباب عن معانيها وعندها كنت ابتسم و اضحك و اقهقه
ردي منديلك ردي بيضه والشمس حدي
بكرا بيجي محبوبك ويلاقيك مسودي
وعندها وجدت مبررنا للف الرؤس باليشماغ رغم تجاوز الحرارة الخمسين درجة في الظل .اعتدنا جفاف الروح و المشاعر كما اعتدنا عدم حمل قناني الماء البارد معنا فعوضناها بالشاي الساخن نحتسيه بفرح غامر ونحن نقف تحت اشعة الشمس امام عربة بائعه في موقف تحد قل نظيره في كل العالم .
عاش العراق وطني
عاش العراقيون اهلي وناسي و احبابي
عاشت الديوانية مدينتي و محلة الجديدة بالذات ,مسقط رأسي ومهد طفولتي و صباي وشبابي
رحم الله والدي و والدتي و (ام عبد الجدة ) التي ولّدت امي و قطعت حبلي السري
رحم الله الشرطيين في باب نظام المتصرفية (بناية المحافظة )اللذين عقدا بندقيتيهما كقوس مررني ابي من تحته لأكف عن البكاء بسبب الم انتابني ولم تنفع معه قنينة ( ماء الغريب ) التي تسقيني امي منها لطرد الغازات ولكن البنادق فعلت فعلها ولم اعاود البكاء .
تعاقبت علينا الفصول بأشهرها الاثني عشر والذي وضع الله سبحانه في هذا الرقم سرا ارتبط بالبروج والاشهر و اسباط بني اسرائيل والعيون التي استسقوا منها و تلامذة السيد المسيح و الائمة المعصومين من اهل بيت النبوة وما لا نعرفه الكثير ( وتلك الايام نداولها بين الناس ) .
جعل الله ايامنا و ايامكم فائدة و متعة و خيرا وعملا صالحا وعلما نافعا و ذكرى طيبة و بوابة للعبور من دار الفناء الى دار البقاء.

 

نشرت في فنون
الأحد, 27 كانون2/يناير 2019 18:57

من اللاشيء الى الحلم

 

ثلاثة معارض فنية في آن واحد عن السريالة

قد يتفق في اغلب الاحايين ان نجد معارض او فعاليات فنية تعالج نفس المحور او الموضوع، تاريخ فنان ما او مجموعة من الفنانين. والامثلة لا تعوزنا هنا، فلنضرب مثلا على ذلك بالمعارض الثلاثة المقامة في ثلاثة مدن ايطالية عن السريالية. ويكفي التثبت من مصدر الاعمال ومن المنزلة العلمية للقائمين على المعارض كي نفهم وندرك اهمية وجدية هذه العروض الفنية. يذكر بان السريالية، نشأت في فرنسا، وازدهرت في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري. وكانت السيريالية تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام. واعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام.

المعارض تقترح سرديات مختلفة جزئيا: اثنان منها وقع الاعداد لهما مع مؤسسات عمومية مما يجعلنا نطمئن الى مصدر الاعمال الفنية؛ فاما احدهما فمخصص الى نزعة االـ"دادا' والنزعة السريالية وهو وارد من متحف "بويجمانز فان بيونينغن" في مدينة روتردام الهولندية والذي يحمل عنوان "من اللاشيء الى الحلم". تشرف عليه ومؤسسة فرّيرو، بجزيرة آلبا الايطالية، واما الثاني فقد خصص لسنة 1929 وللحظة الذروة للحركة السريالية واعماله وافدة من متحف "بومبيدو" بباريس تحت عنوان (من ماغريت الى دوشامب.1929: السريالية الكبيرة ). في مدينة بيزا، في قاعات القصر الازرق. واما المعرض الثالث فعنوانه (الشاعر أبولّينير والابداع . الشاعر واصدقائه في باريس الريادات) وتحتضنه مدينة تورينو.

ويدمج معرض جزيرة آلبا الى جانب الاعمال الوافدة من مدينة روتردام سلسلة من الاعمال المختارة والمستلفة من قبل القائمين على المعرض؛ وتجدر الاشارة هنا الى ان كل الاعمال المعروضة تتوفر على جذاذات تعريفية وتقديمية للاعمال تتسم بعناية فائقة. اما في معرض مدينة بيزا فنجد ان الجذاذات منسوخة من كتالوغ المتحف الباريسي الا ان بعضها تعوزها التحليلات الخاصة والمميزة.

ومن الجدير بالذكر ان في معرض جزيرة آلبا قد ركز على اصول الدادائية ، وللقاء الذي جمع بعض الفنانين المنفيين عام 1916 بكابريه فولتير بمدينة زوريخ، ثم مع نهاية الحرب ورجوع المجموعة الى باريس. والمشكل هو ان نفهم دلالة رفض الدادائيين وانتفاضتهم على الفن واساسا على التواضعات البورجوازية، واكتشافهم لابداع ينطلق من هذه "الصفحة البيضاء" . ويفسر لنا بيانهم(1918) مجمل اهدافهم الذي يستهلونة بالقول( يرتبط الفن، تقنية واتجاها، بالزمن الذي يعيش فيه، والفنانون هم نتاج عصرهم. وارفع فن ما كان مضمونه الفكري يعكس الالاف من قضايا عصره، وما يمكن القول عنه إنه قد اخضع لهزات الاسابيع الاخيرة، متحفزا من جديد تحت ضربات اليوم الاخير. إن افضل الفنانين، واكثرهم تفوقا، من ينتزع اشلاءه من دياجير كوارث الحياة،ويعضّ النفس بكف، وقلب دام، في فكر عصره. هل حققت " التعبيرية" ما كنا نتوقعه من وجود لمثل هذا الفن، الذي سيكون تعبيرنا عن الاهتمامات الاكثر حيوية واهمية؟ لا. لا. لا.). الدادائيون يقولون بان الفن لا يعني شيئا... وانه انعدام المعنى الخالص... بيد ان الامر على صعيد الواقعة فانهم يريدون ان يقولوا لنا بان هذا العدم ، ان هذا الفن، هو في الحقيقة متعلق بالمعنى القوي للاّشيء وللعدم. شيء ما يسمح لنا بتفسير الابداع، الخلق، اخراج شيء، كما لوكان من العدم، يدهشنا ويشد وثاقنا اليه . وهذا المشكل، مثلما يدقق الدادائي تريستان تزارا، هو الذي طرحه افلوطين في القرن الثاني: الابداع هو الابداع من عدم. وهكذا، في نهاية الحرب، اكتشف موقعوا بيان دادا خلب الاشياء اليومية فوضع اسس السريالية، التي ستعرف زمانين وبيانين بامضاء آندريه بريتون، الاول عام 1924 ويرمي الى وظيفة جديدة للفن في المجتمع واما الثاني فعام 1929 فيختار الانخراط في الماركسية الذي عورض معارضة قوية من قبل بعض السرياليين.

لكن لنات الان الى الموازنة بين معرضي مدينة بيزا ومدينة آلبا. فالاول نجده يبدا مع العمل الفني "الجثة الهامدة" الذي يعبر عن لعبة مؤسسة على التداعيات الحرة تحت رمز فرويد. فالجثث الهامدة قد خبرت اولا في الشعر ثم في الصور: ان تكتب او ترسم على نفس الورقة من دون معرفة سابقة منك بما فعله الاخرون قبلك، وهكذا اثمرت هذه المحاولات مصفوفة اعمال من جنس اعمال كل من الفنانين: جوان ميرو، ماكس موريزي، مان راي او إفيس تانغوي. اما المظهر الاخر المهم في معرض بيزا فهو القسم المخصص لـ 'اللعبة الكبيرة' (1928-1930) وهو عنوان مجلة وقطب مجموعة من الفنانين يبتدئ من رايمس في العشرينات ثم من بعد ذلك في باريس، ما بين 1926-27، يلتقي مع رسام براغا "جوزيف سيما" المشتهر باهتمامه بالفلسفات الشرقية. فهذه المجموعة لا يمكن ان تحظى باهتمام الماركسي آندريه بريتون الا ان رسم 'سيما' او لوحة "المشهد المزدوج العاصفة الكهربائية" (1928) التي نجد فيها فروع بينة لاشجار قبالة غابة وحشة مرعبة واجسام هندسية في ضرب من المجابهة بين اللاوعي والعقل؛ فلوحة كهذه لا يمكن لها الا ان تنال اعجاب اكبر عدد من السرياليين كماكس إرناست وأندري ماسون.

اما في معرض جزيرة آلبا فتتبين لنا الطرق المختلفة التي سلكها السرياليون. بداء من "ماكس إرنست" الذي في سنة 1929 وتحديدا في عمله "المراة 100 راس" نجده يخترع قصصا، ملصقات مقتطعات من كتب، من استكشافات، من كتالوغات علماء الطبيعة ومن روايات الرحلات: انها مشاهد واشكال اعيد تشكيلها وتركيبها واكتسبت تنضيدا في ما سمي بـ "الرواية المعثورة" التي تفرض على المبصر ان يخترع معانٍ جديدة. بينما نجد رينيه ماغريت يقترح علينا تعليق الزمان في عمله "اعادة الانتاج الممنوعة" (1937) : رجل يُرى ظهره واقف امام مرآة وكتاب يوجد تحت يُرى انعكاسه في المرآة، لكن في الجهة العليا للزجاج يبصر ايضا ظهر الرجل المرسوم؛ وهنا نجد الفكرة الاساسية للنزعة السريالية او ان الابداع يعني ان نمثل اللاموجود. وفي سنة 1938 رسم الفنان سلفادور دالي "اسبانيا" ، على شكل هندسي مسدس الواجهات باحجار، من صندوق تتدلى منه خرقة حمراء بجنب صورة شفافة وآلهة قديمة قبالة صحراء مسكونة بخيالات متصارعة وأفق من خراب ولخراب لبلد محطم.

بينما نجد ان موضوع معرض مدينة تورينو هو الحرب، تلك الحرب التي يعرضها لنا الشاعر أبولّينر في قصته "حلمات تريزياس " التي كتبها بين 1903 و1917 والتي قدمت في المسرح بباريس في 24 يونيو 1917. القصة تدور في زنزبار، ارض متصحرة من الاطفال، مجاز واستعارة لفرنسا المحطمة، حيث تريزا ترفض دورها كمراة فيطير ثدياها كما تطير كرات الهواء البلاستيكية وتتحول الى الكاهنة او الالهة تريزية. كما نجد في هذا المعرض خطاطات الملابس، التي هي من امضاء الفنان الروسي سارج فرات والتي هي منشدة الى بيكاسو في مرحلته التكعيبية، حيث الاجساد التي جزئت تستدعي، من جملة ما تستدعيه، ما آلت اليه في الخنادق. لكن بعد الحرب نجد تشابك بيّن بين دادا ما بعد الحرب ودادا السريالي وهكذا نجد الاستعاضة عن تحليل الواقعي بالصور التي صعّدت، والمختلفة، والتي عرضت عرضا جيدا في معرضي آلبا وبيزا.

ومن اليقيني، وقبل الجميع، نجد مان راي بغرافاته وبـ 'شمسياته' (1921) ثم ياتي من بعده جاك اندريه بوافّار وموريس تبار.. فمع هؤلاء نجد ان الضوء، الصدفة والتداعيات الحرة لا يزال جميعها ارحاما لصور كثيرة. لكن صورة فوتوغرافية تبين لنا طريقا مختلفا: ففي كابوس ليلة من وسط الصيف لدالي وفليب هالسمان (1944) نجد ان كل شيء قد حُدد بطريقة كاملة بالرغم من الليل؛ لذلك فنحن ازاء قراءة ساخرة لنص شكسبير. وهكذا فان الابداع من لاشيء، الذي اقترحته حركة دادا والذي غيره لاحقا ماكس ارنست، رينيه ماغريت، مان راي واخرون كثر، قد اصبح بناءً مراقبا مع الفنان التحليلي والوصفي والاكثر فرويدية من غيره من فناني المجموعة: سلفادور دالي. انه فنان فريد وفرادته تكمن في كون فكرة الابداع من العدم عند افلوطين التي حاول بها ان يفهم خلق الالهة لا نجد لها ما يناظرها هنا كما بعدت الشقة بين اعمال دالي وبين الجبهة والحرب المعيشة التي وصفها ابولّينر في الشعر وفي دراما 1917.

نشرت في فنون

لم تكن تلك الحقبة الفريدة من تاريخ الحروب الحافلة بالأحداث والمعارك الداهنة لتهز الضمير العالمي، إلا بفضل توثيق المصور الشهير إينيو ياكوبوتشي، الذي اقتحم بكاميرته ساحات الحروب في فيتنام ولاووس وكمبوديا وفلسطين. وبفضل سبعة أشخاص، هم كل من تبقى من سكان قريته الصغيرة مُورّييا، التي تقع على قمة أحد الجبال في مقاطعة الإبروتسو في الوسط الإيطالي، نعيش تلك الأحداث الدامية مرة أخرى، عبر 140 صورة مختارة في المعرض الذي نظمه هؤلاء الأشخاص بمناسبة الذكرى الــ40 لانتحار ياكوبوتشي عن عمر 37 عاماً.

بدأ إينيو في نهاية الخمسينات من الأسفل، من ماسح أحذية بشوارع روما إلى الترشح إلى جائزة «بولتزير» من قبل جريدة «نيويورك تايمز»، إذ كان عام 1975 الغربي الوحيد الذي تمكن من تصوير «المحاربين الحمر» بمدينة فنوم بين الفيتنامية. وكان يعيش مما يبيعه يوماً بيوم من الصور التي يلتقطها. يقول عنه الصحافي الإيطالي برناردو فالي، الذي اشتهر أيضاً بتحقيقاته الصحافية في فيتنام ولاوس وفلسطين والعراق، إن «إينيو كان رجلاً بسيطاً، وكان له ميل ما للمخاطرة وفي تلك الحرب وجد إيقاعاً مناسباً له».

لقد خاطر بحياته أكثر من مرة لمجرد حب السبق الصحافي، كما تمكن عبر الهاتف من بث خبر انتصار قوات «الفياتكونغ» على الأميركان في كاتغ تري، رغم صعوبة الاتصال الهاتفي آنذاك، ومنع الأميركان نشر الخبر. وكان قد فرّ إلى الغابة يلاحقه ضابط عالي الرتبة كان ينوي إطلاق النار عليه، إلا أنه تمكن من الهرب على دراجة نارية، ووصل سالماً إلى سايغون بعد أن نجح في عبور خطوط النار.

لقد كان الصحافي الأسترالي ديريك ولسون قد أهدى إليه أول آلة تصوير قديمة، وبها بدا حياته كمراسل حربي، متابعاً حرب الأيام الستة عام 1967 بين العرب وبين إسرائيل، وفي شبه جزيرة سيناء متتبعاً آثار موشي ديان. ومع ويلسون والصحافية الإيطالية الشهيرة أوريانا فلاتشي حصل على «تعميده» (كمصور حرب) في الحرب التي دارت في الجنوب الشرقي الآسيوي. كان هو ناقل الأخبار الفعلي والحقيقي إلى الصحافيين الذين كانوا ينتظرون أخبار الحرب وهم جلوس أمام الكؤوس بفندق «الكونتنونتال» وسط مدينة سايغون.

ولد ياكوبوتشي في أحد البيوت الصغيرة لعائلة فلاحية فقيرة أوكلت تربيته إلى مؤسسة دينية حيث تابع دراسته في المرحلة الابتدائية وتعلم ممارسة الرعي. ولما بلغ من العمر 15 سنة عاد إلى أسرته، ثم هرب من هذا العالم إلى روما التي كانت تمثل حلماً للعديد من شباب مقاطعته، ذلك أنها كانت المدينة التي هي بصدد الكشف عن دعة سنين الازدهار الاقتصادي وعن الحياة الجميلة.

وفي روما التقى بالصدفة الصحافي الأسترالي ويلسون مبعوث وكالة «رويترز»، ومن ثم اشتغل ساعي بريد لحساب الوكالة التي كان يعمل بها صديقه. وبعد ذلك، أصبح مراسلاً لـ«ديلي تلغراف» البريطانية من بلجيكا لمدة 18 شهراً. وفي سنة 1962 نجده بلندن دائماً بصحبة الصحافي الذائع الصيت ويلسون، حيث يشتغل كعامل تنظيف في نزل مخصص للشباب. وحينها درس اللغة الإنجليزية. وفي عام 1963 نجده مع ويلسون في باريس حيث عمل هذا الأخير لحساب «فرانس برس»، بينما عمل ياكوبوتشي سائقاً لحساب السفارة الأسترالية. وفي سنة 1967 غطى الحرب العربية - الإسرائيلية. وبعدها انتقل إلى مدينة مسينا في جزيرة صقلية الإيطالية، حيث تمكن من الحصول على عمل، إلى أن أخذه معه الصحافي ويلسون في السنة التالية إلى سايغون التي كانت عاصمة فيتنام الجنوبية، التي أحبها حال وصوله إليها، إذ يقول: «أعجب تناقض ظهر على وجه الأرض. إنها السوق السوداء، الباغيات، دور السينما والملاهي الليلية وحماس أهلها تجاه الغربيين». وبسايغون تمكن من العمل كمصور لحساب وكالة «أسوشييتد برس» ولـ«يوناتد برس إنتارناشيونال» مقابل 15 دولاراً للصورة الواحدة، كما عمل أيضاً مع صحيفة «التايم» الأميركية الأسبوعية ومع صحف محلية أخرى.

في تلك الأيام، كتب صديقه الصحافي ويلسون قائلاً: «كنت دائماً أتحرج حين أسال عن أخبار إينيو، وإذا قيل لي بأنه مات فلا أتعجب، لكن لما يقولون لي بأنه حي أتعجب أكثر؛ إذ إن البقاء على قيد الحياة بسايغون صعب جداً». إلا أن إينيو لا يجد راحته أو شيئاً من السلام الباطني إلا بين أهل الجبال المعروفين بـ«ديغار»، وهم من الذين شاركوا الفرنسيين الذين كانوا يحتلونهم آنئذ في حرب الهند الصينية ضد الجنرال هوشي منه. لقد وجد إينيو ياكوبوتشي ملجأ وضيافة عند قبيلة «آوته» وقَبِل هو بنمط عيشها وبطقوس الانتماء إليها والولاء لها.

حب المغامرة والمعرفة حملاه على الذهاب إلى كمبوديا لما وسع رئيس الولايات المتحدة الأميركية ريتشارد نيكسون مجال الحرب، لتشمل لاووس لقطع الإمدادات على قوات «الفياتكونغ».

تزوج إينيو بفتاة فائقة الجمال من البورجوازية الراقية لمدينة سايغون اسمها جزيلّا، كانت أمها رئيسة لشركة لتوزيع الأشرطة السينمائية. وكان في أعلى قمة النجاح إذ إن صوره تتناولها أكبر الصحف العالمية. صار غنياً. وكان من ثمرة هذا الوضع الجديد في حياته أن هدأ قليلاً، وأصبحت صوره تحكي الحياة اليومية، ولا تنقل معارك الحرب ومآسيها. إلا أنه لم يتمكن من مقاومة المشاركة في غزو الأميركان للاووس.

ثم تأزمت علاقته مع زوجته جزيلّا، ذلك أن المرأة أصابها الذعر لما وقفت على حقيقة أصله البائس، وتعرفت على والديه. فرحلت إلى باريس، أما هو فعاد إلى متابعة الحرب في الجنوب الشرقي الآسيوي التي أصبحت أكثر قسوة وأكثر خسارة بالنسبة للأميركان. وفي سنة 1973 صوّر آخر الجنود الأمريكان وهم يغادرون سايغون، إذ سقطت المدينة في 30 في أبريل (نيسان) ومعها نظام فان ثيو.

وواصل ياكوبوتشي تصوير ما بعد الحرب. فقد تأثر بالغ التأثر بالعدد الكبير من الأطفال المهملين في ملاجئ الأيتام البائسة. وكثير منهم كان يعيش على حافة الطرقات، يبيع الجرائد أو يمسح الأحذية. وربما كان إينيو يرى نفسه في هؤلاء الأطفال.

وكتب آنذاك «مذكرات حرب»، وهو كتاب صغير، تحدث فيه عن المجزرة التي حدثت آنذاك في كمبوديا، والتي استند إليها فيلم «صبيحة الصمت» الذي فاز بالأوسكار.

وأخيراً عاد إينيو نهائياً إلى إيطاليا حيث كان منهداً عضوياً ونفسياً، وكان عاجزاً عن استعادة نشاطه العادي. وفي سن 35 كان يشعر بأنه قد كُبر جداً كي يعيد البدء من جديد. وأخذ يزداد انغلاقاً كل يوم... كان يشعر بالخيانة بعد نهاية علاقته مع جزيلّا، وكان يعتبر نفسه قد طُعن في ظهره من قبل زملائه. فقد فضوله المرضي والهوس بطلب الكمال ففضل الانتحار.

 

 

نشرت في فنون

حادثة الاصطدام التي تعرضت لها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي يقام لها معرض فني كبير في صالات القصر الملكي وسط مدينة ميلانو الإيطالية، أثناء ركوبها حافلة الركاب التي كانت تستقلها، وهي شابة بعمر 18 عاماً عام 1925 مع زميل لها بعد خروجها من أحد المعاهد الطبية، كانت انعطافاً كبيراً في حياتها، فقد بدأت رحلة المعاناة الأليمة بسبب دخول قضيب معدني في عمودها الفقري مما أبقاها مكبلة بالجبس لمدة سنتين، إضافة إلى مرض شلل الأطفال الذي أصيبت به عندما كانت في السادسة من عمرها.
وكان والداها، وهما من المهاجرين اليهود الألمان، قد غادرا ألمانيا عام 1907 إلى هنغاريا حيث ولدت هناك عام 1907. وكان الأب، الذي أخذ عائلته ليهاجر من جديد باتجاه المكسيك عام 1910، مصوراً فوتوغرافياً ورساماً هيأ لها، بعد الحادث الذي جعلها حبيسة الفراش، حاملاً خشبياً يستند على فراشها لتمارس الرسم، وهي ترقد على ظهرها، وتحلق في مرآة معلقة بالسقف لترى حركات أصابعها وهي تمسك بالفرشاة وتضع على قماش الكانفس ألوانها التي أهداها لها والدها، حين كان يرسم قبل تفرغه للتصوير الفوتوغرافي. تركزت رسومها بالبورتريت الشخصي، بواقعية تحمل ضربات لونية تتسم بالقوة، إلا أن عملها الفني لا يتمتع بثراء لوني بقدر ما لهذه اللوحات من جمال أو محتوى إنساني أو علاقة بحياة إنسانة منكسرة، اعتمدت على إدخال الرموز الحيوانية التي كانت تدخل في الكثير من معتقدات الناس وقيمهم الاجتماعية آنذاك مثل الكلاب والقردة والببغوات وأحراش الغابات وحيوان الجدي. ورغم أن النقاد يصنفون أعمالها ضمن الاتجاه السريالي، إلا أنها تقول في سيرتها الذاتية: «لم أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقي فقط».
في مجمل أعمالها التي وصلت أعدادها إلى مائة عمل فني، تبحث فريدا كاهلو، كما هو واضح في المعرض، عن الدهشة بمهارات سهلة تتمركز حول الذات وتتوزعها موضوعات أثيرة على الفنان نفسه، وهي المعاناة، والبحث عن أنوثة الجسد، والطابع المحلي الفلكلوري المكسيكي (المرأة، والأرض، والسياسة، والألم، والمرض). لقد ظلت فريدا كاهلو مأخوذة بالحماسة السائدة لدى الناس بمحبة فن الرسم الذي أكسب الأبنية جماليات متألقة وخيالاً إنسانياً عكس الحياة المكسيكية. وقد أنشأت هذه المشروعات الفنية ورشاً فنية متنقلة ومراكز لفن الجاليات وأماكن للعمران الفني الشعبي الحر، فازدهرت واتسعت حركة الفن التشكيلي في المكسيك في الثلاثينات بتأثير الفنانين، فنشأ اتحاد الفنانين ليضم نحو أربعة آلاف من المشتغلين بالفن حيث أنتجوا نحو 1300 رسم جداري على مدى خمس سنوات بالألوان والفسيفساء، لتكتسب العديد من الأبنية الشعبية حياة تألق وخيال إنساني تعكس طبيعة الحياة المكسيكية الضاجة بالألوان والحركة.
إلا أن فريدا كاهلو بعد أن تعافت بعد مرور فترة امتدت نحو عامين، تركت اهتماماتها بدراسة الطب لتتفرغ إلى الرسم، فانضمت عام 1928 إلى مجموعة فنية من الشباب المكسيكي لممارسة الرسم، وقد شجعها والدها على الالتقاء بأحد الفنانين الكبار، لتعرض عليه أعمالها لتقييم تجربتها، فسارعت إلى الالتقاء بالفنان ريفيرا الذي كان منشغلاً برسم واحدة من جدارياته وسط المركز التاريخي للعاصمة المكسيكية، حيث كان يحرص على الرسم على حوائط المباني الكبرى، وواجهاتها، لضمان ألا تتمكن الدولارات الأميركية من إخراج الأعمال الفنية من المكسيك إلى قاعات العروض الأميركية.
لقد كانت فترة ديمقراطية في الفن عكست الصراعات الديمقراطية ضد رجال الصناعة والتنظيمات الفاشية. وقد أتاحت الفرصة الأولى لعدد كبير من الرسامين المكسيكيين، ليرسموا لوحات على الجدران والتخلص من ضيق اللوحات المرسومة، وهي مثبتة على الحوامل، كما تخلصوا من جمهور جامعي التحف. وقد مكنت هذه الفترة التي دعمتها السلطات المكسيكية بعد الثورة الديمقراطية في 1910 - 1921 بإنجاز مجموعات من الرسوم الحائطية التي صورت على الأبنية العامة، ومن ثم فتح الباب أمام تيار من الفن الملحمي الذي يصور تاريخ الأمة وظروف حياة الناس وأشكال كفاحهم من أجل الحرية. ولم تقم قوة الفن على رعاية الحكومة وحدها، بل قامت أيضاً على ارتباطات الرسامين بالناس الذين كانوا يعيشون أشد ظروف الفقر والبؤس جوراً. وقد نظموا نقابتهم وهي نقابة العمال الفنانين والرسامين والمثالين المكسيكيين. وكان كل من الفنان ديغو ريفيرا وخوزيه كليمنت وألفارو سيكيروس على رأس المجموعة، فبنوا فنهم على التقاليد القديمة التي انتهجها الفن الهندي المكسيكي، جنباً إلى جنب الفنون الحفرية الشعبية التي تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، وكان هدفهم يتجلى في تثقيف الشعب وخلق ثقافة عميقة وغنية وديمقراطية. وقد مكنت هذه الموجة الجديدة عديداً من النساء من أن يعملن كفنانات. وقد كشفت هذه التوجهات الإنسانية في الفنانين، وفي أعمالهم، شيئاً من ثروة الثقافات القومية التي تجمعت لخلق ما يعد أكثر الأشياء إنسانية وديمقراطية في الحياة المكسيكية، وبرهنت من خلال سنوات قليلة على مقدار خصوبة ثروات الفن الخلاق بين أفراد الشعب، وعلى مقدار عمق تعطشهم للفن.
تزوجت فريدا كاهلو من الرسام المكسيكي دييغو ريفيرا في 21 أغسطس (آب) 1929، وقد كان عمرها 22 سنة بينما كان عمر ريفيرا 42 سنة، ونتيجة لطباعها الصعبة، ولخيانته لها مع أختها تطلقا عام 1939، ولكنهما تزوجا من جديد في عام 1940 في سان فرانسيسكو. يذكر أن كاهلو كانت لديها ازدواجية جنسية مما ترتب عليه حدوث المشاكل أثناء زواجها بدييغو ريفيرا.
هكذا تتحول هذه الفنانة من خلال أجهزة الإعلام التي ظلت تنفخ بصورتها وعلاقاتها بالقائد الشيوعي تروتسكي وبعدد من الفنانين والأدباء تحولت إلى واحدة من الأساطير في عالم الفن، ليس من خلال أعمالها الفنية المتواضعة، بل لشخصيتها المتمردة وسلوكها الحر الذي اتسم بالغرابة واللاالتزام بأخلاقيات وعادات وقيم مجتمعها.
ورحلت فريدا إلى باريس في منتصف الأربعينات لإقامة معرض لها في عاصمة النور، فوجدت أن شهرتها قد سبقتها، حيث كان يلاحقها الصحافيون والمصورون في كل مكان، كما حدث لها في الولايات المتحدة، وهما البلدان الوحيدان اللذان زارتهما خلال حياتها القصيرة.
في باريس التقت بعدد من المشهورين من كتاب وفنانين، وقابلت الكاتب الوجودي جان بول سارتر، واعتبرها أندريه بريتون، منظر السريالية، واحدة من أتباع مدرسته، كما أن الفنان الإسباني بابلو بيكاسو أبدى اهتماماً كبيراً بها فأهداها قرطاً مميزاً صنعه بنفسه رسمته في العديد من أعمالها الفنية التي اعتمدت في أغلبها على صورتها الذاتية، حيث صورت نفسها في أكثر من شكل؛ وكانت تقول: إن ذلك هو وسيلة غير واعية لتحدي الموت الذي كان يتربص لها منذ بداية حياتها.
في آخر أيام حياتها، كانت تصرّ على أن تنقل وهي مستلقية على ظهرها في السرير بعد أن اشتد عليها المرض، ولكن رغم وصية الطبيب بعدم مغادرة السرير حضرت حفل افتتاح معرضها في المكسيك في العام السابق مباشرة لرحيلها، وأصرت، بعنادها المعروف، على الخروج بكرسيها ذي العجلات إلى إحدى المظاهرات الصاخبة في العاصمة المكسيكية، حاملة لافتة تطالب بالسلام احتجاجاً على تدخل وكالة المخابرات الأميركية في غواتيمالا بعد حركة انقلاب عسكري دبرته مخابراتها. وحين عادت إلى بيتها أصيبت بالتهاب رئوي حاد ففارقت على أثره الحياة في 13 يوليو (تموز) من عام 1954، وقد خلدها الشاعر الشيلي الشهير بابلو نيرودا بقصيدة رثاء حفرت على شاهد قبرها، كما خلدتها بعدد كبير من الصور الفوتوغرافية المصورة وفنانة المسرح الإيطالية تينا مادوتي التي هاجرت مع عائلتها المعارضة للفاشية من إيطاليا إلى المكسيك، ومن ثم إلى الولايات المتحدة 1942.
ولا يزال رماد جثتها محفوظاً إلى اليوم في جرة من الخزف في منزلها السابق، الذي حوّل إلى متحف يضم عدداً من أعمالها الفنية ومقتنيات عديدة من حياتها الخاصة.

 

روما 

 

نشرت في فنون
الأحد, 14 كانون2/يناير 2018 19:26

لويجي بيرانديللو... فناناً تشكيلياً

الكاتب المسرحي صاحب نوبل للآداب 1935 يجمع بين الزيت والمشهد

في المسرح التابع لقصر «ترلونيا» في روما، يقام معرض لمجموعة مختارة من اللوحات التي رسمها الكاتب المسرحي الكبير لويجي بيرانديللو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1935، الذي ولد في مدينة اكريجينتو بجزيرة صقلية عام 1867 وتوفي في مدينة روما عام 1936.
14 عملاً فنياً بأحجام مختلفة رسمت بألوان الزيت وألوان الباستيل، تعد شهادة لتطور الذائقة الجمالية لدى هذا الكاتب من خلال ممارسته الرسم للتعرف على المفاهيم الحداثية المهنية لفنان سخّر كل إبداعه للمسرح، في الفراغ واللون والخط. بوعي منه اختار بيرانديللو أن يحقق قفزة نحو فن الرسم، غاية في البحث عن أراضٍ وعرة وحرة في الآن ذاته. ولأن هذا الكاتب المسرحي، كان على الدوام «كلمة الفصل» في جميع مسرحياته، وجزءاً مكوناً من أجزائها وتفاصيلها التي كان يمليها على المخرجين ومنفذي السينوغرافية، أصبح في الرسم مدعواً إلى الانخراط، إن لم نقل التورط الجمالي في العمل، ليقفز بعيداً بألوانه الكفيلة باصطناع الرفيف الضوئي في أكثر من التحديد الأكاديمي الذي رعاه في بناء كتله الجسدية في سطوح أعماله الفنية التي جاءت مترافقة مع الوجوه والأشكال الإنسانية المصورة بواقعية تعبيرية، التي حافظ فيها على إجادة التفاصيل، بل المبالغة بها أحياناً، حتى يخال للمشاهد أنه أمام أحد مشاهد أعماله المسرحية. ورغم كل تلك الخلطة التي اعتمدها الفنان في لوحاته، والمشاهد التي تبدو كأنها افتراضية لشدة انسجامها، يبقى القول حاضراً بقوة، بل إن معنى الافتراض يكمن في اجتماع المشهد المصور بألوان الزيت مع المشهد على خشبة المسرح. لقد اتجهت مجموعة من الكتاب والشعراء الإيطاليين في بدايات القرن العشرين هروباً من رتابة التعابير الفنية التي ارتبطت بأعمالهم، نحو تجريب أساليب فنية معاصرة، تفتح آفاق التجريب الفني أمام المبدع بشكل أوسع وأكثر حرية، تجعله غير منطوٍ ضمن أي توجه إبداعي محدد وغير تابع لأي منها، بل ملتزم بحريته الفنية فقط. ليدخل إلى عالم اللوحة وإرهاصاتها، نحو أسلوب واقعي تعبيري يحضر فيها الجسد طرياً كفاعل فني وأداة فنية في الوقت ذاته. وقد بنى بيرانديللو أعمالاً أدائية (استعراضية)، حيث قام بجعل الجسد وسيلة تعبيرية داخل الرؤية والعمل في آن نفسه، ملغياً المسافة الفاصلة بين الواقع وترجمته، ما سمح بمزيد من الإبداعية، إذ انتقل من العالم الواقعي إلى الافتراضي، باعتباره عالماً موازياً مكنه من استعمال أدوات ووسائل جديدة معاصرة، وقدم للمتلقي إمكانية السفر بين الأسندة المتنوعة المكونة للعمل ككل بعيداً عن سطوة المدرسة والأكاديمية ومحدداتها الحسابية، ما جعل هالة التقديس التي تغلف العمل الفني تنمحي وتزال.
تأتي اهتمامات بيرانديللو بالرسم متزامنة مع اهتماماته بالفنون الجسدية والجمالية المرتبطة بالمعاصرة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ التطور الفكري الفني الإنساني، على ظاهرة «الأموريزم» (UMORISMO) التي قدمها الكاتب الكبير.
ففي عام 1907، شرع بيرانديللو بنشر سلسلة من الدراسات حول هذه الظاهرة، وقد جمعت تلك الدراسات في كتاب نشر عام 1908 وأعيد نشره عام 1920 بعد إجراء كثير من التنقيحات والإيضاحات. و«الأموريزم» حسب تعريف بيرانديللو هي «الطريقة الذكية الرقيقة في الرؤية، التي تسهم في تقديم وتفسير الواقع من خلال إظهار النواحي غير المعتادة والغريبة، والتي تتسم بالإمتاع»، و«الأموريزم» هي جزء من «الكوميك» وقد طبق هذا المفهوم في دراساته على الشعر الشعبي الإيطالي وطبقه أيضاً وبشكل أوسع على فنون المسرح والرسم بشقيهما القديم والحديث.
والفن من وجهة نظر بيرانديللو هو «تجاوز للقوانين، ينظر للأشياء بشكل غير متوقع، إذ إنه يرفع الأقنعة عن النماذج، وعن المنطق السائد، ويبيّن بوضوح ما يقبع تحت الأقنعة من تضاربات حياتية عاصفة»، كما أن الفن هو «الممارسة المستمرة لعدم التصديق» والفنان هو النموذج لظاهرة «الأموريزم»، فخياله يحطم كل التناسقات والتحديدات النابعة من التقاليد واللغة والثقافة بشكل عام، ليعيد إنتاجها بتدفق يصعب تحليله، فينشأ من ذلك كله شكل يتسم بالأصالة يشبه الكائن الحي.
إن هذه العملية تظل خاضعة حسب اعتقاد بيرانديللو للوعي الذاتي للفنان، أو ما يطلق عليه الضمير أو التفكير بالذات الذي يمثل مرآة تزود الخيال الإنساني بصورة نقدية لمسيرته ونموه، وتساعده في مراقبة حركاته. إن «الأموريزم» يحتل مكاناً أولياً من شأنه التدخل بشكل مباشر في العملية، فهو يراقب الخيال بشكل واضح ومتعالٍ، وهو أيضاً يجزئ الحركة إلى أجزاء مختلفة من خلال تحديده الدقيق. يقول بيرانديللو: «إن الأشياء ليست كما نتصورها، وهي ليست كاملة بهذا الشكل، إذ يمكن أن تكون على العكس من ذلك، فالخيال يضرب التفكير في كل خطوة وينحيه إلى الوراء ويظهر أن كل شيء يمكن أن يكون على العكس مما هو عليه الحال».

روما :

نشرت في فنون
الأحد, 06 تشرين2/نوفمبر 2016 20:33

فيلم "فالس مع بشير"

تعرض دور العرض السينمائي في عموم ايطاليا واوربا فيلم روائي كارتوني منفذ بواسطة احدى التقنيات المتقدمة للكومبيوتر للمخرج الاسرائيلي "آري فولمان 45 عاما" بعنوان" فالس مع بشير". والمخرج، من ولادة مدينة حيفا، درس فن الرسم والسينما، وقدم مجموعة من الافلام الوثائقية والروائية القصيرة خلال السنوات الاخيرة، منها" سانت كلير" عام 1996, " صنع في اسرائيل" عام 2001 ،وشارك في حرب الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 على لبنان . والفيلم الذي يبدأ بمشهد مجموعة من الكلاب الغاضبة وهي تركض باتجاه احدى نوافذ البيت الذي يسكنه فولمان، هو عن احداث مذبحة صبرا وشتيلا التي تعتبر من افظع المذابح في التاريخ البشري الحديث، قتل فيها الآف من اللاجئين الفلسطينيين المدنيين العاجزين عن الدفاع عن انفسهم، ولم يرحم من هذه المذبحة التي هزت الضمير العالمي في كل مكان ، حتى النساء والاطفال في حفل دموي استمر نحو ثلاثة ايام في شهر سبتمبر/ ايلول عام 1982.
الفيلم يروي قصة المذبحة التي كانت نتيجة تحالف بين اسرائيل وحزب الكتائب اللبناني ضد الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا كرد على اتهامات باغتيال رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك بشير الجميل ، والذي قتل بعد 17 يوما على توليه منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية ، كان يشغل منصب قائد حزب " الكتائب اللبنانية" ، ولم تمض الا ايام معدودة على حادث الاغتيال الذي حدث بانفجار عنيف في" بيت الكتائب" في منطقة الاشرفية، وذلك اثناء فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حتى بدأت مطاردة التصفية الفلسطينيين، في انحاء كثيرة من لبنان. وقد تهيأت لمجمــــوعة من عناصر" الكتائب اللبنانية" وبحماية من الاسرائليين انفسهم للدخول الى مخيمي صبرا وشيلا لترتكب واحدة من اعنف المجازر اللاانسانية المرعبة في التاريخ المعاصر. وكان المجند" آري فولمان" ضمن القوات الاسرائيلية التي دخلت بيروت، وكان موقع سريته العسكرية تحديدا على مشارف مخيمي صبرا وشتيلا، حيث انيطت به مهمة قتل الكلاب الضالة في المناطق المحيطة للمخيمين كي لاتثير بنباحها انتباه المقاتلين الفلسطينيين ليتصدوا لعمليات التصفية التي تزعم قوات الكتائب اللبنانية انها قامت بها انتقاما لحادث اغتيال رئيسها امين الجميل.
لقد اشعل الجنود الاسرائيليون قنابل الاضاءة الليلية كي يسهلوا على افراد هذه العصابات مهمتهم في تعقب الابرياء داخل البيوت وفي الازقة والحقول ولمدة ثلاثة ايام على التوالي، وعلى مرأى من الجنود الاسرائليين ، الذي كان يقودهم آنذاك رئيس الاركان آرييل شارون، حيث اخبروه باهوال المجزرة المروعة اثناء تناوله وجبة فطوره ، فرد علي مستشاريه العسكريين " اذا لم تشاهد الامر بعينيك كانك لم تراه".
ليست المرة الاولى التي تعلن المؤسسة الصهيونية نقمتها وعدم رضاها على عدد من السينمائيين والمثقفين الاسرائيليين، فقد سبق للمخرج " آموس غيتاي" عام 1977ان اخرج فيلما وثائقيا باسم "البيت" وقد كان في حينه بمثابة الصدمة للعقل الصهيوني المتزمت، اذ تحدث "غيتاي" بكل جرأة، في الفيلم عن جذور الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي بتناوله لموضوع البيت الفلسطيني الذي تحول الى بيت اسرائيلي، ثم اعقبه عام 1982 بفيلم" يوميات في الريف" تناول المخرج مظاهر القمع المختلفة التي تمارسها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تجاه سكان الاراضي المحتلة. وفي عام 1985 توجه "غيتاي" الى السينما الروائية حيث انتج فيلما تحت عنوان " استير" وقد تعرض الفيلم بدوره لحملة مقاطعة اسرائيلية رسمية، على ضوء تناوله تاريخ الحركة الصهيونية عبر استعارة شخصية " استير" الاسطورية، فتلك البطلة التاريخية كان قد قدمها التاريخ كقائدة لتحرير شعبها من الهزيمة والعبودية، الا انها سرعان ما تتحول الى قيادة هذا الشعب نحو الهاوية والمآسي والانتقام.
اما فيلم " فالس مع بشير" فيمكن تقسيمه الى قسمين رئيسيين، الاول يعكس هستيريا الجيش الاسرائيلي وعمليات القتل واطلاق الرصاص العشوائي اثناء فترة الاجتياح قبل وصول الجنود وهم بغنون، الى المخيمين، والقسم الثاني فهو المتعلق بحصار الجيش الاسرائيلي للمخيمين ايام المجزرة، ليشعر المشاهد بصورة مباشرة بان فرض الطوق العسكري، هو قرار سياسي وعسكري ومساهمة ميدانية في تنفيذ المجزرة.
الفيلم شكل صدمة للعقل الصهيوني الرسمي والشعبي المتزمت داخل اسرائيل وخارجها ،اذ تحدث "آري فولمان" عن الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي بتناوله لموضوع لاتوافق المؤسسات الاسرائيلية على رسالته التي تعتبرها عدوانية بحق الوجود الاسرائيلي.
يخرج هذا الفيلم عبر تقنية الرسوم المتحركة والذي تطغي عليه الالوان الزرقاء وتدرجاتها، وبكل جدارة، من اطار الهواية الى فضاء الاحتراف لدرجة يمكن معها القول بان هذا المخرج ذا الميول اليسارية، قد انتج بالفعل فيلمه الكارتوني هذا بالمقاييس السينمائية العالمية. فيلم يحاول المخرج جمع خيوط ذاكرته، ويمثل السيرة الذاتية له اثناء تأديته الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي، والذي تراوده باستمرار ذكرى الفرار من المجازر في المخيمين، الا انه يجري تحقيقا مع من كان يصاحبه في تلك الفترة التاريخية العصيبة من حياته ليتذكر تفاصيل ذلك الماضي المرعب، الذي يأتيه على الدوام وكأنه كابوس. الفيلم مرشح بقوة لنيل جائزة الاوسكار لهذا العام، بعد ان نال جائزة " غولدن غلوب"2009 من فئة افضل فيلم اجنبي، ونال تقدير النقاد في عموم اوربا.
في اللقطة الاخيرة باجوائها المحمومة، يفاجىء مشاهد الفيلم باختلاط الازمنة في الاطار المكاني نفسه، اذ تتحول الشخصيات الكارتونية على الشاشة وللحظات لاتتجاوز الدقيقة الواحدة، الى مشهد وثائقي حي، يمثل مجموعة من الامهات الفلسطينيات، وهن موشحات بالسواد، يخرجن من احد المخيمات،وهن يولولن بالصراخ والبكاء المر، لتتحول الصورة الكارتونية الى صورة واقعية، مؤكدة للمشاهد بان ما كان يراه هو حقيقة واقعية مأخوذة من المجزرة. وتنطبع في ذهن المشاهد رعب صبرا وشتيلا مع رعب ايام غزة الدامية، لترتسم صورة المطاردة لابناء" الهولوكست" للفلسطيني في شوارع غزة هذا اليوم، وكان الزمن يتكرر، وهو زمن القاتل والضحية.
ولكن وللاسف يبدو ان دور العرض السينمائية العربية ستمتنع عن عرض هذه الوثيقة الفنية السينمائية التي انتجت بمشاركة اسرائيلية وفرنسية والمانية، بسبب احكام قانون المقاطعة العربية للمنتج الاسرائيلي، اذ بحسب القانون الحالي، يمنع استيراد او رؤية افلام اسرائيلية، مع ان باستطاعة المشاهد اينما كان، رؤية هذا الفيلم عن طريق الانترنيت. وسيحرم المشاهد العربي الذي لايمتلك جهاز كومبيوتر من مشاهدة واحدة من الادانات النقدية الاكثر ضراوة للمؤسسة الاسرائيلية العسكرية في عدوانيتها لانه يصرحّ بمسؤولية الجيش الاسرائيلي والقيادة العسكرية والسياسية ايضا في مسؤوليتها الاخلاقية واللوجستية عن هذه المجزرة المرعبة، من خلال اضاءة الجنود للمخيمين امام القتلة، ومشاهدتهم لعمليات القتل بعيون مجرة.

روما

نشرت في فنون

يعتبر يوهان فولفغانغ فون غوته (1749-1832) والمعروف بجيته ، من اشهر ادباء المانيا المتميزين ، والذي ترك إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية ، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية ، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفع المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها ، وقد تنوع أدب غوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم ، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي والعربي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلاً على العلم ، متعمقاً في دراساته. واليوم يُقام في كل عام معرض للكتاب الألماني على قاعة غوته في مسقط راس هذا الأديب الكبير في مدينة فرانكفورت رائدة الثقافة والاقتصاد الالماني ، وقد خُصص بيته كمتحف لمقتنياته واثاره الأدبية الخالدة ، ونظراً للمكانة الأدبية التي مثلها غوته تم إطلاق اسمه على أشهر معهد لنشر الثقافة اللغوية الألمانية في شتى أنحاء العالم وهو "معهد غوته " والذي يعد المركز الثقافي الوحيد لجمهورية ألمانيا الاتحادية الذي يمتد نشاطه على مستوى العالم ، كما نحتت له عدد من التماثيل.
"فاوست"بالالمانية Faust هي مسرحية تراجيدية من تأليف الكاتب المسرحي الالماني يوهان فولفجانج فون جوته . هي عبارة عن ملحمة شعرية ، ومن اشهر المسرحيات التي عرضت على مسارح المانيا انذاك ، وقد ترجمها عن الالمانية ، احمد بدوي عام 2009 . تقع في فصلين : الجزء الاول منها نُشر للمرة الاولى في عام 1808، والجزء الثاني من هذه الملحمة نُشر للمرة الاولى ايضا 1832 وهو العام الذي توفى فيه جوته .على الرغم من أن المسرحية حققت نجاحاً باهراً إلا أنها ما كانت تؤدى على المسرح ، لكنها حصدت أكبر جمهور في المسارح الالمانية . ويعتبر "فاوست" عمل جوته الأكثر شهرة ويضعه الكثيرون ضمن أعظم الاعمال الأدبية في تاريخ الأدب الألماني .
الملاحظ في هذا النِتاج الكبير لجيته ان الجزء الثاني يختلف تماما عن جزئها الاول حيث لم يركز على روح فاوست التي تم بيعها للشيطان بفعل سلوكه الرديء ، بل ركز هذا الكاتب القديرعلى الظواهر الاجتماعية مثل علم النفس والتاريخ والسياسة وموضوعات فلسفية وصوفية ، وهذا الجزء عكس السنوات الاخيرة من حياته ، وان هذا العمل المسرحي قائم بأكمله على قصيدة نظم بعضها قبل صدور الجزء الاول ، ونظم الباقي بعد صدور القصيدة كاملة في عام 1827 وسماها "خيال الظل الكلاسيكي الرومانتيكي " نُشر الجزء الثاني من المسرحية بعد وفاته في عام 1832.
لكن جاء لسنج كريستوفر مارلو (1729- 1781) فأوجد ضالته فأنقذ فاوست من هوة المهانة التي انحدر اليها في المسرحيات الشعبية والعرائسية ، اذ رآى في فاوست يحقق ما يصبو اليه من الرجوع الى ينبوع الروح الجرمانية الأصيل ، إبتغاء النهوض بالأدب الألماني .
ان لنزعة التنوير في المانيا بتمجيدها للعقل والانسانية عامة ، لها دورها الكبير ، وهذا سر توهجها ، لقد أعقبها حركة مضادة عنيفة هي حركة "العاصفة والاندفاع" Sturm und Drang ، راغت الى تمجيد الغريزة والعاطفة على حساب العقل ، والى اطلاق العنان للمشاعر العارمة التي تحدها قيود الدين أو التقاليد أو الحكمة ، والى تجاوز القواعد الكلاسيكية في الفن ، والى التماس النماذج البشرية في الشخصيات الغريبة القلقة ، وكانت شخصية "فاوست " أنسب شخصية لتجسيد هذا النموذج .
إن من حسن حظ غوته كونه ألماني أوربي ، وليس عربياً ، والا لصاح " النقاد" في وجهه : سارق!سارق! ، ولنعتوا هذا العمل الأدبي العظيم بأنه ( سرقه ) لأنهم سيجدون أن هيكل المسرحية هو الهيكل نفسه الموجود في ( الكتاب الشعبي ) ، وان فصول كثيرة لها فصول مناظرة في " فاوست " مارلو وغيره من المؤلفين الذين أتينا على تلخيص أعمالهم الأدبية عن فاوست ، ان الألاعيب والحيل السحرية ، والمناظر الطبيعية والمغامرات في المدينة موجودة كلها بصورة أو بأخرى في تلك المصادر .
في الانسان دافع الى المزيد من الكمال ، واضح دؤوب حيث لا يهدأ أبداً ، وهذا سر عظمته ، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يستوي لديه أن يسلك سبيل الممكن أو سبيل المستحيل ، ان أمكنه ما هو طبيعي ، والا فليتخذ وسائل خارجة عن الطبيعة ، عالية عليها أو أدنى منها ، فالأمر في النهاية سيان ، لأن العبرة هي بلوغ الهدف . وبالرغم من كون فاوست وغداً ، لكنه يظل انساناً يبحث عن الكمال اوالقوة في الوصول الى الغايات .
بطل مسرحية جيته ، فاوست هو شخصية تاريخية غامضة ، ولد في أواخر القرن الخامس عشر ، وتوفى على الارجح في سنة 1543 ، وان شخصية تقوم بمثل هذه الأعاجيب كان من الطبيعي أن تتحول الى أسطورة ، واسطورة فاوست كما جاء في كتاب فاليجان ، ان حياة هذه الشخصية اختلط فيها التاريخ بالاكاذيب ، كونها رواية اسطورة تناقلها الناس من خلال الخيال الشعبي اي الحكاواتي ، ثم انتقلت هذه الاسطورة من الشفاه الى سجلات وقبل تحرير الكتاب الشعبي .
ان كانت شخصية اسطورية او واقعية ، فان فاوست هو نموذج الإنسان الساعي الى مزيد من القوة او الكمال ، بوسائل خارجة عن الطبيعة هي ما يعرف بالسحر ، بأوسع معانيه : فالمستقبل مجهول ، والانسان يريد معرفة ما سيجيء به ، والقوى الطبيعية الميسورة له قاصرة . فليبحث عن قوى خارقة كي يسخرها لتنفيذ ما يصبو اليه ، والطبائع الموجودة في الواقع تقف في سبيله أو تعجز عن اداء ما يطلب ، فليتمس اذن ادوية لتحويلها الى ما ينجح في تحقيق اغراضه ، وتلك مهمة السحر .
ولما كان السحر تحدياً للألوهية ، لانه يدفع الى خرق النظام الذي خلقته ، فانه استعان بقوى متمردة على الألوهية ، على رأسها الشيطان ، ومن لف لفه من الجن ، ولكن الجن ليسوا اشراراً فقط ، بل منهم الأشرار ومنهم الأبرار ، ولهذا فان الاتصال بالجن قد يكون مقبولاً ، وقد يكون مرذولاً .
ومن حيث المسكن ، ينقسم الجن الى : جن المنازل (الأشباح ) ، وجن الطبيعة (جن الماء ، أو الهواء ، أو الغابة ، أو الجبل ، او الصحراء ) كما جاء ذلك في رواية عزازيل (جن الصحراء ) للأديب اللبناني يوسف زيدان ، حسب ما ذِكر في سفر اللاويين ، وقد اطلق العهد القديم على الجن اسماء والقاب عديدة ، وقد نظر الفكر اليهودي للجن على انه ظلال واشباح للاجسام . اما في اللاهوت المسيحي لا يوجد اثر فعلي لدور الجن الا فيما يتصل بالجنون ، وقد ظهر الجن فقط في "رؤيا" يوحنا اللاهوتي . وله دور كبير في الفكر الاسلامي كما جاء في الكتب الاسلامية المقدسة . وهذا الاعتقاد موجود في القديم قدم الانسان ، وهؤلاء ينسبون الامراض او الجنون او الكوارث الى الجن ، وقد وجد أيضاً في الحضارات العالمية القديمة اليونان وفي مصر والصين واليابان والتبت ، وما بين النهرين (العراق ) وفي ايران ، والاعتقاد بالجن جزءاً اساسياً في الديانة المثنوية ( الزرادشتية ) اي القائلة بأن للعالم أصلين هما النور والظلمة . والإيمان بالجن موجود في الديانة الهندوسية في الهند .اما المعتقد المندائي يؤكد على وجود الأرواح الشريرة . اما من حيث التأثير ينقسمون الى : جن الموت ، المرض ، العاصفة ، الصاعقة ، الوساوس ، الكهانة ...الخ .
وفاوست خرافة قديمة يردها بعض المؤرخين إلى ما قبل غزو النورمان لإنكلترا ، وتناولها العديد من الأدباء في مؤلفاتهم منهم جوته ومن قبله الشاعر الانكليزي ( كريستوفر مارلو) والشاعر الفرنسي (روتييف) والكاتب الالماني جوتهلد إفرايم لسنج .
"الخرافة تحكي عن شخص (فاوست) ورث عن عمه أموالاً ، وتعلم كل ما أمكنه من علوم زمانه ، ولكنه بعد أن ادركه الكبر اعتقد أن كل ما أخذه من علم لا نفع له ، فندم على سنوات شبابه الذي أضاعها ولم يقضيها في متعته ، فظهر له الشيطان (مفستوفيليس) يقايض روحه وجسده على أن يمده بأربع وعشرين سنة وهو في شبابه ، اقتنع فاوست بما عرض عليه الشيطان فمضى في سبيل الشر فقتل وفسق ووقع في كل رذيلة أمكنه فعلها ، وفي هذه المسرحية عشق فاوست مارجريت ( وتُعرف أيضاً باسم جريتشن) ، وعندما عرض عليه الشيطان النساء رده رداً عنيفاً قائلاً بأنه لا يريد سوى مارجريت المرأة التي أحبها . في الخاتمة تبع جوته منهج ليسنج فعندما أتى الشيطان ليأخذ حقه من الاتفاق في النهاية أتاه صوتاً من السماء قائلاً ( لن تفلح فيما تريد) ويُكتب الخلاص لفاوست ومارجريت" .
إن من اهم اعمال غوته : ألام الشاب فيرتر 1774 ( رواية في شكل رسائل )، المتواطئون 1787 ( مسرحية هزلية ) ، غوتس فون برليشنجن ذو اليد الحديدية 1773( مسرحية ) ، بروميتيوس1774(قصائد) ، كلافيغو 1774(مسرحية مأساوية ) ، إيجمونت1775(مسرحية مأساوية ) ، شتيلا1776(مسرحية)، إفيغينا في تاورس 1779(مسرحية)، توركواتو تاسو1780(مسرحية) ، فاوست(ملحمة شعرية من جزأين) ، من حياتي.. الشعر والحقيقة 1811/1831(سيرة ذاتية ) ، الرحلة الإيطالية 1816(سيرة ذاتية عن رحلته في إيطاليا) ، المرثيات الرومانية 1788/1790(قصائد).
دمتم بخير.
المصادر :
*فاوست / جيته / ترجمة د.عبد الرحمن بدوي ، والناشر دار المدى ط1/ 1998 ، ط2/ 2007 / اعمال خالدة -3.
* فاوست / الرواية / تاليف جوته / ترجمة محمد عوض محمد / تقديم - طه حسين.
*الموسوعة الحرة
*منتديات

 

نشرت في فنون
الأحد, 30 تشرين1/أكتوير 2016 19:32

في الدسيسة ليحيى الشيخ... الكل مدعو

مسرحية تحكي من دون هَذر و مَذر، كراهب متقشف خشن الجلد، او كدرويش معتزل تكفيه كسرة خبز ليغرق في فضاء من حكمة، النص مضغوط على مفردات منتقاة بصرامة ابتغت ابقاء المميز في قول المعنى، والمشع في إلباسه رداء من تبجيل حدث
الكتاب ذو صلة مغرية من حيث رمزية غلافه الخارجي تزينه لوحة تقول الطوفان قادم، ولا تقفل الرغبة في معرفة ما هو قادم
تجثو السفينة بجذعها منذ المشهد الاول على سرد الحدث....معلنة الطوفان، العقاب السماوي الطاهر لكل ما هو ارضي أثم، صرير اخشابها يئن من طمي غريني، اصوات التذمر لراكبيها تعلو كناقوس كنيسة، حكمة نوح وصبره لا تكفي لتغطية المشهد وهو يتنبأ بأن من لا يعرف الاجابة ينتحر
في المشهد الثاني تلوح تباشير فرح باليابسة، يهم الجميع بالنزول من السفينة تاركين خلفهم الشيخ نوح، الذي تطاله السنتهم اللاذعة بأنه ليس لديه ما يفعله بعد الطوفان، ناكرين عليه حتى ايماءة امتنان بصدق نبوئته، في حين هو منشغل فقط في تفقد سلامة المهمة
المشهد الثالث خصص لظهور المجذوم وكلبه وهو عنف المواجهة بين المقبول والمرفوض، ليغرق في مساجلات يأخذها نوح الى ان الخطيئة لا تطهرها الا النار ويجرها المجذوم لنفسه بأن الجذام حقيقة وجود وليس خطيئة، ويخاطب نوح ربه بنبرة عتب انه لم يعصه ابداً فكيف انه وصل ارض طاهرة وهو يحمل معه النجاسة متمثلة بشخصية المجذوم ليضعه الموقف تحت مطرقة العتاب وعبثية المحاولة
في المشهد الرابع تقف امام حوار شطارات فلسفية بين نوح والمجذوم لكل اشارة دور مخصّب في( منْ هو الرابح في النهاية ) عندما يكتشف نوح نجاة المجذوم كأنه بهذا قد اعاده للمربع الاول، يتجلى الحدث في مقولة للمجذوم مخاطباً نوح ( تتكلم وكأنك خسرت كل شيء ) فيرد نوح بتعبير مثقل بتخميرة إيمان لها سحر الدلالة ( ما ربحت شيئاً لأخسره ....غير ربي ) ثم يشير المجذوم الى ذاك الحلم الذي يتنبأ فيه عن الحل بأحتراق نوح ومعه العالم
اما المشهد الخامس فيضع يحيى الشيخ في عمله هذا ( الدسيسة ) المشاهد وجهاَ لوجهاَ امام حقيقة عارية لا يسترها شيء، الناس خطاة لا مفر منهم سواء التقيتهم قبل الطوفان ام بعده، وهنا تكمن المسألة كلها حيث يخرج في الاخير نوح مكلل بالعار وليس الغار في مشادات كلامية بينه وبين المجذوم، الصوت الواقعي المختزل لتقميشة الانسان على الارض
المدخل الفعلي المتحكم بالفكرة هو ادخال مشهد الحروب التي صنعها الانسان لتلتهمه، وهي علامة تومئ بذكاء مهني كمن يكتفي تاركاً المتلقي لهذا العمل الفني طليق العين والاذن وله حرية التأويل والفهم واستيعاب الحياة كلقمة واحدة مرة كالعلقم لكنها قابلة للهضم
في المشهد الثامن والاخير، يفتتحه قدوم ورثة الحروب احفاد نوح يجرجون جراحاتهم حاملين فوق خطاياهم، خطيئة اخرى وهي جثة قتيل على ملكية ارض وهي لازلت طيناُ مبلولاً، ديدن البشر، لينتهي المشهد بطعن المجذوم دلالة على ان البشر لم يغسلهم الطوفان ليتطهروا، بل عادوا الى قسوتهم، ليأتي نوح مطلقاً وصيته الاخيرة والحزينة ( من شاء منكم أن ينقذ حياته فعليه أن يخسرها ) ويحرق السفينة ومن عليها وهو معهم، دلالة ان اخر العلاج هو الكي، والنار ستطهر ما عجز عنه الطوفان، مسرحية تغرز اسفين الحكمة عميقاَ في النفس وتنفع درس لكل انسان ليفهم اللعبة جيداً، لذا في ( الدسيسة ) الدرس متاح ومجاني ....والكل فيها مدعو... في آمان الله

نشرت في فنون

 

توفى الكاتب المسرحي والممثل داريو فو الفائز بجائزة نوبل للاداب عام 2008
واشتهر بنقده السياسي الساخر في روايات مثل "موت فوضوي صدفة".
وذكرت تقارير إعلامية إيطالية أنه توفي عن 90 عاما بعد أن نقل إلى مستشفى في ميلانو قبل 12 يوماً.
وأعرب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي الذي تعرّض شخصياً لنقد فو اللاذع عن تعازيه.
وقال رينتسي "بموت داريو فو خسرت إيطاليا أحد أعظم رموز المسرح والثقافة والحياة المدنية في بلدنا".
وأضاف "نقده الساخر وبحثه وعمله في التصميم المسرحي وأنشطته الفنية المتعددة ستظل إرثاً عالمياً لعظمة إيطاليا".
وخلب فو وزوجته الشاعرة والممثلة المسرحية الراحلة فرانكا راما قلوب وعقول الإيطاليين من خلال مواقفه السياسية اليسارية والكتابة والأداء على المسرح وفي الإذاعة والتلفزيون والانتقاد الحاد للزعماء السياسيين بالحوار الرشيق الذكي.
بهذه المناسبة تنشر " الاخبار" مقال للزميل الصحفي الفنان التشكيلي موسى الخميسي مقالا عن الرسم عند الفنان الراحل سبق وان نشر سابقا في كتابه المعنون" الحركة واللون" الصادر عن دار المدى

فى لوحات داريو فو،تظهر لغته وحواراته المسرحية النقدية التى يستخدمها كأداة لايصال مضامينه النقدية المتصادمة مع الواقع الايطالى الذى يصفه على الدوام (بالواقع المنخور بالمرض). وفى اعمالة التشكيلية المتعددة، نقف امام فنان تشكيلى يمتلك كل ادواته الفنية والحرفية المقتدرة فى بناء معمار اللوحة الفنية التقليدية ، فهو من ذوى المواهب العالية والمهارة العظيمة والمعرفة الكبيرة والخبرة الممتازة، ومشبع بالروح التفاؤلية المحبة للحياة والناس، كما انه يزاوج بين قوة الاسطورة والثورة بغية نقد الواقع بسخرية حادة تجعل من بعض اعماله الفنية التشكيلية ذات ابعاد كاريكاتيرية فى احيان كثيرة، فهو على الدوام يزاوج ما بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والعبث، حتى اصبحت هذه الحالة واحدة من خصاله السلوكية العادية،وتميز منذ طفولته بروح المداعبة واثارة المواقف المضحكة، فقد ولدعام 1926 لاب كان عاملا فى السكك الحديدية ملتزما بالقضايا الاجتماعية ومناهضا للفاشية ، ويزاول النشاط المسرحى فى فرقة هاوية استخدمت المسرح كوسيلة تربوية وتحريضية، وقد زرع فى روح ابنه الرغبة فى الاقتراب من المسرح منذ الصغر حيث بنى له مسرحا صغيرا للدمى فى باحة الدار.
ادرك داريو فو ما للاسطورة الشعبية فى العلاقات الحاضرة للناس من دور كبير فى بناء السلوك والايديولوجية، ولهذا فهو حاول ربط كل اعماله المسرحية والتشكيلية بالحكاية التراثية الرحبة والمترامية الاطراف، معتمدا فى ذلك على معرفته الواسعة والدقيقة فى الجوانب التراثية والفكرية التى انتجها ولايزال المسرح الشعبى الايطالى.
انه ينتقد الواقع من خلال نقده الساخر والعميق للفكر الاسطورى، وهو يدرك بان نقده هذا يأخذ شكله من خلال ما يطالب به من تغيير فى عملية النمو الاجتماعى، ولقد وصفه الناقد الفرنسى" برنارد دوارت" قائلا( ان داريو فو عمل ليكون اكبر حاملى الملهاة الخارقة، وبه اصبحت الحركة المسرحية تمتلك كل وضوحها).
فى اعماله التشكيلية المعروضة والتى يقول عنها بانها ( تشبيهات ورموز متهكمة ملونة اعتبرها تتمات ساخرة لاعمالى المسرحية) يبدو وكأنه دارس ومحلل نقدى ساخر، لايقدم معارف تاريحية معينة، بل يدأب فى كيفية ايقاظ الرغبة بالتغيير، فهو يرى الاشياء التى تقف على المسرح او فى الحياة اليومية بعينين غير مغمضتين، ويقدم كل ما يراه على شكل اناشيد لونية حارة صارخة تبدو وفى احيان كثيرة وكأنها متعارضة، وذلك لطبيعة استخداماته المتنوعة باللون على سطح اللوحة الواحدة، فهو يطرح من خلال هذه اللوحات ظواهر معاشة فى ايطاليا مثل ظاهرة العنف والسلطة والحرية والجنس والتفاوتات الطبقية، والفضائح السياسية والاخلاقية.. الخ.
ان جسد داريو فو وهو يرسم بحركاته المرنة التلقائية غير المتصنعة عوالم مدهشة على خشبة المسرح، فانه يعكس كل ذلك على سطوح اعماله التشكيلية، ليتحرى كل مسارات الاسئلة التى ظلت تشغله كفنان قدير ادرك بوعى كبير ماهية الترابط ما بين القدرات الابداعية والسمات الحساسة لمشكلات الواقع الايطالى.
لقد استفاد داريو فو من تجربته الدراسية ايام شبابه للرسم والديكور فى اكاديمية الفنون الجميلة فى ميلانو،كما درس المعمار، الا انه بدأ اولى خطواته فى العمل فى الاذاعةالايطالية ومسرح المنوعات، اذ كان يقدم برنامجا يعتمد على رواية الحكايات الشعبية، وهو البرنامج الذى فتح الطريق امامه من اجل تأكيد قدراته كراو للحكايات. وقد انعكست اثار هذه التجربة على مسرحه لاحقا، كما حملت نتاجاته الفنية التشكيلية آثارا مماثلة من الأثر، فاصبح كل ملصق جدارى وكل لوحة من لوحاته الفنية التى تحمل اتساعا كبيرا بحدتها وصرامتها اللونية، تجسد حدثا او موقفا او حركة لمشهد مسرحى ينطوى على رمز كأداة مساعدة وضرورية وظّفها داريو فو، ليجعل من لوحاته جزءا متمما يتابع المشاهد من خلاله العديد من الادوار المسرحية غير المرئية.
وتحوى العديد من اعماله التشكيلية صورة القناع الذى يضعه العديد من شخوص هذه اللوحات على وجوههم، وهو يحاول التاكيد على تلك النصوص الشعبية التى كان يكتبها ويوظفها للحياة المعاصرة والتى اسماها( الكوميديا) فالقناع بالنسبه له يخفى الانحطاط والرياء الاجتماعيين. وتميزت تلك النصوص بنوع من البناء النصى الشبيه ببناء مقاطع الكلاون( المهرج الكوميدى) الذى يزاول فنه فى السيرك والساحات العامة من خلال التمثيل الايمائى، واستخدام جسده وقناع وجهه وصوته المتلون فى خلق الصورة البلاستيكية للشخصيات، سواء انسانية او حيوانية او خارقة- شخصيات خيالية- واستخدام الحاجات الشيئية والحالات الطارئة مع المتفرج كعناصر من اجل خلق نسق تمثيلى مضحك، كما ان اللغة التى استخدمها هى الاخرى مزيج من اللغة الادبية واللغة الدارجة.
ركز على الجسد الانسانى الذى رسمه فى اغلب اللوحات عاريا،، باعتباره اكمل مخلوقات الطبيعة.. وعلى اعتبار ان الجمال يكمن فى طبيعة الاشياء ذاتها، ومهمة الفنان من وجهة نظره تنحصر فى تقليد الطبيعة باعتبارها امهر صانع للاشياء، فالعالم رائع فى جوهره العميق، والجمال موجود فى كل تشعباته، وما على الفن الا الكشف عن قوانين الجمال ، والاعلاء من شخصية الانسان والتعبير عن ايمانه بلا محدودية طاقاته الخلاقة وبغده الافضل.

نشرت في فنون
الإثنين, 13 حزيران/يونيو 2016 19:39

حوار مع المسرحي صلاح الحمداني

لايزال الشاعر والفنان المسرحي العراقي صلاح الحمداني، برفقة عازف العود الفنان احمد المختار والممثلة الفرنسية فردريك بارياس، يحيون حفلاتهم الموسيقية الشعرية، على خشبات مسارح العديد من المدن الاوربية. وفي مدينة تورينو الايطالية كانت لهم امسية نالت اعجاب الجمهور الايطالي ونقاد الصحافة المحلية التي اشادت بروعة العمل الفني الشعري الممسرح، والذي تناول صلاح الحمداني من خلاله نصوصه الشعرية، عن مدينته الاثيرة بغداد.

يدرك هذا الشاعر الفنان (المسرحي) أعباء الكلمة، في نصه الشعري، ويعي مسؤولية الابداع فيه، ومن ثم فانه لم يسقط في عقدة المثقف المحبط، بل يسلك مع هذا النص ليشخص حالة التداخل التي تعيشها ذاكرة مدينة، وهي تداهم الجميع واينما كانوا بفضائع الرعب والالم والموت اليومي، ليخرج، بحمم شعرية، وعبارات نثرية، عربية وفرنسية، ما اختزنته ذاكرة المدينة الجريحة، وهي تجوس بين مرابع الشباب والحنين، فيطل علينا وعليها كاتب هذا النص الشاعر والفنان صلاح الحمداني، على ذكرى الحاضر، يلونه ويضبط إيقاعاته، وكأنه دفق الذاكرة المثلومة، الثائرة، ليجرف المشاهد الى الرؤية الداخلية الصادرة عن معاناة الابن الذي يريد أن يستحضر معه كل أمكنة مدينته في الآن نفسه، بحثا عما يسند الذاكرة ويبطل زيف المدعين والارهابيين مشوهي التعايش وحوار الثقافات لكل الطوائف والاثنيات التي عاشت وتآلفت فيها.

تتبلور وترسخ طريقه صلاح الحمداني في الكتابة ونسج رؤيته الحياتية المستمدة من ذاكرة تلك المدينة وعيشها، وكأنها حالة استيقاظ لحضور الزمن بكليته، والشعور بالفاجعة بكل ملامحها ومناطق وجعها وندوبها لرؤية الأزمنة والشخوص التي تتحاذى وتتجاور، بينها وبين الأمكنة، فهو لا يكتب ليحكي أو ينقل مشاهدات واحداثا، بل ليلتقط "حياة مدينة" وتجربته مع ذاكرتها، مع الحلم، وتناقضات العيش فيها، مع اسئلة الوعي والكينونة.

هناك في بغداد الحبيبة على قلب الشاعر، شرك الحياة الذي لايخطاه صلاح الحمداني بمجرد اصطناع البلاغة الشعرية والتعامل الخارجي مع اللغة. على العكس، يخوض الشاعر مغامرة الكتابة نثرا وشعرا، عربيا وفرنسيا، بعد ان غربل الاحداث ورتب المشاهد، واضاف لها ما كتبه قبل سقوط النظام البائد، وتلك التي كتبها ايام عودته للقاء مدينته بعد ثلاثين عاما من الغياب البعيد، وأضاف ما يصيبها الان من ايام عجاف، حيث ينتزع اعدائها كل حجارات الماضي من جدرانها العريقة لتفتته بنادقهم الهمجية. انه يخوض الكتابة منفتحا على مسالكها ومتاهاتها، وحريصا، في الآن نفسه، على ان يرسم ملامح العذاب الكامن وراء تجربته الكتابية عن مكان وزمان اسمه بغداد.

لقد كان صلاح الحمداني مثيرا للانظار وهو يقف على خشبة المسرح بصوته الجهوري البديع، جاء الى الشعر والمسرح بعد تجربة سياسية طويلة، وفي فترات تاريخية تبددت خلالها شروخ مجتمع كان يركض نحو الفاشية، حيث عجز الخطاب السياسي المكرور امام التحولات الاجتماعية السريعة والمعقدة التي كانت تمر بها بلاده. هاجر، إذن، إلى الفن، ومعه حصيلة حياة زاخرة بالاحداث والنضالات، غنية بخصوصيتها من خلال انتماءه إلى واحد من اعرق الاحياء الشعبية (محلة الفضل) في المدينة، ليهرب فارا من جحيم البلاد، الى مدينة باريس، المستندة إلى ثقافة عالمية واسعة وحساسية مرهفة. وستكون ذاكرة المدينة، "سماء مفتوحة" حتى الآن بطفولتها ومراهقتها، بتقلباتها ومسؤولياتها، بانكساراتها وأفراحها، هي الإطار العام الذي استمد منه صلاح الحمداني مادته الشعرية، لا بهدف إعادة تكوين بيئة، أو تأريخ قوم، أو تصفية حساب مع أحد، وإنما لاستعادة صوته الحقيقي الضائع وسط الحنين والشوق الذي يتحرك بداخله يوما بعد يوم.

في هذا العمل الشبه مسرحي، الشبه شعري، الشبه موسيقي، والذي لم يسبق لاحد ان قام به على هذا المنحى الجمالي، تكون الشهادة الجريئة الحالمة والتي تتميز بوعيها النقدي لتستوحي تجربة إنسان وتضعها موضع التساؤل، وتتخذ منها مادة للتخيل والانتقاد والحنين.

لقد استطاع صلاح الحمداني أن يكسر رتابة السرد من خلال انجاز تشخيص ادبي شعري للغة وهو ينقل للمشاهد ملامح المدينة ومناخاتها وطبيعة العلائق، وهذا ما يفسر لنا حرصه على ادراج العبارات العربية مخلوطة مع العبارات الفرنسية على شكل ابيات شعر وعبارات محكية، ويكتسي الوصف والاهتمام بالتفاصيل القديمة والجديدة مكانة اساسية عند الشاعر، لانه يعي بان الفضاء متصل بالعيش المحفور في ثنايا الذاكرة، مما يجعله حريصا على تشخيص التضاريس المبرزة لخصوصية المحيط البغدادي. وكل ذلك يجعل نص (بغداد سماء مفتوحة) نصا روائيا شعريا كثيفا، مركبا، شفافا وعميقا في آن. وإذا كان هذا النص الشعري المسرحي المرسوم باقتصاد ودقة ولقطات ساحرة وساخرة، تملأ فضاء العمل بالحياة والحركة، فان شخصيته على خشبة المسرح جنبا الى جنب الموسيقار المبدع أحمد مختار، والممثلة الفرنسية فردريك بارياس، ببعديها الرمزي والواقعي، تظل هي المتكلم الاول في النص، متكلم يبلغ كل قيم الوفاء لمدينة لازال حبها يمتلك قلبه، أنه شهادة ضد اجتثاث مدينة تاريخية عريقة وجميلة، وضد تحطيم ثقافتها، وضد الكراهية، وتقتيل الابرياء، انه يغني الحب والتآلف والتعايش المتفاعل بين كل البشر.

لقد استطاع صلاح الحمداني في "بغداد سماء مفتوحة"، أن يؤكد، أهمية الكتابة التي لاتنساق وراء إغراء سهولة الصنعة، ولا تخشى استيحاء الموضوعات الساخنة الملتصقة بحياتنا اليومية، وهو بذلك يسهم في إحياء ذاكرة مدينة.

بعد انتهاء العرض الذي قوبل بالتصفيق من قبل الحاضرين، التقينا بالشاعر والفنان صلاح الحمداني.

لماذا اخترت اسم بغداد سماء مفتوحة على هذا العمل الشعري المسرحي؟

اسم العمل مستوحى من عنوان مجموعتي الشعرية التي كتبتها عام 2006 باللغة الفرنسية وصدرت من قبل دارين للنشر هما "النرد الأزرق" الفرنسية و"الكتابة المنصهرة" الكندية. وباعتقادي أن اسم هذا العمل قريب جدا من واقع العراق اليوم. فعلا أن هناك عملية مخاض محتدمة وعصية وعلى كافة الاصعدة، فالمستقبل مفتوح على مصراعيه، وأن سماء بغداد زرقاء ومنفتحة على كافة الاحتمالات، رغم كل ما يحدث من خراب.

هل يمكن تصنيف عملك هذا بالعمل المسرحي؟

العمل ليس عملا مسرحيا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل اننا استفدنا لتقديمه على وسائل وأدوات المسرح، مثل استخدام خشبة المسرح، الانارة، التسجيل الصوتي، وعرض الصور (السلايدات). أما النص الذي يقرأ، فهو مستلهم عن مجموعة من النصوص المكتوبة نثرا وشعرا، عربيا وفرنسيا، وأيضا، من نصوص كنت قد كتبتها بالفرنسية وترجمتها إلى العربية، غربلتها ورتبتها، وحتى أضفت لها بعضا من تلك النصوص المكتوبة والمنشورة قبل سقوط النظام الديكتاتوري السابق في العراق، وكذلك قسما من تلك التي كنت قد كتبتها ايام عودتي للقاء بغداد والاهل بعد ثلاثين عاما من المنفى، وزودتها ايضا بما كتبته باللغة الفرنسية في بغداد وارسلته عن طريق "الانترنيت" وأصدرته بعد رجوعي الى فرنسا في كتاب فني حمل عنوان "قصائد بغداد". العمل بمجموعه أعد بعقلية اختيارية منتقاة، هدفه خلق وعكس حالة درامتيكية وحسية لمسيرة إنسانية عراقية، تمثل حقبا ومراحل مختلفة من حياة منفي عراقي بقى مشدودا بحنين الانتماء الى مكان الولادة الأولى "بغداد". بغداد المكان، وبغداد الروح، تلك المدينة التي لازالت تصارع من أجل الثبات في مكانها، كجسد أسس بجذوره عميقا في تاريخ البشرية، وذلك رغم كل ما أصابها من مسخ وتصدع في بنيتها الآدمية، جراء الحروب والطغاة، واليوم الاحتلال والارهاب البعثي السلفي، اللذان يلهبان حتى التراب.

إلى أي حد ساهمت موسيقى العود للفنان احمد مختار وصوت وحركات الممثلة فردريك بارياس في تهيئة هذه الروح الجديدة لنجاح مثل هذا العمل الفني؟

إن ما يميز هذا العمل إبداعيا وفنيا، هو امتزاج موسيقية آلة العود مع اللغة الفرنسية والعربية وتقاسمهما مع الشعر الحديث. والآلة هنا لاتشكل فقط حضورا "نوتات موسيقية" للطرب، كما اعتاد عليها غالبية الموسيقيين عمله، بل هي مقاطع ألفها الموسيقار احمد مختار خصيصا لهذا العمل، حيث جعلها تحاكي وتحاور النصوص دراميا، موسيقى تحاور وتنصهر مستفادة من أصوات وأداء الممثلين والإنارة الذكية، التي كان لها هي الأخرى دورا مكملا لعناصر العرض. وتخلل العرض مقاطعا موسيقية إبداعية، اسميها الموسيقى "الطارئة" المباشرة على المسرح. من هنا جاء حضور الموسيقار احمد مختار برفقة آلته "العود" فوق خشبة المسرح، أي انه عنصرا حيويا ومسرحيا، يرافق لهثة القراءة، ولكنة اللسان.

موسيقاه تتعاطاه ويتعاطاها، مع نبرة الصوت، نطق الكتابة مع الحرف العربي والفرنسي، بين الفارزة والهمزة، تأتي حركة الممثلة الفرنسية ونطقها الاصيل بلغتها الأم الفرنسية، ونطقي العربي، مما يغني علاقتنا بين آلة العود، أحمد مختار، فردريك برياس، وحضور صوت وكيان كاتب النصوص جسديا، لغته العربية ولكنة لسانه وهو ينطق الحروف الفرنسية، والجمهور.

ليس كتابك الأول بالفرنسية الذي يحمل أسم بغداد كعنوان يتصدر الأغلفة، ما سر ذلك؟

بعد إصدار أكثر من عشرين مجموعة شعرية، وبالتتالي مرة بالعربية ومرة بالفرنسية أو ما كنت أترجمه من قصائدي العربية إلى الفرنسية، وكثيرا من الأحيان أتطرق في هذه المجموعات هنا وهنا إلى بغداد مدينة ولادتي. أخذت أفكر فعلا بأن "بغداديتي" تختلف تماما عن من كان يتحدث ويتبجح بها، دكتاتوريا كان أو قزما مصفقا بشوشا برعونة هذه الدكتاتورية، وحينما وقفت ضد الحرب، ليس دفاعا عن زمرة لصوص شوارع وعصابات بدوية متخلفة دمروا حضارة العراق ونهبوا خيرات العراق وأثار بابل وذلك قبل مجيء المحتل الأمريكي. وإنما كأن من أجل ناس بغداد وظلالها وبيوتها وأزقتها ونهرها العظيم دجلة. والسبب الأخر يعود إلى ازدرائي من الصراع العراقي العربي السخيف الذي لا زالت تدور رحاه بين المثقف والسياسي، وتبجح وتتطاول بعض السكارى والمخمورين من الشعراء العراقيين على الأديب الملتزم، وترويجهم المبطن لأفكار فاشية، أخذت على عاتقها تمزيق مفهوم الالتزام السياسي للمثقف والشاعر، حيث وصل الأمر إلى بعض حشاشي الشعر والأدب إلى محاربة الشاعر المناهض للقمع والاضطهاد السياسي، والإشارة إليه بأصبع الاتهام كونه ملتزم بالدفاع عن حرية الناس ومصادر رزقها، وغلق أبواب النشر بوجهه، واتهامه بالكتابة المباشرة، اللامبدعه، ضيقة الأفق، وعدم الحديث عن كتبه ونتاجه وعدم دعوته للمحافل الثقافية العربية... لقد جرى ويجرى استنكار الأديب العربي الملتزم. بالمقابل فتحوا الأبواب والنوافذ على مصراعيها بالجوائز والمقالات الرنانة الفارغة على من هب ودب من الشعراء الذين لا يتمكنون الكتابة إلا وهم في حالة سكر، ولا ينطقون أدبا إلا من خلال ما تعكسه عليهم مخيلتهم المخمورة . فما عليك، يا صاحبي، كن أهبلا وأكتب حماقات هلوسة، كن أرعنا حتى، وستكون شاعرا يكتب عنك الدونيين. من هنا أردت أن أبين وعلى جميع الأصعدة أن وضع بغداد كعنوان لأكثر من كتاب شعري، وباللغة الفرنسية، مثل: مقبرة العصافير، بغداد حبيبتي، والعودة إلى بغداد، وبغداد سماء مفتوحة"، كل هذا هو نوع من الالتزام الأخلاقي والسياسي، فأنا كنت ولا زلت نقابيا في فرنسا، ومنظم في حزب يساري فرنسي، وأملك اليوم وسام شرف أكثر قيمة من الشعر، أقصد أعوام المنفى الطويل بسبب نضالي ومناهضتي للطغاة ،وأين ما وجدت، خصوصا تلك التي تربت وأكلت من ولائم مذابح الدكتاتورية المقبورة في العراق. علما أن مجموعة "بغداد سماء مفتوحة" رشحت إلى عدة جوائز أدبية في فرنسا وبلجيكا، وترجمت إلى الإنكليزية وستصدر العام القادم ضمن مختارات من نتاجي الشعري والنثري في أمريكا سيحمل عنوان بغداد حبيبتي، وقسم منها ترجم إلى الألمانية والأسبانية والعبرية. وأقول لك، أن سماء بغداد وعلى الرغم من كل ما جرى وسيجري هي صافية زرقاء من دون صدام وحاشيته!

أدرجتك انطولوجيا الشعر الفرنسي الحديث لهذا العام ضمن شعرائها. على من يستند هذا التصنيف؟

لا شيء يجبر العاملين على انطولوجيا للشعر الفرنسي بوضع أو حذف شاعر ما. فهم ليس شعراء ومثقفين عرب، يتعاملون مع النتاج الإبداعي على أسس العشائرية والمحسوبية والصداقية العائلية، والوصايا السياسية. وهم بعيدون عن المصلحة الذاتية الضيقة الخ. هؤلاء لا يقلقون على وجودهم الشعري حينما يقيمون فكريا شاعرا ما، بخلاف ما نراه من كم لأنطولوجيات العربية والعراقية، التي ليس فقط تتنكر على حقوق المبدع، وإنما تلغيه من الوجود تماما، وذلك دوما على حساب "الطبطبة" على الأكتاف وضرب الثريد، وتجارة الخبث والربح المادي وطريقة "أكتب عني أولا ومن ثم سأكتب عنك"، وهي طريقة همجية تجعل المبدع الذي لا يفقه قواعد لعبتهم السمجة هذه، يموت مرات عدة، أكاد أقول يقتلوه عمدا وتكرارا. فلا الثقافة العربية ولا مثقفيها وصلوا إلى التقييم الأخلاقي في الأقل لما هو موجود حقا من نتاج فكري عربي، قد ذهب بعيدا بتجاوزه لتلك العقلية الجامعية الصحفية البائسة، "والتصفيط" اللغوي، الذي يسخر من عقلية القارئ.. أقصد من هذا، يتمكن الشاعر القادم من بلادنا أن يعيش خمسين سنة في محيط غربي، لكن تبقى آفاقه مردومة وعقله غير نشط وحتى أحيانا يصل إلى نوع من البدائية المقفرة، تراه حتى يفقد إنسانيته، ومرات كثيرة تجده معلنا وبنشوة مريضة هندسته الفكرية بكيفية اختياراته بين الجثث، ولا يفرق بين الضحية والجلاد، ولا يدرك أهمية حياة الناس والشعوب. بصراحة أيها الصديق، ما هو منعش للفكر وتطوره الثقافي بمفهومه الآدمي، أنني لا أعرف مؤلفي هذه الانطولوجيا، ولكنهم قرؤوني واختاروني، ولم يوقفهم لا أسمي العربي ولا مناهضتي العلنية في فرنسا لدكتاتورية صدام وموقفي ضد الحرب على العراق، ناهيك عن وقوفي اليومي هنا بتعرية الإرهاب ومسببيه الحقيقيين الذين يمزقون أجساد أهلي هناك في واد الرافدين، ويكاد يضرب حضارة الغرب.

فالمؤلفون لم يشطبوا على قصائدي الفرنسية بحجة أن هذا الأديب والشاعر هو عراقي منفي سياسيا، ويعلن الحرب على الحرب، ولم يضعوا خطا أحمرا على أسمي لأنه لا يمت بصلة بأسماء أبنائهم الحقيقيين وأدبائهم، فهم لا يتعاملون مع الشعر كما نتعامل نحن به في منهاج عقليتنا العربية ، ولا يقلقون على وجودهم الشعري والإبداعي "كشعراء وكتاب" حينما يختارون شاعر أخرا، ويتحدثون عنه بعيدا عن المصالح الآنية التي تفسد الإبداع الشعري. وحده النص وجمالية الشعر تعبيريا كما يبدو ما جعلهم يختاروني، وهذا ما كان في حسبانهم، وأن دل على شيء فيدل أن هناك آدميين بالعالم، وأن الثقافة بمفهومها الكوني لا زالت بعافية.

ممكن أن تحدثنا عن مشاريعك وكتاباتك القادمة؟

ما هو مؤسف أيها الصديق، أن كتابي الروائي السردي "العودة إلى بغداد"، الذي كتبته باللغة العربية، ويتطرق إلى عودتي إلى بغداد بعد ثلاثين عاما من المنفى، لرؤية الوالدة والأهل، لم يصدر للآن، وقد رفضته دار المدى العراقية في سوريا بحجة أن الرقابة لا ترخص طبعه. علما أنه صدر باللغة الفرنسية وسيصدر باللغة الإنكليزية ويترجم حاليا إلى الألمانية. جاهز أيضا للنشر وبالعربية كتابين "وداعا يا جلادي"، و"لم يعد يتذكرني أحد هناك"، وهن كتب سردية روائية شعرية، وكتاب أخر، قصائد هذه المرة بالعربية، تحمل عنوان "أوهام الحضور"، ومجموعة كتبتها باللغة الفرنسية ولكني لا زلت أعمل عليها، وفيلم بالفرنسية سينتهي تصويره بعد أشهر في باريس، يتحدث عن تجربتي الإنسانية كعراقي منفي وشاعر وفنان مسرحي يعيش منذ زمن طويل في فرنسا.

نشرت في فنون
الصفحة 1 من 2

إستفتاء الجمعيات والنوادي

برأيك ماهو اهم مشروع للأتحاد

الأحصاء العام للمندائيين في العالم - 2.5%
بيت المعرفة المندائية - 1%
تطوير وسائل الأتصال والمعلومات الألكترونية - 3.7%
مشروع الأيادي البيضاء لمساعدة اللاجئين - 1.4%
ابنائنا في جيوبنا - 0.3%

Total votes: 984
The voting for this poll has ended