كتب دمتري شوستاكوفيتش (1906-1975) رباعيته الوترية رقم 8 (عمل رقم 110) خلال ثلاثة أيام صيف سنة 1960 في دريسدن الألمانية، بينما كان يؤلف موسيقى فيلم "خمسة أيام خمسة ليال" السوفيتي-الألماني الديمقراطي المشترك عن قصف وتدمير مدينة دريسدن في الحرب العالمية الثانية. أهدى شوستاكوفيتش الرباعية الكئيبة الداكنة "إلى ضحايا الفاشية والحرب"، وكان يقصد ضحايا الاستبداد الشمولي الستاليني عند اشارته إلى ضحايا الحرب، وكان هو نفسه من ضحايا الستالينية منذ الثلاثينات عندما تصادم مع السلطات "الثقافية" التي منعت عدداً من أعماله وألصقت به تهمة الشكلانية وأجبر على النقد الذاتي مرتين، أي تقييد حريته الابداعية إلى أقصى حد.كان على مبعدة خطوة من الانتحار في ذلك العام الرهيب بالنسبة له: مرضه، الضعف الذي دب إليه بسبب أمراضه، وأخيراً استسلامه وخضوعه لضغط السلطة، كلها عوامل فجرت في دواخله ما دعاه لكتابة هذه الرباعية التي تعد جوهرة في فن الرباعية الوترية، بشحنة لا تصدق من العواطف. فقد أسرت الجمهور أثناء عرضها الأول في خريف نفس العام بالموجة الكاسحة من العواطف التي تضمنتها. ومثلما خبأ عواطفه التي بلورت خوفه من الاعتقال والاعدام في 1948 في مارش الجنازة لفيلم "الحرس الفتي"، أخفى مشاعره المريرة التي تفاقمت في 1960 على شكل رموز واقتباسات لحنية في هذه الرباعية.تعتبر الرباعية سيرة ذاتية استعمل فيها توقيعه الموسيقي: ره، مي بيمول، دو، سي (D,Es,C,H) وهو لحن كئيب ابتدأت به وتكرر استعماله، وهو اللحن الأساسي للجزء السريع من الحركة الثالثة. وسبق له استعمال هذا التوقيع في السيمفونيات العاشرة والخامسة عشرة، وكونشرتو التشلو رقم 1 وغيرها من الأعمال، لكن ليس بكثافة استعماله في هذه الرباعية. كما استعمل ألحاناً من أعماله التي منعتها السلطات الستالينية مثل اوبراه ليدي ماكبث، وتعدى الاقتباس الذاتي ليقتبس جملاً لحنية من فاغنر (غسق الآلهة) وتشايكوفسكي (السيمفونية السادسة). تتألف الرباعية من خمس حركات متصلة، دون وقفات، ويستغرق تقديمها 20 دقيقة.رباعي بورودين في تسجيل يعود إلى 1987:إلى اللقاء الاسبوع المقبل
يستعمل الموسيقيون شوكة رنانة للحصول على صوت نغمة ليستعملوه في نصب (دوزنة) الأدوات الموسيقية. والتردد الذي تصدره هذه الشوكة هو 440 هرتس (ذبذبة في الثانية). لكن تثبيت تردد صوت نغمة لا على 440 هرتس لم يتم إلا في سنة 1953. ففي السابق كان الموسيقيون يستعملون طبقة صوت محددة في كل منطقة، واختلفت هذه من مكان لآخر، وتغيرت كذلك حتى في نفس المنطقة بمرور الزمن.
ومع تزايد العلاقات بين الموسيقيين في القرن السابع عشر وانتقالهم للعمل أو الدراسة في بلدان اخرى، ظهرت مشكلة الاختلاف في الدوزان للعيان. فكان الموسيقيون في ايطاليا مثلا يدوزنون أدواتهم على تردد 465 هرتس، للحصول على صوت قوي وبرّاق. أما أقرانهم في فرنسا فدوزنوا أدواتهم على تردد واطيء هو 415 هرتس.
وعندما استقدم الألمان موسيقيين من ايطاليا لتقديم الموسيقى الكنسية دخل معهم تردد 465 هرتس العالي، لكن مع قدوم الأدوات الموسيقية الفرنسية ظهر الفارق جلياً، لكن الألمان بطبيعتهم العملية حلوا التناقض باستعمال الترددين، اطلقوا على التردد العالي اسم "صوت الكورس Chorton" للاستعمال في الكنيسة، وعلى الثاني "صوت موسيقى الحجرة Kammerton".
علاوة على ذلك كانت الأدوات المختلفة تدوزن بما يوافق صوتها، وبما يود المؤلف أو العازف الوصول اليه من تأثير. فكان الفرنسيون يدوزنون الفلوت على طبقة واطئة في 395 هرتس أحياناً للحصول على صوت عميق رخيم، أما باغانيني عبقري الكمان فكان ينصب أوتار كمانه بنصف صوت أعلى من المعتاد للحصول على صوت رنان وقوي (وكانت الأوتار تصنع من أمعاء الحيوانات في ذلك الوقت، قبل أن يجري استعمال الأوتار المعدنية لاحقاً). في القرن التاسع عشر، وبظهور قاعات الموسيقى والأوبرا الضخمة، باتت الحاجة لتقوية الصوت بشكل كبير، وكان الحل في الارتفاع بالتردد أعلى فأعلى فوصل حد 450 هرتس.
لكن العقبة الأساسية أمام الاستمرار في الارتفاع بالتردد كانت حناجر المغنين التي لا يمكن تغيير دوزانها مثل وتر الكمان. لذلك بدا الموسيقيون يميلون لتثبيت تردد صوت لا على 440 هرتس، وأقروا ذلك لاحقاً. ومع ذلك، مع تزايد الموسيقيين الذين تخصصوا في تقديم الموسيقى القديمة على الأدوات الأصلية وباتباع التقنية القديمة، أخذ عدد منهم استعمال تردد 415 هرتس المميز لعصر الباروك، وتردد 430 هرتس لتقديم الموسيقى الكلاسيكية (هايدن وموتسارت) عندما نبذوا الاسلوب الرومانتيكي في تقديم أعمال عصري الباروك والكلاسيكي.
×××××××××
هذا تسجيل مناسب لتوضيح ما قلته أعلاه، فقد قدم العازف شاكون من بارتيتا الكمان لباخ موزعة للتقديم على الكيتار بأربعة دوزانات هي 432 القريب من التردد الكلاسيكي، و415 الباروكي، و440 القياسي المعاصر، وبتردد أعلى هو 445 هرتس. انتبهوا إلى تغير طعم هذه القطعة الموسيقية الرائعة مع كل تغيير في الدوزان.
http://www.youtube.com/watch?v=Ts8RhA5j2do
لملاحظة الفرق هذه كيارا بانكيني قائدة فرقة اسمها يحتوي على الرقم 415 دلالة على التردد الأشهر في عصر الباروك، انسمبل415 مع فيفالدي وسوناتا على لحن الورقة الاسباني الشهير(اعلن عن حل الفرقة في 2012):
http://www.youtube.com/watch?v=lz2rhu-0Mmg
نفس السوناتا تقدمها فرقة Sonatori de la Gioiosa Marca لكن بالتردد القياسي الحديث.
http://www.youtube.com/watch?v=ES3sJy-IPdI
توفي بيتهوفن يوم 26 آذار 1827 في فيينا، بعد أن اشتد عليه مرضه ودفن فيها في مراسيم مهيبة بحضور جمهور كبير. كان بيتهوفن قد فقد سمعه تماماً منذ سنوات، ومع ذلك استمر في التأليف الموسيقي، وسطر لنا أعظم أعماله، مثل سيمفونيته التاسعة التي اختتمها بنشيد الفرح من شعر فريدريش شيلر، والذي أصبح النشيد الرسمي للاتحاد الأوروبي اليوم. انتهى من تأليف رائعه هذه في 1824. من أعماله الخالدة التي ألفها في أواخر سني حياته كذلك مجموعة من الرباعيات الوترية البديعة، بينها رقم 14
(Opus 131) في دو دييز الصغير
أو رقم 15 في لا الصغير (Opus 132)، أو الفوغا الكبيرة (Opus 133):
تحل هذا العام الذكرى المئوية الثانية لولادة الموسيقي الألماني ريشارد فاغنر (22 أيار/مايو). يعتبر فاغنر من الشخصيات الموسيقية المؤثرة والمثيرة للجدل لربما حتى اليوم. فقد عُدّ بين أهم المؤلفين في الفترة الرومنطيقية وساهم في تطور الاوبرا في شكل ملحوظ بفضل عدد من الأفكار الجديدة والابتكارات الذكية، خصوصاً التعامل مع الاوبرا كفن موسيقي غنائي مسرحي متكامل، حيث يبدأ العمل منذ ولادة النص الشعري مروراً بالتلحين حتى الاخراج المسرحي. وتوكيداً على ذلك، أطلق فاغنر على أعماله الاوبرالية صفة دراما موسيقية، وهو أمر مفهوم بعد أن أمضى طفولته برعاية زوج امه الذي كان ممثلاً مسرحياً، فتعرف ريشارد الصغير على كل أسرار المسرح مبكراً، علاوة على عشقه الأدب وخصوصاً الأدب الدرامي أيام صباه. وقام فاغنر بكتابة أفكاره عن الموسيقى وعلاقتها بباقي الفنون، وعلاقة الفنون بالمجتمع والسياسة. وانغمس في هذا النشاط حتى بدأ بالتنظير، وكان ينشط في الكتابة عن هذه المواضيع، إلى الحد الذي دفعه إلى صوغ نظرية عن الدراما الموسيقية، لم يطبقها أحد سواه.
تميزت موسيقى فاغنر بالتوزيع الاوركسترالي المتقن والجرأة في البناء الهارموني، واستعماله الطليعي للتلوين الموسيقي (الكروماتية) والانتقالات المثيرة بين المراكز النغمية. وكان تأثيره في أجيال الموسيقيين واضحاً، فمن دونه لكانت موسيقى سيزار فرانك وكلود ديبوسي وريشارد شتراوس وحتى غوستاف مالر أقل قيمة. وتعدى تأثيره الموسيقى إلى باقي الفنون، مثل الأدب والفن التشكيلي. وكان توماس مان وغيره من الكتاب مثل مارسيل بروست وجيمس جويس وتي أس أليوت قد تأثروا بفاغنر وأعماله في أدبهم. فوق ذلك يحسب لفاغنر دوره في تشكيل فن قيادة الاوركسترا الحديث، فهو كان يقود أعماله بنفسه غالباً. وقد كتب دراسة عن فن قيادة الاوركسترا (1869). وكان مع مؤيده هانس فون بيلو من قادة الاوركسترا الذين ألهموا من جاء بعدهم، مثل غوستاف مالر ولاحقاً فلهلم فورتفينغلر.
توجه فاغنر لينهل من الأساطير الجرمانية التيوتونية القديمة، فسار في مقدمة التيار الذي أحيا الأساطير الجرمانية ليستثمرها في تعزيز الشعور القومي الألماني قبل قيام ألمانيا الموحدة وبعدها، وهي عملية أفلتت لاحقاً لتصب في طاحونة النازية وهتلر الذي اعتبر فاغنر مؤلفه الموسيقي المفضل. موسيقى فاغنر كانت المثال الأسطع للموسيقى القومية الألمانية عندهم، موسيقى «نظيفة» من تأثيرات العناصر غير الآرية التي حاربوها بعنف. وتجلى هذا النهج بعد 1933 في شكل واضح في قصة فرقة برلين الفيلهارمونية. فقد حظروا عليها بعد إلحاقها بوزارة الدعاية التي تزعمها غوبلز تقديم أعمال الموسيقيين غير الآريين، منهم فيلكس مندلسون-بارتولدي أحد أعظم الموسيقيين الألمان في القرن التاسع عشر، وأعمال موسيقيين آخرين، مثل غوستاف مالر الذي كان بين أفضل قادة الاوركسترا الذين قدموا أعمال فاغنر. «نظفوا» الفرقة كذلك من اليهود، فخسرت عدداً من ألمع العازفين، بينهم عازف التشلو يوزف شوستر الذي هاجر الى الولايات المتحدة وأصبح أحد أفضل العازفين وقتها، وعازف الكمان الأول (كونسرت ماستر) البولوني شيمون غولدبرغ، على رغم محاولات قائد الفرقة فيلهلم فورتفينغلر عمل المستحيل من أجل حماية العازفين اليهود.
فاغنر المولود في حي لليهود في مدينة لايبتسغ، والذي تبناه ممثل يهودي بعد وفاة أبيه وحمل اسمه فترة، كان معادياً لليهود وأصبح عنصرياً في شكل صريح في أواخر سنواته بتأثير أفكار مجايله الكاتب الفرنسي العنصري آرتور دو غوبينو صاحب فكرة العرق الآري السائد. في الحقيقة، لم تكن معاداة اليهود وليدة ساعتها، وليست من ابتكار النازيين، بل كانت موجودة وبقوة على الدوام بسبب التعصب الديني والجهل. وتاريخ العصور الوسطى يعج بأمثلة عن مذابح اليهود. وكثيراً ما حدثت هذه المجازر بعد تفشي الطاعون، لاعتقاد المؤمنين بأن وجود اليهود قتلة المسيح بينهم هو سبب هذا الوباء الذي سلّطه عليهم الرب. واذا استبدلنا التعصب الديني المقرون بالجهل بالتعصب القومي المقرون بالجهل فلن نصل إلى نتيجة مغايرة. لكن بفضل التطور الاجتماعي والسياسي في اوروبا الصناعية، كانت معاداة اليهود في القرن التاسع عشر تعتبر أمراً شخصياً على رغم انتشارها، من المخجل اظهاره في العلن. ألا أن فاغنر أثار ردوداً قوية بتأليفه كتاباً بعنوان «اليهود في الموسيقى» في 1850، فهذا اعتبره معاصروه خروجاً عن المعتاد في السلوك الاجتماعي. وعلى العموم، كان فاغنر شخصية إشكالية على الدوام، وتجلى ذلك في شكل واضح في علاقاته العاطفية العاصفة والفضائحية، وفي هروبه الدائم من دائنيه قبل أن يستقر به الحال نسبياً بعد لقائه بالملك لودفيغ الثاني ملك بافاريا والدعم السخي الذي قدمه له هذا الملك الشاب المخبول، واقترانه بكوزيما ابنة فرانس ليست، التي تركت زوجها وصديق فاغنر وأهم مؤيديه هانس فون بيلو من أجله على رغم فارق السن بينهما. هذا دعا فون بيلو إلى ترك فاغنر والانضمام إلى معسكر خصمه الموسيقار الألماني الكبير يوهانس برامز.
أدى استعمال النازية لموسيقى فاغنر في الدعاية في شكل كثيف إلى رد فعل قوي تجاه هذا الموسيقار وأعماله في أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد تجنبت الدول الاشتراكية السابقة تقديم أعماله في البداية، قبل أن تهدأ العواطف في الصدور في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لأن فاغنر، على رغم عنصريته ومعاداته لليهود، ليس مسؤولاً عن النازية وجرائمها. فبدأت أعماله تعود إلى دور الاوبرا. وكنت أحضر بعض درامات فاغنر في دار الاوبرا المجرية في بودابست في الثمانينات، وقد ترجم النص إلى اللغة المجرية مما أخل بالعمل الأصلي. وكان مالر أثناء عمله في قيادة دار الاوبرا في بودابست بين 1888-1891 يرفض تقديم الأعمال بغير اللغة الأصلية، بسبب الترابط بين النص والموسيقى، وهو ترابط شديد في أعمال فاغنر الذي أولى النص الشعري أهمية فائقة، وكان يكتب نصوص أعماله بنفسه. كما حالفني الحظ عند زيارتي برلين الشرقية صيف عام 1980، فقد سنحت لي الفرصة لحضور دراما بارسيفال في الاوبرا الحكومية (اوبرا ليندن) بقيادة اوتمار زويتنر. أما في اسرائيل فلا يزال فاغنر وأعماله من المحظورات حتى اليوم بسبب آرائه المعادية لليهود وارتباط موسيقاه بالرايخ الثالث، وبسبب ما يقال عن بث تسجيلات أعماله في مكبرات الصوت في بعض معسكرات الاعتقال (وإذا ما بثوا بدلها موسيقى باخ أو هندل، هل سيفرضون الحظر على موسيقى الرجلين؟). وقد أثار تقديم المايسترو دانيل بارنبويم أعماله هناك قبل سنوات قليلة عاصفة شديدة من النقد واتهمه المتشددون بخيانة ضحايا الهولوكوست ودعوا إلى سحب جائزة اسرائيل منه.
كلام توماس مان عام 1940 عن فاغنر هو الأفضل تعبيراً عن الدور المتناقض الذي لعبه هذا الموسيقار» حتى هذا اليوم ترتعد أعماقي تأثراً عندما تسمع أذناي ولو فقرة واحدة من موسيقى فاغنر. ألا أن فنّه لم يكن إلا المقدمة الروحية لهذه الحركة عابرة السياسة التي تهدد العالم اليوم بإرهابها. إنها هذه الحركة بالذات التي يجب قهرها إذا ما أردنا لأوروبا أن تعيش عصراً جديداً حقيقياً».
في المقابل، فاغنر نفسه كان يعاني هذا الانفصام، فكان معجباً بمندلسون وكارهاً له. تذكر عنه كوزيما في مذكراتها في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1869 «تكلمنا ريشارد وأنا عن مندلسون. ذكرنا الكريستال؛ افتتاحية الهبريدز نقية، ملساء، لكنها باردة... كم هي مخيفة هذه الموهبة الهائلة، مثل موهبة مندلسون؛ لا مكان لها على الاطلاق في تطورنا الموسيقي». وبعد اسبوع كتبت أن «فاغنر كان يقرأ في المساء مجلداً لهاينه. وكان كالعادة، عبقرياً لا يمكن مقارنة أحد به... ومقززاً جداً».
جرى اللجوء إلى فاغنر في السينما في شكل متكرر بسبب الشحنة الدرامية العالية لأعماله، فهي تستعمل كموسيقى تصويرية لما تمتلكه من تأثيرات قوية في العواطف بسبب ما يميز موسيقى فاغنر. من أبرز الأمثلة استعمال فرانسيس كوبولا مشهد مسير الفالكيريات (مطلع الفصل الثالث) من دراما الفالكيريات ثاني حلقات رباعية النـيـبـلوغ في فيـلم «القيامة الآن»، وهو مشهد لا يُنسى، يصور قصف الطائرات السمتية الأميركية قرى فيتنام مع هذه الخلفية الموسيقية الرهيبة. واستعمل والت دزني مشهد تشييع جنازة زيغفريد في دراما غسق الآلهة (الحلقة الأخيرة من رباعية النيبلونغ) في تصوير مشهد داكن وشرير من فيلمه فانتازيا (1940)، وقد فاز الفيلم بجوائز اوسكار، منها جائزة خاصة للموسيقى التي قاد تسجيلها المايسترو ليوبولد ستوكوفسكي.
شرعت في كانون الأول 1910 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.
ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.
والموسيقى التي أتناولها ليست أوروبية بالضرورة، فقد تناولت بالتحليل كذلك بعض الظواهر الموسيقية الشرقية (التركية والعربية) وموسيقى بعض الشعوب، كما تطرقت بإيجاز إلى العلاقة بين الموسيقى العربية والأوروبية. وتحدثت عن بعض الفنانين المعاصرين المتميزين من الأوروبيين والمشرقيين، وأوليت عناية خاصة بموضوع الموسيقى والمرأة، فهناك العشرات والمئات من المؤلفات الموسيقيات اللائي اهملن عمداً لا لضعف أعمالهن، بل لكونهن نسوة لا غير. مؤلفات عظيمات منسيات فاقت أعمالهن جودة أعمال الكثير من الموسيقيين المشهورين من الرجال، وبعشرات المرات. فمن الاجحاف إهمال موسيقية مثل فاني مندلسون أو كلارا شومان.
المادة الأساسية في الموسيقى هي الصوت: وهو ظاهرة فيزيائية تحدث عند اهتزاز الأجسام فيصدر من اهتزازها أمواج لها تردد معين تستطيع الاذن البشرية تمييزه وسماعه. ويتراوح تردد الأصوات التي يسمعها الانسان بين 20 و20000 هرتس (ذبذبة في الثانية). والموسيقى ظاهرة ذات بعدين، بعدها الأول تردد الصوت (عالي أو واطئ)، وبعدها الثاني هو الزمن، أو المدة التي يستغرقها هذا التردد المعين. بالتالي الموسيقى هي سلسلة من أصوات تختلف في التردد تصدر في فترة زمنية محددة.
والموسيقى مثل اللغة التي تعتمد هي الاخرى على الأصوات. لهذا لا نعجب لو نعلم أن المراكز المسؤولة عن التعامل مع الظواهر اللغوية في الدماغ البشري هي نفس المناطق المسؤولة عن الحس الموسيقي والتمتع بها. ولعل هذه الحقيقة تفسر لنا مدى الترابط العجيب بين الشعر والموسيقى.
في التذوق الموسيقي هناك بعض الاساسيات الموسيقية التي لا غنى عن معرفتها. فالمعرفة البسيطة عن السلم الموسيقي والمراكز النغمية مثلاً أمر ضروري. وهذه المراكز هي النغمة الأساس، النغمتان التامتان، الرابعة والخامسة، وتسمى الخامسة كذلك بالمسيطرة، لتأثيرها القوي وسيطرتها النغمية. تلي هذه في الأهمية النغمتان الثالثتان، الصغيرة والكبيرة، وقد برزت أهميتهما في مرحلة لاحقة من تطور الموسيقى. وتبرز كذلك النغمة السابعة في السلم (وهي النغمة المؤدية إلى الجواب). وعندما نؤدي مثلاً النغمة الأساس والثالثة (الصغيرة أو الكبيرة)، والخامسة، في وقت واحد، ستحصل على ما يسمى بلغة أهل الموسيقى الترياد Triad، وهو حجر الزاوية في البناء الهارموني.
كل أنواع الموسيقى في العالم تخضع لهذه الاسس النظرية الموسيقية. فحتى المقام بأقسامه (التحرير والميانة والتسليم) يخضع لهذه الاسس، فالمقام يبدأ بالنغمة الأساس، ومنها ينتقل المركز النغمي على سبيل المثال إلى النغمة الخامسة (المسيطرة)، ويجري التسليم بالعودة إلى النغمة الأساس أو الصعود إلى طبقة الجواب. ولا بأس من التعرف على مبادئ التآلف الموسيقي (الهارموني) والانسجام أو التنافر بين الأصوات، والاطلاع على الأشكال الموسيقية، وكذلك على الأدوات الموسيقية. لكني لم أتطرق في كتاباتي إلى نظرية الموسيقى إلا عرضاً، إذ لم يكن هذا هدفي، فهناك بعض الكتب المتخصصة التي تقدم النظرية بشكل علمي وصحيح.
بدأ غوبلز بتحويل فرقة برلين الفيلهارمونية الأهلية الشهيرة التي تأسست في 1882 إلى أحد أجهزة الدعاية النازية فور سيطرة هتلر على السلطة في 1933. فجرى تأميمها ودفع قيمة الأسهم لمالكيها، بعد أن تقرر تحويلها إلى فرقة حكومية. الخطوة الاولى التي قام بها غوبلز هي منع تقديم الأعمال الموسيقية التي ألفها موسيقيون لا ينتمون للعرق الآري. وقد مُنعت الفرقة من تقديم أعمال أحد أعظم الموسيقيين الألمان، وهو فيلكس مندلسون-بارتولدي، وأعمال موسيقيين آخرين، مثل كرايسلر الذي وضع كادنسات لأشهر كونشرتات الكمان. الخطوة الثانية كانت "تنظيف" الفرقة من اليهود، فخسرت عدداً من ألمع العازفين، بينهم عازف التشلو يوزف شوستر الذي هاجر الى الولايات المتحدة وأصبح أحد أفضل العازفين وقتها، أو عازف الكمان الأول (كونسرت ماستر) البولوني شيمون غولدبرغ ، بالرغم من محاولات قائد الفرقة فورتفينغلر لعمل المستحيل من أجل حماية العازفين اليهود. بذلك أصبحت فرقة برلين الفيلهارمونية تكنى اوركسترا الرايخ الثالث. واعفي أعضاء الفرقة من الخدمة العسكرية والمدنية، وقدمت الفرقة حفلاتها حتى آخر أيام الحرب في برلين التي مزقتها قنابل الأمريكان والبريطانيين، ودمرت معارك الشوارع مع تقدم الجيش السوفيتي ما تبقى منها.
لكن هل كانت اوركسترا برلين الفيلهارمونية فرقة نازية؟ من الصعب الاجابة بنعم. فقد كان عدد أعضاء الحزب القومي الاشتراكي الألماني فيها يعد على أصابع اليد الواحدة. لم تكن الفرقة تقدم أعمال مندلسون، وأكثرت من تقديم أعمال فاغنر، الموسيقار المفضل لدى هتلر، واستغل غوبلز الفرقة لأغراض دعائية، هذا صحيح. وكانت تقدم سيمفونية بيتهوفن التاسعة في الحفلات الموسيقية في المناسبات النازية مثل يوم ميلاد الفورر، وقدمت كذلك الحفلات الموسيقية في البلدان المحتلة.
بعد انتهاء الحرب قررت الفرقة طرد أعضاء الحزب النازي من صفوفها، لكن فقط اولئك الذين كانوا نازيين بالفعل طردوا، ولم يطرد الذين كان تعاملهم طبيعياً ولم يسببوا مشاكل للآخرين. وقادها موسيقي روماني شاب هو سرجيو تشليبيداتشه وأثبت جدارته بفعل نشاطه وحيويته. أما قائد الاوركسترا فلهلم فورتفينغلر الذي قادها منذ 1923 فقد مر بعملية "انتزاع النازية" في 1946، وعاد لقيادة الفرقة في 1952 حتى وفاته في 1954.
تجاوزت هذه الفرقة التي كانت تسمى يوما فرقة الرايخ تلك المرحلة السوداء سريعاً، وهي تعد اليوم الثالثة بين أفضل عشرة فرق أوروبية، بعد فرقة فيينا الفيلهارمونية وفرقة كونسرتخباو الملكية الهولندية. وقادها بعد فورتفينغلر أشهر قادة الاوركسترا مثل النمساوي هربرت فون كارايان (1954-1989) والايطالي كلاوديو أبادو (1989-2002)، ويقودها الآن الانكليزي سير سايمون راتل.
هذا المايسترو دانيل بارنبويم يقود اوركسترا برلين الفيلهارموية يقدم كونشرتو الكمان في ري الكبير لبرامز، مع عازف الكمان اسحق برلمان.
إلى اللقاء السبت المقبل
ألف الاسباني فرانثسكو تارّيـگـا هذا العمل الجميل والشهير سنة 1896 والذي ارتبط بتراث العرب في الاندلس، وهو موضوع اهتم به. فقد ألف بعض الأعمال ذات الصلة مثل الكابريس العربي والرقصة المغربية (الموريسكية). ولد في بيلاريال في مقاطعة كاستلون (قشتالة لدى الأندلسيين) القريبة من بالنثيا وبرشلونه سنة 1852. فقد بصره في صغره، وتعلم العزف على الـگـيتار والبيانو، حتى حل به المطاف في كونسرفاتوار مدريد سنة 1874 حيث درس التأليف الموسيقي والعزف على الـگـيتار . برع في العزف حتى أصبح يكنّى بساراساته الـگـيتار (نسبة إلى پابلو ساراساته عازف الكمان الماهر الذي حدثتكم عنه الاسبوع الماضي).
من مؤلفات تارّيـگـا التي يبلغ عدد 78 مؤلف نجد الفالس الكبير الذي اقتبست شركة نوكيا للتلفونات منه شارتها المعروفة. قام تارّيـگـا كذلك بتوزيع نحو 120 عمل موسيقي لأداة الـگـيتار، بينها أعمال لبيتهوفن وپاگانيني.
هذا آندرس سيـگـوبيا يعزف ذكريات قصر الحمراء:
http://www.youtube.com/watch?v=sdaPoUNk5R8
العازف آندرس سيـگـوبيا تورَّس 1893-1987 من أشهر عازفي الـگـيتار الكلاسيكي في القرن العشرين.
عازف البيانو المبدع والمؤلف الموسيقي التركي فاضل صاي من نجوم الموسيقى العالمية، إذ بدأت شهرته في النصف الأول من التسعينات، وكان يدرس في كونسرفاتوار برلين آنئذ. ولد فاضل صاي في انقرة في العام 1970، درس في كونسرفاتوار انقرة قبل أن يحصل على منحة دراسية إلى ألمانيا حيث درس البيانو في دوسلدورف. ومنذ ذلك الوقت قدم صاي حفلات في أشهر قاعات الموسيقى في الكثير من البلدان، وهو يقدم جواهر الموسيقى العالمية عزفاً على البيانو بمفرده أو مع الفرق الشهيرة. بدأ بالتأليف الموسيقي مبكراً، وأثار عمله للبيانو الأرض السوداء اهتماماً عالميا واسعا في 1997. لكنه لم يؤلف للبيانو فقط، بل ألف لفرق الحجرة وللاوركسترا، كما امتد نشاطه ليصل الجاز عزفاً وتأليفاً. نهل من الموسيقى التركية الكلاسيكية الرائعة واستعملها في اعماله التي تسود روح الشرق مواضيعها. سيمفونيته الاولى بعنوان اسطنبول (Opus 28) الفها سنة 2009، تلتها سيمفونية ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين) (Opus 38) التي قدمت في حزيران 2012، وقدم سيمفونيته الثالثة المعنونة الدنيا أو العالم (Opus 43) قبل شهر ونصف الشهر في مدينة زالتسبورغ النمساوية. ولديه الكثير من الأعمال المتنوعة الاخرى.
تتناول سيمفونيته ميزوبوتاميا العصر الحاضر، دون أن تنسى السومريين والبابليين والآشوريين والحضارات المتتالية. أحد مواضيعها الرئيسية الحرب (الحركة التاسعة) وله ارتباط بعنوان الحركة الثالثة وهو عن الثقافة والموت، وهو موضوع له حضوره الطاغي إذ تعيش بلادنا الحرب والموت منذ أكثر من ثلاثين سنة. وتصف الحركة الثانية سير نهر دجلة بين الجبال، والثامنة نهر الفرات بعنفوانه وقوته. الموضوع الآخر هو الشمس والقمر، فقد عبدهما الانسان في العراق القديم. يصف فاضل صاي الشمس مانحة الدفء ةالحياة، أما القمر فرغم رومانتيكيته فهوغامض ومخيف. الحركة الأخيرة، العاشرة، عنوانها انشودة ميزوبوتاميا، غنائية نوعاً ما وفيها موتيفات عن سير دجلة والفرات، لكنهما حال ما يلتقيان، تعود موضوعة الحرب الموت، ويعود القمر والشمس إلى الواجهة. أنها أشبه بخاتمة التفاعل بين موضوعات هذه السيمفونية. والحرب – حسب تعبير فاضل صاي – قاسية وليس لها معنى.
هذه مقابلة مع فاضل صاي يتحدث فيها عن سيمفونية ميزوبوتاميا قبل اتمامها:
http://www.youtube.com/watch?v=UlW-8ApO4dk
وهذه مقاطع من السيمفونية أثناء التدريبات:
http://www.youtube.com/watch?v=paG__3FBLzI
اليكم شاكون باخ في ري الصغير عمل رقم 1006، بتوزيع الايطالي فروتشيو بوزوني على البيانو، من اداء فاضل صاي:
http://www.youtube.com/watch?v=9Y_1zKpgQM0&feature=fvst
عنوان غريب، لكنه حقيقي. الفلم الذي اخترته لكم اليوم يحكي قصة رجل خارق، نعم: سوبرمان. رجل أبوه نبيل فرنسي وامه من عبيد فرنسا في الكاريبي، أصبح نبيلاً قبيل الثورة الفرنسية بفضل قدراته الخارقة في الموسيقى والمبارزة. أصبح فارساً عن جدارة، واستحق لقب موتسارت الاسود لبراعته في الموسيقى والتأليف والعزف على الكمان. كان بطلاً من أبطال فرنسا في المبارزة، وعمل منذ شبابه في منصب عسكري هام في مكتب الفرسان وصفته مستشار الملك، وقد خدم في هذا المنصب لمدة أحد عشر عاماً، وحصل بذلك على لقب فارس وأصبح من النبلاء. أصبح جنرالاً في جيش الثورة الفرنسية وقاد فيلقاً تشكل من العبيد السابقين المعتوقين، ثم توسع لاحقاً وغدا يسمى باسمه: فيلق سنت-جورج. أفشل واحدة من أخطر المؤامرات على الثورة الفرنسية حاكها النبلاء والجيش النمساوي الذين خططوا لاحتلال مدينة ليل وإعلان ابن لويس السادس عشر ملكاً. جزاؤه كان الرمي في السجن بتهم ملفقة حيث أمضى سنة، اخلي سبيله بعدها، ثم نسته الثورة التي أكلت أولادها.
أصبح قائد فرقة اللوج الاولمبي (كونسيير دو لا لوغ اوليمبيك) أفضل وأكبر اوركسترا في فرنسا في ذلك الوقت، وهو الذي قاد هذه الاوركسترا في العزف الأول لسيمفونيات هايدن الباريسية الست بنجاح كبير. كاد أن يصبح مدير دار الأوبرا الباريسية، هذه المرة لم تتحمل فرنسا رؤية ابن الزنجية في هذا المنصب الرفيع.
أتمنى لكم وقتاً ممتعا مع الفلم الذي يروي قصة هذا الموسيقار المنسي، مع موسيقى الفارس جوزف بولون دو سنت-جورج (1745-1799) تقدمها لكم فرقة تافل موزيك الكندية الشهيرة التي تقودها جين ليمون:
http://www.youtube.com/watch?v=vILAgsHUlt8&feature=relmfu
http://www.youtube.com/watch?v=ZSsbCLZXPDA&feature=relmfu
http://www.youtube.com/watch?v=3mSHwrY1Yx8&feature=relmfu
http://www.youtube.com/watch?v=bKE6s-D7xsc&feature=relmfu
http://www.youtube.com/watch?v=nJ1SoM7BRXY&feature=relmfu
للمزيد عن هذه الشخصية الفذة هذه مقالتي في صحيفة الحياة التي نشرت يوم 11 كانون الأول على ملحق آفاق
http://alhayat.com/Details/460735
إلى اللقاء في الحلقات القادمة مع مفاجآت موسيقية جديدة
كانت اسبانيا عرضة لتأثيرات موسيقية متعددة، ساهمت في تشكيل هويتها الموسيقية. فالحديث عن التأثيرات الأندلسية (والعربية عموما)، والسفاردية (اليهودية الشرقية) يطول. نضف إلى هذه التأثيرات ما جاء عبر المحيط من أمريكا الجنوبية التي استعمر الاسبان الكثير من أراضيها. كل هذه التأثيرات انصهرت مع التقاليد الموسيقية الأوروبية وأعطت الموسيقى الاسبانية طابعها المميز. وهذا لا ينطبق على الموسيقى الشعبية لوحدها، بل كذلك على الموسيقى المكتوبة (أي التي يؤلفها المؤلف الموسيقي).
لو نأخذ مثلاُ مقطوعة فاندانغو المعروفة التی تنسب للموسيقي الاسباني انتونيو سولير (1729-1783)، سنحس فيها بروحية الموسيقى الاسبانية التي لا تزال موسيقى الفلامنغو تحتفظ بها:
http://www.youtube.com/watch?v=FYv32iVSajk
ويعد سولير من الموسيقيين البارعين في تأليف سوناتات ادوات المفاتيح (الهارپسيكورد أو الچمبالو أو الكلافسان)، وأرى أنه تأثر كثيراً بسوناتات الايطالي دومينيكو سكارلاتّي (1685-1757) الذي عاش في اشبيلية لأربع سنين حيث تعرف على موسيقى الفلامنكو، ثم أمضى باقي حياته في مدريد حيث توفي.
ولازالة الفوارق بين موسيقى العصور المتأخرة والموسيقى الشعبية، عمدت فرقة لاربيجياتا إلى استعمال أدوات مثل العود والسنطور والهارپ اللاتيني وبعض الأدوات القديمة لتقديم مختلف الأعمال من عصر النهضة حتى القرن العشرين. هذه الفرقة أسستها قبل أكثر من عقد من السنين عازفة التيوربا النمساوية كريستينا پلوهار (والتيوربا أداة وترية تطورت عن العود)، وتنشط في فرنسا. ولو نستمع مثلاً إلى اسلوب تقديمها اغنية "لا پاساكاليا دلاّ فيتا" من مؤلفات ستيفانو لاندي الذي عاش بين 1587-1639، أي في مطلع عصر الباروك، سنتذكر على الفور موسيقى امريكا اللاتينية التي نسمعها اليوم:
http://www.youtube.com/watch?v=YjzAi9f9PM0
وللمزيد اليكم حفلة قدمتها الفرقة في باريس قبل عام من الآن لأجمل ما في التراث الموسيقي لقارة أمريكا الجنوبية، بمشاركة عدد من المغنين المعروفين. أتمنى لكم وقتا بهيجاً مع هذا المزيج من الموسيقى الاسبانية – البرتغالية – اللاتينية بتقديم فرقة مقتدرة ومغنين بارعين:
http://www.youtube.com/watch?v=zra1BvTAciU
إلى اللقاء السبت القادم
مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح
شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.
ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.